الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » مهى سلطان: التّغريبة الأولى” للفنان عارف الرّيس في أول معرض بعد رحيله”

مهى سلطان: التّغريبة الأولى” للفنان عارف الرّيس في أول معرض بعد رحيله”

by admin

عارف الريّس، الذي نشأ على الفلسفة الروحانية لكمال جنبلاط، الفنان العصامي المتحرر من كل القواعد، والمتمسك بواقع الإنسان وعلاقته بالعالم والوجود، لم يكن بمنأى عن حوادث عصره، بل انغمس في قضية حرب استقلال الجزائر، ونضالات تحرير “العالم الثالث”،

 بيروت- النهار العربي \ مهى سلطان

بعد ثماني سنوات قضتها الكوميسيرة الفرنسية كاترين دافيد في الأرشفة والتوثيق والتجميع، لمراحل الفنان اللبناني الراحل عارف الريّس (1928- 2005)، تمّ افتتاح المعرض الاستعادي الذي طال انتظاره في غاليري صفير زملر في الكرنتينا (حتى 8 كانون الثاني 2022). وقد اعتبرته دافيد نفسها بأنه عمل تمهيدي لمعارض أخرى ستقام في الخارج بين عامي 2022-23، ولذلك وصفته بالمعرض “صفر”.

والمفارقة أنه حقاً “صفر” من حيث المستوى والعرض! فالثمرة الأولى للمعرض المونوغرافي الأول لعارف الريّس بعد غيابه جاءت مخيبة للآمال، لأنه لا يقدم شيئاً عن فنان هو من أكثر فناني الحداثة في لبنان زخماً وتنوعاً وعروبة وتمرداً وتحولاً وتجريباً وارتحالاً وتجذراً، إن لم نقل أكثر فناني جيله إثارة للجدل.

ما الداعي إذاً لقيام معرض لا يعدو كونه عملاً تجميعياً تحضيرياً يخلو من أي معلومات ترشد الزائر الى حياة الفنان وأعماله؟ أو يزعم بأنه استعادي، ثم يتنكر لهذه الاستعادة بحجة الظروف الصعبة، وعدم وجود فريق علمي، ونقصان الأرشفة والجرد والتصنيف، وعدم وجود أعمال كاملة تغطي مسيرة الفنان؟

وما جدوى رؤية أعمال عارف الريّس معلقة على الجدارن من دون أي إشارة الى سياقاتها التاريخية ومميزاتها الفنية ومؤثراتها ومحتواها الفكري، فجاءت المراحل مقسمة على قاعات متتالية بلا تمهيد ولا مرتكز توثيقي، ينسحب الأمر كذلك على المنحوتات المعروضة وعلى ألبوم الصور الشخصية للفنان التي تمثل حقبات عديدة من حياته وأسفاره، وهي خالية أيضاً من المعلومات التي تؤرخ لهذه الصور، خصوصاً تلك التي تجمعه بشخصيات مرموقة لبنانية وعربية ودولية؟

وهذا يشير في الواقع إما الى نقص معرفيّ لدى الكوميسيرة القيّمة على المعرض، بالفنان ومفاصل حياته ومراحله، بما يؤهلها لكي تقدم للأعمال المختارة، تحليلاً وتوثيقاً بالمستوى اللائق الذي يستحقه، أو مرده الى الاستسهال والاستهتار بالذائقة الفنية اللبنانية ومتطلباتها وشروطها، في نظرة دونية لمكوّناتنا الثقافية، التي تعتبر من أبرز مقوماتنا الجمالية المتأتية من موروث تشكيلي كبير لا يستهان به؟

