السبت, سبتمبر 28, 2024
السبت, سبتمبر 28, 2024
Home » “مبادئ علم النفس” لوليام جيمس: مباشرة قبل فرويد

“مبادئ علم النفس” لوليام جيمس: مباشرة قبل فرويد

by admin

من دراسة الظواهر والمشاعر إلى معالجتها

اندبندنت عربية/ إبراهيم العريس باحث وكاتب

منذ بدايات القرن العشرين كان اسم النمساوي سيغموند فرويد طاغيا في ميدان التحليل النفسي الذي سيدخل التاريخ بوصفه مبتكره إلى درجة ينسى معها كثر أنه، هو، لم يكن سوى خطوة على الطريق… حتى وإن كان خطوة هائلة. فمن قبل فرويد وبعيدا جدا في الزمن، كانت حياة النفس تشغل المفكرين فاشتغلوا عليها كتبا ودراسات وممارسات ونقاشات ونزاعات، ربما وجدت أوجها مع فرويد وزملائه الأوروبيين والأميركيين خلال تلك السنوات التي افتتحت القرن العشرين في فيينا.

ولئن كان تاريخ علم النفس والتحليل النفسي قاد عاد بعد “الحدث الفرويدي الكبير” لينصف كثرا سبقوا فرويد وكثرا تابعوه، فإن واحدا من الكبار في هذا المجال، يبقى الأميركي ويليام جيمس الذي أصدر في العام 1891 واحدا من الكتب المؤسسة في هذا المجال، كتاب “مبادئ علم النفس” الذي يمكن اعتباره نقطة الإنعطاف بين مئات السنين من دراسة هذا الموضوع، والأزمان المقبلة التي سيتحول فيها الأمر من دراسة إلى تطبيق؛ من علم إلى معالجة عيادية، بل حتى ينتقل الاهتمام بشكل واضح من “الشعور” إلى “اللاشعور”.

وإذا كانت تلك الثورة قد تحققت على يد فرويد، فالواقع يقول لنا أنها ما كان يمكنها أن تتم على الشكل الذي قامت به من دون تلك الحلقة في السلسلة التي شكلها كتاب ويليام جيمس. فهل قرأ فرويد هذا الكتاب وهل تأثر به؟

في الحقيقة قد لا يهمنا هذا الأمر هنا. ما يهمنا هو التوقف عند الجهود التي قام بها جيمس في ذلك الكتاب الأول الذي ستقول الحكاية أنه وضع مواده دون أن يكون قد سبق له أن قدم أية مساهمة في المجال. بل تقول الحكاية أن “أول محاضرة  استمع اليه في حياته عن علم النفس، كانت محاضرته هو الأولى التي ألقاها أمام تلامذته” وستكون أساس ذلك الكتاب الذي قُرئ على نطاق مدهش في أميركا، ولا يزال يُقرأ حتى الآن وربما بأكثر مما يُقرأ فرويد هناك!

لحظة انعطافية بين القديم والجديد

ليس من السهل هنا تلخيص الكتاب. يمكن فقط القول أنه جاء ليلخص كل ما كان علم النفس قد جاء به من قرون طويلة، ثمّ ليصيغ انطلاقا من ذلك نظرية في علم النفس الإنساني تلتصق بالنظرية الإجتماعية – الفلسفية التي جاء بها جيمس نفسه في كتابه “التجريبية” بعد ذلك بأكثر من عقد ونصف العقد، بحيث بدا أن تجريبية هذا الفيلسوف إنما انبثقت من عمق دراسته لنفسية الإنسان على مشارف الأزمنة الجديدة. فالمؤلف يؤكد لنا هنا أن دراسته تستند إلى فكرة أن هناك “عالم خارجي لم يخلقه الإنسان بنفسه، لكنه يساهم في تطوره وأداته في ذلك وعيه، أو بالأحرى حالات وعيه التي يمكن التعرف عليها، كما يمكنها هي نفسها أن تتعرف على نفسها، بالسبر الصبور والدراسة… العيادية. وأن الأفكار والمشاعر توجد حقا ولا سيما بكونها حامل الوعي والمعرفة. وأن علم النفس ما إن يقيم العلاقة التجريبية بين المشاعر والأفكار من ناحية والوظائف التي تتحدد من ناحية أخرى بفعل ما يقوم به عمل الدماغ، لن يمكنها أن تذهب إلى أبعد من ذلك إلا بوصفها ميتافيزيقية”. وانطلاقا من هنا  يرى جيمس أن “موضوع علم النفس هو الحياة العقلية في كل ظواهرها وحالاتها. وبالنسبة إليه ليست الحالات والظاهر سوى الكلمتين المفتاح للإشارة إلى علم النفس بوصفه يشتغل على الخبرة الإنسانية الفردية، ما يقودنا هنا مباشرة إلى وظائفية لهذا العلم تنحرف به عن كونه مجرد علم، في اتجاه ما يجعل منه ممارسة مفيدة في دراسة الإنسان عبر ظواهره وحالاته، ومن الواضح أن هذا التأكيد يضعنا مباشرة على أعتاب الإنتقال من العلم النفسي إلى التحليل النفسي.

