فان در فايدن (1400 – 1564) (غيتي) ثقافة و فنون موناليزا “بدائية” من الشمال الأوروبي بملامح غامضة by admin 5 أبريل، 2024 written by admin 5 أبريل، 2024 178 في “بورتريه سيدة” لفان در فايدن اليدان تعطيان المرأة قوة التماسك وتميزان عالماً متكاملاً اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب من كتاب حول “الفن الفطري” الهولندي كان من آخر مؤلفات الناقد والباحث الفرنسي من أصل بلغاري ستيفان تودوروف، الذي نهل بالتأكيد من كتاب العالم الكبير في تاريخ الفنون التشكيلية الهولندية آرونوفسكي يبدو غريباً أن يهتم مؤرخا الفنون من بين العلامات الأساسية في هذا السياق بلوحة معينة قد لا تلفت الأنظار حقاً بين عشرات اللوحات المنسوبة إلى الفن الفطري والسابقة على تحول الفن الهولندي إلى ما يسميه البعض “واقعية بورجوازية”. ونتحدث هنا عن لوحة حتى عنوانها يشي بعادية محيرة. وهي “بورتريه سيدة”. مهما يكن، كان الزمن الذي تنتمي إليه لوحة در فايدن هذه، لا يزال أبكر من أن ينقل الرسم الهولندي، تماماً، من الأعمال الدينية، إلى الأعمال الدنيوية. صحيح أن البورجوازية التجارية كانت بدأت ازدهارها منذ زمن، وصحيح أن القيم الفردية كانت بدأت تنمو في الحياة اليومية على حساب مركزية المجتمع المتمحورة من حول الكنيسة والشرائح العليا، لكن الفن كان بدأ يتسلل ببطء إلى عالم الحياة اليومية، خصوصاً أن البورجوازية الصاعدة التي راحت ثرواتها تنمو بفضل التبادلات التجارية، كانت لا تزال غير قادرة بعد على الانفصال، فنياً وثقافياً وفي شكل واع، عن المكونات القديمة لثقافتها. مبدعون يتأرجحون ومع هذا لم يخلُ الأمر، في ذلك الحين، النصف الأول من القرن 15، من مبدعين يتأرجحون بين اللحظتين الثقافيتين. ولقد ساعد على ذلك أن الفكر الإنساني النهضوي الشمالي، بدوره، كان يتأرجح، ليس في ميدان يقينه الأيديولوجي، بل تحديداً في الميادين التي تمس العلاقة بين ذلك اليقين وضروب الإبداع نفسها. وهكذا، مثلاً، في مقابل أعمال فرانز هالس ويوهان فرمير وغيرهما من رسامين غاصوا كلياً في الحياة الدنيوية، كان هناك مبدعون كبار، أنجزوا في الوقت نفسه أعمالاً تنتمي إلى الحياة اليومية ونزعة الحضور البشري الكلي فيها من ناحية، ونزعة الارتباط بالطبيعة من ناحية ثانية، وأعمالاً أخرى تنتمي إلى العوالم الروحية والدينية تحديداً. ومن هؤلاء، اثنان غالباً ما يربط بين اسميهما. ويرى الباحثون تشابهاً كبيراً بين أعمالهما، لا سيما أنهما عاشا وعملا خلال الفترة الزمنية نفسها. وهما جان فان دايك وروجيه فان در فايدن. ولعل هذا الأخير يمكن اعتباره أكثر تمثيلاً للسمات التاريخية التي نعنيها في حديثنا، طالما أن الفصل لديه واضح تماماً بين نوعين أساسيين من التوجهات الفنية: الرسم الدنيوي والرسم الديني. ومع هذا لم يفت الباحثون أن يتحدثوا دائماً عن لوحات له، تجمع العنصرين معاً، من دون أن يقصد ذلك