أ.ف.ب / خلال تشييع الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين في مدينة كميل شمعون الرياضية في مدينة بيروت في 23 فبراير عرب وعالم محمد أبي سمرا يكتب عن: نصرالله وجنازته… “حزبُ الله” ولبنان في التكرار العقيم by admin 25 فبراير، 2025 written by admin 25 فبراير، 2025 25 كيف يمكن الخروج من التكرار؟ المجلة / محمد أبي سمرا في تأبين الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في “مدينة كميل شمعون الرياضية” البيروتية، حيث التأمت الحشود الضخمة صباح الأحد 23 فبراير/شباط، قبل تشييعه في موكب حشود أضخم سار سيرا بطيئا حول سيارة تحمل نعشه لمواراته الثرى في مثواه الأخير وسط قطعة أرض اشتراها “حزب الله” بـ43 مليون دولار، على ما قيل، لتضم جثمانه في مدفن يصير مقاما ومزارا، كان صوت نصرالله في مقتطفات منتقاة ومختارة من خطبه النارية، هو الأقوى حضورا في التأبين، والأقوى تأثيرا في الحشود. روح الجماعة ولا شك في أن هذا اليوم من تلك الأيام المشهودة والكبرى في تاريخ لبنان الذي عاش على إيقاع خطب نصرالله في السنوات العشرين الأخيرة. وخطبه كانت علامات أساسية على المسار الذي اختطه “حزب الله” للبلاد منذ اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005. والمسار الطويل صنعه الحزب الخميني اللبناني صناعة كاملة بالحرب والدم والدموع والتعبئة والحشود والمواكب والخطب والتهديد والوعيد. وكان صوت نصرالله في هذا كله هو الحاضن والهادي والبوصلة والدليل لجمهوره الذي جاء من أنحاء لبنان كلها لوداعه وتجديد العهد له ولمتابعة مسيرته الكبرى التي اختطها منذ عام 1992. فنصرالله هو حقا صانع أمجاد حزبه الدامية، الدنيوية والخلاصية، ولم يعد جمهوره يتعرف على نفسه بلا صوته. وإلى جانب صوته، حضرت في المأتم كل شعارات وصور وشعائر وطقوس وندبيات وشارات وتجهيزات وأشكال تنظيم وكلمات ابتكرها “حزب الله” ابتكارا تاما، وبعمل شاق وطويل زرعها في النسيج الاجتماعي الشيعي وفي المخيلة الشيعية. كبيرة وضخمة كانت الحشود، وخُصّصت أيام سابقة لتعبئتها. وقد رفدتها وفود كثيرة تمثل “محور الممانعة” الإسلامي الذي تتصدره إيران، وجاءت من بلاد عدة في آسيا وأفريقيا. وكان وصول هذه الوفود إلى مطار بيروت مشهودا وصاخبا. حتى بدا أن يوم التشييع بدأ بوصولها إلى قاعات المطار. كأنها كانت في بلدانها تعيش حياتها على النمط نفسه. أما الحشود المحلية فكان توافدها من المناطق اللبنانية إلى بيروت قد بدأ نهار السبت وليله استعدادا ليوم الأحد المشهود. ولاحظ متابعو أيام التحضيرات الكثيرة لليوم الكبير، أن لبنان كله عاش تلك الأيام على إيقاع وضعه “حزب الله” الذي برهن أنه لا يضاهى على صعيد التعبئة والتحشيد والإعلام والتنظيم والتأطير الجماهيري، رغم ما أصابه في الحرب الأخيرة. كأنه سريعا حدّث آلته التنظيمية والتعبوية والإعلامية، ليختبر طاقته على بدء مرحلة جديدة من حياته، وليقول إنه لا يزال في عز شبابه في هذه المجالات. في بلاد قدرها أن تكون الحروب الأهلية الإقليمية أو إرثُها نظاما لحياتها “السياسية” وللعلاقات بين جماعاتها، كيف يمكن الخروج من التكرار؟ وقد أظهر نهار التأبين والتشييع الطويل أن العالم الذي صنعه “حزب الله” كاملا ومتكاملا لحياة جمهوره في لبنان، لا يزال على حاله، بل إن الحرب الأخيرة وغياب نصرالله وفقدان صوته زادت من القوة والإصرار على العيش في ذاك العالم. وهو عالمٌ، على قدر ما يظهره من توتر وغضب نحو الخارج، ينطوي على “ألفة” داخلية تطمئن الجماعة إلى قوتها. فتعيش في نمط عيش يومي جمعي شامل ومتكامل، وتسري في نسيجه الاجتماعي روح الجماعة وتنتشر. ويبدو أن هذا العالم الذي يوحد الجماعة يقوم على هتافات وشعارات وصور وإشارات وأشكال تواصل وعلاقات وشعائر وطقوس ورموز ولغة… وهو الذي يريد “حزب الله” أن يصرف إليه نشاطه وجهده الأساسيين، بعد دوار الحرب الدموية المدمرة التي عصفت به أخيرا، وخسر فيها معظم منشآته العسكرية والشطر الأكبر من طاقمه العسكري والبشري القيادي، ومن الصف الثاني والثالث. وهذا في انتظار ولادة أو توليد ظروف جديدة مؤاتية تعتقه من الحصار المضروب عليه، وتمكنه من إعادة بناء ما خسره. كأن “حزب الله” في هذا يقدم اليوم العمل التنظيمي والتعبوي والإعلامي الجماهيري في بيئته، على العمل العسكري والحربي في زمن الحصار الكبير الذي يتعرض له إقليميا ودوليا وداخليا ربما، على هذا الصعيد. وذلك كي يبقي جمهوره مؤطرا حوله، ولصيقا به عضويا، فلا يخرج من نمط العيش الذي صاغه له ويمتلك هو نوابضه وأشكال تسييره وتعبيره. والجمهور بدوره، بعد النكبة الكبرى التي أصابته في الحرب، يصعب عليه أن يغادر عالم الحياة التي صنعها له “حزبه” الخلاصي. ذلك أن سبل الخروج والمغادرة تكاد تكون مقفلة في بلد تعيش جماعاته في مناطق وبيئات منفصلة، ولكل منها قيمها ونمط عيشها ومواردها وأشكال تعبيرها وعلاقاتها ومعاييرها الخاصة. والناظر المتأمل في نمط الحياة الذي صنعه “حزب الله” لجمهوره، لا بد أن يلاحظ كم هو مرهق وشاق نمط العيش هذا. لكنّ الإرهاق والمشقة يولِّدان، على الأرجح، تيارا من الحيوية يسري في أوصال الجماعة ويمنحها القوة والتلاحم الوجودي والمصيري. أ.ف.ب / نعشا نصرالله وصفي الدين يمران بين الحشود، بيروت في 23 فبراير وفي هذه الحال محزن وشاق ومقلق ويبعث على الدوار أن لا يجد امرؤ مستقرا لمشاعره وانفعالاته وهواجسه وأفكاره حيال مشاهد تأبين حسن نصرالله وتشييعه إلى مثواه. والأرجح أن هذه حال أفراد يعيشون خارج قوة هويات الجماعات سطوتها الثقيلة وأنماط عيشها وخياراتها في لبنان. التعبئة والتكرار ألا يسأم البشر من التكرار؟ وفي بلاد قدرها أن تكون الحروب الأهلية الإقليمية أو إرثُها نظاما لحياتها “السياسية” وللعلاقات بين جماعاتها، كيف يمكن الخروج من التكرار؟ و”للتكرار يؤلف حتى تعجز كل خليقة الله”، كتب الشاعر اللبناني الراحل محمد العبدالله عن حروب لبنان القديمة في مطلع قصيدته “الفصل الأول من مصرع دون كيشوت”. و”حزب الله” ولد من رحم الحروب وربط مصيره ومصير لبنان بالحروب، وهو أكثر من سواه لا يملُّ ولا يسأم من التكرار. وبعدما ساهمت مقاومتُه في إنجاز تحرير شريط من قرى لبنان وبلداته الحدودية من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، سمى نفسه المقاومة بإطلاق. ثم جعل الإعداد للحرب والتهويل بالحرب، داخلية وخارجية، وخوضها كلما دعته الحاجة والضرورة الإقليمية، سياسة يومية ولغة يومية للسياسة. وكل من يخالفه الرأي في حروبه يتهمه فورا بالعمالة والخيانة، وأحيانا يطلق ضده حربا تأديبية. وهو فعلها في 7 مايو/أيار 2008 في بيروت والشوف بجبل لبنان. أما الأفراد الذين يزعجونه بمعارضتهم سياساته، فيهددهم بكاتم الصوت. في مسلسل أيام التعبئة والغضب الذي أطلقه “حزب الله”، كانت الاحتجاجات على طريق المطار هي الأقوى أثرا “سياسيا” محليا، وعلى الصعيد الإقليمي والدولي وبعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي جنوبا وترسيم الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل، خاض حربين ضد الدولة العبرية، فجاءت نتائجها عليه وعلى البلاد ومناطق أهله دموية ومدمرة. لكنه لم يرتضِ بأقل من تسميتها “انتصارات إلهية”، و”وعود صادقة”. وما إن استيقظ من دوار الحرب الأخيرة المروعة، حتى أطلق أياما تعبوية مجرَّبة سابقا ويستجيب لها جمهوره المدرّب عليها، فتمنحه شعورا بالعزاء والقوة، وتنتشله من الهوان، وتسكّن آلام محنته الدموية المدمرة. وأيام “حزب الله” التعبوية متنوعة الأنشطة والتحشيد والطقوس والشعائر. وكان نوعان اثنان منها هما الأقوى حضورا وأثرا، استعدادا ليوم الحشد الكبير في تشييع زعيمه الأعظم إلى مثواه الأخير في ضريح يُعد ليصبح مقاما ومزارا مقدسا. ونوعا التعبئة هما: -أيام “الزحف” في عطلات نهارات الأحد نحو قرى حدودية مدمرة في الجنوب، ولا تزال وحدات من الجيش الإسرائيلي ترابط في جنباتها. وذلك كي يحررها بعضُ أهلها من مستجيبي “أيام الزحف” بلحمهم الحي وبدمائهم. وقتل في “يوم الزحف” الأول 25 شخصا وجُرح عشرات بنيران الجيش الإسرائيلي. وطوت العادة والتكرار القتلى بلا أثر، سوى تلك المشاهد القيامية في ضاحية بيروت الجنوبية: أسنان جرافات ورافعات فولاذية تنقضُّ بصخب هديرها الأقسى من الفولاذ، على أشلاء بنايات بطبقات كثيرة منهار نصفها، ونصفها الآخر معلق مبقور مكشوف من دواخله عن حطام أثاث بيوت ومزق ثياب معلقة بجدران متصدعة وبخشب نوافذ وأبواب وستائر قماش متناثرة ممزقة… وجموع من الناس يقفون لاغطين رافعين رؤوسهم وأعينهم يحدقون في أسنان الرافعات وانهيار الردم والركام. هذا فيما كان قتلى وجرحى يوم “الزحف” الأول يُنقلون على حمالات إلى مستشفيات في الضاحية الجنوبية، بينما تدرز زخات كثيفة من الرصاص سماءها، وصعُب التمييز بين إن كانت تصدر عن مشاعر ابتهاج بما “حرره” القتلى والجرحي من الأرض الخراب في قراهم، أم إنها تشبه العويل. وفي واحدة من تلك المستشفيات كان عدد ممن فقدوا أيديهم أو بعض أصابعها أو إحدى عيونهم بتفجيرات “البيجر” الإسرائيلية المروعة في ذاك النهار العاصف، منهمكين في مهمات واتصالات قد تكون متعلقة بتنظيم التعبئة وعمليات الإسعاف. أ.