بأقلامهمعربي محمد أبي سمرا: نساءُ الجبل الدرزي وحُرمتُهنَّ بين زعامة الخوف والحماية by admin 6 أبريل، 2022 written by admin 6 أبريل، 2022 47 إذا أضفنا إلى ذكورية المجتمع التقليدي حفاظه على المرأة وحمايتها باعتبارها ملحقةً بالرجل ومكمن شرفه، أن السياسة والنشاط السياسي والحزبي من شؤون الرجال وحدهم في هذا المجتمع، يصير مفهومًا لماذا اختار منظمو مسيرة سوق بقعاتا أن يقتصر الحضور فيها على النساء.. المدن \ محمد أبي سمرا – كاتب وصحافي لبناني تنقل هذه الشهادة وجهًا من أحوال المجتمع الدرزي في مرآة احتجاجات 17 تشرين 2019: وضع الفئات الوسطى المتعلمة، النساء ونظرة المجتمع التقليدي إليهن، وشبكات الولاء للزعامة وحزبها بين الجبل والساحل. وهي تستكمل شهادة سابقة نشرتها “المدن” الأحد 3 نيسان الجاري. حياة رتيبة عجزت زعامة الطائفة الدرزية وحزبها في الجبل ما بعد الحرب الأهلية عن تلبية متطلبات الحراك الاجتماعي للفئات الوسطى الجديدة والمتعلمة في الساحل وبيروت، والتي خفت ولاؤها طوال سنوات السلم لحزب الطائفة وزعيمها. وصارت الحياة رتيبة ومضجرة في بلدات الجبل وقراه التي تخلو من مؤسسات وأعمال ونشاطات تناسب طموحات تلك الفئات في الارتقاء الاجتماعي وتفتحها الثقافي. طبعًا ظل الحزب والزعامة قادرين نسبيًا على تأمين بعض متطبات الفئات ما دون المتوسطة والدنيا، في الحد الأدنى من الخدمات: تدبير وظيفة متواضعة لهذا أو ذاك في مؤسسات القطاع العام الحكومي، ومساعدة البعض في الدخول إلى سلك الجيش وقوى الأمن الداخلي. وحتى هذه الوظائف تضاءلت في السنوات الأخيرة. وفي مقابل هذا النضوب، ارتفعت نسبة المتعلمين الذكور والإناث في المجتمع الدرزي، وتدنت نسبة الإنجاب، وهي أصلاً متدنية. فالطبيب والمهندس والمحامي والموظف في شركة أو مصرف، أعمالهم في بيروت، وتتوزع إقامتهم بينها وبين التجمعات السكنية الدرزية الساحلية. وصارت القرى والبلدات الدرزية قليلة السكان، وتقتصر دورة حياتها اليومية على علاقات تزاور أهلي وقرابي، منكفئة على تقاليد وتراث يفقدان الحيوية، بل ذاويان، حتى في بلدة المختارة معقل الزعامة الجنبلاطية. أما جارتها عماطور فتكاثر فيها المتعلمون، وكذلك الزواج الطائفي المختلط بين أهلها المقيمين في بيروت. وهي شكّلت حالة استثنائية في كونها البلدة الدرزية الأولى التي سمحت بأن تُدفن في مقبرتها نساء غير درزيات إلى جانب رفاة أزواجهن الدروز، فيما تقتضي التقاليد أن يُدفن غير الدرزي في ما يسمى “مقابر الخوارج”. وانقسمت حياة الدروز بين الساحل والجبل شطرين: العمل والحياة والعلاقات الشخصية والبيتية والترفيهية والسياسية الجديدة في الساحل وبيروت. والحياة والعلاقات العائلية التقليدية، من تزاور عائلي وحضور مناسبات الدفن والعزاء والتهاني والأعراس، وصولًا إلى الانتخابات البلدية والانتخابية، في بلدات الجبل وقراه. زعامة الخوف والحماية لكن أحد منظمي احتجاجات 17 تشرين 2019 نبّة في شهادته إلى أن المجتمع الدرزي