عمل تجهيزي - لوحات وكتاب وموسيقى (خدمة المعرض) ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: صلاة من أجل الظلام تتوسل الضوء by admin 22 يوليو، 2024 written by admin 22 يوليو، 2024 109 معرض للفنان والموسيقي زاد ملتقى يكتشف في العتمة عمقاً وغموضاً والتباساً وتهيؤات في بحثه عن النور القدسي اندبندنت عربية / مهى سلطان لا شيء يشبه الأمكنة التي رسمها الفنان زاد ملتقى في معرضه “صلاة للظلام” (Oro tenebris)، الذي يقيمه حالياً في “غاليري تانيت” (مار مخايل) حتى الأول من أغسطس (آب) المقبل إلا الكهوف الصخرية التي عاش في كنفها الإنسان الأول في ما قبل التاريخ، يستكشف نظام الكون الغامض تاركاً بصمات يديه على صخورها كعلامات على الوجود، وقد تبدو أحياناً كسراديب المقابر تحت الأرضية (Catacombes) المظلمة في محيط مدينة روما التاريخية، التي كانت تستخدم لدفن الموتى والمبشرين من المسيحيين الأوائل (حتى القرن الخامس الميلادي). بإمكاننا أن نتكهن أيضاً إلهامات المدينة العائمة من مدى سحر البندقية بوميضها الليلي الأزرق وانزلاق القوارب في مياهها تحت جسور حانية. وهو ذا أثر الموت وصمت الحداد وبريق الشمس يتبدى في فكرة هذا المعرض، الذي اختير ليس كسلسلة متجانسة من الأعمال الفنية المختارة، وإنما كمعبر إبداعي أو رحلة تجلت ما بين الـ25 من أبريل (نيسان) والـ20 من يونيو (حزيران) 2024، يصفها الفنان بأنها “رحلة استكشافية بحثاً عن المساحة الداخلية للروحانية النائمة”، وهي منبثقة من التجربة القاسية التي عاش كبوتها إثر خسارته والدته بعد أبيه خلال عام واحد. لوحات من معرض زاد ملتقى في “غاليري تانيت” (خدمة المعرض) زاد ملتقى هو المؤلف الموسيقي الذي انصرف إلى الفنون البصرية منذ عام 1993، وعرضت أعماله التي تمزج بين التركيب والرسم والتصوير الفوتوغرافي والفيديو على المستوى الدولي (خصوصاً في بينالي البندقية)، وهو ابن أنطوان ولطيفة ملتقى الذي احتضن ظلمات الكواليس وصرير العبث المبهج في ظل هذين العملاقين اللبنانيين في المسرح الحديث. وعاش تجربة الحداد والفقد والوداعات في عمله الفني الذي يصفه (في بيان المعرض) بأنه ذو طابع تحولي لا يمكن التنبؤ بمساره المليء بالتشعبات، “إن تقفي آثاره بمثابة إسقاط عبء ما نعتقد أننا عليه، وما نعتقد أنفسنا أننا نكونه، وبالمحصلة فقدان أنفسنا. إنه طريق لن نخرج منه سليمين كأن شيئاً ما يحدث في أعماقنا فيغيرنا. الرسم هو تعلم السماح لحال اللا يقين بالظهور، والتي لم يكن أحد ليتخيل قبل ظهورها كم يكون مظهرها وحده منطقياً”. طقوس مأتمية إلى مناخ طقوسي أو قداس بدائي أكثر مما هو كنسي يدخلنا زاد ملتقى إلى أروقة خيال فيها العبث واللا معقول، وفيها الرمزية والشعر في التعبير عن المتخيل الأثيري وفيها معالم مبتورة من صخور ونبات وأطياف جسور عائمة. فلوحاته تبدو كمشاهد باطنية عميقة الغور آتية من ترسبات الذاكرة تتجلى كاحتفالات بالظلمة في طقوس مأتمية، إذ بحيرات تنساب وقباب تنحني للصلاة والأيدي تتضرع بصمت. ما من همس ولا وقع خطى سوى بريق الذهب الذي يشع من أعماق النفس وحيرتها بحثاً عن الخلاص. إنها الظلمات التي دخل بهوها زاد ملتقى فوجدها تزداد عمقاً وغموضاً والتباساً وتهيؤات في بحثه عن النور القدسي. وهذا البحث شكل تجربة فنية فريدة من نوعها قوامها لوحات قماشية منفذة بتقنيات مختلطة (ألوان زيتية وأكريليك وقشور الجوز وأوراق الذهب وهي العنصر الرئيس والمحفز للفنان)، مع عمل تجهيزي سمعي – بصري عبارة عن مقطوعة موسيقية ذات ترددات واحدة مرفقة بلوحات صغيرة ذات ألوان شبحية صفراء، وكتاب يحوي رسماً حبرياً لتموجات خطية – غرافيكية تشبه تخطيط نبضات القلب ممزوجة بسلالم النوتات الموسيقية. ويصف ملتقى التجهيز بأنه “تعويذات للخروج نحو الضوء. والكتاب عبارة عن مجموعة من الأقوال غير المكشوفة، الفضاء الصوتي عالم من الأشياء الشائعة التي سكنت في المنزل والتي تغني في صدى ذاكرته”. تقاطع الظلام مع نوافذ الذهب (خدمة المعرض) الغرابة والطقوسية وربما قشعريرة الموت