نقوش من معابد العُلا محفوظة بمتحف الآثار في جامعة الملك سعود بالرياض بأقلامهم محمود الزيباوي يكتب عن: مذابح العلا خرجت من أطلال المعابد نقوشها نذرية تذكارية يغلب عليها الطابع الديني by admin 25 أغسطس، 2023 written by admin 25 أغسطس، 2023 48 احتلت المذابح والمجامر ركناً أساسياً في المعابد اللحيانية، وقد عثر خلال عمليات المسح المتواصلة على عدد كبير منها، وأغلبها مصنوع من الحجر الرملي المحلّي. اتبعت المناجم أشكالاً مختلفة، منها المربع والمستطيل والدائري، وتميّزت بمسارب ومناضد تؤكّد الدور البارز الذي احتلته تقدمة دم الذبيحة في الشعائر اللحيانية. الشرق الاوسط \ محمود الزيباوي تشكّل الكتابات اللحيانية المنقوشة على الألواح التذكارية التي عُثر عليها في منطقة العُلا مدخلاً لاستكشاف الأسس الدينية التي سادت إقليم الحجاز، غرب الجزيرة العربية، في عصر ما قبل الميلاد. في المقابل؛ تعكس النقوش التصويرية المعاصرة لهذه الكتابات أثر هذه الأسس العقائدية التي شكّلت على الأرجح قاعدة لتكوين صيغها التشكيلية الفنية. واللافت أن هذه النقوش خرجت من بين أطلال المعابد المندثرة، ممّا يؤكّد طابعها الديني، وهي اليوم محفوظة بمتحف الآثار في جامعة الملك سعود بالرياض. جذبت النقوش الكتابية التي تحفل بها منطقة العُلا كبار البَحّاثة، وباتت نصوصها المقتضبة مادة لدراسة تاريخ الحجاز وميراثه الذي يشوبه الغموض والإبهام. في هذا الميدان الشاسع ومتعدّد الأقطاب، برزت النقوش اللحيانية، وتبيّن أن أغلب هذه النصوص نذري تذكاري يغلب عليه الطابع الديني، كما أشار الدكتور حسين أبو الحسن في كثير من أبحاثه. تأتي هذه النصوص في الغالب بصيغة مختصرة جامعة تتكرّر فيها بعض الألفاظ، وتذكر في المقدّمة أسماء الأعلام الشخصية الخاصة بأصحابها، ثم تتحدث عن الحج، وتقديم القرابين والنذور، وتحمل في طياتها إشارات إلى أنواع هذه النذور، وتنتهي بما يشبه الدعاء والابتهال. وبعض هذه النقوش مؤرخ بشكل دقيق؛ إذ يُذكر فيه اسم الملك الذي أُنجز في عهده النقش، مع تحديد السنوات التي تعود إلى هذا العهد. شيّد المتعبّدون اللحيانيون معبداً لمعبودهم، وعُرف هذا المعبد في لغتهم بالـ«ب ت»؛ أي «البيت»، وقصدوا هذا البيت تقرّباً لمعبودهم، وإيفاء لنذور أوجبوها على أنفسهم. اعتمدت النقوش اللحيانية ألفاظاً عدة للتعبير عن هذا القصد، منها «ح ج»؛ أي «حج»، وورد هذا اللفظ بصيغة المفرد أو الجمع، بمعنى القدوم والزيارة. كما اعتمدت ألفاظاً عدة للحديث عن القرابين والتقدمات؛ منها الـ«ط ل ل»، أي الـ«طلل»، و«الطلة» هي «النعمة»؛ «وتعني هنا الخراج أو الزكاة أو النذر الذي يقدم للمعبود عمّا يملكه الشخص من أنعام أو نخيل أو ثروة… أو غيرها»، وفق حسين أبو الحسن. قدمّ البعض لمعبودهم الـ«ن ق» والـ«غ ن ى»؛ أي «النوق» و«الغنى»، والنوق جمع ناقة، أما «الغنى»، فاسم للمائة من الغنم. «ف ر ض ي هـ م/ و أ خ ر ت هـ م/ و س ع د هـ م»؛ أي «فرضيهم وأخرتهم وسعدهم»، ومعناها كما يبدو: «فرضي عنهم في الآخرة وأسعدهم». أوكلت مهام خدمة المعبد إلى الكاهن الذي عُرف باسم «أ ف ك ل»؛ أي «أفكل»، و«الأفكل» في «لسان العرب» تعني «الرِّعْدة من بَرْد أَو خوف». وفي «تهذيب اللغة»: «وَيُقَال: أخذ فُلاناً أَفْكَلٌ؛ إِذا أخذته رعْدةٌ». ويبدو أن الكاهن اللحياني عُرف بالـ«أكفل» تعبيراً عمّا يظهره من مظاهر الرهبة في خدمة المعبد. كذلك عُرف الكاهن اللحياني باسم «س ل ح»، أي «سلح»، وتعني مبعوث المعبود أو مندوبه. نقع على صورة فريدة من نوعها تمثّل هذا الكاهن في نقش ناتئ، مصدره موقع الخريبة في شمال شرقي العُلا. وهذا النقش متواضع فنياً، وملامحه ممحوة بشكل كبير، وما بقي منها يظهر رجلاً ضاع رأسه بشكل كامل، يرتدي