ثقافة و فنونعربي موسوعة أميركية تتناول مفهوم الخطاب وتوضح أبعاده by admin 23 ديسمبر، 2022 written by admin 23 ديسمبر، 2022 24 من الطابع السلطوي والتمييز العنصري إلى السياسة وعلم الاجتماع والإعلام والأدب اندبندنت عربية \ أنطوان أبو زيد منذ أن بدأ الإنسان الأول التواصل مع غيره، وشرعت الجماعات في التخاطب بكلام مفهوم أو مرمّز، احتاج إلى وسيط يوثّق ويترجم أو يحلل، فيحسن التواصل، أو يدبّ الخلاف في ما بينهم ويتقاتلون. وبناء على ذلك كان اهتمام الشعوب والحضارات بلغاتها وبتحليلها، ووضع القواعد الناظمة لهذه اللغات، ولا سيما إن كان أُنزلت بها الأديان السماوية، كما هو حاصل بالنسبة للقرآن الكريم الذي أنزل باللغة العربية. لعل صدور موسوعة ” دليل تحليل الخطاب” (975 صفحة من القطع الكبير) عن “هيئة البحرين للثقافة والآثار” هذا العام (2022)، يعدّ حدثأ ثقافياً ومعرفياً مهماً، فالكتاب الضخم يضمّ واحداً وأربعين (41) مقالاً علمياً في أكثر الاتجاهات أهمية بتحليل الخطاب، كان قد أعدّها كبار العلماء كلّ في مجاله، ويتضمّن الكتاب مئات المراجع العلمية التي تعين الطلاّب والباحثين على استكمال النظر في الموضوعات المعالجة فيه. وقد أشرف على إعداد هذا الدليل الموسوعي ثلاثة من كبار العلماء الاميركيين هم ديبورا شيفرن، وديبورا تانن، وهايدي هاملتون، وساهم في أبوابه العشرات من أمّ العلماء في اللغة والتواصل، وتحليل الخطاب، والتداولية، واللسانية الحديثة، وغيرها من العلوم المتصلة باللغة وتحليل مضامين النصوص والخطابات. وكان هذا الدليل صدر باللغة الإنجليزية عن دار بلاكويل في الولايات المتحدة الأميركية. المفهوم الحديث الكتاب بالترجمة العربية (هيئة البحرين) بداية، يمكن القول إنّ مفهوم الخطاب حديث، بل معاصر، وهو يعني كلّ قول يتجاوز الجملة (الكلام عند العرب)، سواءٌ كان مكتوباً أو ملفوظاً، ويُنظر إليه من حيث طريقة التداول به ومعانيه، تبعاً للأشخاص والجماعات والمؤسسات وغيرها التي تتناقله، وتتفاعل به مع الآخرين. على سبيل المثال، إن افترض المحلل وجود “خطاب للسلطة” أو خطاب “تمييز عنصري” لدى فئة، كان عليه العودة إلى مجمل النصوص المكتوبة والشفهية لتلك الجهة المقصودة بالتمييز أو المعنية بالسلطة، للتثبّت من مضمون هذا الخطاب أو ذاك، وتحليل معانيه والكشف عن أهمّ الأفكار التي تقود تصرّف هذا القائد أو الزعيم أو النقابي أو غيرهم. ومن هذا القبيل، كان تحليل خطاب شارل ديغول، الذي توجّه به إلى أتباعه وإلى أفراد جيش فرنسا الحرّة في سائر البلدان، قد بيّن مفاصل في سياسته التي سوف يتّبعها عبر تتبّع مواقع النغمات وطبيعتها ومواقع النبر أي الشدّة في لفظ الكلمات، وتكرارها غيرهما من المظاهر اللافتة. ومثل ذلك، تحليل خطاب هتلر، وتشرشل، وستالين، وغيرهم من الزعماء إبّان صعود النازية والشيوعية، والنزعة القومية، وغيرهم لإدراك نقاط الاهتمام، وهي آلية يمكن لأيّ شخص سويّ وراشد استخدامها ليحسن التواصل مع غيره، وليدرك مقاصده المتوارية وراء نغمات كلامه والنبر فيها. في المقال الثاني من الكتاب، يوجز الباحث ج. ر. مارتن، مساراً طويلاً من الأبحاث التي توصّلت إلى أنّ دلالة الخطاب رهنٌ بتحديد السياق الاجتماعي الذي ينتمي إليه الأفراد المتكلمون الصائغو الخطاب، وأنّه يتوجب على محلل الخطاب أن ينجز ربط الكلام المقال، بأشكاله ونغماته، ونبراته، بالمناسبة الاجتماعية الحاصل فيها، وأن يتحقق من النسيج، أو من اللغة التي تشكّل منها ومن الأنظمة الدلالية الخاصة بها، والحقول المعجمية أي تكتلات الكلمات التي يحمل كلّ منها عنواناً لفظياً مشتركاً، ومظاهر نحوية معيّنة. اللغة والسياق الكتاب بالأصل الأميركي (أمازون) أما المقال الثالث، وهو بعنوان “علامات الخطاب: اللغة والمعنى والسياق” وهو من إعداد ديبورا شيفرن، فقد عالج علامات الخطاب التفصيلية، ولا سيما ما أطلقت الكاتبة عليها الوصلات، ويسميها البعض أدوات الربط بين الجمل والفقرات، إلى كونها مؤشرات على نوع أدبي أو