تتراءى في لوحات تجريدية في الغالب، تهيمن عليها أشباح الظلال الغارقة في العتمة، إذ تمر أحياناً في فضائها سحابات زرقاوية أو حمراء تلوح منها نوافذ مذهبة هي بمثابة النور القدسي، كأثر من تجربة روحية عميقة عاشها الفنان في البندقية عام 2016 حين وقف أمام كنيسة “سان ماركو” وتساءل عن الثروة الكامنة في المكنونات الذهبية. ثم حل الليل وكشف الذهب عن نفسه في الظلام وأضاءت الفسيفساء الذهبية من تلقاء نفسها، لقد كانت مثل “شمس منتصف الليل” – حسب رواية الفنان – هذه التجربة تعززت بشعور الرهبة والدهشة إثر زيارة قام بها إلى غاليري أكاديمية الفنون في البندقية في نهار يوم عاصف. ويقول “لم يعد بإمكاننا رؤية اللوحات لأن الجو كان مظلماً جداً في الخارج، والشيء الوحيد الذي بقي هو الذهب مع هالات القديسين، لقد ألهمتني كثيراً في الفن”. هذا التأثر بالوهج الذهبي سرعان ما ظهر في علمه التركيبي – المشهدي “شاماش” الذي مثل الجناح اللبناني في بينالي البندقية عام 2017، وهو “طوطم” حي خرجت منه تكاوين مزينة بالنقود المعدنية المذهبة، مرفقاً بكورس موسيقي مع أصوات رهيبة عفا عليها الزمن، يرمز إلى الحوار المكاني والزماني بين ثقافة الغرب ومهد الحضارة التي أشرقت شمسها في العراق وسوريا ولبنان، وما يحدث في حاضرها من موجات عنف وقتل ونهب للثروات. ضوء بين الأصابع وثمة شعور بأن شيئاً يترسب في القعر وشيئاً آخر يعوم في الفضاء، في لوحات زاد ملتقى التي تخلو من الأبعاد المنظورية ولكنها توحي بها من غير سبيل. إذ تتقدم للعيان حركة على السطح تقود العين إلى تشعبات الظل المتقاطعة مع صفائح الذهب من دون أن تفضي إلى مكان، بل إلى مزيد من المجهول والمضي في رحلة الظلام. والفنان يلتقي روحه التائهة ما بين الحياة والموت تحت وطأة الفقد. هذا الفقد الذي يبدو خلاء مثل ضريح أو مثل غابة في تجاويف الليل الذي يخيم على كهوف بدائية ترقد فيها المياه النائمة، إذ لا حركة ولا همس ولا شيء يدل على الحياة سوى هتاف الأيدي التي تسعى إلى النور. هذا التوحد الذي يعيشه الفنان ما بين مشاعره وتجاربه وذاكرته ينعكس على علاقته ليس بفكرة العمل الفني فحسب، بل بأدواته وخاماته وملامسه، بلا افتعال بل بالتواطؤ مع ينابيع الإلهام المتأتية من الرؤى الباطنية. لذلك بالإمكان أن نصف لوحات زاد ملتقى بالمناظر الحلمية المشغولة بالوسائط المتنوعة التي تؤثر في الانطباعات البصرية وما تتركه من آثار ظاهرة يأتي في مقدمها بصورة أساس استخدام رقائق الذهب، وهي طاغية على مشهديات الفنان الشغوف بتطبيقها إذ يصفها بأنها “مرنة للغاية. وجميلة جداً، ليس لها وزن، يبدو الأمر كما لو أن هناك ضوءاً بين أصابعك”. بصمات أيدي من إيحاءات فن الكهوف (خدمة المعرض) لا يلمع ضوء إلا في ظلمة، ورقائق الذهب التي دخلت في المواد والوسائط التي استخدمها بعض الفنانين المعاصرين حول العالم في مناظرهم التجريدية لم تقدم سوى بهجة التزيين اللوني اللماع بعيداً من ذاكرة الفن الديني، أما في أعمال زاد ملتقى فهي ذات مبتغى تعبيري يلتقي فيه الديني المقدس بالدنيوي. فهو يسعى إلى الغوص في اللا وعي بحثاً عن أماكن الضوء اللا مرئية في أعماقه لينقلها من خلال ومضات اللون والذهب، مع إسقاطات من التجارب الغنية التي اكتسبها في بحثه عن أركيولوجيا الذاكرة. فقد جال في الأمكنة القصية وتأثر بالجانب الخام البدائي للفن القبلي وفن الكهوف في استحضار الماضي الإنساني، لما يمنحه من إلهام وإثارات بصرية وغرائبية كونها مساحات أكثر عمقاً يمكن للإنسان المعاصر أن يواجهها على هذا المستوى من العمق والرحيل إلى ما وراء العالم وما هو خلف المرئي من موجودات الكون الخفية بحثاً عن التجاوز. المزيد عن: الفنون التشكيليةعصور ما قبل التاريخالمسرح الحديثالحدادالحياة والموتمدينة البندقية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أدب السيرة… حيوات قديمة يعاد بناؤها next post الحرائق تلاحق إسرائيل والاعتقالات تطاول الفلسطينيين You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024