ف.ب / طائرات مقاتلة من طراز “إف-15″ و”إف-35” تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي تحلق فوق ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية على مشارف بيروت، خلال تشييع نصرالله وصفي الدين في 23 فبراير -أيام قطع طريق مطار بيروت، وبعض شوارع العاصمة ونصب أعلام “حزب الله” على جنباتها، احتجاجا على منع الحكومة اللبنانية وصول الطائرات الإيرانية إلى المطار، بعدما هددت إسرائيل بقصفه في حال هبوطها فيه. الغضب والتعبئة: كينونة السلاح وفي مسلسل أيام التعبئة والغضب الذي أطلقه “حزب الله”، كانت الاحتجاجات على طريق المطار هي الأقوى أثرا “سياسيا” محليا، وعلى الصعيد الإقليمي والدولي. وأحرق محتجون هناك سيارة لقوات الأمم المتحدة “اليونيفيل” المرابطة في الجنوب، واعتدوا على ركابها، فتصدى لهم الجيش اللبناني واعتقل 25 شخصا منهم. ويستحيل أن نتخيل وجود “حزب الله” وجمهورِه، وأن يتخيل هو وجمهوره وجودهما، دون حملات الغضب والتعبئة والتحشيد الأهلية. وصلة “الحزب” بجمهوره في هذه الحال رحمية أو كينونيّة وتأسيسية. وتلك الحملات مورد أساسي من موارده منذ تأسيسه، ولا يمكن دونها أن يكون، يستمر ويتعرف على نفسه وهويته هو وجمهوره. وطابع تلك الحملات سابق على اعتماد “حزب الله” السلاحَ موردا أساسيا آخر لقوته. وهي تصدرت نشاطه ما قبل العسكري، وأسست له والتصقت به قبل تأسيسه العلني والرسمي في عام 1985. بعدما تكرر حصاد الحروب المر في لبنان وعلى “حزب الله” وجمهوره، لا يبدو أن أحدا في بلاد إرث الحروب الأهلية الإقليمية يسأم من التكرار فـ”منظمة الجهاد الإسلامي” الخمينية نشأت خلاياها الأولى السرية، عندما كانت الدبابات الإسرائيلية قد دخلت بيروت صيف 1982 وخرجت منها ورابطت في خلدة على مسافة 3 كيلومترات من العاصمة المنكوبة. وبعدما ارتكب جهاز في “القوات اللبنانية” المسيحية المتعاونة مع إسرائيل “مجزرة صيرا وشاتيلا” الشهيرة، استقدمت الأمم المتحدة إلى لبنان قوات دولية متعددة الجنسية، أميركية وفرنسية، فقامت المنظمة الخمينية السرية بأولى عملياتها “الجهادية” الانتحارية ضدها: فجرت السفارة الأميركية، وثكنة لقوات المارينز الأميركية، ومقرا للجنود الفرنسيين في بيروت. وكانت تلك العمليات التي أدت إلى انسحاب القوات المتعددة الجنسية من لبنان، حلقة من الحرب الأهلية والإقليمية والدولية في لبنان. ولربما شكلت تلك العمليات مثالا ونموذجا انتحاريا بريا ملهما لعملية 11 سبتمبر/أيلول 2001 الجوية. وكانت قد سبقت عمليات “الجهاد الإسلامي” الانتحارية في بيروت 1983 وزامنتها تقريبا، حملاتُ تعبئة دينية جهادية محمومة في أحياء الرمل العالي والواطي للعمران العشوائي أيام الحرب في ضاحية بيروت الجنوبية، وغير بعيد من مدفن- مزار