الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » موسوعة ثلاثية عن “الحيوان” لمن اعتبر “الإنسان حيوانا ناطقا”

موسوعة ثلاثية عن “الحيوان” لمن اعتبر “الإنسان حيوانا ناطقا”

by admin

أرسطو حلقة وصل غير متوقعة بين هيرودوتس والجاحظ وداروين

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

كان من الطبيعي لأول فيلسوف – عالم في تاريخ البشرية يعتبر “الإنسان حيواناً ناطقاً” (أو “حيواناً عاقلاً” طالما أن الكلمة اليونانية المشتقة من لوغوس تعني العقل والنطق في آن معاً)، أن يضع كتاباً أو أكثر عن الحيوان، وعلى الأقل كي يحدد سمات ووجود ذلك الكائن الذي يكاد الإنسان يكونه لولا الـ”لوغوس” الذي يميزه عنه، لكن أرسطو لم يكتف بوضع كتاب، بل وسّع مدار اهتمامه ليفرد لذلك “الإنسان غير العاقل وغير الناطق” ما لا يقل عن ثلاثة مجلدات متكاملة وضعها تباعاً، لتكون أول موسوعة عن الحيوان متاحة للفلاسفة والعلماء أن يبنوا أعمالاً على مثالها، حتى ولو أننا سنعرف أن المكتشفات العلمية البيولوجية وعلوم التشريح ووظائف الأعضاء، بل حتى دراسات السلوك الحيواني، ستدفعهم إلى إحداث تعديلات عديدة وجذرية فيها.

تاريخ إنساني للحيوان

المهم أن أرسطو وقبل التاريخ الميلادي بأربعة قرون تقريباً، أنجز ذلك العمل العلمي الموسوعي الأول المؤلف من تلك الأجزاء التي تحمل تباعاً العناوين التالية: “تاريخ الحيوانات” و”دراسة في أقسام الحيوانات” وأخيراً “تكوّن الحيوانات”، دون أن يفوتنا وضعه دراسات حول نفس الموضوع قد تكون أقل شأناً لكنها تتسم بدورها بأهمية خاصة ومنها “عن حركة الحيوانات” و”مسيرة الحيوانات”. ويمكننا على أي حال أن نقول هنا إنه فيما استعرض أرسطو في “تاريخ الحيوانات” كل ما كان زمنه يعرفه عن حياة ومسار كل الأنواع الحيوانية المعروفة موزعة إلى مجموعات وأصناف بحسب فيزيائيتها وحتى وظائفيتها، نراه في “أقسام الحيوانات” يركز بشكل أكثر تفصيلاً على ما يمكن اعتباره  تصنيفاً تقنياً حسب نوع الحيوان وجنسه، بينما يتصدى في الكتاب الكبير الثالث للإمعان في خوض بقية ما تبقى من شؤون تتعلق بحياة الحيوان وسلوكياته وحياته الجنسية وتطوره على مدى الزمن، وصولاً الى الوظائف المنوطة به في الحياة الاجتماعية.

الما قبل والما بعد

صحيح أن إنجازات أرسطو في هذا المجال استندت إلى عدد كبير من علماء ومؤرخين اشتغلوا قبله على الموضوعات نفسها، لا سيما على هيرودتس وما ذكره عن الحيوانات في تواريخه، ومنها تلك التي رصدها في ديار زارها ولم يكن لها وجود في بلاد الإغريق، وعلى هيبوقراط الذي كان لا بد له في دراساته الطبية من ذكر الحيوانات وقيمتها الغذائية، غير أن إضافاته كانت بالغة التنوع والفائدة، هو الذي نعرف أن اهتماماته كانت في الأساس تتركز على الإنسان، ولم يكن اشتغاله على الحيوان سوى وسيلة لتبيان تميز الكائن البشري على أي كائنات أخرى، سيما تلك الأقرب إليه: الحيوانات التي تشارك الجنس البشري كثيراً من الخصائص. بل حتى تشاركه من حيث لا يدري أموراً سوف تكون قادرة بعد مئات السنين على رفد نظرية داروين التطورية بما يعززها، لكن هذه مسألة أخرى. فهنا لا بد أن نكتفي بالتوقف عند تلك الموسوعة، ولكن لكي نقول أولاً إن العالم الحديث لم يتعرف عليها كما ينبغي إلا من خلال التراث العربي، كما الحال بالنسبة إلى العدد الأكبر من كتابات أرسطو. فالحال أن الجاحظ، أحد كبار الناثرين في التراث العربي، لم يصغ الأجزاء الرئيسة من كتابه الأشهر “الحيوان” إلا بالاستناد إلى موسوعة أرسطو التي كانت أجزاء كثيرة منها قد ترجمت في حران وغيرها خلال العصور الأولى للإسلام.

