بأقلامهمعربي محمد أبي سمرا : أوكرانيا ومأساتها الوطنية.. بين النازية والستالينية by admin 22 مارس، 2022 written by admin 22 مارس، 2022 53 أما أولئك الأوكرانيون الذين شكّلوا نواة دولة أوكرانية وطنية في ظل السيطرة النازية الألمانية على بلادهم، فمكثوا فيها ولم يغادروها أثناء جلاء الجيش الألماني وانكفائه عن أوكرانيا التي اجتاحتها قوات الجيش الأحمر الروسي، المدن -بيروت \ محمد أبي سمرا – كاتب وصحافي لبناني عماد الدين رائف باحث ومترجم لبناني عن اللغتين الروسية والأوكرانية، وأمضى سنوات خمس (1990- 1995) طالبَ صحافة اجتماعية في جامعة مدينة روستوف الروسية. وفي بيروت ترجم 12 كتابًا في الرواية والشعر والتاريخ عن الأوكرانية. وعن الروسية ترجم كتبًا خمسة في الأدب والتاريخ والرحلات والشهادات الأنثربولوجية. ووضع كتبًا خمسة في البحث الثقافي والتاريخي عن روسيا وأوكرانيا. وبعد حلقة أولى رواها عن حال روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (نشرتها “المدن” الجمعة 18 آذار الجاري)، يستعيد هنا بعضًا من معرفته بأوكرانيا وبالعالم الروسي. ويلي هذه الحلقة حلقة ثالثة وأخيرة عن الثقافة الأوكرانية وصلتها بلبنان. أوكرانيا والعالم الروسي كانت أوكرانيا واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي الذي ضمَّ شعوبًا وأقوامًا كثيرة متنوعة اللغات والثقافات في وسط أوروبا وشرقها، وفي آسيا الوسطى الداخلية المترامية الأرجاء، فجمعها في دولة إمبراطورية هائلة الحجم، وتفوق مقدرة الدول الوطنية الحديثة الناشئة بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطوريات القديمة، على استيعابها وتأطيرها. وكان عالم ما بعد تلك الحرب تلك قد عاش تحوّلات وتقلّبات، قبل ارتسام ملامحه الجديدة التي أرستها الحرب الباردة، عقب الحرب العالمية الثانية. وأثناء الحرب الباردة، سعت روسيا السوفياتية في أن يكون لها صوتان إلى جانب صوتها في منظمة الأمم المتحدة الوليدة بعد الحرب الثانية، إضافة إلى عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي وتمتعها بحق نقض قراراته. واختارت أن يكون الصوتان من جمهورية روسيا البيضاء أو بيلاروسيا، وجهورية أوكرانيا التي نجحت المساومة السوفياتية في انتزاع صوت لها في المنظمة الدولية. وقد يكون ذلك لتسكين النزعة الاستقلالية الوطنية أو القومية الأوكرانية عن الإمبراطورية السوفياتية. وكانت أوكرانيا ما قبل الحرب العالمية الأولى، مثل شعوب وأقوام أوروبا الوسطى والشرقية، تتجاذبها وتستتبع أقاليمها وتتقاسمها إمبراطوريات ثلاث: النمساوية- المجرية، العثمانية، والقيصرية الروسية. فشبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا الشرقي، كانت عثمانية، قبل أن تستولي عليها روسيا القيصرية في حروب لها مع العثمانيين، سبقت الحرب العالمية الأولى. وأقاليم أوكرانيا وإماراتها الغربية في شرق أوروبا، مثل غاليسيا ويوكوفينا ولاخيا، كانت تابعة للإمبراطورية النمساوية- المجرية. لكن الشعور القومي الأوكراني ضارب في القدم، ويعود إلى أزمنة سابقة على الحرب العالمية الأولى، التي تمكّن الأوكرانيون في نهايتها من تأسيس جمهورية شعبية مستقلة، دامت حتى سنة 1922. وضمت تلك الجمهورية أقاليم أوكرانيا الغربية والشرقية، التي يقسمها نهر الدنيبر شطرين متساويين تقريبًا، ويصب في البحر الأسود جنوبًا، ويمر في قلب العاصمة الأوكرانية، كييف، التي تتوسّط البلاد في