حسن نصرالله اليوم، بعد 43 سنة انقضت على ذاك التاريخ المنسي. فآنذاك، في خريف 1982 البعيد، هبّ من مسجد الرسول الأعظم على طريق مطار بيروت جمع من محتجين على الجيش اللبناني الذي باشر هناك، بقوة وصلافة وقسوة شبه ثأرية، إزالة مساكن عشوائية بائسة بحجة أنها غير شرعية. كأنما استعادة شرعية الحكم والسلطة في خضم حرب أهلية إقليمة تبدأ بهدم بيوت الناس الأشد بؤسا وشعورا بالعري والهوان. وكانت هبّة الرمل العالي والواطي الاحتجاجية وليدة حملات التعبئة الدينية الخمينية الجماهيرية المحمومة في المساجد والحسينيات في ضاحية بيروت الجنوبية. وهناك تقارير كثيرة تفيد بأن حسن نصرالله الشاب (22 سنة) آنذاك، كان إمام مسجد الرسول الأعظم وخطيبه الدعوي الخميني في “حركة أمل الإسلامية” الشيعية التي انشقت عن الحركة الأم بقيادة نبيه بري، وشكلت في عام 1985 مكوّنا من مكونات “حزب الله” التأسيسية إلى جانب “منظمة الجهاد الإسلامي”. حصاد الحروب المر واليوم، بعدما تكرر حصاد الحروب المر في لبنان وعلى “حزب الله” وجمهوره، لا يبدو أن أحدا في بلاد إرث الحروب الأهلية الإقليمية يسأم من التكرار. فها هو سعد الحريري، بعد غيبته أكثر من 3 سنوات عن بيروت وعزوفه عن العمل السياسي، يعود إليها في الذكرى العشرين لاغتيال والده (أدانت محكمة دولية أحد رجال “حزب الله” بتدبير اغتياله)، فيقف خطيبا في جمهوره المحتشد- كأنما في صورة قديمة التُقِطت قبل دهر- قرب مدفن والده في ساحة الشهداء. ونسجا على منوال عادة قديمة كرر الحريري الابن كلمات لا يسأم من تكرارها، لا هو ولا جمهوره المحتشد كأنما في ساحة قرية في أغنية قديمة. وهو مثل أمٍّ تكلّم أطفالها راح يردد لجمهوره المحتشد، بنبرة متسائلة، ذلك المثل الشعبي البيروتي: “كل شي بوقتو (بوقتِه)؟”، ثم ينتظر من الجمهور أن يردد الكلمة الأخيرة من المثل: “حلو”. وهذا جوابا منه عن الموعد الاحتمالي لعودته إلى العمل السياسي. ما أسالته الحروب الداخلية والخارجية من دماء، وزرعته من دمار وخراب ومقاتل ومقابر وثارات ونقمة وغضب، في شقوق التفاوتات والاختلافات بين جماعات لبنان وبعض البلاد المشرقية، صار أقرب إلى تراث أو أرث يتجاوز المنطق وفيما كان سعد الحريري يلقي كلمته، كان نفر من جمهور “حزب الله” الغاضب يكرر رياضة الغضب ويصعِّدها، فيحرق سيارة “اليونيفيل” على طريق المطار. وبما أن لكل جماعة في لبنان إرثها وهويتها وتقويمها ولهجتها ونبرتها الخاصة، وزعماؤها الأحياء وأضرحة المُغتالين منهم، لم يتوقف “حزب القوات اللبنانية” المسيحي بزعامة سمير جعجع، عن تكرار اتهامه “حزب الله” وجمهوره بالإمعان في “تخريب البلاد” وتعريضها للأخطار. وهذا صحيح، قدر ما تنقصه حقيقة تسكت عنها جماعات هذه البلاد كلها ويسكت عنها زعماؤها: غالبا ما يترصّدُ زعيم هذه الجماعة زعيمَ تلك، ويتبادل الزعماء نظرات مزورّة كإخوة أعداء. وكل جماعة ترى أن أخطارا تتهددها مختلفة عن تلك التي تتهدد الأخرى. وما من أحد في لبنان وسواه من بلاد الجماعات الأهلية وحروبها وإرثها المقيم، يريد أن يكاشف نفسه وسواه بأن ما يكرّرونه عقيم ولا يفضي سوى إلى تكرار المقاتل الخراب. والمثال على ذلك أن قلة في لبنان وسوريا يقرون بأن الدور الخارجي، الإقليمي والدولي، كان هو الأساس والأفعل والأقوى في التغيرات الأخيرة التي حصلت في البلدين، وليس دور الجماعات والقوى الداخلية فيهما. أ.