الثلاثاء, مارس 4, 2025
الثلاثاء, مارس 4, 2025
Home » موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية 

موسكو تعلن على الأدب الأوكراني حرب الغاء الهوية 

by admin

 

قصف روسي متعمد لدور النشر وخطف مقصود لكتّاب ومثقفين مع محاولة محو الثقافة وتغيير حقائق التاريخ

اندبندنت عربية / كاتيا الطويل @katiatawil

من المعروف أن اللغة الروسية واسعة الانتشار في أوكرانيا، وهي لغة عدد كبير من كتب الأدب والشعر والتاريخ والفلسفة فيها، إنما ليس لدرجة محو لغة البلاد الوطنية تماماً. ويكتب عدد كبير من الكتّاب الأوكرانيين باللغة الروسية كما يكتسح الكتاب الروسي المشهد بـ 70 في المئة من الكتب المتوافرة في المكتبات الأوكرانية، مع العلم أن عدداً من الكتّاب الروس المعروفين عالمياً هم في الأصل أوكرانيون، مثل الكاتب الروسي نيكولاي غوغول (1809-1852) صاحب القصة القصيرة “المعطف” وقصة “الأنف” ورواية “الأنفس الميتة”.

وإضافة إلى ذلك فقليلة هي ترجمات الأدب الأوكراني إلى اللغات الأوروبية، كما أن قراءته في الداخل الأوكراني أيضاً ليست منتشرة، لتتربع الروسية مكانه في المجالين كليهما، ويقول رئيس التحرير السابق للمجلة الأسبوعية الأوكرانية The Ukrainien Week دميتري كرابيفينكو من مكانه على الجبهة شارحاً هذا الواقع، إنه “لمدة طويلة جعلونا نعتقد بأن الأدب الروسي نخبوي بينما الأدب الأوكراني بدائي، فكم من كتاب لم يقرأ ولم يترجم ولم ينل حقه من النجاح بسبب هذا الرأي السائد”.

جنود أوكرانيون يحاولون إنقاذ كتب من الحريق (أ ب)

 

صحيح أن الأوكرانيين تأخروا ليبدأوا مطالبتهم بتحرير أدبهم المحلي من سطوة الأدب الروسي، لكن هذا لا يعني خسارتهم حقهم بهوية أدبية قومية منفصلة عن الهوية الأدبية الروسية، وتعتبر أستاذة الأدب الروسي في كلية الألسن في جامعة عين شمس الدكتورة دينا محمد عبده أن القرن الـ 19 هو عصر تكوين الهوية القومية الأوكرانية لغة وأدباً وسياسة، لكن هذه المحاولات الأولى بالتحرر من سطوة الثقافة الروسية وأدبها باءت بالفشل وعوقب أصحابها وتعرضوا للتنكيل الروسي الذي كان لا يزال قوي النفوذ آنذاك.

ومن الواضح في المشهد الأدبي اليوم أن روسيا ترغب في إعادة أوكرانيا تحت جناحها الثقافي واللغوي، ويبدو أن الإستراتيجية الروسية خطرة وحاسمة على صعيد الأدب والفكر والتاريخ، فبعد مرور ما يربو على ثلاثة قرون من استقلال أوكرانيا لا يزال الروس يرفضون منح الأوكرانيين استقلالهم الأدبي والثقافي، وباتوا يوظفون الحرب العسكرية واحتلالهم لمناطق أوكرانية ليبسطوا سلطتهم لغوياً وثقافياً وأدبياً.

مسح الذاكرة عبر محو الأدب

يدفع الأدب الأوكراني أغلى الأثمان في الحرب الروسية على أوكرانيا اليوم، فعدا عن كثير من الكتّاب الذين توقفوا عن الكتابة لينضموا إلى الجيش ويقبعوا على الجبهات دفاعاً عن وطنهم، فإن كتّاباً آخرين تعرضوا للخطف أو السجن أو التهديد بالتعذيب أو التنكيل أو القتل، ويبدو أن الكتّاب الأوكرانيين يتعرضون لحملة اضطهاد مدروسة وإستراتيجية في رغبة روسية واضحة بمحو اللغة الأوكرانية وأدبها وثقافتها، وقد عنونت صحيفة The Wall Street Journal إحدى مقالاتها بجملة “رغبة روسية في محو مستقبل أوكرانيا وماضيها”، في إشارة منها إلى القصف المتعمد التي تقوم به القوات الروسية لدور النشر والمطابع والمكتبات والمتاحف، كما تعنون “صحيفة لوموند ” الفرنسية إحدى مقالاتها في الـ 21 من فبراير (شباط) الماضي بـ “ضد محو الأدب الأوكراني”، متحدثة عن قصف الروس لمطبعة Faktor-Druk الأوكرانية التي تطبع ثلث الأدب الأوكراني، وعن تعذيب واختطاف وقتل ما يربو على 250 أديباً أوكرانياً.

