لجأ إليها الرعية كمكان سام للعبادة والخشوع، لكنها أيضاً، كانت مسرحاً للتغييرات الفنية والهندسية (أ ف ب) ثقافة و فنون “نوتردام باريس”: تحفة معمارية من فرنسا لكل العالم by admin 7 ديسمبر، 2024 written by admin 7 ديسمبر، 2024 24 الكاتدرائية طوال قرون كانت مسرحاً لتغييرات فنية وسياسية وشهدت إبداع البشر وقسوتهم اندبندنت عربية / رضاب نهار على كتف الزمان تغفو كاتدرائية “نوتردام دو باريس”، قطعة من تاريخ وحجارة وروح، وكأنها تروي لنا حكاية من الشغف والخشوع، تشهد عليها سماء العاصمة الفرنسية. فمتى وكيف وضع الحجر الأول؟ في مطلع القرن الـ12 رسخت باريس مكانتها كمركز ثقافي وفكري بالنسبة لكل الأوروبيين تقريباً، ما تطلب فضاء دينياً مهيباً، ليكون مركز مسيحيي أوروبا، وتحديداً للملوك والنبلاء منهم. هذا بالضبط ما أصر عليه الأسقف موريس دو سولي، الذي كان قريباً من العائلة المالكة ويستحوذ على ثقتها. وفي لقاء له مع الملك لويس السابع، اقترح بناء كاتدرائية ضخمة تعزز روح باريس الجديدة، وتعمل كمركز رعوي ديني لكل فرنسا. وفي قلب باريس التاريخي، في جزيرة إيل دولا سيتييه على نهر السين، بدأت الخطوة الأولى من المشروع، فهدم الفرنسيون عدداً من المنازل وشقوا طريقاً لنقل مواد البناء اللازمة بالتنسيق مع أفضل مهندسي تلك الفترة. وضع حجر الأساس للكاتدرائية عام 1163 بحضور البابا ألكسندر الثالث. وصمم المبنى بأبعاد استثنائية: طوله 127 متراً، وعرضه 40 متراً وارتفاعه 33 متراً. فكان نموذجاً فريداً من الفن القوطي ومن روائع الأعمال الفرنسية المعمارية. اقترح أسقف باريس على العائلة المالكة بناء كاتدرائية ضخمة تعزز روح باريس الجديدة، وتعمل كمركز رعوي ديني لكل فرنسا (أ ف ب) تغييرات فنية وسياسية نوتردام، وبمعناها باللغة الفرنسية “سيدتنا العذراء”، كاتدرائية كاثوليكية ومقر أبرشية باريس. لجأ إليها الرعية كمكان سام للعبادة والخشوع، لكنها أيضاً، كانت مسرحاً للتغييرات الفنية والهندسية، تتوسع وتتغير مع تبدل الأذواق وتطورها. وعلى رغم أن عديداً من أجزائها استكملت في عام 1345، لم تنتهِ أعمال التجديدات والإضافات فيها، ولا في يوم من الأيام. ولم تكن هذه الكاتدرائية العظيمة بمعزل أبداً عن أحوال السياسة وتجاذباتها، إذ شهدت عديداً من الأحداث المهمة في تاريخ الأمة الفرنسية، وصدرت منها القرارات حين كانت الكنيسة تعلو هرم السلطة في فرنسا. لم تكن هذه الكاتدرائية العظيمة بمعزل أبداً عن أحوال السياسة وتجاذباتها (أ ف ب) ومن يحزر للزمن، فبين ليلة وضحاها قد تنقلب الأمور رأساً على عقب، وهو ما حدث بالفعل يوم الـ14 من عام 1789، حين غلت شوارع باريس وانتفضت ضد الظلم والاستبداد، وسار أهلها في الشوارع ثائرين ومطالبين بسقوط الملك والحكم الملكي. تعرضت كاتدرائية نورتدام وقتها للتخريب من قبل الجماهير الغاضبة، فدخلوها وبدأوا بتكسير وتهديم بعض أجزائها ومقتنياتها، تكسرت النوافذ، قطعت رؤوس تماثيل ملوك يهوذا ظناً بأنها رؤوس ملوك فرنسا، وصارت الأرض مليئة بالركام. وطاول الكاتدرائية التي كانت ملكاً لأبرشية باريس تغييراً جذرياً، حين أتيحت لكل الأمة مثلها مثل جميع ممتلكات رجال الدين، من أجل تسديد ديون الدولة. وحظرت العبادة الكاثوليكية في باريس وتحولت “نوتردام” إلى مستودع للنبيذ. “أحدب نوتردام” يعيدها لها ألقها في عام 1830 كتب الروائي الفرنسي فيكتور هيغو روايته “أحدب نوتردام”، وكان الفضل لهذه