من المعرض

صمت وفراغ

أولاً، لمَ الاستعانة بكوميسيرة أجنبية استغرقت وقتاً طويلاً كي تتعرف إلى فنان تجهله كلياً وتجهل تاريخ بلده، ولكي تعرف عنه أكثر سيتطلب منها الأمر سنوات طويلة، لا سيما أن أرشيف الفنان عارف الريّس ومدوّناته وكتاباته معظمها باللغة العربية!؟ ولا تفيد في هذه الحالة الاستعانة بابنة الفنان لأنها تجهل بدورها العربية، وهي أصرّت على أن تسلم مفاتيح فن والدها الى القيّمة كاترين دافيد؟ ولمَ يُستبعد الخبراء اللبنانيون؟ لما لا يوضع أرشيف الفنان وأعماله ومحفوظاته، بين يدي هيئات محلية تضم نقاداً وأصدقاء الفنان نفسه والمقربين منه؟ هل لأن الموجة الصاعدة مع إرهاصات المعاصرة مقرونة بوجود نساء أجنبيات ومدراء أجانب يديرون دفة الثقافة على ضوء إغراءات الوصول الى العالمية، على اعتبار أن الأجانب أكثر قدرة على نقل المشهدية المحلية الى المعارض والمتاحف الأجنبية؟ يبدو أن هذه الذريعة هي الحقيقة الوحيدة والمؤكدة والأمثلة كثيرة.

أما لبنانياً، فقد اعتدنا أن نرى معارضَ استعادية “ذات نوعية” عن كبار فنانينا، غالباً ما كان موئلها متحف نقولا إبراهيم سرسق بإدارته التنظيمية التي تضم خبراء (خصوصاً السيدة سيلفيا عجميان)، وكانت تلك المعارض مرفقة بكتيبات تشتمل على معلومات موثقة، فضلاً عن كتابات النقاد والمؤرخين والدارسين لهؤلاء الفنانين، ولكننا في هذه المرحلة من الافتقار للمستوى المرموق والتبعية والالتحاق بالموجة الجديدة، بتنا نرى صورة الفنان مهزوزة ومبتسرة بعين أجنبية.

المؤسف حقاً أن الزائر للمعرض الذي اشتاق لعارف الريّس، ذلك الرجل  المنغمس بشهوة الحياة حتى الثمالة، والمعروف بشخصيته المثقفة العميقة وحيويته وديناميته في التعاطي مع القضايا الفنية والسياسية والاجتماعية، يصاب بالخيبة من شدة الصمت والفراغ اللذين يخيمان على هذا المعرض الحزين. لا يستحق عارف الريّس هذه التغريبة عن نفسه وواقعه وأهله وناسه وأحبائه وأصدقائه.

من-مرحلة-رؤوس-1972

 

المراحل وتحوّلاتها

يستقبلك المعرض بلوحات جدارية من نوع الكولاج، تتمثل كذاكرة معقّدة عن الحقبة المأزومة التي عاشها عارف الريّس في لبنان بدءاً من العام 1992، وحيداً في منزله في عاليه يجمع المجلات والصحف ويتعقب الأخبار والأنشطة الثقافية والحوادث اليومية، ليقوم بالقص واللصق مع الرسم والتلوين طوال أيام وليال من السهر، يخاطب الأشياء ويواجهها ويعقّب عليها رسماً وتلويناً أو بتعليقات ساخرة مكتوبة بخط اليد. ولم يكن التأزيم متصلاً بقضايا الوطن الجريح الذي دخل وقتئذٍ في مرحلة السلم الأهلي بعد انتهاء الحرب، بل بحياته الشخصية التي سجلت مرحلة من الكآبة عاشها في لندن قبيل العودة الى لبنان، بعيداً من زوجته مارتا التي هجرته الى فنزويلا، وكانت الليدي ديانا وقتئذٍ أيقونة المجتمع اللندنيّ الذي يتعقب أخبارها وإطلالاتها، ونجمة أغلفة المجلات البريطانية. شغلت الليدي ديانا عارف حتى عشق تلك الشخصية بإطلالتها المميزة بشعرها القصير الذي يذكره بقصة شعر زوجته مارتا. لذا ترددت صور الليدي في أكثر من موقع من تلك الجداريات، التي خبّأ فيها أسراره وآراءه وأفكاره الجريئة، حتى كادت أن تشبه يومياته، التي لم يكن يخفيها عن أصدقائه المقربين وأنا منهم، نحن الذين تقاسمنا معه رغيف الذكريات. اللافت في مرحلة الكولاج التي عرضها عارف عام 2001 في مسرح المدينة (كان مقره كليمنصو) هو الأحجام الكبيرة التي تتصف بها هذه الأعمال ذات النبرة الانتقادية الساخرة والعبثية واللعوبة والجريئة، وهي مشغولة ليس بالعفوية فحسب، بل بالتفكّر والتدبير في جمع تلك القصاصات والعناوين ومانشيتات الصحف وصور الأصدقاء وحشود الشخصيات التي وضعها بجوار بعضها البعض لتوليد أفكار لم تخطر ببال أحد، وهي ما زالت مفتوحة على التأويل، لأنها تعكس ليس الذاكرة الذاتية فحسب، بل الذاكرة الجماعية.

