ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: معرض حسين شريف في أبو ظبي… إعادة صياغة الواقع by admin 26 فبراير، 2024 written by admin 26 فبراير، 2024 201 حاز الفنان حسين شريف على شهرة عالمية في المعارض الدولية لفن التجهيز (INSTALLATION)، باستخدامه لأدوات جاهزة ومستعملة سابقاً، لا سيما بعد انطلاقة بينالي الشارقة الدولي العام 1993 الذي اعتُبر أول قفزة نوعية ونقطة فاصلة في التحولات الفنية نحو الفن الجديد، النهار العربي / مهى سلطان يُعتبر المعرض الاستعادي للفنان حسين شريف الذي يُقام في المجمع الثقافي في أبو ظبي بعنوان “إعادة صياغة الواقع” بمثابة حدث فني واستقطابي بارز (افتتح في 22 شباط/ فبراير ويستمر حتى مطلع سبتمبر/ أيلول 2024). يتضمن المعرض أكثر من 100 عمل فني (لوحات زيتية وكولاج واعمال تجهيزية)، من بينها 10 قطع من أعمال الفنان استعيرت من متحف غوغنهايم ومؤسسة برجيل للفنون للشيخ سلطان القاسمي. الجدير بالذكر انّ مؤسسة “دلّول” في بيروت اقتنت منذ سنوات عملاً تجهيزياً لحسين شريف اسمه “وجوه”، وهو عبارة عن مئات من العبوات المعدنية للمعلبات، التي ثقبها الفنان وحوّلها الى وجوه متعددة التعابير، في إشارة الى ثقافة العصر الاستهلاكي التي بدأت مع فن آندي وارهول. ومن ضمن محتويات المعرض العمل التركيبي الذي يحمل اسم “سيارات”، الذي سبق وشارك فيه حسين شريف في فعاليات معرض “بيروت آرت -فير” مع غاليري سلوى زيدان العام 2015. يُعتبر هذا المعرض الأول من نوعه للفنان حسين شريف، إذ يعكس تطور تجاربه في توجّهات الفن المفاهيمي Conceptual art التي انطلقت في معارض دولة الامارات المتحدة في عقد الثمانينات من القرن الماضي، وذلك بعد عودة أخيه حسن شريف من الدراسة في مدرسة “بايم شو للفنون” في لندن وتأسيسه في العام 1987 للمرسم الحر للشباب في دبي، ودعوته لمزاولة فن جديد غير مطروق في التجارب الإماراتية، من خلال صناعة او صياغة أشياء تتحول الى فن (مغاير ومختلف وغير مألوف وغير تقليدي) الفن الذي يصدم ويثير النقاش. منذ انتسابه للمرسم، حافظ حسين شريف كما يقول على مسار “كسر الأشكال الفنية”، معتبراً أنّ فكراً بالضرورة وراء هذا الكسر، وانّ التكسير هو نوع من التغيير. لذا باتت فكرة “كسر الشكل” هي الأصل والعمل الفني هو تجسيدٌ ماديّ لها. فالفكرة هي ركيزة الإمساك بفلك التجربة ومداراتها، على اعتبار انّها المرجع الأساس، ولولاها لما كان هذا التوجّه الفني الجديد، الذي افسح المجال لولادة الحرّية المطلقة في الممارسات التشكيلية الجديدة في المحترف الإماراتي. يُعدّ حسين شريف مع أخيه حسن شريف من أهم بناة الورش- الفكرية لفنون ما بعد الحداثة، وذلك من خلال سعيهما الحثيث وضع تجارب التجهيز الإماراتي في دائرة الاهتمام المحلي والعالمي. وذلك مبني على فلسفة ما بعد حداثية تقول إنّه بقدر ما يكون العالم مصنوعاً يكون إنسانياً، وكلما ازدادت انسانية العالم يكون ذلك دليلاً على ازدياد صناعات العولمة في تدوير الأشياء المهملة (او الخردة المرمية). فالتدوير في مظاهره الاستهلاكية جعل فن التجهيز أشدّ التباساً وأكثر اتساعاً جغرافياً، وكاد ان يكون في خاماته المتعددة اشبه بالخرافة في المعارض الدولية. لا نار دون احتكاك وتصادم الواقع انّ المواد التي استخدمها حسين وحسن شريف أشعلت خيال الكثيرين خلال عرضها في بينالي الشارقة وفي العديد من البينالات الدولية. فقد استطاع حسين شريف في مراحل تطوير تجاربه الفنية المتلاحقة طوال ثلاثة عقود الاحتفاء برؤى فنون