ثقافة و فنونعربي مهى سلطان : رحيل سيزار نمّور… حارس الذاكرة الفنية في لبنان by admin 9 مايو، 2021 written by admin 9 مايو، 2021 48 رحل الناقد والمؤرخ الفني سيزار نمّور بصمت، انسحب من ظلمة الحياة الى النور، بعد معاناة المرض وطويت معه صفحة مجيدة من العصر الذهبي لثقافة بيروت وفنونها ومعارضها، تاركًا بصمات لا تنسى في ذاكرة الفن التشكيلي الحديث والمعاصر. بيروت- النهار العربي / مهى سلطان سيزار نمّور شخصية استثنائية قلّ نظيرها في عالم الكتابة والتأريخ والمعرفة باستراتيجيات الادارة الفنية، له الكثير من الانجازات في الاعمال المتحفية ولجان التحكيم وتنظيم المعارض وإدارة الغاليريات فضلاً عن كونه صاحب أهم دار نشر متخصصة بالفنون. أتى على النقد متأخّراً من دون أن يفكّر يوماً بأنه سيكون ناقداً، وذلك من فرط ولعه بالفن ورعايته واخلاصه له. مشى في درب الفن كمن يمشي في مواكب الفرح يحتفي بالفنانين ونتاجاتهم ويخصهم بالكتب ويقتني أعمالهم ويوثّق ذاكرتهم. وصفه الناقد جوزف طراب بأنّه “محرّك للثقافة، والمحرك مبدِع وهذا الدور ليس بمقدور أي ناشط ان يلعبه، وهو رفيق درب طويل وصديق تعود صداقته الى العام 1973، كان كريماً وشجاعاً بذل من أجل الفن طوال حياته، لم يغلبه المرض بل ظل هادئاً راضياً حتى أسلم الروح بهدوء ورحل كرجل صالح”. سيزار نمور ذاكرة الفنّ اللبناني بدأ سيزار نمّور جامعاً للأعمال الفنية ثم لمع كشخصية مركزية في المشهد الفني، ليشهد على حقبة فنية طويلة تمتد من سبعينات القرن العشرين التي عرفت ذروة الازدهار مروراً بمرحلة الحرب وما بعدها وصولاً الى المرحلة الراهنة من التداعي الثقافي. لم يعرف طوال تلك السنين اليأس والتشاؤم والاحباط بل ساهم في استقطاب جمهور الفن الى فضائه الرحب، أميناً على الذاكرة المؤسسية للفن اللبناني المعاصر، وهي مؤسسة يفتقر اليها لبنان الذي كان يحتاج الى شخصية طوباوية من أمثاله. كان موضع ثقة للعديد من الفنانين الذين خافوا على مصير انتاجاتهم بعد رحيلهم، فأودعوه أعمالهم ليكون وصياً عليها كما حدث مع الفنان صليبا الدويهي الذي أودعه اعماله الى حين تسليمها لإبنته ياسمين، مما عرّضه للدعاوى مع الورثة. ومن مواقفه التي لا تنسى، رعايته للفنانة هلن الخال في سنواتها الأخيرة وخصوصاً خلال فترة مرضها، فقام على جمع مقالاتها وأصدر عنها كتابين عن منشورات “دار الفنون الجميلة” خاصته. الراحل أمام متحفه مقام مشاريع الاحلام الرجل المتأنق البشوش الطيب الذي يلدغ بحرف “الراء” ويكتب ويحاضر غالباً بالإنكليزية، بدأ حياته المهنية في إدارة الأعمال بعد دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت ليتابع بعدها تخصصه العالي في واشنطن حيث اعتاد زيارة المتاحف. ومنذ ذلك الحين نما شغفه بالفن، وكانت بيروت كما عرفها سيزار نمّور، المدينة الصاخبة بالفنون الحديثة ومقراً للعرب والأجانب، والبيئة الحاضنة لأي مشروع يساهم في توطيد العلاقة مع الفنانين ومركز لقاء وتعارف بين المثقفين. لكنّ معرفته بوضاح فارس أتاحت له فرصة إنشاء غاليري حملت اسم “كونتاكت آرت” في الحمرا، قبل الحرب عام 1972 