تفصيل من جدارية كولاج – الليدي ديانا

 

يكشف المعرض عن بعض اللوحات الزيتية التي تعود الى الحقبة المبكرة من نتاج الفنان ما بين أواخر الأربعينات والخمسينات، وهي من نوع البورتريه لشخصيات من أفراد العائلة والأقرباء والمحيط الاجتماعي في عاليه مسقط رأسه، تعكس عادات وتقاليد أهل الجبل بأسلوب فطري يعتمد على إبراز السمات المميزة لكل شخصية، انتقالاً الى المرحلة السينغالية التي عاشها عارف الريّس مراهقاً في أحضان الطبيعة الأفريقية، كما عاشها من قبل بول غوغان في جزر تاهيتي بحثاً عن البدائية المُهلمة، وهي تمثل النزوات الشخصية البوهيمية لعارف الذي ترك أعمال التجارة المنوطة بالعائلة مقابل أن يرسم مشاهداته البصرية المفتونة بالبيئة الزنجية. ولعل التأثيرات التي تركتها رقصة “التام تام” وتأملات تلك العلاقة العفوية بين الإنسان والطبيعة، هي التي دفعت عارف أثناء إقامته في باريس للالتحاق بصف الرقص والتعبير الإيمائي، ثم لينخرط في أكاديمية الغراند شوميير، ومحترفات أندريه لوت وفرناند ليجيه دون أن يخفي تأثراته العميقة بفن بيكاسو.

بالانتقال الى الأعمال التجريدية التي أنتجها عارف في إيطاليا، حيث أمضى أربع سنوات ما بين مدينتي روما وفلورنسا، يقدم المعرض بعض التجارب الحداثية التي أثمرت رؤى خاصة في التجريد قائمة على الاشتغال على السطح التصويري على أنه جدار يحمل شتى العلامات والبقع والآثار، لذا اعتمد على الرمل والغراء وقطع زجاج أحياناً في دنوّ من تجارب السورياليين في بث الإيهامات المتأتية من إبداعات التقنية، وهي أعمال عرضها عارف في بيروت وقتئذٍ في غاليري لا ليكورن عام 1963. لتأتي بعدها المرحلة الأميركة عام 1964، التي أسفرت عن وجود مرحلة “بساط الريح” التي عكست تفاعل عارف الريّس مع اتجاهات التجريد اللوني التي كانت سائدة في مدرسة نيويورك.

تجريد من المرحلة الإيطالية

 

