X FILEعربي مع السلامة يا أنغيلا.. زعيمة أوروبا تودع الغرب by admin 17 يوليو، 2021 written by admin 17 يوليو، 2021 34 تزور أنغيلا ميركل واشنطن في إطار “جولة الوداع”، وبحلول نهاية العام، سيكون هناك مستشار جديد في ألمانيا. ماري ديجيفسكي تلقي نظرة على حياة ميركل وإرثها اندبندنت عربية \ ماري ديجيفسكي تقطع أنغيلا ميركل بزيارتها المزمعة إلى البيت الأبيض هذا اليوم، شوطاً كبيراً على طريق استكمال جولتها الوداعية على العالم الغربي. فقد حضرت في أواسط يونيو (حزيران) الماضي إلى جانب قادة أغنى دول العالم قمة السبع التي عُقدت في كورنوال. وتوجهت بعد عشرة أيام من تلك المناسبة، إلى قمة دول حلف الناتو لتودع زعماءها قبل أن تلقي تحيات الوداع على قادة الاتحاد الأوروبي حين شاركت في القمة التي عقدوها وكانت آخر اجتماعات على هذا المستوى في الموسم الماضي. ولم يمضِ سوى أسبوع حتى تناولت الغداء مع بوريس جونسون في مقر رئيس الوزراء البريطاني الريفي في “تشيكرز”، ثم تناولت بعد ذلك الشاي مع الملكة في قلعة ويندسور. وتوحي الصور التي التقطت لميركل أن لقاءها بالملكة كان مريحاً أكثر من اجتماعها مع جونسون على مائدة الغداء، فقد بدت السيدتان، المتمرستان في مدرسة السياسة الأقل صخباً، كما يمكن القول، وهما تتعاملان بود مع بعضهما البعض وقد ارتاحت كل منهما لصحبة الأخرى. وتعتبر الزيارة التي ستقوم بها ميركل للبيت الأبيض دليلاً على ما تتمتع به من مكانة لا تُضاهى وهي تستعد للانسحاب من المسرح السياسي بعد 16 عاماً من تبوئها منصب المستشارة الألمانية، لا سيما أنها ستكون أول زعيم أوروبي يتلقى دعوة لزيارة البيت الأبيض في ظل سيده الجديد بايدن. صحيح أن جونسون كان أول زعيم أوروبي اجتمع بالرئيس الأميركي الحالي وجهاً لوجه عشية قمة السبع، غير أن ميركل هي أول من يحظى بشرف اللقاء به في واشنطن. وسيُوجه اجتماع ميركل بالرئيس الأميركي رسالة خاصة للغاية، شأنه في ذلك شأن الجولة الأوروبية التي قام بها بايدن أخيراً. وقد تكون المكاسب التي سيحققها الرئيس من هذا الاجتماع قليلة، باعتبار أن مستشاراً جديداً سيتسلم زمام الأمور في برلين بحلول عيد الميلاد، وربما سيكون على رأس ائتلاف حاكم يجري تشكيله بصورة مختلفة عن الحالي. بيد أن مباحثاته مع ميركل ستعزّز الانطباع الذي دأب على التشديد عليه خلال جولته الأوروبية بأنه رئيس مختلف كل الاختلاف عن سلفه دونالد ترمب. ويمكننا أن نتوقع نشر مجموعة من الصور المصممة خصيصاً لتبدو متناقضة مع أكثر الصور التي تعود إلى سنوات ترمب بلاغة وقدرة على التعبير. ولعلكم تتذكرون إحدى هذه الصور من قمة السبع لعام 2018 التي عقدت في كندا، وبدت فيها ميركل في مقدم زعماء دول أخرى، وكأنهم يعربون عن اعتراضاتهم على ترمب الذي جلس قبالتهم وقد وضع ذراعيه المطويين على صدره بشكل متعاكس في موقف ينمّ عن التحدي. لن يكون هناك شيء من هذا القبيل هذه المرة، بل من المرجح أن ينخرط كل منهما مع الآخر انخراطاً حقيقياً فيما سيسود جو رسمي يدل على الاحترام. وإذ سيكون التناقض بين بايدن وترمب مدهشاً، فإن ميركل ستكون هي نفسها، الزعيمة الألمانية المعهودة لا أكثر ولا أقل. وقد ازدادت مكانتها أهمية خلال ولايتها الرابعة الحالية، حتى صارت أشبه بالزعيمة المعترف بها لأوروبا كلها. والواقع أن أي زعيم وطني أو أوروبي في السنوات الأخيرة لم يقترب من المستوى الذي بلغته ميركل لجهة تمثيل القارة الأوروبية على المسرح الدولي بالحنكة والمرجعية اللتين تتمتع بهما. إلا أنها لم تسعَ إلى أداء هذا الدور، بل لقد فُرض عليها بفضل قيادتها الطويلة وفطنتها الشخصية وكفاءتها المعترف بها في إدارة أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي. يصعب التوفيق حالياً بين شخصية ميركل في وجهيها المختلفين. فهي من جهة، امرأة مألوفة جداً، بقصة شعرها الأشقر القصير وزيها الذي يشتمل على زوجين من الأحذية البسيطة والسراويل السوداء التي ترتديها مع عدد غير محدود من السترات الملونة. بيد أنها من جهة ثانية، الفتاة المبتدئة في عالم السياسة التي بدأت تسلق سلم المسؤولية في الحزب والحكومة بصورة منهجية وهي لا تزال في العقد الثالث من عمرها قبل أن تنقلب بقسوة على هيلموت كول، الذي كان قد شملها برعايته، علماً أنه يعتبر على الرغم من عيوبه الأب الجليل لمشروع إعادة توحيد الألمانيتين. وصلت ميركل في عام 1990 إلى برلمان (بوندستاغ) ألمانيا التي كانت قد توحدت للتو كنائبة عن دائرة انتخابية في ألمانيا الشرقية سابقاً. وصارت بعد عشر سنوات زعيمة “الحزب الديمقراطي المسيحي” (سي د يو). وقد خدمت بين عامي 1990 و2000 في مناصب عدة، استهلتها بعضوية حكومة كول حيث عملت على التوالي كوزيرة لشؤون النساء والفتيات ثم وزيرة للبيئة. وانتُخبت في أعقاب هزيمة كول الانتخابية عام 1998، أميناً عاماً للحزب ورئيسة له (زعيمة الحزب). وتولت عام 2002 زعامة التحالف البرلماني المعارض لحزب “سي د يو” وشقيقه حزب الـ”سي أس يو” ( الحزب الاشتراكي المسيحي)، وتلك كانت نقطة التحول التي شهدت اختيارها منذئذ مرشحة لجناح يمين – الوسط لمنصب