العالم المتغيّر قدر احتفائه بالمحلي، وجعلها واحة إثراء لثقافة العولمة التي تمادت في تفسير مفهوم الفن الجديد وهاجسه، مفتاح جنته وجحيمه، طريق حريته وانعتاقه، وخارطة انصهاره وتلاشيه. فالعولمة كلمة تختزن وعداً باهراً بالانفتاح والارتقاء، قدر ما تخبئ نذيراً وحشياً بالابتلاع والإلغاء. انّه سؤال خطير كان يراود مفهوم الفن الجديد في المرسم الحر في دبي. لم يعد التأثير بالموروث المحلي واستلهامه هو فعل ابداعي، بل انعطف الفن الاماراتي نحو صيغ فن التجهيز القائم على مبدأ التأليف المؤقت ضمن الفراغ، وهي أساليب فنية سريعة الزوال والاندثار، تعتمد نظرية التقاط اللحظة والادهاش. هي فنون لا تقبل الاقتناء او التثبيت، كأنّها تقول للعالم الراهن السريع الإيقاع “اهرب من سطوتك الاستهلاكية نحو العدم”، أو نحو التبدّل من خلال إعادة المواد التالفة الى جوهرها الفني- الحي. هذا ما مكّن حسن وحسين شريف في إعطاء الفن الإماراتي قوة حياة جديدة، تنطوي على حسّ الاحتجاج والدعابة والسخرية من الواقع الاستهلاكي (فن التجميع وفن البيئة)، وذلك من خلال مزاولتهما أساليب فنية جديدة مستمدة من اجتهادات محيطهما البيئي. فالنهوض والتطور والارتقاء في تجاربهما باتت أشبه بشرارة ضوء، لأنّ لا نار دون احتكاك وتصادم وتفجّر ابداعي مغاير ونابض بصور الحياة نفسها. سعى الأخوان حسن وحسين شريف تحويل الفكرة الى فن -إنشاءات من أشياء جاهزة وتافهة وجعلها لعبة تتجدّد كل مرّة وتتغيّر كقصائد- فنية من “تفعيلة واحدة”، تنتشر كنغمات من أشياء (حبال أو جرائد او علب او مواد استهلاكية) وتحويلها الى تكتلات من ركام او مجسّمات فنية على جسد الأرض. نغمات فوضى من تفاصيل الفراغ في مونولوغ الحضارات الصناعية الجديدة. تجهيز من إيقاعات تدوير الأشياء المرمية والمهملة وتحويلها الى متغيّرات تختزل معايير متواليات “الما بعد” أهم بكثير “مما كان”. متواليات تجهيز الفراغ حسين شريف من مواليد دبي-الإمارات العربية المتحدة العام 1960، من مؤسسي جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، درس فن الديكور المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت. شارك (منذ العام 1975) في العديد من المعارض الجماعية التي أقيمت في العواصم العربية (ليبيا، المغرب، البحرين، الكويت ومصر) والأجنبية (الهند، روسيا، اليابان، فرنسا). شارك في العام 1976 في تأسيس مركز دبي العالمي للفنون. أقام معرضه الشخصي الأول في الشارقة عام 1981 وكان بعنوان ” كاريكاتور”، عكس من خلاله مجمل تجلّيات تجاربه في الرسوم الكاريكاتورية التي كان يواظب على نشرها في الصحف والمجلات المحلية منذ العام 1976. من أهم المحطات التي غيرّت مساره هو العمل التجهيزي الأول الذي عكس رؤيته لمتواليات التعبير عن الفراغ، جاء أثناء مشاركته في تشرين الاول (أكتوبر) عام 1983 في معرض جماعي أقيم في النادي الأهلي في دبي بعنوان (سالب وموجب). في هذا المعرض آثر حسين شريف عرض مجموعة كبيرة من الرسومات يتجاوز عددها الـ 40، وهي عبارة عن سلسلة من الصور الشخصية (للفنان نفسه). الرسمة الأولى رسمها الفنان وهو أمام المرآة، أما الثانية فهي تجلّيات عن ملامح الرسم الأول. وهكذا أراد عبر تسلسل الرسوم أن يُظهر كيف انّ الملامح تتغيّر الى ان تصل في الرسم الأخير الى اختفاء كليّ للملامح، وتبقى فقط على مجموعة من الخطوط المتداخلة. عُرضت هذه الرسوم على مساحة 5 أمتار من الجدار مباشرة دون إطار. في هذه التجربة أراد ان يكشف جوهر فكرة راودته، عن تتابع الرسومات بمثلٍ تتابع نصوص، حتى تكاد تكون تجريداً كاملاً للإنسان الواقع ضحية لتدمير صورته. هذه اللوحات عند مشاهدتها من بُعد ثلاثة أمتار ترى وكأنّها سوداء اللون، ولكن عند اقتراب المشاهد منها والتمعن فيها يرى انّ هناك الواناً عديدة قد تمّ مزجها باللون الأسود وموزّعة في مساحات صغيرة وشبه مربعة وبطريقة عفوية ولكنها متناسقة. كانت هذه الفكرة تدور حول فكرة النغمة ولا نغمة في ومضات النور حين يقترب المشاهد من اللوحات او يبتعد عنها. من داخل المعرض في معرض “الفنانون الخمسة” الذي أقيم في صالة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في الشارقة في العام 1994، قام حسين شريف بإنتاج عمله قبل العرض بيوم واحد، حيث قام برسم خطوط افقية ورأسية متداخلة بعضها مع بعض، حيث تشكّل هذه الخطوط مربعات ومستطيلات متقاطعة. نُفّذت هذه الرسومات على مساحة 6 أمتار من الجدار، بعضها مرسومة مباشرة على الجدار والبعض الآخر مرسومة على قطع من الأوراق مختلفة الأحجام، حيث ثُبتت على الجدار قبل تنفيذ العمل. سعى حسين شريف في رسوماته التأكيد على مظهر فنون الحدّ الأدنى Minimal art والتشابك في بناءات مفرداته الهندسية من خطوط ومربعات تتشابك كحصيرة. رسم الخطوط بالفحم والطبشور من دون مادة التثبيت، ما يدلّ إلى انّ العمل نُفذّ للمكان ويعرض فترة المعرض ” ثلاثة أيام”، وانّ بعض بقايا الفحم والطباشير متروكة على أرضية الصالة لأنّها تحمل شيئاً من عفوية الرسم والارتجال. هذا العمل مثل بقية تجاربه معرّض دوماً للتلف. حاز الفنان حسين شريف على شهرة عالمية في المعارض الدولية لفن التجهيز (INSTALLATION)، باستخدامه لأدوات جاهزة ومستعملة سابقاً، لا سيما بعد انطلاقة بينالي الشارقة الدولي العام 1993 الذي اعتُبر أول قفزة نوعية ونقطة فاصلة في التحولات الفنية نحو الفن الجديد، لاسيما بعدما أصبح مركزاً لاستقطاب الفنون العربية والدولية ومحطة اختبارية بارزة لفنون التجهيز في دولة الإمارات العربية. كشف الفنان حسن شريف في كتاباته عن آفاق ما أسماه “فن جديد يتجاوز الماضي”، هو في جوهره لحظة إبداع حرّة لا تعتمد على المواد الثمينة بل على صياغات جديدة للمواد الجاهزة وبقايا العلب الفارغة والأوراق المهملة والحصى، أي على بساطة المادة وإعادة تدويرها أو إعادة تأهيلها. وفي هذا المنحى، سعى حسين شريف في اعماله نحو هدف، وهو خلق توازن مع العوامل التي تسبب الفاجعة في التجارب الانسانية الموجعة في الحياة التي تشبه الكارثة. لذا فإنّ اعماله في ذهابها الى ما وراء الفضاء المنطقي، هي نوع من كفاح ثابت ودائم ضدّ الصدمات، ما يجعلها تترك أثراً في الذاكرة. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رضوان السيد يكتب عن: أزمات صنعها القوميون وفاقَمَها الإسلاميون! next post SAG Awards 2024: Oppenheimer dominates ahead of Oscars You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: فيروز… من فتاةٍ خجولة... 19 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: أسود منمنمة من موقع... 19 نوفمبر، 2024 براعة باخ في كونشرتوات براندنبورغ وأثرها الدائم 19 نوفمبر، 2024 في روايته الجديدة… أوبير حداد يصوّر الحرب بعيني... 19 نوفمبر، 2024 16 فيلم رعب تسببت بصدمة نفسية لممثليها 19 نوفمبر، 2024 العداوة والعدو كما فهمهما الفلاسفة على مر العصور 19 نوفمبر، 2024 قصة واحدة من أكبر الأكاذيب في تاريخ حكايات... 19 نوفمبر، 2024 أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024