بدءا من تأمل الحياة

وليم جيمس، الذي توفي في 1910، (العام الذي كان فرويد يلمع فيه منسيا الناس من كانوا قبله مبرزين في نفس مضماره)، كان من ذلك النوع من الفلاسفة الذين بنوا مذهبهم انطلاقا من حدسهم ومعضلات تأملهم في الحياة، بأكثر مما بنوه انطلاقا من رغبة عقلانية حاسمة في الوصول إلى صياغة المذهب. ومن هنا كان معظم الذين كتبوا عنه وفسروا مذهبه رابطينه بتقلبات حياته الروحية والمادية، كانوا ينطلقون في الكتابة عن فلسفته، من سيرة حياته، تلك الحياة التي بها يمكن تفسير كل شيء في نهاية المطاف.

ولعل الجانب الذي توقف عنده كاتبو سيرة وليم جيمس أكثر من غيره هو المتعلق بعلاقته الصدامية بجيمس آخر، هو أخوه هنري جيمس، أحد أكبر الروائيين الأميركيين عند منعطف القرنين التاسع عشر والعشرين. فلقد وُضعت حول علاقة الأخوين هنري ووليم دراسات وكتب أرجعت التناحر بينهما إلى رغبة كل منهما في تخطي الآخر. ومن هنا كان سعي هنري للتعبير عن نفسه في الكتابة الروائية، فيما سعى وليم في دروب الفلسفة تقود خطاه. ومما لا شك فيه أن ذاتية وليم جيمس الطاغية هي التي قادته لابتكار مذهب البراغماتية (التجريبية، أو الذرائعية) الذي انبنى لديه خطوة خطوة، خلال حياة بداوة بدأت منذ طفولة الشقيقين يوم اصطحبهما والدهما إلى أوروبا صغيرين، فإذا بهما يشعران لتوهما أنهما «شيء آخر» مختلف عن بقية مجايليهما الأميركيين. بعد ذلك تنقل الأخوان كثيرا، أحيانا سوية، وأحيانا كل على سجيته. ثم راح كل منهما يضع مستقبله مستقلا، وهكذا.

تأثير داروين

لقد وجد هنري في الرواية متنفسا له، ووسيلة توصله إلى التفوق، وورث وليم عن أبيه الميل إلى دروب التفكير البعيدة عن العقيدة القويمة، واهتمامه العميق بالقيم الأخلاقية والروحية. ولقد تضافر ذلك كله مع شكوك عميقة ساورته لدى قراءته داروين، ما جعله يعاني كثيرا في مجال رغبته بالتوفيق بين ميله الإيماني الداخلي والفكر العلمي الذي بدا لديه مناهضا لذلك الميل. وهذا كله تمخض لديه وهو في أواسط العشرين من عمره عن توفيقية يمكن تلخيصها على النحو التالي: «إن الإرادة البشرية تبقى دائما حرة، وفي الوقت نفسه يحتفظ الإيمان، حتى ولو تجرّد من مضمونه اللاهوتي، بحقوقه الخاصة كوسيلة داخلية لا غنى عنها للحفاظ على الحياة». والحقيقة أن توصل وليم جيمس إلى هذه القناعة، حدد له، باكرا، توجها فلسفيا صاغه في ما بعد خطوة خطوة، بطريقة شديدة التجريبية.