المستشار في الانتخابات التي كانت ستجرى في عام 2005. وتدل مراجعة الماضي على أن صعودها المطرّد لتتربع على قمة السياسة الألمانية قد تمّ بطريقة منهجية. غير أن الخط الزمني لارتقائها سلم المسؤولية مخادع. فقد سهلت جهود ميركل تقدمها بشكل أقل مما فعله آخرون ممن مهدوا لها الطريق إلى الأعلى بأخطائهم وكانوا سيعرقلون صعودها لو استطاعوا. بيد أنها تمتعت أيضاً بحسنات وميزات حاسمة، في طليعتها أن شخصية نافذة كانت تشملها برعايتها، إذ اكتشفها في وقت مبكر هيلموت كول الذي كان حينذاك المستشار. فقد اختارها لتسلم منصب وزراي في غضون عام واحد من دخولها البرلمان واعتاد أن يدعوها بـ”فتاتي”، مع أن علاقتهما كانت طبيعية كما يبدو ولم تشتمل على علاقة حميمة أو غيرها من الأشياء غير المناسبة. لكن ربما لاحظ كول أيضاً أن ميركل لم تكن موهوبة سياسياً فحسب، بل كانت تتحلى أيضاً بشخصية مثالية لمنصب مستشار ألمانيا الموحدة في وقت كانت موجة الإثارة الناجمة عن التوحيد قد بدأت تخبو. كانت ميركل “أوسي”، وهو الاسم غير المحبب الذي أطلقه أحياناً الألمان الغربيون على مواطنيهم من الشرق، بداعي الاستخفاف والهزء. وقد قضت حياتها في بلدة صغيرة هناك، عمل فيها والدها كاهناً للكنيسة اللوثرية البروتستانتية، هي “تيملين”، الواقعة إلى الشمال من برلين المقسمة في ذلك الوقت. كان لدى العائلة أقارب في الغرب زودوها أحياناً أشياء كانت تعتبر في تلك الأيام في ألمانيا الشرقية من الكماليات، مثل بنطال الجينز، كما قضت معهم عطلاتها من حين إلى آخر. وخلافاً لذلك، فقد اتبعت ميركل طريقاً تقليدياً. فهي تجنبت السياسة ومضت بعد تخرجها من جامعة لايبزيغ بشهادة في الفيزياء لتحصل على منصب بحثي في ما كان يسمى أكاديمية العلوم في جمهورية ألمانيا الديمقراطية التي اتخذت من برلين مقراً لها. ولم تخطُ ميركل خطواتها المترددة الأولى في عالم السياسة حتى بدأ نظام ألمانيا الشرقية يترنح قبيل سقوطه الوشيك. وعندئذ تحولت إلى عضو نشط في “التحالف الديمقراطي” الذي اندمج لاحقاً في “الحزب الديمقراطي المسيحي”. وفي عام 1990 ترشحت لاحتلال مقعد في البرلمان كنائبة عن ميكلينبرغ – فوربوميرن، وذلك في وقت كانت السياسة في الشرق لا تزال منفتحة على نحو فريد وكان حزبها الـ”سي د يو” رائجاً للغاية في أعقاب توحيد الألمانيتين. يُشار إلى أن المستشارة الألمانية لا تزال تمثل هذه الدائرة الانتخابية منذ ذلك الحين. وكانت ميركل شخصية تدعو إلى الفضول في “الحزب الديمقراطي المسيحي” بوصفها بروتستانتية، وامرأة، ومطلقة علاوة على ذلك، إذ كانت قد انفصلت عن زوجها أولريخ ميركل بعد زواجهما المبكر الذي دام خمس سنوات. بيد أن مصدر ذلك الفضول كانت امرأة نفيسة، جسّدت مسيرتها السياسية حتى ذلك الوقت كل ما كانت ألمانيا الموحدة تطمح إليه. ولاحظ البعض حتى في تلك المرحلة المبكرة أنها تتمتع بطموح طاغ وعزم لا يلين يخفيهما مظهرها الخارجي الخجول الذي ينمّ عن التواضع وإنكار الذات. لكن سواء كانت تلك الحماسة لديها في البداية، أو أنها طورتها في مرحلة لاحقة، فهي أثبتت أنها على مستوى المسؤولية التي كانت تُناط بها في كل ترقية حصلت عليها في ما بعد، ولم تكن لتستطيع المضي قدماً إلى الأمام في حزب ومؤسسة سياسية تهيمن عليهما العقلية الذكورية لو أنها لم تثبت تمتعها بكفاءة قياسية. ثمة حادثان على وجه الخصوص يوضحان الطموح الذي كانت تتحلى به ميركل. يتمثل الأول في خطوتها الجريئة التي كانت قاسية وتاريخية فعلاً، للانشقاق عن كول، مع الاعتراف بأن عبء الفساد الناجم عن تورطه في مشاريع تمويل حزبية غير قانونية، كانت أكبر من قيمته للحزب بوصفه المستشار الذي قام بتوحيد الألمانيتين بعد انهيار جدار برلين. واعتبر كول أن ما جاء في مقال نشرته ميركل لاحقاً في صحيفة “دي تسايت” الأسبوعية بعد عام على هزيمة ائتلاف حزبي “سي د يو” والـ”سي أس يو”، في انتخابات عام 1998 أمام الاشتراكيين الديمقراطيين، كان ذروة الخيانة وأشبه بطعنة نجلاء جاءته من سياسية تتلمذت على يديه. ومع أنه لم يكن مستشاراً أو زعيماً للحزب في ذلك الوقت، فهو كان لا يزال نائباً في البرلمان ورجل الدولة الأكبر في الحزب بلا منازع. مع ذلك، وجهت إليه ميركل في مقالها ذاك كلمات كانت كالرصاصات، جاء فيها: “يجب أن يتعلم الحزب أن يمشي الآن وأن يجرؤ على خوض معارك المستقبل ضد خصومه السياسيين من دون حصان الحرب القديم، كما كان يروق لكول أن يسمي نفسه غالباً… نحن الذين نتحمل حالياً مسؤولية قيادة الحزب، وليس هيلموت كول، سنقرر كيف نقارب المرحلة الجديدة”. لم تكن ميركل تهدف من خلال هذه الكلمات إلى دعوة الحزب للتخلي عن كول فقط، بل إلى طرح نفسها بجسارة لتسلم زعامة الـ”سي د يو”، وهو المنصب الذي فازت به بعد عام واحد. كما أظهرت خطوتها تلك الإحساس الحاد بالتوقيت الصحيح الذي تميزت به في مسيرتها المهنية. وقطعت لاحقاً شوطاً طويلاً على طريق رأب الصدع مع ذلك الرجل العظيم حين عينته مستشاراً غير رسمي بعدما أُسند إليها منصب المستشار. وبحلول ذلك الوقت، كانت ميركل قد مضت بالحزب إلى “عصره الجديد”، وبات بوسعها أن تتخذ موقفاً شهماً كهذا حيال كول. وكانت الفرصة قد سنحت بإلقاء نظرة خاطفة على مدى طموحها، المحاط بالكتمان ولكنه معبر بشكل جيد، وذلك بعدما صارت الأمين العام لحزب الـ”سي د يو”، وبات يُنظر إليها كزعيمة مستقبلية للحزب. ويُقال إن عدداً من كبار أعضاء الحزب قد انتُدبوا في تلك المرحلة للتحدث إليها على إنفراد عما رأوه من التنافر بين نمط حياتها والأفكار المسيحية التي يعتنقها الحزب. وكان المقصود من ذلك الإشارة إلى أنها كانت تعاشر منذ وقت طويل يواكيم سوير، وهو بروفيسور في الكيمياء بجامعة هومبولت في برلين، من دون أن تكون متزوجة منه، باختيارها، كما تردد. ونُقل عن هؤلاء المندوبين الكبار تحذيرها ووضع النقاط على الحروف قائلين اجعلي علاقتك معه نظامية، وإلا عليك أن تقطعي الأمل من إمكانية تسلم أي منصب أرفع. هكذا لم يمض وقت طويل حتى عمد الزوجان إلى عقد قرانهما، من دون ضجيج، في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام. تتوافر الأدلة الكافية على حنكة ميركل السياسية وحماستها الرصينة، غير أنها لم تستطع اكتساب بعض المهارات السياسية بسهولة. لا بل كانت لا تزال عاجزة عن القيام بحملة انتخابية فعّالة حتى بعد ما يزيد على عشر سنوات في الصف الأول للسياسة الألمانية. لقد تابعتها في الأسابيع التي سبقت انتخابات 2005 حين كانت مرشحة حزبي “سي د يو” والـ”سي أس يو” لمنصب المستشار ووجدت أن خطاباتها في التجمعات والمسيرات كانت بائسة حقاً، وقد أضحت أكثر بؤساً مما كانت عليه بفضل اللمسة السياسية البارعة التي تمتع بها منافسها الرئيس غيرهارد شرودر، المستشار الديمقراطي الاشتراكي. وأدت الأخطاء التي ارتكبتها في مناظرات تلفزيونية وأدائها الباهت في أثناء جولاتها على الناخبين، إلى تفويت فرصة الفوز بالغالبية الكبيرة التي أظهرتها استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية، وبدا المرشحان في ليلة الانتخابات متقاربين للغاية. لكن ميركل برهنت بعد ذلك من جديد على أنها تملك ذلك المزيج من القدرة على البقاء في السلطة وعلى التركيز، الأمر الذي خدمها جيداً. فقد جاءت للمشاركة في الطاولة المستديرة التقليدية التي يبث التلفزيون وقائعها بثاً حياً ليلة الانتخابات ويتحلق حولها قادة الأحزاب، وهي تعكس على الهواء مباشرة بشكل مؤلم الجوانب الخاطئة والصحيحة. وكان على ميركل أن تستمع في تلك الجلسة إلى ما لا نهاية لشرودر وهو يتباهى بفوزه المزعوم. وتركته يتحدث ويطيل الحديث كما يشاء، قبل أن تعلن بهدوء إن حزبي “سي د يو” والـ”سي أس يو” كان يتقدمان على حزب شرودر، وكانت مصيبة في ذلك تماماً. واستطاعت ميركل أن تعلن في غضون ثلاثة أسابيع تخللها الكثير من جولات المفاوضات، عن تشكيل “تحالف كبير” ضم حزبي “سي د يو” والـ”سي أس يو” إلى جانب الحزب الديمقراطي الاشتراكي، بقيادتها كأول مستشارة في تاريخ ألمانيا. أما شرودر منافسها، فترك السياسة نهائياً. راج في ذلك الوقت الكثير من التكهنات بأن التحالف كان أكثر هشاشة من أن يستطيع الاستمرار. لكنه في الواقع، لم يبقَ حتى نهاية الولاية الكاملة فحسب، خلافاً لتحالف “الأحمر- الأخضر” الذي سبق وأقامه شرودر، بل فتح الباب أمام ميركل للفوز بعدد أكبر من النواب والاحتفاظ بمنصبها، إذ أعيد انتخابها لأربع سنوات أخرى. يمكن القول بصورة منطقية إن ميركل قد استفادت خلال حملتها الانتخابية وأيضاً حين كانت على رأس عملها كمستشارة، من الإصلاحات العمالية الضرورية وغير الشعبية التي طبقها سلفها شرودر. لكنها أثبتت حين تولت السلطة أنها سياسيّة ماهرة بفضل كفاءاتها هي، ونجحت في تخطي الصعوبات والأخطار التي أحدقت بتحالفها بسبب التوازنات الدقيقة التي قام عليها. ويعود نجاحها هذا إلى المهارات نفسها التي أوصلتها إلى منصب المستشارة، وهي الصبر، وحسن التقدير والقدرة على اتخاذ القرارات والالتزام بها، على الرغم من أنها طورت هذه القدرة غالباً بعد الكثير من المداولات. صحيح أن هذه السمات باتت موضع مساءلة ولفت البعض إلى أن لها جانباً سلبياً، وذلك في حين كانت ميركل على رأس السلطة. وسنّ النقاد كلمة جديدة بالألمانية هي “ميرلكن” التي تعني المراوغة أو التردد من دون إنجاز أي شيء. وفي الوقت نفسه، لم يكن قليلاً أن تكتسب سياسيّة مثلها نادراً ما تعبر عن عواطفها، الاحترام على نطاق واسع، مع أنهم خصّوها به أول الأمر على مضض. وعلى الرغم من أنها لم تُرزق بأي طفل، وإن كان لدى زوجها سوير ابنان بالغان، فهي نالت لقب “الأم”، أم ألمانيا. وإذ مرت الانتخابات واحدة تلو الأخرى، فهي باتت أكثر مهارة وثقة بالنفس بكثير وأشد إقناعاً لجهة قدرتها على القيام بحملات انتخابية، وصار أداؤها في كل مرة أفضل بشكل غير محدود مما كان عليه في المرة التي سبقت. وبدت قبل أربع سنوات في الانتخابات، التي أسرّت للبعض أنها ستكون آخر انتخابات تخوضها، مختلفة كل الاختلاف عن تلك الشخصية الخجولة والمرتبكة التي كانتها حين ألقت خطاباً في أول تجمع وطني لها قبل ما يزيد على عقد من الزمن. وبحلول ذلك الوقت الذي عقدت فيه العزم على عدم الترشح مجدداً، ربما كانت قوة ميركل الانتخابية قد تراجعت