عارف الريّس، الذي نشأ على الفلسفة الروحانية لكمال جنبلاط، الفنان العصامي المتحرر من كل القواعد، والمتمسك بواقع الإنسان وعلاقته بالعالم والوجود، لم يكن بمنأى عن حوادث عصره، بل انغمس في قضية حرب استقلال الجزائر، ونضالات تحرير “العالم الثالث”، بما فيها بلدان العالم العربي، فضلاً عن نضال الأميركيين الأفارقة وأميركا اللاتينية، والحرب على هيروشيما، وهزيمة الحرب في حزيران 1968 والعمل الفدائي الفلسطيني، وصولاً الى الحرب الأهلية اللبنانية التي أدمت قلب الفنان. ولطالما عبّر عارف في أعماله عن خشيته من وقوع تلك الحرب الدامية من خلال أعمال انتقادية ساخرة حملت عنوان “رؤوس وأقدام” عام 1969، كما انعكست أيضاً في فحوى معرض دماء وحرية، وهي أعمال سبقت الحرب التي رأى عارف بحدسه السياسي إنذاراتها. أما الرسوم التي تعكس أهوال الحرب اللبنانية فقد اقتصرت على عرض كتابه “الطريق إلى السلم” (عام 1978).

ثمة لوحات قليلة من مرحلة بيوت البغاء التي رسم فيها “زهرات” (مومسات) شارع المتنبي في بيروت، تمثل جانباً من الأعمال التي تؤرخ لتلك المرحلة من عام 1973، وهي تجربة خاضها عارف بكل جوارجه على طريقة الفنان تولوز لوتريك، فريدة من نوعها وجرأتها في الكشف عن عيوب المجتمع اللبناني الغارق في فساده ومصالحه الضيقة منذ ذلك الحين.

من زهرات شارع المتنبي 1970

في صحراء النّور

قيل كثيراً عن الشخصية المحيّرة لعارف الريّس بتناقضاتها وتنوعها وتنقلها ما بين الواقع والتجريد، والفن والحياة والحب والقضية الإنسانية، غير أن المرحلة الأكثر صفاءً وحكمة وروحانية في مسيرته تتمثل في الحقبة التي عاش فيها كرسام ونحات في رحاب المملكة العربية السعودية، حيث أمضى فيها حقبة ممتدة من مطلع الثمانينات حتى أوائل التسعينات، زين باحات مساجدها وساحات مدنها بالمنحوتات النصبية، وهي الحقبة التي أعقبت دمار منزله ومحترفه في منطقة الأوزاعي في ضواحي بيروت وخسارة قسم من إنتاجه. أنتج فيها ما لا يقل عن 13 منحوتة نصبية ضخمة بين جدة وتبوك والرياض، جمعت بين مفاهيم الكتابة الحروفية والعمارة وهندسة الأشكال المختزلة، حتى فتح أفقاً جديداً في النحت الحروفي.

في عقد من السنين، هام عارف الريس كثيراً في استكشاف أغوار الصحراء برمالها الذهبية وشمسها الحارقة وتعاريج جبالها وتكاوين صخورها المتشكلة على هيئة قامات إنسانية متداخلة ومجتمعة كعائلة، وهي مناظر تحيل الى التأملات الفلسفية للمنظومة الكونية التي تحفل بالجمال.

كتب عنها عارف قصائد أسماها “صحراء النور” يقول فيها:  الصحراء، المدى، النور/ البعد الواحد… من يدخلها/ كمن يدخل جسد حبيبة تائهة/ شمس لا نهاية لدائرتها/ أتون بسحر كعيون الجن/ لا تدرك ما تدركه الصحراء/ عارية دوماً/ ودوماً أمامك فاتحة ذراعيها…”.

مرحلة الجزائر

المزيد عن: عارف الريّس

 

 

You may also like

3 comments

아이러브밤 15 نوفمبر، 2021 - 12:10 ص

Good day! This is my 1st comment here so I just wanted to give
a quick shout out and tell you I truly enjoy reading
your articles. Can you suggest any other blogs/websites/forums
that go over the same subjects? Many thanks!

Reply
아이러브밤 15 نوفمبر، 2021 - 12:21 ص

Hey this is somewhat of off topic but I was wondering if blogs use WYSIWYG editors or if you have to manually code with HTML.
I’m starting a blog soon but have no coding know-how so I wanted to get guidance
from someone with experience. Any help would be enormously appreciated!

Reply
us marshals badges 14 أغسطس، 2024 - 11:12 م

I found this article to be very eye-opening. Thanks for sharing.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00