ثقافة و فنونعربي مهى سلطان : الجولة العالميّة للفنّان عارف الرّيس… سيرةٌ يكتبها الغرب by admin 22 يناير، 2023 written by admin 22 يناير، 2023 20 من أرض الأحلام ورقصة “التام تام” على قرع الطبول في أحضان الطبيعة الوحشية للقارة الزنجية، حيث عاش مراهقته متحرراً من كل القيود والضوابط، إلى عاصمة الأنوار باريس، حيث تفوّق في دروس الإيماء والرقص التعبيري، بيروت- النهار العربي \ مهى سلطان اختُتمت الجولة العالمية المكرّسة للفنان عارف الرّيس (1928- 2005) بمعرض يحط رحاله في هامبورغ (ألمانيا) يستمر لغاية آخر يناير 2023، بعد عشرة معارض متتالية لإنتاجه، أقيمت في عواصم عالمية وعربية (شيكاغو وليون وبرلين ودبي)، كان آخرها المعرض الذي استضافته مؤسسة الفنون في متحف الشارقة بالتعاون مع مؤسسة عارف الرّيس وغاليري صفير زملر Zemler، ضم مختارات من نتاجه الفني المتنوع ما بين اللوحات والرسوم والأعمال الورقية والمنحوتات والأعمال الجدارية التي أنتجها على امتداد خمسة عقود، مسلطاً الضوء على ثراء ممارسته الفنية، وتجليات هذا الحداثي العربي المهم الذي عُرف بغزارة إنتاجه. ساهم ذلك في توسيع دائرة الاهتمام العربي والأجنبي بتجربة فنان لبناني من طليعة جيل الحداثة العرب، وصل في السنوات العشر الأخيرة بعد رحيله إلى أكبر المنصات والمتاحف الفنية والمزادات العالمية منها كريستيز – دبي ومتحف ليون للفن المعاصر. إذ لطالما عُرف بالجرأة والتمرد والسفر والغربة والترحال، لكنه لم يستقر إلا في فنه، ولعل من أكثر النواحي التي تستقطب إليها أقلام النقاد الأجانب هو الشخصية الفذّة لهذا الفنان وسيرته الغنية بالتجارب والانقلابات والنجاحات والأحزان وانفتاحه على العواصم العربية والعالمية ومختلف الثقافات قبل العولمة، ما جعله يتخطى زمنه التشكيلي ليتربع مشهدية المعاصرة. العالم اللامتناهي لعارف الرّيس، متشابك الخيوط ومختلط بسيرته الشخصية وقناعاته وأفكاره وحوادث عصره التي عاشها بزخم منقطع النظير، نشأ على الفلسفة الروحانية لكمال جنبلاط، هو الفنان العصامي المتحرر من كل القواعد، والمتمسك بواقع الإنسان وعلاقته بالعالم والوجود، امتلك بوعيه السياسي القدرة على تجاوز الأيديولوجيات والأحزاب متعاطفاً مع الحرية، انغمس في قضية حرب استقلال الجزائر، ونضالات تحرير “العالم الثالث” بما فيها بلدان العالم العربي، فضلاً عن نضال الأميركيين الأفارقة وأميركا اللاتينية، والحرب على هيروشيما، وهزيمة العرب في نكسة حزيران عام 1967، كما تعاطف مع القضية الفلسطينية، ومن ثم عاش أهوال الحرب الأهلية اللبنانية التي أدمت قلبه. ولطالما عبّر عارف في أعماله عن خشيته من وقوع تلك الحرب المدمِّرة، من خلال أعمال انتقادية ساخرة حملت عنوان “رؤوس وأقدام” عام 1969 كما انعكست أيضاً في فحوى معرض “دماء وحرية”، وهي أعمال سبقت الحرب التي رأى الفنان بحدسه السياسي إنذاراتها. أما اللوحات التي أعقبت حرب السنتين فجاءت ذروة في التعبيرية السوداوية والدموية، أسفرت عن إنجازه سلسلة من الرسوم جمعها في كتاب “الطريق إلى السلم” (عام 1978). بساط الريح وتجريد من المرحلة الأميركية يأخذ المعرض الحالي في هامبروغ، في اعتباراته عرض نماذج من مراحله الفنية، إلا أنّ الفترة الزمنية التي يستهدفها هي الواقعة ما بين 1960 حتى 1988، وينطلق من مجموعة أعمال، وقّعها الفنّان أثناء إقامته في إيطاليا مطلع