الرواية أن أعادت للكاتدرائية روحها وقيمتها حتى خارج الصفحات. وكأن كوازيمودو أحدب نوتردام وحارسها، الشخصية المذهلة التي رسمها لنا هيغو في الرواية، قد قرع أجراس الكاتدرائية محذراً، فأسمع كل الناس في باريس. وفي الرواية كتب هيغو، واصفاً حالة “نوتردام”، “هكذا عومل فن القرون الوسطى الرائع في كل بلد، وبخاصة في فرنسا. وفي وسعنا أن نتبين فوق بقاياه ثلاثة أضرار أصابته على أعماق مختلفة: الأيام أولاً، وهي التي سببت فلولاً هنا وهناك بطريقة غير محسوسة وأشاعت الصدأ فوق سطحه، ثم إن الثورات السياسية والدينية (وهي بطبيعتها غاضبة عمياء)، التي هاجمته في حشود صاخبة، فمزقت ثوبه الفني بالنحوت والنقوش. وأخيراً جاءت طرز الحياة التي تتزايد رعونة وغلظة طبع. قطعت وقصت وأشاعت الفوضى وقتلت البناء في رمزيته وشكله، وفي منطقه وجماله، ثم حاولت أن تصنعه مرة أخرى، وهي محاولة فيها من الادعاء والغرور ما لم تزعمه في الأقل الأيام والثورات”. هذه اقتباسات متناثرة وغير مكتملة، من بعض ما قاله هيغو في روايته، بكلماته وعباراته الموصفة والدقيقة تسبب بحالة من الغضب بين الفرنسيين الذين التفتوا إلى كنزهم المهمل، وبدأوا بعمليات ترميم شاملة للكاتدرائية جددت وغيرت ملامحها. وابتداءً من نقطة التحول هذه، أصبحت “نوتردام” نصباً معمارياً قيماً وسيعامل معاملة الآثار التاريخية. كوازيمودو أحدب نوتردام وحارسها، شخصية مذهلة رسمها لنا فيكتور هيغو (أ ف ب) شاهدة على تاريخ حافل بالصراعات يبدو أن فترات السلام الطويلة، ليست من نصيب كاتدرائيتنا العظيمة. ففي عام 1871، أضرم بعض الثائرين الغاضبين خلال أحداث كومونة باريس، النار في أثاثها، فتضررت أضراراً بسيطة، لكنها موجعة حقاً. فترة سلام قصيرة أخرى، تقطعها الحرب العالمية الأولى عام 1914. وابل من القذائف الألمانية المعادية يسقط على الكاتدرائية: الدعامات الخشبية تشتعل، السقف يتصدع، والنوافذ الزجاجية تنهار على الأرض. وما لبثت أن لملمت الحرب العالمية خيباتها وانتصاراتها على عجل، وراحت نوتردام ترقع إصاباتها وتتمالك نفسها من جديد، حتى أصابتها حرب عالمية ثانية مرة أخرى، فتضررت قليلاً ثم انتصرت للمرة الألف، لكن وكما كان لها نصيب من جراح التاريخ، كان لها أيضاً نصيب من انتصاراته ومفاجآته. في الـ26 من أغسطس من عام 1944، اليوم الذي تلا خطاب الجنرال شارل ديغول في مجلس مدينة باريس، معلناً تحرير العاصمة الفرنسية من الاحتلال النازي، سار موكب الجنرال مع فرقة من الجيش الفرنسي إلى جانب حلفائه الأميركيين في شوارع باريس. ولتتويج الانتصار خطط ديغول للدخول مع الموكب إلى كاتدرائية نوتردام، رسالة سياسية للشعب الفرنسي أراد إيصالها. وصلت سيارة ديغول المكشوفة إلى الساحة أمام الكاتدرائية. لوح بيده للجماهير المصطفة والمشجعة، نزل من السيارة، لم يكمل خطوة واحدة حتى أثار قناصة من أسطح المباني المجاورة، الذعر والارتياب برصاصهم الذي نثروه فوق رؤوس الجميع. غطى جميع المحتشدين آذانهم وأخفضوا رؤوسهم محاولين الاحتماء إلى أن هدأ الهجوم الذي بقي لغزاً حتى اليوم، ولم يعرف فاعلوه. وعلى الفور تدارك الجنرال ديغول الموقف، وتصرف كأن شيئاً لم يكن. دخل إلى “نوتردام”، وأكد أن الحرية تليق بباريس وكل فرنسا. كذلك يخبرنا التاريخ بقصص عن نوتردام، ولربما تكون المكان الوحيد في كل العالم، الذي شهد هذا الكم الكبير والهائل من الأحداث خلال قرون مضت. في هذه الكاتدرائية، توج نابليون