نمط معيّن من التعبير الكلامي، ودليلاً على تماسكه الداخلي. وبينما تعالج مقالات لاحقة، في الكتاب، مسائل مرتبطة بمساهمة اللسانيات الحديثة، أو بعض روادها، مثل فردينان دو سوسور وبريال وغيرهما، ولا سيما علم الدلالة وعلم البراغماتية، أو التداولية، ودور أفعال الكلام في إنجاز التواصل الفعّال بين البشر بفضل الخطاب اللغوي، تركّز بعض المقالات على تحليل الخطاب التاريخي، أي درس الوثائق والسجلاّت من حيث التحوّلات اللغوية والشكلية الحاصلة في الخطابات والمدوّنات تبعاً للحقبة الزمنية الواردة فيها (لوريل ج. برينتون). وتدرس بعض المقالات طبيعة السجلاّت والمدوّنات من حيث أنواعها (الأدبية)، وتتفحّص خصائصها اللغوية والفكرية والتربوية (دوغلاس باير، وسوزان كونراد). في حين تعرض مقالات أخرى لأهمّ المقاربات في تحليل الخطاب، ومنها المقاربة المتعددة الاختصاصات، والتي يدعوها البعض في مجالنا الأكاديمي بالمقاربة البينية (فونولوجية، دلالية، اجتماعية، تاريخية، سياسية، تداولية، الخ)، ويمثل هذا المنحى في تحليل الخطاب اتّجاهاً حاضراً بقوة. (سيلفي ديبوا، ودايفيد سانكوف) مرجع أساسي فن الخطاب بريشة رافايللي (متحف شاتو فرساي) والكتاب المرجعيّ ربما الأهمّ في مجاله، ينطوي كذلك على مقالات تعالج صلة الخطاب بالإعلام، ودور هذا الأخير في الترويج لأنواع من الخطاب من دون أخرى، وثمة مقالات تعالج علاقة اللغة بالطب، وتعرض للمراحل التاريخية التي اجتازها الخطاب الطبي ليبلغ مرحلته الأخيرة اليوم. أما الخطاب في البيئات التعليمية فقد حظي بمكانته، على ما يؤيّده المقال، وباتت له مصطلحاته الخاصة التي تمثّل العديد من التوجّهات التربوية الجديدة، ولا سيما التعلّمية منها والطرائق الحديثة، واتّساع أدوار الفاعلين في الشأن التربوي، وفي أدوات التعليم وغيرها. وماذا يمكن القول عن ثبت المصطلحات التي بلغت ما يقارب الخمسمئة (500) مصطلح، موضوعة في مدخلين (عربي/ إنجليزي، وإنجليزي/ عربي)، تبياناً للجهد العلمي المبذول من أجل تيسير عودة الباحث أو القارئ إلى المراجع التي تؤيّد هذا المصطلح أو ذاك، وتعيد إدراجه في مجاله العلمي والتثبّت من خصائص الخطاب التي سبقت الإشارة إليها في المقال المعنيّ. ولربما يسأل القارئ عما يمكن أن يثير اهتمامه في مثل هذه المسائل التي باتت مجالاً لدراسات نظرية وأخرى تطبيقية، نجيب عن هذا السؤال بأنّ هذا القارئ العصري- ونحن في القرن الواحد والعشرين- لا بدّ أن يختبر، أقلّه في إحدى تجاربه اليومية، سواء المهنية أو العاطفية أو الاجتماعية أو غيرها، إمكاناته المحدودة في فهم خطاب الآخرين، أو في عدم قدرة الآخرين على فهم خطابه والتواصل معه، وإنجاح علاقته به، تالياً. وبناء عليه، يمكن له أن يفيد من هذه الأبحاث ليحسّن معرفته بطبيعة خطابه الخاص، وليحاول التبصّر بمدى تحقق هذا المفهوم أو ذاك في تجربته الميدانية، أو في ملاحظته خطاب الآخرين وأفعالهم. لا أحسب أنّ الجهد الكبير، بل الضخم، الذي بذله الدكتور خليفة بن هادي الميساوي، أستاذ اللسانيات العامة التونسي، والباحث في المصطلح، في ترجمة الكتاب، بمصطلحاته الكثيرة، وسعى فيه إلى تبسيط المعارف المنقولة وجعلها في متناول القراء المتخصصين وغير المتخصصين، مضافاً إلى جهود هيئة البحرين للثقافة والآثار، لا أحسب هذه الجهود من دون طائل. وإنما يعتبر إنجاز الكتاب مترجماً إلى العربية العلمية وبأسلوب مبين ودالّ، مدخلاً إلى انخراط الباحث العربي في علوم العصر اللغوية، ودعوةً للقارئ العربي الوسيط إلى فهم كلّ خطاب يعرض له، والتفاعل معه ما أمكن إيجاباً أو سلباً. المزيد عن: موسوعة\الخطاب\السياسة\الإعلام\الثقافة\الفكر\السلطة\التمييز العنصري 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post في جذور ثورة نساء إيران: حين انتفضت السينمائيات في وجه الملالي next post الوحش النووي يتململ في مخبئه… من يجرؤ على إيقاظه؟ You may also like نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024