الستينات وتأثّره بـ”مدرسة باريس”، وفيها كشَف عن محاولته التجريدية الأولى، واعتماده لها بوصفها انعطافة، عن الفترة التي تسبقها أي شاعرية الخمسينات المأخوذة بالمناخ الأفريقي. هكذا تُعطي التظاهرة مجالاً أعمق للنظر النقدي في الأعمال وانتماءاتها المرحلية، بالنسبة لفنان عُرف بأنّه أحد ممثّلي التجريب والتنوّع في المشهد الفني اللبناني، خلال النصف الثاني من القرن العشرين. عارف الريس متوسطاً رجالاً ونساءً من السنغال من أرض الأحلام إلى معترك الحياة كان شاباً مفتوناً بالحركة ومبهوراً باللون والنور، حين ذهب إلى السنغال في أفريقيا، بعد أول معرض أقامه لأعماله في قاعة الوست-هول (الجامعة الأميركية – بيروت) عام 1948، ليساعد والده في أعمال اللتجارة، فإذا به يعيش تجربة فريدة من الإلهام الفني والبوهيمية الشبيهة بتجربة بول غوغان في أحضان تاهيتي والطبيعة البولونيزية. فالمكان حمل كل مواصفات الجمالية الغرائبية الكامنة في الطبيعة الزنجية، هذه المناخات التي جعلت منه فناناً حقيقياً مشحوناً بالفطرية والتعبير المتحرر في تفسيره معايير الجمال كما يراها ويحسها في الواقع، من خلال رسم الموديلات الحيّة التي تمثلت في وجوه الناس وقوام النساء الأفريقيات وحاضنة الطبيعة الاستوائية التي منحته الحرية والاستقرار وطمأنينة العيش وسط البشر الذين يرتدون ألواناً زاهية ويرقصون عراة حتى الفجر على اعتبار أن أجسادهم جزء من جمال الطبيعة. يتذكر عارف قول الحاكم الفرنسي في السنغال “إنك اللبناني الوحيد الذي يأتي هذه البلاد لا ليجمع الثروة بل ليرسمها ويعيشها”. عارف الريس متوسطاً رجالاً ونساءً من السنغال من أرض الأحلام ورقصة “التام تام” على قرع الطبول في أحضان الطبيعة الوحشية للقارة الزنجية، حيث عاش مراهقته متحرراً من كل القيود والضوابط، إلى عاصمة الأنوار باريس، حيث تفوّق في دروس الإيماء والرقص التعبيري، فكان حائراً يشكو حيرته لصديقته سلوى روضة شقير التي وجدته يصارع قدره محموماً من فرط الخيارات التي كانت متاحة لموهبته، ولكنه من دون تردد وجد مكانه في محترفات كبار الرسامين المحدثين من أمثال أندريه لوت وفرناند ليجيه والنحات زادكين. كان معجباً ببيكاسو لكنه تأثر أكثر بأعمال هنري غوتز لسبب مناخها التجريدي الحار المشبع باللون، وكلاهما يتوافقان مع طبيعة عارف الرّيس الميالة إلى البدائية والفطرية والتسطيح والتعبير التلقائي. في باريس تعرّف على ما لا يُحصى من الفنانين العرب والأجانب الذي أضحوا أصدقاءه، سافر إلى روما وفلورنسا قبل أن ينتقل إلى نيويورك، حيث خاض تجربة التجريد الأميركي لمدرسة نيويورك بعدما تعرّف هناك إلى مارك روثكو أحد أقطابها البارزين، فاستمد من حكايات بساط الريح في كتاب ألف ليلة وليلة، تأويلات شرقية للسفر في الفضاء، معتمداً على السلطة الروحية للون والمدى الذي يمنحه للنفس والبصر. شخصيته القيادية جعلته واحداً من مؤسسي الاتحاد العام للتشكيليين العرب، وإحدى ركائزه، حقق إنجازات هائلة في المملكة العربية السعودية بعدما زيّن ساحاتها وجاداتها بالتماثيل والنصب التذكارية (جدّة والرياض وتبوك)، ثم أتت هجرته القسرية إلى لندن مكللاً بالأوجاع النفسية والخيبات والانكسارات قبل عودته الأخيرة إلى مسقط رأسه في عالَيه (لبنان)، حيث أسس سمبوزيوم للنحت استقطب إليه أبرز النحاتين المحليين والعرب. عاش سنواته الأخيرة، محتضناً مربعاته