أقلي، صغير، متماسك. ووجدانه ولا وعيه الجمعي ينطويان على شعور مقيم بالخوف والحاجة الدائمة إلى التكتل والحماية. وزعيم أو زعماء الجماعة الأقوياء والتقليديين هم غالبًا ركن هذين التكتل والحماية وقطبهما، خصوصًا في أوقات الملمات والشدائد. وهذا كله -بحسبه- يجعل الحراك الاجتماعي والسياسي والخروج أو التمرد على الزعامة، من الأمور المعقدة وغير السهلة في البيئة الدرزية. وهو يرى أن البيت الزعامي الإقطاعي العريق والضارب في القِدَم إلى ما يزيد عن قرنين أو ثلاثة، يمتلك خبرات تاريخية وقدرات مادية ومعنوية متجذرة، تمكنه من تقديم الخدمات للناس والحصول على ولائهم. والحزب التقدمي الاشتراكي وزعامته من مؤسسي النظام السياسي اللبناني. والزعامة الدرزية ومجتمعها، شأن سواها من الزعامات اللبنانية ومجتمعاتها، ينطلق تفكيرهما وسلوكهما السياسيان من حماية الزعامة والجماعة ورعاية مصالحهما وموقعهما في النظام اللبناني والتنافس على توزيع ريوعه على الأتباع والموالين. وهو أقر بأن علاقة التبعية والولاء للزعيم وحزبه في البيئة الدرزية الساحلية قد ضعفت، قياسًا إلى البيئة الجبلية، ولا سيما في أوساط الفئات المتوسطة والشابة والجديدة والمتعلمة، القادرة أكثر من سواها على التحرر من الولاء للزعامة والتمرد عليها ومناصرة قوى التغيير، لأن مصالحها الاقتصادية وقيمها المعنوية ابتعدت أو انفكت من الولاء والتبعية للزعيم وحزبه. لكن هذا -بحسبه- يجب ألا يدفع هذه الفئات إلى ملامة المقيمين على تلك العلاقات والضغط والتهجم عليهم وتبخيسهم والحط من شأنهم، لأن لا قدرة لديهم لتحصيل عملهم ومعاشهم إلا من طريق موالاة الزعيم. واستنكر قول القائلين إن هؤلاء قطيع أغنام، على ما يحلو للبعض تصويرهم، لأنهم غير قادرين على مغادرة بلدات الجبل وقراه، حيث يعيشون حياتهم تحت أعين القيادات الحزبية وموالي الزعيم، ولديهم معاملات في البلدية ومع المختار، ويرتبطون عضويًا بالبيئة التقليدية والعائلية المحلية. ووضعهم هذا لا يتغير في يوم وليلة، بل بطيئًا، وحسب الظروف. ورأى الناشط في احتجاجات تشرين أن الدعوة المتسرعة في استسهالها إلغاء الزعامة وحزبها أو عرضيتها، ليست صحيحة ولا ناجعة ولا تفضي إلى مرادها، وأحيانًا تؤدي إلى عكسها. فالزعامة لها تاريخها وحضورها وتجذرها في المجتمع والنظام السياسي ومؤسسات الدولة. لذا على قوى التغيير أن تقوم بعمل قاعدي بطيء، وتستبعد المنطق الإلغائي. وانتفاضة 17 تشرين ليست النهاية، بل البداية، بحسبه. مسيرة الشوف النسائية وروى الناشط نفسه أن شبان إحدى مجموعات انتفاضة تشرين، المتظاهرين ليل 17 تشرين في ساحة الشهداء، تلقوا من رفاقهم في الجبل (عاليه والشوف)، رسائل عبر منصات التواصل الاجتماعي تدعو إلى التوافد إلى بيروت للمشاركة في الاحتجاجات. لكن رفاقهم المتظاهرين في وسط بيروت طلبوا منهم التحرك في مناطقهم. وأصدرت المنظمة إياها بيانًا يدعو الناس إلى مظاهرات لامركزية في المناطق. ويبدو أن الحزب الاشتراكي، لم يمانع أن يشارك محازبوه وجمهوره