كاتدرائية في أوديسة طالها القصف (وكالة الانباء الأوكرانية)

 

وتكثر في الصحافة العالمية اليوم المقالات التي تعدد المكتبات والمتاحف الأدبية التي جرى تدميرها عمداً، وقد يكون أبرزها متحف “أوديسا” الأدبي، ففي الـ 31 يناير من (كانون الثاني) الماضي تضرر جزء كبير من المتحف نتيجة ضربة صاروخية باليستية روسية على وسط المدينة، كما تسبب القصف في إتلاف 15 معلماً معمارياً، بما في ذلك “فندق بريستول” و”متحف الفن الغربي والشرقي” و”مسرح أوديسا الفيلهارموني” ومباني “اتحاد الكتّاب الأوكرانيين” ومبنى “معهد الصحافة” في جامعة تاراس شيفتشينكو الوطنية.

ومن اللافت أن “متحف أوديسا الأدبي” كان يُعرف باسم “متحف ألكسندر بوشكين” التذكاري الأدبي على اسم الشاعر الروسي الذي سكن هناك عام 1923 بعد أن نفي من روسيا، وقد جرى افتتاح المعرض في يونيو (حزيران) عام 1961 باسم بوشكين، ثم أعيد افتتاحه في ديسمبر (كانون الأول) 2023، وجرت تسميته باسم “متحف أوديسا الأدبي” في إطار ما يُعرف بحملة إزالة السمة الروسية عن أوكرانيا، وقد بدأ هدم النصب التذكارية المخصصة للشاعر والكاتب المسرحي الروسي بوشكين في أوكرانيا منذ الغزو الروسي باعتباره رمزاً للدعاية الروسية، وذلك في إطار حملة واسعة النطاق أطلق عليها الأوكرانيون اسم Pushkinopad أي “سقوط بوشكين”، وتأتي هذه الموجة من التفكيك كجزء من عملية نزع الصفة الروسية عن أوكرانيا ومحاولة الرد على حملات محو الأدب الأوكراني من قبل السياسة الروسية.

أدب مهمش لا هامشي

يذكر أن الأدب الأوكراني قبل الغزو الروسي شكل 0.5 في المئة فقط من الأعمال المترجمة إلى اللغة الفرنسية مع احتلال الأدب الروسي عرش الترجمات من أوروبا الشرقية، باعتبار اللغة الروسية الوريثة الشرعية الوحيدة للاتحاد السوفياتي وهيمنته، حتى إن المجلة الفرنسية الشهرية Études لم تتوان في طرح سؤال “هل من ثقافة أوكرانية مستقلة؟”

شعار موقع شيتومو الثقافي الأوكراني (الموقع)

 

يتعرض الأوكرانيون اليوم لإبادة لغوية ليأتي شعار “نحن لا نتحدث لغة المحتل”، كمحاولة من المثقفين للتصدي لحملات قتل اللغة وإحلال سيطرة الروسية مكانها، باعتبار أن سلطة بوتين تتوقف حيث تتوقف اللغة الروسية، وفي مقالة صدرت في الـ 27 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بعنوان “اللغة التي يقتلوننا بسببها”، يكتب ماكيسين نيستلييف أنه “في عام 2014 قيل إن عدداً من الأوكرانيين قُتل لتحدثه الأوكرانية، أما اليوم ومنذ عام 2022 فقد بات هذا الزعم واقعياً”.