الأول إمبراطوراً، ومنها خرج شارل ديغول، جورج بومبيدو، وفرنسوا ميتران، رؤساء الجمهورية الفرنسية إلى مثواهم الأخير. حرائق وأحداث درامية لا تعد ولا تحصى، قام بها أشخاص دخلوا التاريخ لأنهم فقط اختاروا نوتردام مسرحاً لها… أحداث رغم ألمها، تحملنا سماعها لأنها وقعت في زمان بعيد. الجنرال الفرنسي شارل ديغول أمام بوابة كاتدرائية نوتردام دي باريس ، في 09 مايو 1945 بعد قداس للاحتفال بانتصار الحرب العالمية الثانية (أ ف ب) لكن ما أحدث فجيعة أصابت المكان؟ في الـ15 من أبريل من عام 2019، نقلت وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات إخبارية عالمية، مشاهد لألسنة اللهب تتطاير مع دخان كثيف من المبنى الذي كان يخضع للترميم. الرعب هو سيد الموقف، والصورة مشوشة لا يتضح فيها لا سبب الحريق ولا بأي جزء من الكاتدرائية يحدث. طائرات ومئات رجال الإطفاء في محاولة إخماد الحريق. عملية معقدة امتدت لساعات. استدعت من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن ينزل مباشرة إلى قلب الحدث ويتابع بنفسه سير المحاولات. صدمة مرعبة خففت من وطأتها قدرة حجارة نوتردام على التحدي. كان من الصعب إطفاء النيران من دون إضعاف أو تدمير هيكل المبنى بالكامل. الناس في الشوارع تراقب بخوف. لم يغمض لها جفن إلا أن تمت المهمة بنجاح في النهاية، لكنه نجاح لم يخف الخسائر الفظيعة: انهار السقف وسقط البرج التاريخي. بعد الحادثة نظمت حملة دولية لجمع التبرعات من أجل ترميم وإصلاح ما أفسده الحريق في الكاتدرائية. وها نحن اليوم، على موعد لإعادة افتتاح الكاتدرائية، بعد أكثر من 5 سنوات من أعمال الترميم، إذ من المقرر أن تستقبل الكاتدرائية البالغ عمرها 850 سنة الزوار والمصلين مجدداً اعتباراً من يوم غد السبت. صدمة مرعبة خففت من وطأتها قدرة حجارة نوتردام على التحدي (أ ف ب) “نوتردام” تبقى… في كل مرة نمشي على طول نهر السين في باريس. نجد كل المباني تنظر إلينا قبل أن ننظر إليها. نوتردام وحدها تنظر بعينين من أسى وحزن. هي تحفظنا جميعنا وتدرك سراً أننا فانون وهي باقية. ونعود إلى هيغو الذي كتب في “أحدب نوتردام”: “على صفحة ملكة كاتدرائياتنا القديمة، إلى جانب تخدد صغير، لا نزال نجد ندبة مكتوبة باللاتينية، ومعناها: “الأيام عمياء، والناس حمقى”. المزيد عن: أحدب نوتردامحريق كاتدرائية نوتردامفيكتور هيغو 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا تزداد الوفيات القلبية في ملاعب الكرة المصرية؟ next post ملكان في القصر الإمبراطوري البروسي… فنان وسياسي You may also like رواية “صيف سويسري” لإنعام كجه جي: كبسولات لعلاج... 12 ديسمبر، 2024 يوميات ومذكرات وثّقت تجربة الاعتقال في سجون نظام... 12 ديسمبر، 2024 “الممتثل”… بين فضح الفاشية وتحليل النفس البشرية 12 ديسمبر، 2024 الشاعر السوري أدونيس يدعو لتغيير “المجتمع” وليس النظام... 12 ديسمبر، 2024 “ستموت في القاهرة” رواية عن شاه إيران وصراعاته 11 ديسمبر، 2024 بول شاوول يكتب عن: التجديد المسرحي العربي في... 11 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: طبق نحاسي من موقع... 11 ديسمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: قصة «أيمن» الحقيقي بطل... 11 ديسمبر، 2024 دي ميرابو… مع الثورة ولكن أليست الملكية أعدل؟ 10 ديسمبر، 2024 كيف تثبت الروايات القصيرة مكانتها في الأدب الإنجليزي؟ 10 ديسمبر، 2024