في تظاهرات وسط بيروت، لكن بصفتهم الفردية لا الحزبية، وبعيدًا عن المدن والبلدات الجبلية. وحين أقدم بعض متظاهرين على الهتاف “كلن يعني كلن” في ساحة مدينة عاليه نهار 18 تشرين، هاجمهم محازبون اشتراكيون واعتدوا عليهم، ما استدعى تدّخل وحدات من الجيش لحمايتهم. وطوال أيام احتجاجات تشرين كان المحتجون الدروز يفضلون التظاهر خارج بلداتهم وقراهم الجبلية، فينسلون منها قاصدين بيروت والشويفات للتظاهر في ساحاتها بكثافة لافتة. وذلك لتجنب إثارة حفيظة المجتمع الأهلي المحلي الموالي للحزب وزعيمه. روى ناشط في إحدى مجموعات الجبل أن احتجاجات الشوف بدأت بالدعوة إلى مسيرة نسائية في سوق بلدة بقعاتا التجاري، نهار 19 أو 20 تشرين الأول. وشاركت في الدعوة مجموعات ناشطة في الشوف، بعدما اجتمعت وتداولت في أساليب التحرك في بلدات الجبل، فقرر المجتمعون أن تكون المسيرة للأمهات والنساء. وقد علّلوا ذلك بأنهم لا يريدون تعريض الشبان والرجال لمخاطر الصدام مع “إخوتهم وأهلهم” من محازبي التقدمي الاشتراكي المسيطر في الشوف والجبل الدرزي عامة، حيث تندر تاريخيًا التحركات المناوئة أو المعارضة لهذا الحزب وزعامته، وتقتصر على ما ينظمه من مهرجانات تأييد له ضد القوى السياسية الأخرى خارج الجبل، ونادرًا ضد قوى درزية مناهضة. وقد تعوّد الاشتراكي على تنظيم نشاطاته هذه في مناطقه، كأنما ينظمها في “بيته وبين أهله”. وسرعان ما اهتدى الناشطون إلى فكرة مسيرة الأمهات والنساء، لإدراكهم طبيعة العادات والتقاليد الذكورية في مجتمعهم الأهلي والبلدي والمحافظ: استحالة أن يُقدم رجال على التعرّض لحرمة النساء، وهنّ أعراضهم وحرماتِهم وعنوان شرفهم الرجولي. أما اختيار بقعاتا وسوقها التجاري مكانًا للمسيرة النسائية، فباعثه أن ذاك السوق المحلي يتبضّع منه أهالي بلدات الشوف وقراه، ما يجعل المسيرة مشهودة أو منظورة. واحتشد جمع من النساء والأمهات الدرزيات في سوق بقعاتا. والأرجح أن صلات وعلاقات قرابية وأهلية تجمع بين المشاركات في المسيرة وشبان المجموعات الناشطة الداعية لها، والتي تضم شابات ناشطات. وكانت الناشطات قد شاركن في عمليات إطفاء الحرائق الكبيرة التي نشبت قبل أيام من 17 تشرين في أحراج المشرف في ساحل الشوف. وكان الغضب من إهمال الأجهزة الحكومية وتقصيرها عن إطفاء الحرائق، لا يزال حيًا، وظهر في مسيرة سوق بقعاتا النسائية. وقد سار على جنباتها وخلفها ناشطون شبان ورجال يواكبونها مستطلعين. وعلى الأرجح محتمين بها مطمئنين لعدم تعرضها وتعرضهم لاعتداءات محازبي الاشتراكي. ووصلت المسيرة إلى مستديرة بلدة بعقلين القريبة، فتوقفت هناك. وفي ما يسمى مرج بعقلين نصب الناشطون خيمة للاعتصام، وراحوا يعقدون حلقات مناقشة في الأيام التالية، وسموها خيمة الشوف الأعلى. وصار المرج وخيمته ملتقى الناشطين وتجمعاتهم الاحتجاجية. لذا حاول الحزب التقدمي الاشتراكي حملهم على التوجه إلى بلدة/ مدينة بيت الدين غير بعيد من بعقلين وفي أعاليها. وبيت الدين مختلطة طائفيًا، وفيها