ليغلقها في عام 1978. ويتولى بعدها إدارة صالتي عرض بينهما “لا سيميز” التي أقام فيها أكثر من معرض استعادي للفن اللبناني. كانت الكتابة النقدية مشروعاً مؤجلاً لم يتبلور إلا في الثمانينات مع تشجيع الشاعر أنسي الحاج الذي نصحه بنشر مقالاته عن المعارض الفنية، وهكذا تحولت الكتابة من مجرد هواية الى احتراف. كانت الكتابة النقدية مشروعاً طموحاً صقل شخصية المقتني للفن والصناعي وزادته قدرة على استقطاب قراء الانكليزية والعربية الى حاضنة الفن. خلال حياته المهنية الطويلة، كتب العديد من المقالات في الفن، ونشرت له دار الفنون الجميلة نحو خمسة وعشرين كتاباً عن الفن في لبنان، أبرزها عن تاريخ النحت في لبنان، بحيث شكلت كتاباته عن نحاتي لبنان (خصوصاً الأخوة بصبوص) توثيقاً مرجعياً أهمها كتاب “النحت في لبنان” الصادر عام 1990. كان افتتاح مكتبة “Recto Verso“، في منطقة الجميزة بمثابة ذاكرة مرجعية، لطالما كانت مفقودة. وعلى الرغم من صغر حجمها، فإن “ريكتو فيرسو” استطاعت أن تملأ فجوة كبيرة في المعرفة المحلية بالفن الحديث والمعاصر في لبنان والمنطقة. احتوت المكتبة أكثر من 800 عنواناً مدرجاً أبجديًا على الرفوف، بما في ذلك دراسات عن الفنانين وكتيبات المعارض والمجلات والكتب المرجعية. فقط 150 من الكتب معروضة للبيع، والبقية من المجموعة الشخصية لصاحبها ومعظمها نادر أو غير مطبوع ويصعب العثور عليه في أي مكان آخر. متحف مقام من الخارج متحف “مقام” لا أذكر متى وأين… ولكن لطالما عرفته شخصية كاريزماتية. كان سيزار أكثر من صديق تزاملنا لسنوات طوال في العديد من اللجان التحكيمية واللقاءات، كان الوقت برفقته يحمل الكثير من المرح والتفاؤل والايجابية، جمعتنا الكثير من الذكريات خصوصاً في الحقبة التي أنشأنا فيها الجمعية اللبنانية للنقاد التشكيليين ALCA، العام 1998 (تضم كلاً من نزيه خاطر وسيزار نمّور وجوزف طراب وسمير الصايغ وفيصل سلطان وسيلفيا عجميان ومهى سلطان)، كمشروع طموح وهادف. وقد هيأ لنا سيزار كل اسباب النجاح في لقاءاتنا التي انعقدت في نادي خريجي الجامعة الأميركية. كان سيزار دينامو في التخطيط لمشاريع تجمع النقاد العرب حول قضايا الفن. أمضينا الكثير من الوقت ونحن نحلم ونفكر بالغد المشرق لفنون بيروت. في ذلك الحين، كنا ثلة من الحالمين المنسجمين رغم تفاوت تجاربنا واعمارنا، وإذا بنا نتناقص ونتباعد وتذوي بنا الحال وتتوالى علينا الأزمات. آخر لقاء لي مع صديقي سيزار كان على تطبيق الزوم في اجتماع عقده صاحب مجلة “غاليري” الناطقة بالإنكليزية رمزي الحافظ مع أعضاء لجنة تحكيم جائزة المجلة للعام 2021، وكانت إطلالة سيزار شاحبة كان صوته ضعيفاً وصورته في أول الغياب. كان سيزار معروفاً لدى الأخصام انه يستطيع ان يجمع بين الأضداد بسبب ليونة طبائعه وسلاسته، وحسن إدارته للأمور وهي ميزات يصعب ان تتوفر لدى نقاد الفن بأمزجتهم واهوائهم المتناقضة. وفي الوقت الذي تقاعد فيه العديد من أصدقائه وزملائه، أمضىى مع زوجته غابرييلا شاوب في تأسيس مشروع حياته “متحف للفن الحديث والمعاصر”. ليس هناك ولادة طارئة للفن، وانما هناك جذور تمتد