صفحة من كتاب “الحيوان” للجاحظ (غيتي)

تطويرات جاحظية

لكن الجاحظ أضاف الكثير في كتابه، بل طوّر الكثير من المعلومات وعدّل مستنداً إلى حقائق علمية كانت قد استجدت خلال نصف الألفية وأكثر التي مرت بين زمن أرسطو وزمنه. وبالتالي يمكن القول إن الجاحظ اشتغل على كتابه بنفس الطريقة التي اشتغل بها أرسطو على موسوعته، كثّف عمل من سبقه وطوّره في عصرنة علمية لا شك فيها. غير أن ما يمكن القول إن أرسطو قد تفرد فيه، هو أنه إن كان قد ركز طوال حياته على تفوق النوع البشري، فإنه لن يتردد في كتب موسوعته الثلاث عن أن يعزو إلى الحيوانات قدرات حسية ومعرفية كان الإنسان يتصور أن ما من كائن غيره يمتلكها. ولعل ذلك هو التجديد الأكبر الذي أضافه أرسطو مميزاً إنجازاته عن سابقيه. لقد اعترف للكائنات الحيوانية بنوع من الذكاء لم يكن قد سبقه إلى الاعتراف به أي عالم من قبله. بل ستمضي مئات السنين قبل أن يوجد علماء من بعده يسيرون على خطاه، بدءاً من الجاحظ طبعاً.

شيء من التفاصيل

لكن الأهم من هذا كان ذلك التصنيف الذي وضعه وبشكل متطور بين جزء وآخر من موسوعته. فهو مثلاً، ميّز في “تاريخ الحيوانات” بين فئتين كبيرتين، الحيوانات التي لديها دم، وتلك التي لا دماء فيها. الأولى تمتلك هيكلاً عظمياً يتمحور من حول النخاع الشوكي بينما ليس للثانية ما يماثله. ولقد أحصى أرسطو هنا أكثر من 500 اسم لحيوان معروف أو غير معروف في زمنه ركز عل نحو 50 منها بالدراسة المعمقة، موزعة بين الأسماك والطيور والثدييات والزواحف والبرمائيات. ولقد سمح له هذا التوزيع بنوع من التصنيف يوزع الكائنات الحيوانية إلى 10 تبعاً لكمالها الطبيعي، معطياً المكانة الأولى للكائنات البشرية، ثم متدرجاً من نوع إلى آخر تبعاً لمدى اقترابه من تلك الكائنات الأسمى. ولسوف يتبعه في هذا التصنيف ابن البطريق العربي الذي سيساعد البرتوس ماغنوس في كتابه عن حياة الحيوان.

حداثة مباغتة

وإذا كان “تاريخ الحيوانات” يتألف من تسعة أجزاء أضيف إليه جزء عاشر اعتبر منحولاً، فإن الكتاب التالي “أقسام الحيوانات” سيأتي مؤلفاً من أربعة أقسام، يوسّع فيها أرسطو من تحليله العلمي، رابطاً تقسيم الحيوانات بمناهج البحث في علوم الطبيعة، ما يتيح له هنا أن يرتقي إلى ما سيحمل بعد مئات السنين اسم “المنهَجَة العلمية”، حيث إن دراساته ستقوده هذه المرة ليس فقط إلى التصنيف والرصد، بل إلى استخلاص أسس علمية محددة، حيث نراه في الصفحات الأولى من هذا الكتاب يقول لنا إن “الطبيعة إنما ترمي جانباً بمقدار ما يصل إليها من الجانب الآخر. فهي لا يمكنها أن تنهل من جانبين متقابلين في وقت واحد، حيث مثلاً لا يمكن أن يتطور درع ضفدعة إلا على حساب قوائمها”. وهذا ما يتيح للكاتب أن يرصد بدقة علاقة شتى الأجزاء التي يتكون منها جسم حيوان من الحيوانات ينتمي إلى نوع معين، ببقية الأجزاء فيدرس تطور تلك العلاقة في تاريخ حياة ذلك الحيوان بالعلاقة مع التطور المناخي الذي ينعكس على مزاج الحيوان وما إلى ذلك، مع التفاتة خاصة إلى توزع دم الحيوانات الدموية بين دم بارد وساخن، ودراسة الفوارق في المزاج بين الأسماك والطيور ووظيفة ريش الطيور. ما يوصله إلى الاشتغال في صفحات بديعة وستبدو لنا مع التدقيق بالغة الحداثة حول تعقّد الحياة الحيوانية في ارتباطها مع الأجهزة العضوية لهذه الحيوانات، دون أن ينسى المقارنة بين الحين والآخر مع الجهاز العضوي للبشر، دراسة سوف لن نجد ما يماثلها في تاريخ البيولوجيا إلا في العصور الحديثة.

الجنس لدى الحيوان

ويقودنا هذا بالطبع إلى الكتاب الثالث الذي أتى بعد “أقسام الحيوانات” مستكملاً إياه مطوّراً العديد من الأفكار التجديدية التي جاء بها. ويتألف هذا الكتاب الأخير من خمسة أقسام يشتغل فيها أرسطو أكثر ما يشتغل على التكوّن الجنسي للحيوانات، وهو الموضوع الذي يشغل لديه القسم الأول حيث نراه يدرس السمات العامة للعلاقات الجنسية التي تكمن خلف توليد الحيوانات، شارحاً ما يتعلق بالأعضاء الجنسية والحيوانات المنوية ودور كل جنس في عملية الإخصاب بشكل عام. وهو في الجزء الثاني يدرس الأنواع الحيوانية وعمليات التخصيب كل على حدة، وهو ما يتابعه بشكل أكثر تفصيلاً في الجزء الثالث قبل أن يخصص الرابع لتشكّل الجنين داخل الحيوان الأنثى، خاتماً في الخامس بدراسة مختلف السمات التي تميز بين الأنواع الحيوانية في هذا المجال.

المزيد عن: عالم الحيوان/أرسطو/الجاحظ/داروين

 

 

You may also like

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00