تماماً. “بورتريه سيدة” لدر فايدن (غيتي) “موناليزا” شمالية أخرى من أعمال در فايدن المشهورة في هذا المجال، اللوحة الصغيرة (63.5سم × 27 سم) والمعلقة منذ قرن وأكثر في ناشنال غاليري في لندن مستقطبة، على رغم صغر حجمها الذي يجعلها بالكاد مرئية ملايين المتفرجين، مثيرة من الإعجاب ما يقرب مما تثير لوحة “موناليزا” المعلقة في اللوفر في باريس وتعتبر قمة أعمال ليوناردو دافينشي. لوحة در فايدن هذه تسمى، باختصار “بورتريه سيدة”. ولئن كان من غير المعروف التاريخ الحقيقي الذي رسم فيه در فايدن لوحته هذه، فالمرجح أنه رسمها بين عامي 1444 و1446، لأن تلك الفترة تعتبر فترة نضجه، واللوحة تحمل كثيراً من النضج، كما أن الأسلوب الذي اتبعه فيها، يماثل الأسلوب المهيمن على لوحتين أخريين لدر فايدن (“صورة الملك شارل” و”فرانشسكو دستي”) وهما معاً رسمتا خلال ذلك التاريخ تقريباً. صحيح أن ثمة تقارباً، في نظر الباحثين، بين “صورة سيدة” و”الموناليزا”، ولكن، في ما تبدو روح هذه الأخيرة عميقة وادعة ملتحمة في الطبيعة التي تشكل خلفية المشهد الذي رسمت فيه، وتكاد، أي تلك الروح، تقفز من خلال ابتسامتها الغامضة كلياً/ الواضحة كلياً، تبدو روح “السيدة” غائبة كلياً عبر وجهها الذي بالكاد تلوح فيه ملامح شخصية أو أي آثار لعمق روحي. إن “السيدة” هنا تحدق في اللامكان. بم تفكر، ما الذي يشغل بالها إلى هذا الحد؟ إن حيادية نظرتها، وقسوة شفتيها، تقترحان علينا قوة في الشخصية إضافة إلى قدر من السأم كبير. ولكن، في المقابل، لدينا اليدان. إن كل روح هذه اللوحة يكمن في اليدين، إلى درجة أن باحثين كثراً رأوا أن حركة اليدين هنا تكاد تكون معادلاً حقيقياً لابتسامة الموناليزا. قوة اليدين فإذا كانت “السيدة” حيادية النظرة سئمة الملامح إلى هذه الدرجة، فلماذا تبرز يداها وهما على هذه القوة التي يعززها وجود الخواتم التي تبدو السيدة حريصة كل هذا الحرص على إظهارها ويبدو الرسام مماثلاً لها في حرصه؟ الحقيقة أن تصوير الأيدي في حركة تنم عن روح الشخصية، أكثر مما تنم عنها ملامح الوجوه نفسها، يمكننا أن نرصده في العدد الأكبر من لوحات در فايدن. وابتداء من لوحة “المسيح بين العذراء والقديس يوحنا” وصولاً إلى “صورة الملك شارل” و”فرانشيسكو ديستي”. وحتى في لوحة مؤلفة من عدة بانوهات (مثل “يوم القيامة”) لن يفوتنا أن نلاحظ فيها سيطرة حركة الأيدي على شخصيات اللوحة. في “بورتريه سيدة” لا تشغل اليدان سوى قاعدة الهرم الذي يشكله النصف الأعلى من جسد السيدة، ويصل قمته مع غطاء رأسها، ولكن، من الواضح أن هذه القاعدة شديدة الصلابة وقوية الحضور، إلى درجة أنها تحمل ثقل اللوحة ككل وتبدو كأنها القطب الجاذب الذي يجر “المشهد” كله إليه. بل إننا إذا دققنا النظر في نظرة العينين الساهمتين، لن يفوتنا أن نلاحظ أن النظرة نفسها منشدة بدورها إلى الأسفل بفعل سيطرة حركة اليدين أو ربما بفعل ثقل المعدن الثمين الذي صنعت