ولم يعد تأثيرها في ذروته التي صارت على الأرجح شيئاً من الماضي. وهي كادت أن تفوز بغالبية شاملة في انتخابات عام 2013، وهي ثالث انتخابات تخوضها. بيد أنها عجزت عن الاستفادة من تلك القوة الانتخابية لأن حزب “الحرية والتنمية ” (أف دي بي) المؤمن باقتصاد السوق الذي كان من الأحزاب التي أوردتها في خياراتها الأولى لشركائها في ائتلاف تأمل بتشكيله، لم يستطع الوصول إلى العتبة المطلوبة لدخول البرلمان، ما أجبرها على إقامة “تحالف كبير” آخر. هكذا كانت ثلاث من حكوماتها الأربع أكثر وسطية مما كانت ترغب، مع أن حكومتها الثانية التي شارك فيها “أف دي بي” كانت الأقل نجاحاً، كما يقال. ويصعب التنبؤ تماماً ما الذي سيبقى من سنواتها الـ16 في الحكم، لدى تأمل الماضي، ربما في وقت سابق لأوانه. أو حتى أين كانت لحظات الصعود والهبوط ذلك أن النجاحات والاخفاقات، غالباً ما تكون مرتبطة مع بعضها بعضاً. كانت أزمة اليورو من دون شك واحدة من تلك اللحظات، وهي في الأساس من نتائج الانهيار المالي العالمي في 2007-2008. كانت ميركل وقتذاك لا تزال في ولايتها الأولى، وتفتقر إلى الثقة والصلاحيات التي اكتسبتهما في وقت لاحق في الاتحاد الأوروبي. ربما كانت المهمة التي واجهتها مستحيلة، إلا أنها لم تستطع أن توازن بين ميلها الغريزي هي ودول شمال أوروبا إلى الادخار، من جهة، وبين ما رآه العديد من الألمان وكأنه ضعف الأوروبيين الجنوبيين، وبخاصة اليونان، من جهة ثانية. وكشف الخلاف الذي تلا ذلك عن العديد من الانقسامات الأساسية في الاتحاد الأوروبي وهو ما عولج بفضل تعهد ماريو دراغي الشهير، الذي أطلقه حين كان رئيس البنك المركزي الأوروبي، بأن يفعل “أي شيء يقتضيه الأمر” بغرض إنقاذ اليورو. ويمكن القول، مع هذا، أنه حتى ولو تمسك معظم الألمان بميولهم الغريزية المالية، فإن ميركل قد تعلمت من تلك التجربة ولم تسمح بالتشكيك مرة أخرى بالتزام بلادها تجاه الاتحاد الأوروبي. ودعمت بعد سنوات، التشدد الذي أبداه الاتحاد الأوروبي في مفاوضات الـ”بريكست”، وذلك بعدما كانت قد رفضت الاستجابة لمناشدات ديفيد كاميرون بتقديم تنازلات قبل استفتاء المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي. إن الاستمرار في إيلاء الاتحاد الأوروبي أهمية بالغة في السياسة الألمانية، هو السبب الذي يفسر جزئياً لماذا صار يُنظر إلى ميركل بشكل متزايد داخل القارة وخارجها كرئيسة لأوروبا. وشكلت أزمة اللاجئين في عام 2015 نقطة عالية – منخفضة بالنسبة لولاية ميركل كمستشارة ألمانية. فمن جهة، كان قرارها بقبول ما يزيد على مليون لاجئ مدعاة للإعجاب ودليلاً حياً على كيفية عمل ألمانيا الحديثة التي صارت في أعقاب الحرب شاملة لا تميز بين شخص وآخر ومتسامحة إلى حد بعيد. لكن من جهة ثانية، سرعان ما تلاشى الترحيب الشعبي وأخذ قرار ميركل يراكم سلفاً صعوبات محتملة، حتى بالنسبة لدولة كألمانيا معروفة باتباع طرق فعالة في استقبال الوافدين الجدد. وكانت الأعمال الإرهابية علاوة على سلسلة من الاعتداءات الجنسية في كولون وأماكن أخرى بعد رأس السنة الجديدة، بمثابة الهدايا الثمينة لليمين المتطرف، الأمر الذي جعل فوز ميركل بولاية رابعة في عام 2017 أشد صعوبة مما لو لم تكن أزمة اللاجئين وتداعياتها موجودة. كانت نتيجة تلك الانتخابات متقاربة، واستطالت المدة التي استغرقتها محاولات تشكيل الحكومة، التي جاءت على شكل “تحالف كبير” آخر، إلى ستة أشهر وهي مدة قياسية. وكانت ميركل قد أعلنت في بداية ولايتها الثانية أن التعددية الثقافية عبارة عن “فشل ذريع”، مشددة على ضرورة اندماج الوافدين الجدد بالمجتمع الألماني السائد. وقد يكون جيل العام 2015 هو الاختبار النهائي لذلك. يُعتبر سجل ألمانيا في مجال البيئة وتغير المناخ الوجه الثالث للإرث الذي ستتركه ميركل. ويُذكر أن الحقيبة الوزارية الثانية التي أُسندت إليها في عام 1990، كانت البيئة. ومنذئذ حافظت على اهتمامها بالقضايا التي تتصل بالمناخ وسياساته. وفيما صار حزب الخضر في ألمانيا قوة سياسية مؤثرة، تعهدت ميركل كمستشارة بالتخلص التدريجي من محطات الطاقة التي تعمل بحرق الفحم الحجري وبإلغاء الموقف المناهض للطاقة النووية الذي اتخذته حكومة شرودر. وانتهى كل هذا نهاية متعجلة، مع ذلك، حين اتخذت القرار بين عشية وضحاها تقريباً بإغلاق كل محطات توليد الطاقة النووية في ألمانيا بعدما وقعت كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011. واعتمد تنفيذ هذا القرار على تبني توجه جديد تمثل في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة وتقليل استخدام الطاقة، وهي نقلة لم تتم بسلاسة. ومع هذا، كان لقرارها بالإسراع في إنهاء الطاقة النووية في ألمانيا تأثير غير مباشر على وجه آخر من وجوه سجل ميركل، وهو العلاقات مع روسيا. فقد باتت علاقة الحكومة الألمانية وثيقة أكثر بالخطط لمدّ أنابيب غاز جديدة من روسيا إلى نوتردام2، وهي الخطط التي قوبلت بمعارضة قوية في أنحاء أوروبا ومن الولايات المتحدة، باعتبار أن ذلك أدى إلى زيادة اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية كما