قصر الإمارة الشهابية الشوفية في القرن التاسع عشر، واتُخذ القصر مقرًا صيفيًا لرئاسة الجمهورية منذ ستينات القرن العشرين. وفي صيف 2019، نزل فيه الرئيس ميشال عون مصطافًا. وأدرك محتجو مرج بعقلين أن حزب طائفتهم يريد نقلهم إلى بيت الدين لإظهار أن محتجي الشوف يستهدفون في احتجاجاتهم رئيس الجمهورية وعهده، وليس زعامة طائفتهم وحزبها المشارك في الحكم والسلطة. لذا رفض المحتجون نقل مخيمهم ونشاطاتهم ومسيراتهم من بعقلين إلى بيت الدين. لكن أحد مؤسسي المجموعات الناشطة ذكر في شهادته أن النساء الدرزيات كان حضورهن ونشاطهن لافتين في انتفاضة تشرين، لأنهن جريئات وأكثر حرية من الرجال في المجتمع الدرزي التقليدي والأبوي، الذي تثقل وطأته وتضغط وتقسو على الرجال أكثر من ما على النساء. والسياسة والحزبية والتحزب في هذا المجتمع تقتصر على الرجال. وحزب الطائفة الأبوي هو حزب رجال، وغالبًا ما تعتبر العائلة الأبوية وحدة أو خلية من خلاياه. أما حضور النساء في هذا الحزب فقليل أصلاً وضعيف، ولا يعوّل عليهن ولا يحسبُ لهن حسابٌ. وفي أفضل الأحوال يكون حضورهن ودورهن ملحقين بالرجال. وغالبًا ما يستعملهن الحزب استعمالاً احتفاليًا شكليًا، كلما أراد الإيحاء في أوقات ومناسبات أن للنساء دورًا في المجتمع، كعيد الأم ويوم المرأة العالمي، وسوى ذلك من الأعياد والمناسبات. وإذا أضفنا إلى ذكورية المجتمع التقليدي حفاظه على المرأة وحمايتها باعتبارها ملحقةً بالرجل ومكمن شرفه، أن السياسة والنشاط السياسي والحزبي من شؤون الرجال وحدهم في هذا المجتمع، يصير مفهومًا لماذا اختار منظمو مسيرة سوق بقعاتا أن يقتصر الحضور فيها على النساء: مفاجأة مجتمعهم الذكوري المحافظ بزج النساء في الشأن السياسي وكسر تبعيتهن للرجال في النظام الأبوي والحزبي، وتعطيل العنف السياسي لهذا النظام الذي يستحيل أن يطلقه على النساء. لكن هناك وجهٌ آخر ضمنيٌّ وخفيٌّ لهذا الخيار: نزع السياسة والفعل السياسي عن المسيرة النسائية في مجتمع أبوي وذكوري، تعتبر قيمه وأعرافه وتقاليده أن السياسة من شؤون الرجال وحدهم، ولا تعويل فيها على أفعال النساء ومسيرتهن. وعلى هذا النحو يظهر المعنى المزدوج والملتبس والمتناقض للمسيرة النسائية في سوق بقعاتا الشوفي. وأضاف الناشط أن النساء في مجتمعه كان تأثيرهن أقوى من الرجال في انتخابات 2018 النيابية، وعلّل ذلك بأن اهتمام النساء والأمهات بأوضاع أبنائهن وبناتهن ومستقبلهم أقوى من اهتمام الرجال والآباء. وبعد أيام من الاعتصامات والنشاطات الاحتجاجية في مرج بعقلين هاجم محازبون في التقدمي الاشتراكي المعتصمين واعتدوا عليهم. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كيبيك: مشروع قانون لتعزيز حماية الحرية الأكاديمية next post دراسة: هل من “توقيت سحري” للتخلي عن تدابير “كوفيد-19” الوقائية؟ You may also like غسان شربل يكتب عن: لبنان… و«اليوم التالي» 26 نوفمبر، 2024 ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024