مئزراً قصيراً، ويقف رافعاً يديه نحو الأمام. يظهر هذا النقش على كتلة من الحجر الرملي تعود إلى مائدة مذبح على الأرجح، ويوحي هذا الأساس بأن الصورة تمثّل كاهناً خلال ممارسته المهام الموكلة إليه في المعبد. احتلت المذابح والمجامر ركناً أساسياً في المعابد اللحيانية، وقد عثر خلال عمليات المسح المتواصلة على عدد كبير منها، وأغلبها مصنوع من الحجر الرملي المحلّي. اتبعت المناجم أشكالاً مختلفة، منها المربع والمستطيل والدائري، وتميّزت بمسارب ومناضد تؤكّد الدور البارز الذي احتلته تقدمة دم الذبيحة في الشعائر اللحيانية. اتّبعت المجامر كذلك أشكالاً مختلفة، فمنها صغيرة الحجم، والقائمة على 4 أرجل، وهي مخصصة لحرق البخور، ومنها كبيرة الحجم، مع قاعدة أسطوانية طويلة مكعّبة أو مستطيلة، وهي مخصصة لحرق الذبائح. زُيّن عدد من هذه المذابح والمجامر بنقوش تصويرية تمثّل قطعاناً من الحيوانات تسير في وضعية جانبية ثابتة، واتبعت هذه الزينة صياغة موحّدة جامعة، حيث شكّل كل قطيع من هذه القطعان شريطاً زخرفياً يتكون من سلسلة من البهائم، صوّرت تبعاً لنسق واحد غلب عليه طابع الاختزال والتوحيد. ويبدو أن زينة المجامر المخصصة لحرق الذبائح اعتمدت بشكل أساسي هذا الطراز. هكذا تحوّل كل من العجل والوعل إلى عنصر تصويري تكرّر في عقود زخرفية يحدّ كلّاً منها خطان متوازيان. وظهر الطير الدجاجي في صورة مماثلة، واحتلّ مكاناً بين العجل والوعل على عمود زُيّن بثلاث شرائط تمثّل هذا النسق اللحياني. في الظاهر؛ تبدو هذه الشرائط التصويرية زينة زخرفية، غير أن موقعها يحيل إلى «الطلل» و«النوق» و«الغنى» التي جرى تقديمها ذبائح تقرّباً للمعبود، وتعبيراً عن الإكرام والإقرار بالمعروف. وقد عُرف المذبح بـ«المنحر» وبـ«مهراق الدماء»، وعُرفت الذبائح بـ«الهدايا»، كما يُستدل من الأخبار التي نقلها ابن الكلبي في «الأصنام». ويتكرّر ذكر هذه الذبائح في الروايات التوراتية. تقول هذه الرويات إن «قايين قدم من أثمار الأرض قرباناً للرب، وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه. ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر» (تكوين 4: 3، 4). وعقب خروجه من الفلك؛ «بنى نوح مذبحاً للرب وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح» (تكوين 8: 20، 21). في هذا السياق، طلب موسى من فرعون أن يُطلق شعبه، فردّ وقال: «اذهبوا اعبدوا الرب، غير أن غنمكم وبقركم تبقى» (خروج 10: 26)، فرفض موسى، وقال: «لا يبقى ظلف؛ لأننا منها نأخذ لعبادة الرب إلهنا» (خروج 10: 24 ـ 26). في الخلاصة، شكّلت الذبائح جزءاً أساسياً من العبادة في كل العالم القديم، وقد اعتُمدت في مملكة لحيان، كما في نواحٍ كثيرة من الجزيرة العربية، ويشهد العدد الكبير من المذابح والمجامر اللحيانية للدور البارز لسفك الدم في شعائر اللحيانيين، ونجد في النقوش التصويرية التي زينت هذه المذابح وهذه المجامر ترجمة تشكيلية خاصة لهذا الدور. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رضوان السيد يكتب عن: التعارف والمعروف وتحديات الأزمنة الجديدة next post كندا تحقق في مزاعم عمل قسري للأويغور في سلاسل توريد شركات كبرى You may also like مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: ماذا جرى في «المدينة... 15 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب ومشروع تغيير... 15 نوفمبر، 2024 منير الربيع يكتب عن..لبنان: معركة الـ1701 أم حرب... 15 نوفمبر، 2024 حميد رضا عزيزي يكتب عن: هل يتماشى شرق... 15 نوفمبر، 2024 سايمون هندرسون يكتب عن.. زعماء الخليج: “مرحبًا بعودتك... 15 نوفمبر، 2024 الانتخابات الأمريكية 2024: وجهات نظر من الشرق الأوسط 15 نوفمبر، 2024