شمالها، قريبًا من حدودها مع بيلاروسيا. وبعد الحرب العالمية الثانية ضُمّت جمهورية أوكرانيا الشعبية إلى الاتحاد السوفياتي، شأن سواها من أقوام وشعوب الجمهوريات الكثيرة في أوروبا الوسطى والشرقية، وآسيا الوسطى. وغداة انهيار ذاك الاتحاد الإمبراطوري نهاية الثمانينات، خرجت منه وتحرّرت شعوب وأقوام أوروبا الوسطى والشرقية كلها، فأسست دولها المستقلة، ومنها أوكرانيا. أما الجمهوريات الآسيوية من الاتحاد السوفياتي السابق، بشعوبها وأقوامها التي يتجاوز عددها الخمسين، ولكلّ منها عاداتها وتقاليدها وثقافتها وعاصمتها الإقليمية الخاصة، فظلّت منضوية تحت لواء روسيا الاتحادية أو المتحد الروسي، ودولته المركزية روسيا وعاصمتها المركزية موسكو. وفي أدبيات الجغرافيا السياسية والحضارية، غالبًا ما يسمّى ذاك المتحد الأقوامي الكبير، العالمُ الروسي الذي لم تَخْمُدْ في دولته المركزية الروسية الجامعة شعوبًا وأقوامًا وثقافات ولغات كثيرة، تلك النزعة الإمبراطورية التي قد يكون اضطرامُها حنينًا جارفًا إلى استعادة الإمبراطورية السوفياتية الآفلة. والأرجح أن الحرب الروسية الراهنة على أوكرانيا من صنائع ذاك الحنين. وتحضر في العالم الروسي نزعة وحدوية سلافية قديمة بين شعوبه وأقوامه التي يغلبُ فيها الأرثوذوكس السلافيون، ويشكّل المسلمون 20 في المئة منها في جمهوريات مثل تترستان وداغستان والشيشان وسواهما. لكن النزعات القومية الاستقلالية القائمة على التمايز اللغوي والثقافي تتفوّق على النزعة الوحدوية السلافية والدينية. وقد تكون أبرز النزعات الاستقلالية وأحدثها زمنًا، تلك التي ظهرت في جمهورية الشيشان الروسية المسلمة. ويعرف العالم كله وأبصَرَ بأي عنفٍ ودمارٍ مهولين قُمِعَتْ نزعة الشعب الشيشاني إلى الاستقلال. وقد رأت موسكو في تلك النزعة حلقة من حلقات التدخّل التآمري الأميركي والغربي في شؤون روسيا الداخلية، لتخريب دولتها الاتحادية، نسجًا على منوال تخريب الاتحاد السوفياتي السابق. وربما يكون لحماقات التاريخ المأسوية دور راجح في أن يقاتل شيشانيون اليوم -بعد المقتلة الروسية في الشيشان- على جبهات الحرب الروسية في أوكرانيا. لكن اللافت أن شعب داغستان المسلم، لم يبدرْ منه أي تحرّكٍ ينزع إلى الاستقلال والانفصال عن الاتحاد الروسي، بعد انهيار الإمبراطورية السوفياتية. وهذا على الرغم من تراث شعب داغستان الانفصالي عن روسيا، أيام مقاومته السيطرة الروسية بقيادة الشيخ شامل الداغستاني وزعامته. بين النازية والستالينية أما أوكرانيا فلها تاريخها المأسوي المرير بين القوّتين العظميين، ألمانيا النازية وروسيا الستالينية، إبان الحرب العالمية الثانية. فلما اجتاح الجيش الألماني النازي أوكرانيا في بدايات تلك الحرب، نشأت نواة دولة أوكرانية والت الحكم العسكري النازي وسارت في ركابه. لكن منشئي نواة تلك الدولة وقواتها التي سُميت منظمة القوميين الأوكرانيين، كانت تحرّكهم نزعة وطنية يطمح أصحابها إلى إرساء دولة مستقلة. وقد يكون هذا المركب من النزوع الوطني المحلي في ظل السيطرة النازية، مرتكز ما تسوقه الأقوال الروسية اليوم عن القوميين الأوكرانيين المتطرفين الذين تسمّيهم النازييين الجدد، تبريرًا للحروب الروسية على أوكرانيا. ومن الضروري التمييز في هذا السياق بين ما يشبه الدولة الأوكرانية الناشئة في ظل السيطرة النازية على أوكرانيا، وبين المتعاملين المباشرين مع الجيش النازي والمنخرطين في صفوفه من الأوكرانيين. فهؤلاء، في