حرم أوكرانيا من رسوم عبور الأنابيب. لقد اكتمل خط الأنابيب هذا عملياً الآن، غير أن المشروع يساعد في تسليط الضوء على التناقضات التي تشكو منها سياسة ألمانيا بشأن روسيا في ظل ميركل، وهي سياسة مالت إلى البراغماتية، فيما كانت تحاول في الوقت نفسه الحفاظ على أجندات الأمن وحقوق الإنسان التي تأتي في المقام الأول بالنسبة لبعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. غير أنه بسبب قوة ألمانيا التي بلغت هذا المستوى الكبير، فإنها تستطيع عادة أن تتجنب الثبات في موقف واحد، بل تعمد إلى الذهاب تارة في هذا الاتجاه وأخرى في ذاك، كما يدل توفيرها المعالجة الطبية للمعارض الروسي أليكسي نافالني، في الصيف الماضي بعد تسميمه. ووصلت التناقضات إلى علاقة ميركل مع فلاديمير بوتين، التي بدا أنها كانت في أحسن الأحوال باردة ينقصها الكثير من الدفء. والواقع أن كلاً منهما ترعرع في ظل نظام شيوعي، وعاش مرحلة سقوط هذا النظام كما غيّر ولاءه الحزبي في الوقت نفسه تقريباً، وكل منهما يتقن لغة الآخر، كما أنهما وصلا إلى السلطة في الوقت نفسه تقريباً. ولعلهما يعرفان عن بعضهما بعضاً أكثر مما ينبغي كي يكون بوسعهما أن يقيما علاقة خالية من الحذر والتوجس. وقيل إن بوتين، على سبيل المثال، حاول إزعاج ميركل ذات مرة بإحضار كلبه إلى أحد الاجتماعات، لا سيما أنه على علم بمدى نفورها من الحيوانات. ومن جانبها، أخفقت ميركل أيضاً في محاولتها المشتركة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتوجيه دعوة إلى بوتين للمشاركة في قمة مبكرة مع الاتحاد الأوروبي، وذلك في أعقاب التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا في القمة التي عقدت في جنيف. غير أن غالبية دول الاتحاد الأوروبي رفضت الاستجابة لرغبة ميركل، الأمر الذي اعتُبر دليلاً على تراجع نفوذها مع اقتراب ولايتها من نهايتها. لكن، من ناحية أخرى، تلقت سلطتها المتقهقرة في الداخل، وكذلك سجلها كمستشارة أيضاً، تعزيزاً متأخراً بسبب تدخل لم يكن متوقعاً على الإطلاق من جانب جائحة كوفيد. وفيما كانت الحكومات والخدمات الصحية في البلدان الأخرى تتخبط بحثاً عن العلاجات الشافية، فإن ميركل المتخصصة أصلاً في العلوم، قد استعادت مكانتها كقائدة هادئة موثوقة. وكانت المرة الوحيدة التي بدت فيها ضائعة لا تعرف ماذا تفعل حين أُجبرت على التراجع عن قرار الإغلاق في عيد الفصح. وجاء اعتذارها المتلفز عندئذ عبارة عن اعتراف كاد يكون غير مسبوق بارتكاب خطأ من جانب المستشارة التي بدت فجأة غير متأكدة مما كانت تقوله، وأكبر سناً أيضاً. وكانت تلك اللحظة بمثابة الفرصة النادرة لإلقاء نظرة سريعة على العالم الداخلي لامرأة أبقت مسافة بينها وبين الآخرين ولم تكشف إلا عن قسط ضئيل من المعلومات عن شخصيتها الخاصة على امتداد عقدين من الزمن كانت خلالهما في دائرة الضوء. وعلى الصعيد السياسي، يمكن استنتاج أن ميركل أكثر يمينية بالنسبة للأمن والاقتصاد مما سمحت لها “التحالفات الكبيرة” الثلاثة التي أقامتها مع الديمقراطيين الاشتراكيين أن تكون. وهي دخلت السياسة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، كمؤيدة للتعاون الوثيق بين أوروبا والولايات المتحدة. وقد اشتهرت ملاحظة أبدتها في مؤتمر دافوس في عام 2013، عن أن أوروبا تضم 7 في المئة فقط من سكان العالم وتقدم مجرد 25 في المئة من الناتج المحلي العالمي، بيد أنها مسؤولة عن حوالى 50 في المئة من الإنفاق الاجتماعي العالمي، وسيتعين عليها أن تجد طرقاً جديدة للحفاظ على معايير المعيشة التي تتمتع بها. أما على المستوى الشخصي، فهي تعيش حياة متواضعة، مفضلة البقاء في شقتها الخاصة على السكن في مقر إقامة المستشار الرسمية في برلين، كما تتسوق في مخزن السوبرماركت المحلي. وقد لوحظ مرة في المراحل الأولى لتفشي الجائحة أن سلة التسوق التي كانت تضع فيها مشترياتها لم تضم سوى بعض الكرز والصابون وورق التواليت وزجاجة نبيذ من النوع العادي. وتطهو ميركل بنفسها نوعاً من الحلوى التقليدية هي “كعكة البرقوق الألمانية”، كما تقضي عطلاتها في المشي أو التزلج بين المناطق الريفية أو في الاسترخاء بجزيرة إيشيا الإيطالية. وتحب المستشارة الأوبرا، ما حملها على حضور مهرجان فاغنر السنوي في بايرويت (البلدة البافارية التي تضم مسرحاً بناه ريتشارد فاغنر) بانتظام، برفقة زوجها الذي يعتبر شخصية أكثر تحفظاً من دينيس تاتشر، زوج مارغريت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة. تمثل المعلومات الواردة أعلاه إلى حد بعيد كل ما كشفت عنه ميركل. لكن تجدر الإشارة أيضاً إلى أن كل سنوات عملها الطويلة في ميدان السياسة كانت نقية مئة في المئة، لم تعرف على الإطلاق أي أثر للفساد أو المحسوبيات أو أي نوع من الممارسات غير المناسبة. فميركل لم تتوسط يوماً لأحد ولم تعمد في حياتها إلى ضمان فوز بعضهم بعقد ما، كما لم تعين قريباً أو صديقاً في مجلس إدارة شركة أو مؤسسة، أو تقدم أطروحة تمت سرقة محتواها لنيل شهادة أكاديمية. وبدت المستشارة الألمانية ضعيفة مرتين، الأولى حين ظهرت وهي تستعمل عكازين بعد حادث