منه الخواتم. وتوزيع الألوان نفسه يكاد يشي بهذا: من لون أبيض هلامي (غطاء الرأس) يحيط بالوجه الذي يبدو مضاء بفعل “زينته” الداخلية أكثر مما هو مضاء، بفعل أي نور خارجي، إلى لون قوي ثابت يحمل التضاريس الروحية في توزيعه على الكفين بعدما عبر بالصدر وأعلى الثوب. إننا هنا أمام تلوين يجذب اللوحة إلى أسفل، من علياء الروح إلى الواقع المادي المعدني البحت… وهو أمر، نذكر مرة أخرى، بأن اتجاه النظرة “المحايدة” يدفعنا إلى أخذه في الاعتبار. حيرة الباحثين ولنشر هنا إلى أن خلو وجه السيدة من أي تعبير، باستثناء التعبير عن الانشداد إلى الأسفل، كثيراً ما حير الباحثين في عمل در فايدن، خصوصاً من الذين يلاحظون دائماً كيف أن لوحاته التي تصور ذكوراً جالسين، تبدو أكثر امتلاء بالتعبير وبالأبعاد الروحية. وكذلك فرق الباحثون دوماً بين هذه النظرة الخارجية الباردة تماماً والنظرات المندفعة إلى داخل الروح، التي اعتادت أن تهيمن على لوحات جان فان دايك (البورتريهات خاصة). وحتى على مستوى النور والظل، لاحظ الباحثون دائماً كيف أن شخصيات فان دايك، تبدو مغلفة بمكعبات من الظل والضوء تضفي على اللوحة من خارجها أبعادها، في ما يبدو النور في لوحات در فايدن حيادياً، يقوي من شأنه الاشتغال الاستثنائي على الألوان الغامقة في خلفية اللوحة، هذا مما يجعل الطبيعة نفسها (في غيابها، كما في تجليها من خلال الشخصية المرسومة) مادية إلى أبعد حدود المادية. سيرة فنان ولد روجيه فان در فايدن في تورناي الهولندية، في ذلك الحين، بين عامي 1399 و1400 وهو تدرب على الرسم، في سن متأخرة بعض الشيء (بين 28 و29 سنة) لدى الرسام الشهير روبرت كامبن الذي يعتقد عادة أنه هو نفسه “معلم فيلمال” الذي كثيراً ما حيرت هويته الحقيقية الباحثين. وفي عام 1426 تزوج درفايدن فتاة من بروكسل وتوجه للإقامة هناك، مبتعداً عن بروج، مكان عمل ونشاط فان دايك، وصار رسام المدينة الرسمي اعتباراً من عام 1435. وفي عام 1450، لمناسبة “السنة المقدسة” التي اجتذبت ملايين الأوروبيين إلى إيطاليا، توجه در ايدن إلى هذه الأخيرة. ومن دون أن ندري ما إذا كان مر بروما، نجده في فلورنسا وفي غيرها من مدن الشمال الإيطالي، حيث أوصاه آل مديتشي على بعض اللوحات، وانغمس في الرسم الديني لفترة، عاد بعدها إلى بلاده رساماً كبيراً تشترى لوحاته بأثمان غالية، ويحيطه تلاميذه، ويوصيه الملوك والأمراء على لوحات. وظل ذلك دأبه حتى رحل عن عالمنا في عام 1464، تاركاً أربعة أبناء صار اثنان منهم رسامين. المزيد عن: الفن الهولنديالرسام الهولندي در فايدنيوهان فرميرجان فان دايكموناليزاليوناردو دافينشي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ثلاث شركات تتنافس لتصنيع مركبة لنقل رواد “ناسا” على سطح القمر next post كلاريس ليسبكتور تنحاز إلى الفطرة في مواجهة شر العالم You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024