كان وليم في الثلاثين حين بدأ، في جامعة هارفارد، مهنة تدريسية وأصّلها طوال عمره، وهو في الوقت نفسه راح يوسع من دائرة اهتماماته الفلسفية لتشمل دراسته شتى أنواع العلوم والآداب، وصولا إلى علم النفس الذي درسه بصورة عصامية، والذي سرعان ما جعل منه القاعدة الأساسية لتفكيره الفلسفي، وخاصة في واحد من أفضل كتبه «إرادة الإيمان»، حيث جعل لظاهرة الإيمان تبريرا سيكولوجيا، على حد تعبير الباحث ستانلي غيست. وهو عاد وطور ذلك الأمر في كتابه الأشهر «الصور المختلفة للتجربة الدينية» (1902) حيث درس الإيمان الديني من وجهة نظر صلاحيته السيكولوجية في حياة الانسان، أي من وجهة نظر «ذرائعيته التجريبية» انطلاقا من سؤال هو: هل التجربة الدينية مفيدة أم لا للبقاء الانساني ولاستمرار الحياة وللخلاص الروحي والاجتماعي؟ وكان جوابه أنها مفيدة وضرورية.

وليم جيمس الذي قيل عنه أن فلسفته «هي في جوهرها مفتوحة، اذ أنه يمضي إلى الأمام بإقدام، وليس له من مرشد سوى التجربة»، عاش خلال النصف الثاني من عمره حياة هادئة ووضع العديد من الكتب التي جعلته واحدا من أكبر الفلاسفة الأميركيين على الاطلاق، ومن أبزرها: «الذرائعية» (1907) و«مثال الحقيقة» (1909) و«كون تعددي»، إضافة إلى الكتب الكثيرة التي نشرت بعد رحيله وتضم مقالاته ومحاضراته ورسائله.

المزيد عن: ويليام جيمس/سيجموند فرويد/هنري جيمس/علم النفس/الفلسفة

 

 

You may also like

30 comments

зарубежные сериалы в хорошем HD качестве 23 مارس، 2024 - 10:06 ص

I know this web site provides quality dependent articles and other information, is there any other site which offers such information in quality?

Reply
глаз бога телеграмм 11 أبريل، 2024 - 3:46 ص

I always spent my half an hour to read this blog’s articles daily along with a cup of coffee.

Reply
steam cs2 live betting site 2024 8 مايو، 2024 - 6:26 ص

It’s not my first time to visit this website, i am visiting this website dailly and get nice data from here everyday.

Reply
гостиничные чеки Санкт Петербург 26 مايو، 2024 - 1:29 ص

Excellent post. I am going through a few of these issues as well..

Reply
купить удостоверение тракториста машиниста 31 مايو، 2024 - 1:51 ص

When someone writes an article he/she keeps the idea of a user in his/her mind that how a user can know it. Thus that’s why this piece of writing is perfect. Thanks!

Reply
乱伦色情 4 يونيو، 2024 - 12:29 ص

What’s up, everything is going fine here and ofcourse every one is sharing information, that’s in fact good, keep up writing.

Reply
www.russa24-diploms-srednee.com 11 يونيو، 2024 - 5:16 ص

Hey I know this is off topic but I was wondering if you knew of any widgets I could add to my blog that automatically tweet my newest twitter updates. I’ve been looking for a plug-in like this for quite some time and was hoping maybe you would have some experience with something like this. Please let me know if you run into anything. I truly enjoy reading your blog and I look forward to your new updates.

Reply
hot fiesta слот 14 يونيو، 2024 - 7:27 م

I pay a visit daily some web sites and websites to read articles or reviews, but this blog offers quality based posts.

Reply
хот фиеста игра 15 يونيو، 2024 - 6:40 ص

Thanks for a marvelous posting! I actually enjoyed reading it, you are a great author. I will always bookmark your blog and will come back sometime soon. I want to encourage you to definitely continue your great job, have a nice morning!

