ثقافة و فنونعربي مسلة أم شفرة حضارة؟ كشف أثري جديد بالسودان by admin 1 مارس، 2023 written by admin 1 مارس، 2023 105 يفصح عن مزيد من أسرار ولغة مملكة مروي القديمة ومتخصصون: عامل دفع لمسوحات وبحوث المستقبل اندبندنت عربية \ جمال عبد القادر البدوي صحفي سوداني عثرت بعثة أثرية وطنية سودانية في موقع كدرمة الأثري شمال السودان على مسلة جنائزية نادرة ترجع إلى العصر المروي، قد يبوح محتواها ببعض أسرار اللغة المروية عبر تلك الحروف المختزلة. المسلة تحمل أحرفاً وعبارات رمزية باللغة المروية نقشت بعناية فائقة وتنسيق محكم على حجر جيري، يعلوها قرص الشمس المجنح ورأسين متقابلين لثعابين الكوبرا، مع التلوين الكوشي على امتداد 15 سطراً، ولا يزال اللوح الجنائزي الجديد (المسلة) المكتشف حديثاً ينتظر مزيداً من تفسير محتواه. الأسرار الغائبة اعتبر مسؤولون ومتخصصون أثريون أن الكشف الذي تم بواسطة البعثة المشتركة بين جامعة الخرطوم والهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية، من شأنه أن يعطي لمحة جديدة عن بعض الذي لا يزال مخبوءاً من حضارة مملكة مروي، فالمعروف عنها أقل مما هو مطلوب لفهم طبيعتها وامتداداتها وحدود نفوذها وعلاقاتها، فضلاً عن أن الاكتشاف سيسهم في فك رموز العلاقات والبنية التنظيمية الداخلية للمملكة، ويشكل عاملاً مهماً في دفع البحوث والمسوحات المستقبلية. أعلن أحمد الأمين السوكري، كبير مفتشي الآثار بالهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية، لـ”اندبندنت عربية”، أنها المرة الأولى التي توجد فيها مثل هذه اللوحات الجنائزية مكتوبة على حجر رملي من 15 سطراً في غاية الإبداع والجمال، منوهاً بتميز هذه المسلة عن كل ما وجد سابقاً من مسلات جنائزية. وأشارت قراءة أولية متخصصة لرموز المسلة المكتشفة بواسطة عالم اللغويات الفرنسي المتخصص في اللغة المروية كلود رينيه، إلى أنها “تتحدث عن اسم سيدة و(والدها أو والدتها) كعائلة كانت تتمتع بنفوذ ديني وسياسي”، مما يدل بحسب السوكري، على أن هذه السيدة المدفونة في منطقة كدرمة تنتمي إلى طبقة النخبة، وأن هذا الموقع هو فعلاً أحد المواقع المروية المهمة التي كان لها دور فعال في خلال تلك الفترة التاريخية. تطور العمران واللغة أوضح السوكري أن هذا اللوح الأثري لا ينفصل عن مراحل تطور مملكة مروي من حيث النمو والعمران والصبغة الخاصة لها كمملكة صاحبت مسيرة تطورها نهضة وثورة تغيير حقيقية تمثلت في بناء الأهرام وإلحاقها بالمعابد والمقابر الجنائزية الخاصة بها، كما عرفت مروي أيضاً صناعة الحديد والزجاج الملون والصناعات الفخارية الخاصة والمميزة وما يعرف بالزجاج الكاشاني، بخاصة في مرحلتها الكلاسيكية التي تميزت بتقنية صناعة الأحجار واستخداماتها المتنوعة والمتعددة في موائد القرابين وتماثيل الروح وكذلك تماثيل الملوك والملكات، ويتضح تطورها بمجال العمارة في بناء الأهرام بأشكالها وأنواعها المختلفة. اللوح الجنائزي (المسلة) المكتشف حديثاً بمنطقة كدرمة الأثرية (الهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية) وأشار مفتش أول الآثار إلى أن التطور الآخر للمملكة كان هو التفكير الحقيقي بضرورة تحديث لغتها الخاصة، الأمر الذي بدأ منذ منتصف القرن السابع قبل الميلاد، حيث كان التركيز على استخدام اللغة المروية بدلاً من الكتابة الهيروغليفية، وقد ظهر ذلك في الألواح (المسلات) والنصوص المكتوبة بها. ونوه السوكري