ف.ب / الضريح الذي خصص لدفن نصرالله على طريق المطار، بيروت في 22 فبراير والجماعات اللبنانية في بلاد الهويات المتباينة، المضطربة والمتنازعة، منذ التأم عقدها في دولة مشتركة، تعيش في “بيت بمنازل كثيرة” حسب المؤرخ كمال الصليبي. وصارت دولةَ معازل أهلية- طائفية، منذ عصفت بجماعاتها الحروب الأهلية الإقليمية التي لم تجد الجماعات سبيلا إلى الخروج منها بعد. وفي هذه الحال ماذا يسع السلطات الحكومية اللبنانية الجديدة أن تقرر وتفعل في هذه المتاهة من أقدار جماعات لبنان، فيما كل جماعة منها تجد أنها وحدها على طريق الصواب والحق والخلاص الذي لا ترتضي عنه بديلا؟ وقد يكون هذا ناجما عن عوامل تعمّقت جذورها وذهبت بعيدا. ذلك أن ما أسالته الحروب الداخلية والخارجية من دماء، وزرعته من دمار وخراب ومقاتل ومقابر وثارات ونقمة وغضب، في شقوق التفاوتات والاختلافات بين جماعات لبنان وبعض البلاد المشرقية، صار أقرب إلى تراث أو أرث يتجاوز المنطق أو الوعي الاجتماعي والسياسي، ليصير لاوعيا اجتماعيا وتاريخيا عميقا. وهو إرث قد لا بنفع ولا يفيد فيه الكلام المجرد عن الدولة والمواطن والقانون والحق، وما يترتب على ذلك من التزمات أخلاقية مجردة. وقد يكون “حزب الله” في لبنان وبعده جماعة “أنصار الله” الحوثية في اليمن- وهما وليدان صافيان من رحم حروب داخلية وخارجية- المثال الأسطع والأقوى الأطول باعا وتجربة وخبرة في تعميق وتأريث هذه الحال من غرس التوتر الدائم والاختلافات والتفاوتات والشقوق في التربة الاجتماعية للبشر والجماعات. المزيد عن: لبنان اسرائيل حزب الله نصر الله 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post محمد أبي سمرا يكتب عن: حسن نصر الله… العيش والموت بالخطابة والغضب والأوهام next post ترودو يجدّد التأكيد من كييف على دعم كندا لأوكرانيا You may also like مفاجأة إيرانية عن علاقة بشار الأسد بـ”محور المقاومة” 25 فبراير، 2025 لماذا اختلف سلوك ترمب مع زيلينسكي عن بوتين... 25 فبراير، 2025 المغرب يحبط مشروعا لفرع جديد لـ”داعش” 25 فبراير، 2025 تصور إسرائيلي جديد بنقل سكان غزة إلى ليبيا... 25 فبراير، 2025 ماذا يحدث عند وفاة البابا؟ 25 فبراير، 2025 خلافات «علنية» داخل «حماس» حول «هجوم 7 أكتوبر»... 25 فبراير، 2025 بعد تصريحات نتنياهو بحقهم… الشرع يجتمع مع «وجهاء... 25 فبراير، 2025 محمد أبي سمرا يكتب عن: حسن نصر الله…... 25 فبراير، 2025 “وول ستريت جورنال”: الحزب لا يملك السيولة لتعويض... 25 فبراير، 2025 علويو سوريا… مسالك العزلة مجددا 23 فبراير، 2025