Reply
Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 7:15 ص

Hi to all, it’s truly a nice for me to go to see this web site, it consists of precious Information.

Reply
Теннис онлайн 28 يونيو، 2024 - 11:08 م

If you want to improve your familiarity only keep visiting this website and be updated with the most up-to-date information posted here.

Reply
Теннис онлайн 30 يونيو، 2024 - 2:20 م

Simply want to say your article is as amazing. The clearness on your publish is simply spectacular and i can think you are a professional in this subject. Well together with your permission allow me to grab your RSS feed to stay up to date with coming near near post. Thank you one million and please keep up the gratifying work.

Reply
Прогнозы на футбол 2 يوليو، 2024 - 7:51 م

You really make it seem so easy with your presentation however I find this topic to be really something which I think I might never understand. It kind of feels too complicated and very extensive for me. I am taking a look forward in your next post, I will try to get the cling of it!

Reply
Прогнозы на футбол 3 يوليو، 2024 - 9:30 ص

Greate article. Keep writing such kind of information on your blog. Im really impressed by your blog.

Reply
Прогнозы на футбол 4 يوليو، 2024 - 11:44 ص

Great delivery. Outstanding arguments. Keep up the amazing effort.

Reply
Прогнозы на футбол 5 يوليو، 2024 - 12:29 ص

Hi, Neat post. There is a problem with your site in internet explorer, may check this? IE still is the marketplace leader and a big portion of folks will miss your magnificent writing due to this problem.

Reply
строительство автомоек под ключ 6 يوليو، 2024 - 6:57 ص

“Автомойка под ключ” – это не просто прибыльный бизнес. это возможность предложить клиентам исключительные услуги и построить связь с сообществом.

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 6 يوليو، 2024 - 11:27 م

“Строительство автомойки под ключ” включает все от проектирования до ввода в эксплуатацию. Ваш бизнес-проект будет безопасен и эффективен с нами!

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 7 يوليو، 2024 - 12:23 م

Строительство автомойки требует тщательного планирования и учета всех нормативов. Опытные специалисты помогут реализовать проект любой сложности с гарантией качества.

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 8 يوليو، 2024 - 12:32 ص

Франшиза автомойки – шанс начать бизнес с минимальными рисками и максимальной поддержкой. Давайте расти вместе и достигнем успеха.

Reply
строительство автомоек под ключ 8 يوليو، 2024 - 12:01 م

Предлагаем строительство автомоек под ключ по индивидуальным проектам. Все работы выполняются в срок и с гарантией.

Reply
Rent Ferrari Miami 8 يوليو، 2024 - 8:18 م

I appreciate the practical advice you’ve given here.

Reply
строительство автомойки 8 يوليو، 2024 - 11:48 م

Строительство автомойки – это наша страсть. Мы гарантируем высокое качество работы и стремимся обеспечить ваш комфорт и удовлетворенность.

Reply
Прогнозы на футбол 10 يوليو، 2024 - 4:29 م

Incredible quest there. What occurred after? Good luck!

Reply
Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 5:51 ص

This is a very good tip especially to those new to the blogosphere. Brief but very accurate information Many thanks for sharing this one. A must read article!

Reply
Прогнозы на футбол 11 يوليو، 2024 - 6:51 م

I am curious to find out what blog system you happen to be utilizing? I’m experiencing some minor security problems with my latest website and I would like to find something more risk-free. Do you have any solutions?

Reply
автомойка самообслуживания под ключ 15 يوليو، 2024 - 5:18 ص

Строительство автомоек под ключ – наша специальность. Мы заботимся о каждой детали, чтобы обеспечить надежное и прибыльное хозяйство.

Reply
Джак 19 أغسطس، 2024 - 10:04 ص

I got this site from my pal who informed me about this web site and now this time I am visiting this web site and reading very informative articles here.

Reply
theguardian.com 24 أغسطس، 2024 - 6:52 م

Nice blog here! Also your site rather a lot up fast! What host are you using? Can I am getting your associate link in your host? I want my website loaded up as fast as yours lol

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00