إلى حقيقة أن ما يعرف حتى الآن عن اللغة المروية هو أنها كتبت بطريقتين، إحداهما هي الهيروغليفية المروية، والأخرى الطريقة المروية المختزلة، غير أن ما تم العثور عليه حتى الآن يعتبر أقل مما هو مطلوب، وكلما وجدت نصوص وألواح جنائزية ساعد ذلك في مزيد من الفهم لهذه اللغة ومدلولاتها. حكايا العصور القديمة يشير كبير المفتشين إلى أن أقدم مسلتين جنائزيتين مشابهتين لهذا الكشف الحديث تاريخياً كان قد تم الكشف عن إحداهما في 1914 بواسطة العالم البريطاني قاري ستاي في موقع دومة الحامداب بالقرب من منطقة كبوشية، وهي تخص، بحسب عدد من النشرات العلمية، الملكة أماني ريناس وابنها الأمير أكنداد التي ترجع فترة حكمها إلى الربع الأخير من القرن الأول الميلادي. الإله أبادماك كما يظهر في آثار ونقوش موقع المصورات الصفراء (اندبندنت عربية- حسن حامد) وتحكي هذه المسلة في سردها القصصي، وفق مفتش الآثار، عن حرب وصراع عسكري في الجزء الشمالي من مملكة مروي، كما ورد في ذات السرد ذكر مدينة نبتة وقصر إبرايم. أما الكشف الآخر فهو اللوح المميز (المسلة) الذي ظهر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، وورد فيه اسم السيدة تاكويلا أو أتاكيولولا، ويتكون اللوح من 14 سطراً يؤرخ لفترة القرن الثالث الميلادي، وذكر فيه اسم لسيدة كانت ابنة كاهن من منطقة بنوبيس، مما يعني أنها من منطقة دوكي جيلي في كرمة، كما أوضحت المسلة اسم العائلة وما تمثله تلك السيدة من مقامات دينية في المملكة، حيث ذكر أن أحد إخوتها كان يوصف بـ”عظيم حورس”، وتعتبر هذه المسلة دليلاً على تواصل طبقات النخب الحاكمة في منطقة صادينقا مع طبقات الحكام في المراكز المروية العظيمة الأخرى. يبدي السوكري أسفه لتكرار تعرض موقع كدرمة الأثري لعمليات الاعتداء والسرقة التي تهدد بضياع مثل هذه المسلات، الأمر الذي يعوق التقدم في فهم اللغة المروية ودلالاتها، على رغم إحراز بعض التقدم في هذا المضمار والتمكن حتى الآن من معرفة عدد حروفها المكونة من 23 حرفاً، وكذلك معرفة العلماء باللغة الصوتية، إذ يسهم العثور على مزيد من النصوص اللغوية والمخطوطات في زيادة المعرفة باللغة المروية. كشف فريد في السياق وصف محمد البدري، رئيس البعثة، المسلة الجنائزية بأنها كشف فريد يعتبر الأول من نوعه في المنطقة الممتدة ما بين كرمة وصادينقا إلى صاي شمالاً، وهي مكتوبة باللغة المروية المختزلة وبخط جميل ومنظوم أكثر من سابقاتها التي عثر عليها في مواقع النوبة الشمالية. وأوضح البدري، لـ”اندبندنت عربية”، أن المسلة مكتوبة بواحدة من أقدم اللغات الأفريقية وهي اللغة المروية، ومن المأمول أن تسهم في إثراء المعرفة المتاحة بتلك اللغة في خطها المختزل، لافتاً إلى أن هذا الكشف الذي لا يزال قيد البحث من شأنه أن يسهم أيضاً في مزيد من الفهم للقيم الصوتية والمعاني لكل ما كتب باللغة المروية، فضلاً عن أن ما تم تدوينه في هذه المسلة سيكون مفيداً في فهم العلاقات والصلات ما بين المدن المروية (حال فك كل شفراتها)، ومشيراً إلى أنهم ينتظرون نتائج ذلك من عالم الآثار الفرنسي كلود رينيه، بعد إرسال صورة منها إليه من أجل دراستها. مائدة القرابين بمعبد الإله آمنو في موقع النقعة الأثري (اندبندنت عربية- حسن حامد) ولفت رئيس البعثة إلى أن المشاريع الحديثة بشكلها الحالي قد تسهم كذلك في فهم أكثر شمولاً لبنية مملكة مروي: سكانها، ومنظومة مدنها، وعلاقاتها الخارجية، بخاصة أنه لا