أصولها بعيداً في تاريخ شعب، تلك كانت قناعة سيزار الذي دأب على إملاء الفراغ الرهيب الذي أحدثه الغياب الرسمي لمؤسسات الدولة في الحفاظ على هذا التراث والعناية به. لاسيما وأن مساعيه مع زملاء دربه في مفاوضات مع مؤسسات الدولة لإنشاء متحف للفن الحديث باءت بالفشل، لذا قرر مع شريكته زوجته غابرييلا شاوب تتويج مساره بالجوهرة الأخيرة في قائمة مشاريعه حين راهن على لامركزية الثقافة. كان متفائلاً ومتواضعاً ومعطاءً، عشق الفن كما عشق الحياة، وشغفه بشكل خاص بفن النحت، جعل مقتنياته تفيض عن اي قاعة عرض ممكنة، هذا الشغف في ملاحقة احلامه دفعه الى تأسيس “متحف مقام” للفن المعاصر في عاليتا على مرتفعات قرطبا- جبيل، افتتح العام 2013، (يضم 400 منحوتة لـ 115 فناناً) على مساحة ، تبلغ 4000 متراً مربعاً في الداخل و 20 ألف متراً مربعاً في الخارج ، تستوعب حوالي 450 قطعة تم جمعها من الخمسينات حتى يومنا هذا تتيح اكتشاف التراث الفني اللبناني، بالإضافة إلى أعمال تجهيزية منتقاة لتعكس فنون المعاصرة، على اعتبار انها تكمل مسار النحت التقليدي بلا تناقض. ولعلّ أهمية هذا المتحف أنه شكّل موئلاً لفن التجهيزات الذي لا يجد عادة مكاناً له. عهد سيزار نمّور في وصيته إدارة المتحف الى ابنته ديالا من بعده، ورحل مطمئناً طالباً أن يعانق رماده ثرى قرية عاليتا على تلة خضراء قريبة من متحف مقام وتطل على البحر، حيث وجد في هذه البقعة كل الحب والسلام، كمرجع لتحفيز الابداع الذي يجمع فيه جمهور الفن والثقافة، بين أروقة مقام وضيافة الطبيعة. من داخل المتحف المزيد عن : سيزار نمور /رحيل 1 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “شيكاغو” تعيد تحريك عجلة مسارح برودواي في سبتمبر next post جمال القصاص يواجه متاهته الشخصية ويهادن الوباء You may also like عودة يوسف حبشي الأشقر رائد الرواية اللبنانية الحديثة 12 يناير، 2025 مأساة ترحيل الجورجيين من روسيا يرويها فيلم “القديم” 12 يناير، 2025 صرخات المصرية جويس منصور في فرنسا 12 يناير، 2025 عندما يتحول التأويل الثقافي حافزا على عدم الفهم 12 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن : الرسام الهولندي موندريان... 12 يناير، 2025 ليلى رستم تسافر إلى “الغرفة المضيئة” في الوجدان 12 يناير، 2025 زنوبيا ملكة تدمر… هل يسقطها المنهج التربوي السوري... 11 يناير، 2025 (15 عرضا) في مهرجان المسرح العربي في مسقط 11 يناير، 2025 أبطال غراهام غرين يبحثون عن اليقين عند الديكتاتور 10 يناير، 2025 رحيل “صائدة المشاهير”…ليلى رستم إعلامية الجيل الذهبي 10 يناير، 2025 1 comment Start a betting website with our online betting scripts 9 مايو، 2021 - 6:34 م You actually make it seem so easy with your presentation but I find this matter to be really something that I think I would never understand. It seems too complex and extremely broad for me. I am looking forward for your next post, I’ll try to get the hang of it! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.