القماشية بعدما عجز عن الوقوف أمام لوحاته، فراح إلى طفولة فنية دافئة بين الألوان وصور من حوادث ووجوه وذكريات. لعل أجمل سنيّ حياته هي السنوات التي عاشها مع زوجته مارتا أبو الحسن وابنته هالا في منزله الذي صممه له المهندس المعماري الشهير حسن فتحي في الأوزاعي على شاطئ البحر في ضاحية بيروت الجنوبية، حين فتح صفحة جديدة في حياته بين فنه ورعايته لأسرته وحلقات أصدقائه وحكايات يومية مع أمواج البحر، لكن البيت لم يصمد أمام القذائف التي انهالت من البارجة الأميركية نيوجرسي على تلك المنطقة، فهاجرت زوجته إلى مكان وهو إلى مكان آخر حيث عاش لوعة الفراق وحسرة الهجرة. السرّ هو القدرة على التأقلم واستيعاب الواقع مهما كان صعباً من خلال التعبير الفني الذي يُخرج مكنونات النفس إلى العلن، ليس كوسيلة للنسيان والتّمتع، بل كوسيلة للاستمرار. عارف الرّيس الصديق الذي واكبتُ مساره الفني على مدى عقود من السنين، كان لديه دوماً طرائقه لتجاوز المحن، هو المعروف بضحكته الرنانة وسخريته اللاذعة وحكمته وحبه العميق للحياة، لطالما آمن بأن الفن قدره. وبهذه القدرية مشى بين شهوة غرائزه وعقله ومشاعره التلقائية ومكتسباته المعرفية ومغامراته التي وضعته أمام خيارات عدة صعبة وحاسمة، على المستويين الشخصي والفني. فهو من أكثر الفنانين جرأة في اختراق التابوهات والتقاليد الاجتماعية والفنية، لذا لم ينخرط في مدرسة فنية محددة، بل ظلت مدرسته الأولى هي الحياة، كاشفاً عن عيوب المجتمع وعوراته وفضائحه التي عرّاها على حقيقتها من خلال حياة الليل لدى المومسات، في مجموعة من الأعمال حملت عنوان “زهرات شارع المتنبي”، عرضها في غاليري كونتاكت في بيروت عام 1971. منحوتة اسم الجلالة في جدة – ساحة الملك فهد المقترب الحداثي حداثيّ من مقتربه الخاص، وهو من طلائع الحداثيين في لبنان، الذي امتلك امتداداً وعمقاً عربيين. عاش في قلب الصراعات التي تتنازع بين الشرق والغرب بحثاً عن هوية عربية، فاتحاً السجالات للحوار والنقاش، محتفظاً بذلك الخيط الرفيع من البُعد النقدي. ظلت تعبيريته متحركة، مع مشاعره الجياشة وانتمائه العربي وقلقه الوجودي. كان من أوائل الفنانين الذين زاولوا التجريد، لكنه لم يتخل عن علاقته بالواقع والأسلوب التشخيصي. بدأت علاقته بالتجريد في حقبة مبكرة من حياته أثناء وجوده في إيطاليا في الستينات من القرن العشرين، معتمداً على التجريب في الخامات والمواد (غراء ورمل ومواد لونية مختلفة) بحثاً عن التجديد بالمعنى الغربي، غير أن المقاربة الثانية للتجريد كانت وسط فناني مدرسة نيويورك التي قلبت لديه عالم المنظور، لكن قلائل الذي يعرفون أن مدارك عارف الرّيس في التجريد وجدت مكانها الحقيقي في الصحراء وفي جمالية الخط العربي، الذي استمد منه تصاميم منحوتاته النصبية التي نفذها في المملكة العربية السعودية، حين حوّل الحروفية التشكيلية إلى حروفية نحتية مقروءة في الفضاء، في نهوض هندسي – بنائيّ، حيث يأخذ التجريد معنى التجرّد النوراني، في تفسير علاقة الإنسان بالخالق والوجود. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مقابلة في “مكان سري”… لاعبة الشطرنج الإيرانيّة سارة خادم التي انتقلت إلى إسبانيا تشرح قرارها عدم وضع الحجاب next post ’’إنها ليست نهاية الجائحة‘‘ تُحذر السلطات الصحية الكندية You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024