تزال هناك كثير من أوجه القصور في فهم هذه الحضارة، مما يجعل معرفتنا الحالية بها ناقصة، سيما في مجالات التنظيم الإداري والاجتماعي وعلاقات الإنتاج والتوزيع بالمملكة. وأوضح البدري أن هناك نحو 13 موقعاً مدنياً يتم التنقيب فيها بجزيرة مروي، مع وجود عدد من الاكتشافات الكبيرة التي غيرت بعض المفاهيم التي كانت سائدة سابقاً عن تنظيم المدن والصناعات المحلية في هذه المملكة مثل صناعة الفخار والمنسوجات، إذ ركزت معظم الدراسات السابقة على المنشآت الملوكية (القصور والمعابد والمقابر) من دون إيلاء اهتمام يذكر بمساكن ومدافن العامة، غير أن الوقت الحالي يشهد تغييراً كبيراً في مجال الدراسات المروية. معرفة جديدة ويضيف البدري “بات متاحاً الآن معرفة كثير عن بنية مدن ومنشآت مملكة مروي بفضل الكشوفات المتوالية، كما يتم حالياً ضمن مشروع موقع كدرمة الأثري استصحاب دراسات الجينات القديمة والأنثروبولوجيا الطبيعية والكربون المشع بغرض التعرف على العلاقات الاجتماعية والصحة العامة والأمراض القديمة وكذلك التسلسل الزماني للمجموعة الأثرية التي تم العثور عليها، إلى جانب دراسة المنسوجات والنباتات القديمة”. من جانبه يوضح عبد الماجد محمود مدير الآثار بالولاية الشمالية لـ”اندبندنت عربية”، أن البعثة الأثرية الوطنية بدأت عملها قبل أسبوعين بموقع كدرمه الأثري (مقابر أثرية) في محلية دلقو بالولاية الشمالية وعلى بعد أمتار من طريق الأسفلت القومي (الخرطوم- حلفا)، وعلى رغم أهمية هذا الموقع الأثري فإنه ظل يتعرض للسرقة أكثر من مرة، حيث أصبح التعدين التقليدي عن الذهب يشكل أحد المهددات الكبيرة لهذه المواقع. داخل مقصورة أحد الأهرامات بمنطقة البجراوية الأثرية (اندبندنت عربية- حسن حامد) على نحو متصل أوضح عبدالحي عبدالساوي مدير الكشف الأثري بهيئة الآثار والمتاحف السودانية، أن الكشف الجديد كفيل بإيضاح كثير من المعلومات عن مملكة مروي، بخاصة بعد الإفصاح عن كل محتواها وفك رموزها بواسطة العالم الفرنسي رينيه، الذي يعمل الآن على ذلك، مبيناً أن فريق البعثة سيعقد مؤتمراً صحافياً ومحاضرة فور عودته من الموقع الميداني بمنطقة كدرمة. ويرجع المؤرخون تاريخ تأسيس مملكة مروي إلى ما بعد الأسرة الـ25، في القرن الثالث قبل الميلاد على وجه التحديد، حيث اتسمت بنهضة عمرانية خلفت معالم أثرية وحضارية بارزة في مناطق عدة سودانية، وكان الإله أبا دماك هو المعبود الأول في بلاد النوبة آنذاك، وهو إله الحرب المصور في آثارهم على هيئة محارب بوجه أسد، وقد وجدت نقوشه وتماثيله في أماكن مختلفة. وتشير بعض النصوص التي تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد إلى أن أهل النوبة استخدموا لغتهم الخاصة في الكتابة بعد أن كانت قد بدأتولاًأولا أولاً باستخدام بعض الرموز الهيروغليفية القديمة، وفي نهايات القرن الخامس قبل الميلاد انتقلت عاصمة النوبة من نبتة إلى مروي جنوب الشلال الخامس شمال السودان، تفادياً لخطر الإمبراطوريتين الرومانية والمصرية. المزيد عن: السودان\العصر المروي\اكتشافات أثري\ةاللغة الهيروغليفية\الإمبراطورية الرومانية\مصر القديمة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سيلين أحب الإنجليز ولكن بنظرة جان دارك الغاضبة إليهم next post دلال البزري تكتب من تورنتو : شرق العالم وجنوبه يلاعبان الغرب في أوكرانيا You may also like نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024