غمرة الحرب الألمانية- الروسية ومعاركها الطاحنة، اضطروا أخيرًا، بعد هزيمة الجيش النازي وانكفائه عن روسيا نحو ألمانيا، إلى الانسحاب والانكفاء أو الفرار معه. وهم في هذا يشبهون من يسمّون “الحركيين” الجزائريين الذين كانوا يعملون في الإدارة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، ويتعاملون أو يقاتلون معها ضد مقاتلي جبهة التحرير الجزائرية، واضطروا بعد هزيمة فرنسا وانسحابها من الجزائر، إلى مغادرة بلدهم والفرار منه، مع الفرنسيين المستوطنين الذين يسمّون أصحاب “الأقدام السوداء”، وأجلتهم الإدارة الاستعمارية معها إلى فرنسا. أما أولئك الأوكرانيون الذين شكّلوا نواة دولة أوكرانية وطنية في ظل السيطرة النازية الألمانية على بلادهم، فمكثوا فيها ولم يغادروها أثناء جلاء الجيش الألماني وانكفائه عن أوكرانيا التي اجتاحتها قوات الجيش الأحمر الروسي، وقال ستالين آنذاك عبارته الشهيرة: “ما حرّره الجيش الأحمر، يظل أحمر”، أي تحت السيطرة السوفياتية. لذا استمر الأوكرانيون في مقاومتهم تلك السيطرة الروسية السوفياتية، بعدما قاوموا الجيش الألماني أثناء انسحابه، مدفوعين بنزعتهم الوطنية أو القومية الأوكرانية. وقد اضطر أولئك المقاومون إلى الانكفاء غربًا والتحصُّن في الجبال والغابات الأوكرانية التي جعلوها معقل مقاومتهم. ومنهم من تحصّن خلف الحدود البولندية، وظل يقاوم من هناك السيطرة السوفياتية على أوكرانيا. وقد يكون مفيدًا التذكير بأن نواة الدولة الأوكرانية الناشئة في ظل السيطرة النازية، قد أصدرت بطاقات هوية وعملة أوكرانية وطنية. واستمر المقاومون الأوكران في تمرّدهم على الدولة السوفياتية ومقاومتها مقاومة سرّية، حتى الخمسينات، إلى أن قضى عليهم الشيوعيون الأوكرانيون. ويعتبر الأوكرانيون الجمهورية الشعبية الأوكرانية الناشئة بعد الحرب العالمية الأولى، ونواة الدولة الناشئة في خضمّ الحرب الثانية ومقاومتها السيطرة السوفياتية، من تراث حركاتهم الوطنية والقومية ونزوعهم إلى الاستقلال والتحرّر والوحدة التي لم تتحقّق إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وقيامهم في التسعينات ومطلع الألفية الثالثة بثورتين سلميّتين ملوّنتين. هل من الضروري في هذا السياق التذكير اليوم بمصائر مثل هذه الثورات الملوّنة والمتشابهة في أوكرانيا وسوريا ولبنان؟ (يتبع حلقة ثالثة وأخيرة عن الثقافة الأوكرانية) 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مصر.. أسعار إجبارية للخبز وعقوبة قاسية للمخالفين next post السعودية تعلن رفع قيود كورونا للمسافرين القادمين إليها You may also like أساف أوريون يكتب عن: تقارب “محورين” في إيران 27 ديسمبر، 2024 Washington institute : هل تستطيع إيران استعادة قوتها... 27 ديسمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: حافظ وليس بشار 26 ديسمبر، 2024 بيل ترو تكتب عن: تفاصيل أسبوع استثنائي في... 26 ديسمبر، 2024 ندى أندراوس تكتب عن: هوكشتاين وإنجاز الرئاسة بعد... 25 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يكتب عن: العودة إلى دمشق.. المدينة... 25 ديسمبر، 2024 بناء سوريا ما بعد الأسد: كيفية التأكد من... 25 ديسمبر، 2024 طارق الشامي يكتب عن: هل تضبط واشنطن إيقاع... 24 ديسمبر، 2024 سام هيلير يكتب عن: كيف يمكن الحفاظ على... 24 ديسمبر، 2024 مايكل ماكفول يكتب عن: كيف يمكن لترمب إنهاء... 24 ديسمبر، 2024