تزلج في عام 2014، والثانية كانت في فترة أقرب عندما كانت تعاني من رعشة واضحة، ويبدو أن هذه الحالة قد انتهت بسلام. وكانت كل من هاتين المناسبتين اللتين بدت فيهما حياتها في خطر، استثنائية أثارت القلق في أنحاء العالم. مرّ ما يقرب من ثلاث سنوات على إعلان ميركل استقالتها من زعامة حزب “سي د يو” وأنها لن ترشح نفسها في الانتخابات المقبلة وستترك السياسة بعد تشكيل الحكومة الجديدة. وعلى الرغم من فشل ميركل في تسليم عصا القيادة إلى أنغريت كرامب- كارينباور، وزيرة الدفاع الحالية التي اختارتها لتكون خليفة لها إلا أنها أثبتت أنها غير مناسبة لذلك الدور، فالمستشارة تحظى باحترام واسع، أو مودة، في دوائر السياسة الألمانية وخارجها. ولئن كانت إطلالتها الوداعية في كل من مؤتمر حزب “سي د يو”، والاتحاد الأوروبي والبرلمان الألماني، عبارة عن مناسبة هادئة تحمل طابعاً مهنياً واضحاً، فقد قوبلت في كل منها بعاصفة طويلة من التصفيق. وقد قضت في آخر إطلالة لها في الـ”بوندستاغ” ما يزيد على ساعة كاملة في الإجابة على أسئلة النواب عن تأملاتها بشأن التحدي المقبل الذي ستواجهه ألمانيا وعن التوصيات التي ستقدمها لخليفتها. وإذ لفتت إلى أنه لم يكن هناك آي فون حين تسلمت مقاليد السلطة في البلاد، فهي خصّت الرقمنة والوصول إلى المعلومات بالذكر قائلة في ختام مداخلاتها “كلما حصلت على مزيد من المعلومات كلما زادت فعاليتك”. ثم لم تلبث أن وضعت أوراقها في حقيبتها قبل أن تنحني تعبيراً عن شكرها للحضور حين ضجت القاعة بالتصفيق. ونظراً إلى أنها ستتقاعد من العمل السياسي في غضون أسابيع، فالأرجح أن مباحثات ميركل في واشنطن ستكون تأملية يفكر فيها الطرفان ببعض ما جرى في الماضي وبما يمكن أن يحصل في المستقبل، ولن تشتمل على صناعة السياسات. فالزعيمان يتمتعان بخبرة طويلة وقد استفادا، كل بطريقته، من نهاية الحرب الباردة. ويمكن أن تُترك معالجة مسائل مثل الخلافات الأميركية- الأوروبية بشأن التجارة والسياسة الواجب اتباعها حيال الصين، إضافة إلى شكاوى واشنطن الدائمة من قلة الانفاق الدفاعي الألماني، لخليفة ميركل. ومن المرجح أن يحل محلها آرمين لاشيت، زعيم حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” الذي يُتوقع أن يفضل الاستمرارية على التغيير. لكن قد يتمخض اجتماع البيت الأبيض عن نتيجتين محددتين بشكل أشد وضوحاً، الأولى ملموسة تتمثل في خطوة لتنسيق الجهود الدولية بشأن التعافي من الجائحة، والثانية أكثر تجريداً مثل إشارة قوية من الرئيس الأميركي أن المانيا قد حلت الآن محل المملكة المتحدة كجسر بين واشنطن وأوروبا. ويمكن لبادرة من هذا القبيل أن تكون بمثابة تكريم لائق لمستشارة ألمانية يتجلى في سيرتها الذاتية إلى حد بعيد تاريخ ألمانيا الحديثة، وينبغي أن يكون خروجها من المسرح السياسي في الوقت المناسب وبهذا الشكل الحكيم، نموذجاً يُحتذى في الأنظمة الديمقراطية حول العالم. © The Independent المزيد عن: أنغيلا ميركل\صحة أنغيلا ميركل\ألمانيا\ألمانيا الشرقية\ألمانيا الغربية\البطالة في ألمانيا\برلين\سقوط جدار برلين\اخترنا لكم 80 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post إذا كانت لديك “بيتكوين” يمكنك الحصول على جنسية هذه البلدان next post فضيحة فكرية يكشفها كتاب “محاكمة سقراط” لإيزيدور ستون You may also like لبنان فوق الخريطة… هل لا تزال مساحته 10452... 6 يناير، 2025 القبائل العربية في سوريا… جغرافيا التمزق 6 يناير، 2025 ملف الجولاني في “فرع فلسطين”: الماكر يراوغ مخابرات النظام 5 يناير، 2025 الرياض المقصد الأول لوزير خارجية سوريا وعشرات القتلى... 4 يناير، 2025 المقاومة بالسرد الجميل.. تجربة القصة الفلسطينية القصيرة من... 4 يناير، 2025 هكذا تفوق “حزب الله” على حركة “أمل” في... 3 يناير، 2025 مأساة أميركا الخفية: سجناء أبرياء وعدالة مشوهة 2 يناير، 2025 شخصيات ثقافية وإبداعية بارزة رحلت في 2024 30 ديسمبر، 2024 وثائق سرية لنظام الأسد تكشف محاكمة أطفال –... 30 ديسمبر، 2024 نيويورك تايمز : تفكيك «حزب الله»… سنوات من... 30 ديسمبر، 2024 80 comments WilliamKeego 28 يوليو، 2021 - 6:01 ص free local personals x dating Reply KevinPep 6 أغسطس، 2021 - 11:12 م gay dating a narcissist reddit gay dating south jersey gay hiv+ dating albuquerque nm Reply keto diet and acne 7 أغسطس، 2021 - 5:32 م keto diet diet soda https://ketodietplanus.com/ Reply gay chubbby dating 9 أغسطس، 2021 - 11:29 ص tooele gay dating https://gaychatrooms.org/ Reply broke and gay speed dating 9 أغسطس، 2021 - 3:26 م gay dating sim for android https://gaychatus.com/ Reply KevinPep 11 أغسطس، 2021 - 2:52 ص gay dating agency sydney gay dating simulators android [url=”http://gaychatrooms.org?”]gay dating polish[/url] Reply KevinPep 14 أغسطس، 2021 - 1:24 ص gay disabled dating website for gay dating [url=”http://gaydatingzz.com?”]gay senior dating[/url] Reply KevinPep 16 أغسطس، 2021 - 11:07 م texting rules gay dating gay porn dating sim [url=”http://gaychatus.com?”]gay slave and master dating[/url] Reply gay dads dating 1 سبتمبر، 2021 - 1:36 م surge gay dating https://gaychatgay.com/ Reply best site for gay online dating 1 سبتمبر، 2021 - 7:24 م gay speed dating boston https://freegaychatnew.com/ Reply Patrickwor 2 سبتمبر، 2021 - 2:46 ص gay dating dublin gay dating carnesville ga chris aldrich dating naked gay Reply Patrickwor 5 سبتمبر، 2021 - 4:52 ص gay guy explicit dating games gay disabled dating sites gay dating sites in my area Reply Michaelsig 7 سبتمبر، 2021 - 1:45 ص men gay dating gay men dating forum gay dating site jokes Reply dating site bi/gay 8 سبتمبر، 2021 - 8:22 م speed dating for gay men https://gaydatingcanada.com/ Reply gay dating stories 9 سبتمبر، 2021 - 8:21 ص gay dating tampa https://gaydatinglosangeles.com/ Reply china gay dating services 9 سبتمبر، 2021 - 8:43 ص gay bbw men dating michigan https://dating-gaym.com/ Reply Henrytiz 10 سبتمبر، 2021 - 7:54 ص the best gay dating sites gay dating ashtabula county senior gay dating site Reply gay surfer dating 10 سبتمبر، 2021 - 8:57 م most used gay dating sites https://datinggayservices.com/ Reply international gay online dating 11 سبتمبر، 2021 - 4:56 ص gay furry dating ga,es https://gayedating.com/ Reply Henrytiz 14 سبتمبر، 2021 - 10:24 م gay dating show gay speed dating atlanta 14 year old gay dating chat Reply analytical essay writing 28 سبتمبر، 2021 - 8:22 م professional essay writing https://essaywritercentral.com/ Reply writing a literature essay 29 سبتمبر، 2021 - 5:29 ص writing expository essays https://essayghostwriter.com/ Reply GustavoDab 8 أكتوبر، 2021 - 8:27 م custom paper pay someone to write my resume Reply what to write in a college essay 11 أكتوبر، 2021 - 7:06 م write essays for me https://essaypoints.com/ Reply argumentative essay writing 12 أكتوبر، 2021 - 4:33 ص top write my essay https://essaytag.com/ Reply MatthewElibe 12 أكتوبر، 2021 - 7:19 م grade my paper online top resume writing services reviews Reply essay writing companies 14 أكتوبر، 2021 - 9:38 ص write my essay cheap https://onlinecasinos4me.com/ Reply free no deposit bonus casino 18 أكتوبر، 2021 - 11:27 م online casino bonus no deposit https://online2casino.com/ Reply casino signup bonus 26 أكتوبر، 2021 - 3:03 م american online casinos https://casinoonlinek.com/ Reply free welcome bonus no deposit 26 أكتوبر، 2021 - 11:42 م gambling casino online bonus https://casinosonlinex.com/ Reply best deposit casino bonus 27 أكتوبر، 2021 - 3:47 ص usa casinos https://casinoonlinet.com/ Reply writing argumentative essays 30 أكتوبر، 2021 - 8:25 ص write college essays< https://dollaressays.com/ Reply high school essay writing 30 أكتوبر، 2021 - 6:42 م write a college essay https://buy1essay.com/ Reply BrandonCeF 2 نوفمبر، 2021 - 10:22 م write a essay for me someone write my essay essay writing online Reply DonaldKiz 9 نوفمبر، 2021 - 10:08 ص write a essay for me which is not necessary in a historical essay write my essay 4 me Reply Arthurkaply 24 نوفمبر، 2021 - 8:18 م sex games vegas ancensored beauty and the beast real story sex games ebony sex games Reply lesbian shower sex games 24 نوفمبر، 2021 - 9:59 م nude housewife sex games https://cybersexgames.net/ Reply thechoise sex games 26 نوفمبر، 2021 - 6:34 م html sex games https://winsexgames.com/ Reply sleeping sex games 27 نوفمبر، 2021 - 12:50 ص the dirtiest sex games ever played on pc https://sexygamess.com/ Reply sex online games 27 نوفمبر، 2021 - 1:32 ص sex games apps 2016 for iphone https://sexgamesx.net/ Reply Donaldwaimi 27 نوفمبر، 2021 - 7:33 ص clit sex games furry sex gay games fun sex games Reply RonaldLoato 3 ديسمبر، 2021 - 5:13 م married sex games naked college sex games sex games list 2017 Reply buy hma pro vpn u 18 يناير، 2022 - 7:33 ص vpn netflix free hola vpn business vpn solutions Reply explanatory essay l 19 يناير، 2022 - 4:55 ص essay title examples 2000 word essay write essay Reply chat cam gay random z 20 يناير، 2022 - 3:54 ص gay chat room ontario ca pnp zoom gay chat rooms free live gay web can chat rooms Reply critical thinking word puzzles m 23 يناير، 2022 - 9:31 م hesi critical thinking critical thinking health sciences amcas critical thinking course Reply spongebob writing essay y 24 يناير، 2022 - 7:58 م essay topics reflection essay 250 word essay Reply college essay tips e 25 يناير، 2022 - 6:23 م how to quote a poem in an essay literacy narrative essay process essay Reply first gay chat c 26 يناير، 2022 - 4:36 م free asian chat lines gay free chat on gay webcam gay chat rouletter Reply gay dating hole y 27 يناير، 2022 - 10:37 ص gay dating advice – dating a much younger man or 18 yr old in high school gay dating kingston ny gay black dating Reply indianapolis gay dating k 28 يناير، 2022 - 3:17 ص dating sites without gay or trans free gay dating in phoenix gay addiction dating apps Reply free dating for biand gay men e 28 يناير، 2022 - 7:47 م gay dating sites that work on windows free free gay dating sites grindr best free gay dating sites Reply chub mature gay bisexual dating i 29 يناير، 2022 - 11:44 ص which senoir gay dating app has most members lakeland fl i have no gay friends cuz everyone sees me as a potential dating partner dating site for older gay men Reply freer gay chat rooms v 30 يناير، 2022 - 9:09 ص chat avenue gay chat room gay men chat gay phone chat lines with free trials Reply how to write an essay about yourself y 31 يناير، 2022 - 6:15 ص personal narrative essay examples beowulf essay identity essay Reply desserts for keto diet e 1 فبراير، 2022 - 3:36 ص keto diet cheap keto diet youtube keto diet start Reply diet pop on keto m 2 فبراير، 2022 - 1:32 ص keto diet cheese best keto diet recipes keto tone diet pills Reply keto diet tracker m 2 فبراير، 2022 - 10:48 م keto diet and cancer how to eat a keto diet keto diet soup recipes Reply casino no deposit z 8 فبراير، 2022 - 10:34 ص free casino money online casinos casinos sites Reply minneapolis gay dating f 9 فبراير، 2022 - 4:58 ص gay single free dating sites without registering best gay dating apps gay dating apps described Reply best vpn app w 13 فبراير، 2022 - 12:53 ص vpn buy online dot vpn free vpn for netflix reddit Reply ati critical thinking x 14 فبراير، 2022 - 12:03 ص critical thinking tips critical thinking example critical thinking skills Reply free vpn for ipad e 14 فبراير، 2022 - 10:14 م free vpn chrome vpn for mac free reddit free vpn Reply best ios vpn free s 15 فبراير، 2022 - 8:04 م buy vpn with credit card private internet access vpn how to use vpn Reply download best vpn x 16 فبراير، 2022 - 7:59 م best vpn for xbox one best vpn for price best vpn for macbook Reply vpn protection k 17 فبراير، 2022 - 6:41 م vpn for firestick free reddit best vpn 2022 best free vpn for chromebook Reply self reflection essay d 18 فبراير، 2022 - 6:54 م essay revisor smart borrower no essay scholarship mla format essay Reply Evaleeneaot 14 مايو، 2022 - 8:55 ص ford dissertation fellowship help i can’t write my dissertation dissertation paper help Reply Kirstieaot 19 مايو، 2022 - 3:35 م online law dissertation help dissertation help literature review writing dissertation chapters Reply Charlaeaot 21 مايو، 2022 - 1:06 م dummies guide to writing a dissertation buy writing dissertation phd dissertation Reply Katineeaot 12 يونيو، 2022 - 5:36 ص slots house of fun game internet slot free slots for fun Reply Perrineeaot 14 يونيو، 2022 - 6:32 م 100% free empress of the deep games bellagio slots guide caesars free slots casino Reply Cyndiaeaot 16 يونيو، 2022 - 1:23 ص free super slots no download machines Г sous casino gratuit big bonus slots slots online win real money Reply Paolinaeaot 16 يونيو، 2022 - 8:50 م myclub888 zynga slots 7 free slots online slot Reply Shalnaeaot 18 يونيو، 2022 - 2:50 م house of fun bonus com alicasino buffalo slot machine Reply Adrianaeaot 19 يونيو، 2022 - 12:43 م online slots free free slots casino free slots 100 pay slots Reply Neddaeaot 20 يونيو، 2022 - 9:23 ص my free vegas slots on facebook vegas plus casino i won $4 at penny slots Reply Ingunnaeaot 21 يونيو، 2022 - 5:30 ص casino slots free games alicasino slots gratis Reply Eadieeaot 22 يونيو، 2022 - 9:38 م caesars free slots login casino 888 login reel deal slots Reply Dennaeaot 24 يونيو، 2022 - 1:56 م casino free slots winning video 2022 house of fun free slots Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.