ويكافح الصحافيون والمؤلفون والمحررون والناشرون الأوكرانيون من أجل إبقاء الأدب الأوكراني على قيد الحياة، لكن الجيش الروسي يرفض الهزيمة الثقافية، ففي الأراضي الأوكرانية التي احتلها وجد أساتذة اللغة والأدب والتاريخ أنفسهم إزاء أوامر مباشرة بتعليم الروسية وتغيير المناهج التعليمية وجعلها مطابقة لتلك التي يجري تعليمها في روسيا، ووفق ليرا بورلاكوفا فإن الأساتذة الأوكرانيين يتعرضون للتنكيل الوحشي والضغط اليومي، عدا عن إحراق الجنود الروس خرائط أوكرانيا ومؤلفاتها وقواميسها وكتب تاريخها، في محاولة منهم لمحو الهوية الوطنية وإبدالها بالروسية.

جندي أوكراني يقرأ الشعر في الحرب (أ ف ب)

 

ويتجه الأدب الأوكراني اليوم، بحسب كثر، إلى الفراغ من حيث قلة ما يُكتب وما يُنشر وما ينجو من التلف، فالنية الروسية بمحو الأدب الأوكراني واضحة وشديدة من منطلق أن أدب أوكرانيا لا يملك الحق في أن ينفصل عن الأدب الروسي، عدا عن أن عدداً كبيراً من الكتّاب لم يملك حتى الفرصة لينهي ما بدأه، لكن الكتّاب الأوكرانيين حفظوا الدرس، فالكاتب فلاديمير فاكولينكو الذي اُختطف وقتل أدرك الخطر الذي هو فيه مسبقاً وحفر أسفل شجرة كرز موجودة في حديقة منزل والديه وأخفى فيها مخطوطته الثمينة، فنجت بينما لم ينجُ صاحبها.

أما قصة المخطوطة فتكمل بعد أن عثرت عليها الكاتبة الأوكرانية ذائعة الصيت ومؤلفة كتب الأطفال، فيكتوريا أميلينا، والتي أرادت تأليف كتاب عن الذين وثقوا الحرب وجمع شهاداتهم، فقابلت والد الكاتب فلاديمير فاكولينكو وتساعد الاثنان لإيجاد المخطوطة المخبأة تحت شجرة الكرز، وخوفاً من أن يصيبها ما أصاب صاحب المخطوطة أرسلت أميلينا المخطوطة المذكورة إلى صديقة لها مع رسالة “فلتبقَ المخطوطة معكِ في حال وقوع طارئ ونزول صاروخ”، وفي يونيو 2023 قُتلت فيكتوريا أميلينا في هجوم صاروخي أدى إلى مقتل 64 آخرين، فيما صدرت المخطوطة مؤخراً بعنوان: I Am Transforming: A Diary of Occupation.

رفض الأدباء الأوكرانيين الموت مرتين

غادر كتّاب وناشرون وصحافيون أوكرانيون كثر بلادهم المتعرضة للقصف متوجهين إلى أوروبا أو أميركا ليتحدثوا عن الحرب ومآسيها وعن دأب الروس على محو كل ما يخرج عن سياق الثقافة الروسية وأدبها، فظهر موقع Chytomo مثالاً عن البنية التحتية الثقافية الأوكرانية في ظل ظروف الحرب، ويعد هذا الموقع أكبر وسيلة إعلامية مستقلة تقدم أخباراً أدبية وثقافية أوكرانية أثناء الحرب وتغطي النشر والعمليات الأدبية المعاصرة في أوكرانيا، ويوافر هذا الموقع الأخبار والملخصات والاختيارات والتحليلات حول الأحداث الرئيسة في مجال النشر والأدب الأوكرانيين، كما يمنح الصوت للأعمال الرائدة وللمؤلفين والفنانين الأوكرانيين مقدماً توصيات للترجمة إلى لغات أجنبية، ويبدو إذاً أن الكتّاب والناشرين والصحافيين الأوكرانيين ليسوا تحت قصف روسي عسكري فقط، بل هم تحت نير عملية محو منهجي للثقافة الأوكرانية، إنما كما تقول الأغنية الأوكرانية العائدة لعشرينيات القرن الـ 20: “لم يجلب البكاء الحرية لأحد، مَن يقاتل هو وحده من يتحرر”، ليبدو أن أدباء أوكرانيا لا يملكون ترف البكاء هذه الأيام، وأنه لا بد لهم من القتال لإنقاذ لغتهم وأدبهم ومنع كتّابهم الذين قُتلوا من أن يُقتلوا مرة أخرى.

المزيد عن: أدب أوكرانيالحرب الروسيةالثقافةاللغةالهويةالحريةالذات الجماعيةنيكولاي غوغولالكتبالمطابع

 

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili