السبت, يناير 11, 2025
السبت, يناير 11, 2025
Home » ما الذي أوصل جيل دولوز إلى إبداعات الكاتب الإنجليزي صموئيل بتلر؟

ما الذي أوصل جيل دولوز إلى إبداعات الكاتب الإنجليزي صموئيل بتلر؟

by admin

تبديل في الترجمة جعل صاحب “اللا مكان” من مؤسسي النزعة الفوضوية

اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب

من المعروف عن الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز صعوبة نصوصه وغوصها في تقنيات ومفاهيم لا تعصى فقط على الترجمة بل حتى على القراءة. كذلك من المعروف عنه ترفعه عن البسيط من النصوص ليغوص في أكثرها تركيبية. ومن هنا يبدو مشروعاً السؤال عما جعله ما لا يقل عن ثلاث مرات يعود في واحد هو على أية حال من أصعب كتبه، “الاختلاف والتكرار”، إلى نصين من نصوص الكاتب الإنجليزي صموئيل بتلر، هما “اللا مكان” و”الحياة ومجرى العادة”، كما يعود إليه من جديد في كتابه “آنتي – أوديب” الذي كتبه شراكة مع زميله عالم التحليل النفسي فيليكس غاتاري، مستعيناً ببعض أفكار بتلر بل حتى مصحح في هامش من هوامشه الترجمة التي كانت معتمدة لعنوان الكتاب الأول. فلئن كانت العادة قد جرت على أن تعتبر الحروف التي تشكل عنوان الكتاب نوعاً من التلاعب المقلوب بالحروف التي كانت تشكل تعبير “لا مكان”، أتى دولوز ليفتي بأن هناك تلاعباً لكن الحروف الأصلية تعني “هنا والآن” ما سهّل ضم بتلر إلى طائفة من فوضويين جعلوا هذا التعبير الأخير شعارهم، وقلب نهائياً النظرة إلى بتلر جاعلاً له من النزعة الفوضوية ما يتراكم فوق العديد من الأفكار والأصناف الأدبية والفكرية والفنية التي مارسها وآمن بها في حياته.

استيحاء تجربة شخصية

والحقيقة أن تلك الأصقاع التي يتحدث بتلر عن اكتشافها على غرار ما يفعل عدد من كبار الكتاب “اليوتوبيين” الإنجليز وغير الإنجليز من أمثال فرنسيس بيكون وتوماس مور وصولاً إلى جوناثان سويفت وويليام موريس وغيرهما كانت مستوحاة من المناطق التي عاش فيها بتلر في نيوزيلندا موصلاً ذكرها إلى الكتاب الذي يروي دون أن يحدد المكان، وصول شاب في الثانية والعشرين إلى مستعمرة أوروبية نائية حيث يعمل راعياً للأغنام في منطقة تحيط بها الجبال من كل أطرافها بحيث لا يصل إليها الغرباء إلا بصعوبة ولا يعرف عنها أحد في العالم الخارجي شيئاً بل لا يدري أحد بوجودها أصلاً. ولا يعرف من يسكنها شيئاً عما يمكن أن يوجد في ناحية من نواحي تلك الجبال. وإذ يرى الشاب أن في إمكانه استكشاف ذلك، يقنع شاباً من أهل المنطقة بمرافقته في رحلة استكشافية. والحال أن هذا الشاب الأخير سرعان ما يرتعب ويتراجع متخلياً عن مرافقة بطلنا الشاب الذي لا يجد مفراً من متابعة طريقه إلى المجهول وحيداً. وتكون مكافأته مجزية، إذ إنه يكتشف أن المجهول ليس سوى مجتمع باهر سرعان ما يتبين له أن من يعيش فيه إنما هم ورثة القبيلة الضائعة من قبائل اليهود العشر. وهم يعيشون نسق حياة مدهشاً وغريباً.

إحدى الطبعات الجديدة لـ”اللامكان” (أمازون)​​​​​​​

كل شيء بالمقلوب

فعلى سبيل المثال وجدهم يعالجون المرضى كمجرمين يجب معاقبتهم، والمجرمين كمرضى يجب شفاؤهم. ووجد المصارف لديهم تتعامل كدور عبادة ودور العبادة كمصارف. وهكذا وسط هذا المجتمع الذي يثير كل ما فيه دهشته يجد الشاب نفسه على علاقة مع حسناء من أهل البلاد، لكن لون شعره الأشقر سرعان ما يثير غضب الملك عليه فيقرر محاكمته لكن الفتى يسعى إلى الهرب مع محبوبته في منطاد يكاد سقوطه يقتلهما، لكنه ينجو بأعجوبة إذ يسقط في بحر تنتشله منه سفينة إيطالية كانت تعبر المنطقة صدفة، فيقرر أن يكتب حكايته وأن يعود بعد ذلك بصحبة بعثة تبشيرية تعيد الناس هناك إلى الصراط المستقيم.

من مناصرة داروين إلى معاداته
ولنعد هنا إلى بتلر نفسه. ففي أصقاع نيوزيلندا، حدث للشاب الذي كانه صموئيل بتلرعند منتصف سنوات القرن التاسع عشر، أن قرأ بما يشبه الصدفة كتاب تشارلز داروين “أصل الأنواع” فأحسّ على الفور أن حياته كلها انقلبت رأساً على عقب، وأنه هو الذي اختار تجارة الماشية عملاً له، ونيوزيلاندا مهجراً يبعد فيه عن عسف أهله وتعنتهم، وجد ضالته في صفحات ذلك الكتاب، لذلك سوف يختط منذ ذلك الحين طريقه ليصبح كاتباً. هو الذي كان تعليمه الابتدائي والثانوي يؤهله أصلاً ليصبح أسقفاً أسوة بأبيه وجده من قبله، لكنه كان قد بدأ إيمانه باكراً بالفكر إذاً، وجد الفتى في “أصل الأنواع” ضالته، غير أنه بعد سنوات قليلة، وفي خضم ألوف الصفحات التي راح يخطها لم يفته أن ينتفض على ذلك الكتاب. وعلى مؤلفه مشبعهما نقداً ونقضاً. ومن هنا ولدت أسطورة في الأدب الإنجليزي في القرن التاسع عشر، هي أسطورة صموئيل بتلر، الكاتب المتمرد حتى على نفسه. وعلى التقاليد الإنجليزية، وعلى الأفكار العلمية الراسخة، وعلى صرامة العهد الفكتوري، والذي أوصلته شكوكه وضروب تمرده لأن يؤكد، ذات يوم، في دراسة له أن مؤلف “الأوديسة” لا يمكن أن يكون إلا… امرأة. وجعلته يعيد الاعتبار لنظرة الناس إلى سونيتات شكسبير.

عدو الملكة فكتوريا
صموئيل بتلر الذي كان معادياً للملكة فكتوريا، كان من حظه أن يموت في الوقت الذي ماتت فيه تقريباً، كما كان حال عدوها الآخر أوسكار وايلد، لكأن الثلاثة أرادوا بموتهم معاً أن يعلنوا نهاية عصر بأكمله. فقد رحل بتلر عن عالمنا يوم 19 حزيران (يونيو) 1902 فيما الزمن الحديث يطل على بداياته. وكان بتلر من مؤسسي ذلك الزمن على أي حال. وكان الرفض والتشكيك رائده في كل ما فعله، وفي ما فكر به، كان العقل مرشده الأول وطريقه الذهبي: كان في ذلك وريث القرن التاسع عشر، ولكن أيضاً فاتحة القرن العشرين.
غير أن لا شيء في طفولته وصباه كان يشير إلى ذلك بشكل مبكر، باستثناء نزعته التمردية التي جعلته يرفض “مهنة” آبائه حين قررت عائلته أن يصبح قسيساً، وهكذا كان في الرابعة والعشرين من عمره عام 1859 حين هاجر إلى نيوزيلاندا بفضل ثروة صغيرة كان يملكها وانصرف إلى تجارة الماشية. وهو منذ لقائه مع كتاب تشارلز داروين، بدأ يهمل تجارته بعد نجاح ساحق، ثم قرر أن يعود إلى إنجلترا وقد أضحى مستقلاً من الناحية الاقتصادية.

حياة للقراءة والرسم والكتابة
في إنجلترا كرّس بتلر أيامه خلال المرحلة التالية للرسم والكتابة والقراءة. كان يرسم كل شيء ويكتب في المجالات كافة، في الأدب كما في السياسة، في التربية كما في الدين. أما كتابه الأول الذي نشره في عام 1872 فكان أهم كتبه “لا مكان” -حملها العنوان بالإنجليزية مقلوبة الحروف كما أشرنا- غير أن هذا اللا مكان كان في الحقيقة بلده إنجلترا، الذي استخدم تلك التورية لكي ينتقده وينتقد أخلاقياته، ويروي كيف أن الجريمة فيه تتحوّل إلى مرض، والمرض إلى جريمة، وكيف أن الدين يتحول إلى نظام مصرفي والعكس بالعكس… إلخ.
ولسنا بحاجة إلى الإشارة، طبعاً، إلى أن هذا الكتاب قد حقق من فوره نجاحاً كبيراً سرعان ما جعل اسم بتلر على كل شفة ولسان. غير أن بتلر لم يكتفِ، طبعاً، بذلك النجاح، إذ نراه خلال العقود الثلاثة التالية يكتب عشرات الكتب والمقالات، التي نشر معظمها خلال حياته، غير أن بعضها لم ينشر إلا بعد موته المفاجئ. وكتاباته شملت كل شيء ولا سيما المواد العلمية حيث نراه يخصص أربعة أجزاء لبحوث بيولوجية عارض فيها نظرية داروين حول مبدأ الوراثة. ومن أهم كتبه في هذا المجال “الحياة ومجرى العادة” 1878، و”الصدفة والضرورة”.

في عالم الإبداع

في مجال الأدب والفن نشر بتلر دراسات عديدة أيضاً أبرزها كتابه “جبال الألب ومنغلقات بييمونتي”، إضافة إلى أنه ترجم الإلياذة والأوديسة إلى الإنجليزية، حيث إن ترجمته لهما ما زالت هي المعتمدة في الإنجليزية حتى يومنا هذا. علماً بأن ترجمته للأوديسة جعلته يكرس لها دراسة تثبت أنها كتبت في صقلية وأن مؤلفتها هي الشاعرة نوزيكا! إضافة إلى هذا كله، لم يفت صموئيل بتلر أن يلتفت إلى الموسيقى، حيث نراه يؤلف عدة مقطوعات كانت شهرتها، على أي حال، عابرة، لأنها لم تقنع نقاد الموسيقى ولا الجمهور كثيراً، مثلها في هذا مثل لوحاته.
مهما يكن يبقى من بتلر حضوره الطاغي في زمنه، ولكن أيضاً كتابان هما الأشهر من بين كتبه، نشرا معاً بعد رحيله وهما “هذا مآل كل جسد” وهو يضم سيرته الذاتية على شكل روائي، و”دفاتر الملاحظات” الذي يعتبر أشبه بوصية ويضم ملاحظات وأفكاراً مدهشة.

المزيد عن: جيل دولوز \ صموئيل بتلر \ فلسفة \ فرنسيس بيكون \ توماس مور \ تشارلز داروين \ الملكة فكتوريا

 

 

You may also like

24 comments

visit the next internet site 28 يناير، 2022 - 1:19 م

Hey there! I could have sworn I’ve been to this site before but after checking through some of the post I
realized it’s new to me. Anyways, I’m definitely delighted I found it and I’ll be bookmarking
and checking back frequently!

Reply
Chứng minh tài chính du học new zealand 28 يناير، 2022 - 2:08 م

great points altogether, you just received a brand new reader.
What may you recommend about your post that you made a few days ago?

Any sure?

Reply
best weight loss pills at walmart 28 يناير، 2022 - 2:46 م

I’m impressed, I must say. Rarely do I come across a blog that’s
both educative and amusing, and without a doubt,
you have hit the nail on the head. The problem is an issue that not enough people
are speaking intelligently about. I am very happy that I found this during
my search for something regarding this.

Reply
khabarian.ir 28 يناير، 2022 - 4:29 م

After going over a few of the blog articles on your web
page, I honestly appreciate your technique of blogging. I added it to my bookmark webpage list and will be checking back in the near future.

Take a look at my website as well and let me know how you feel.

Reply
homernews.com 28 يناير، 2022 - 5:03 م

You could definitely see your expertise in the article you
write. The world hopes for more passionate writers such as you who are not afraid to mention how they believe.
At all times go after your heart.

Reply
Science 28 يناير، 2022 - 5:38 م

I’d like to find out more? I’d love to find out some additional information.

Reply
Locksmith Nearme 28 يناير، 2022 - 7:14 م

It’s entirely possible that you to suffer the nightmare obtaining
the wrong Locksmith Nearme.

Some may be inexperienced and will often end
up damaging more than just your lock.

Reply
파워볼사이트 추천 28 يناير، 2022 - 7:35 م

Hello Dear, are you really visiting this web page daily, if so after
that you will absolutely get nice knowledge.

Feel free to visit my web blog – 파워볼사이트 추천

Reply
Source URL 28 يناير، 2022 - 7:41 م

I feel that is among the most important info for me.
And i’m happy reading your article. But wanna commentary
on few general things, The site style is great, the articles is
in reality great : D. Good process, cheers

Reply
buy cialis online cheap 28 يناير، 2022 - 7:50 م

Write more, thats all I have to say. Literally, it seems as though you relied
on the video to make your point. You obviously know what youre talking about, why waste your intelligence on just
posting videos to your weblog when you could be giving us something informative to read?

Reply
www.sale-weselne.pl 28 يناير، 2022 - 7:53 م

Very shortly this web page will be famous amid all blog viewers, due to it’s fastidious content

Reply
judi online 28 يناير، 2022 - 8:04 م

Hey there just wanted to give you a brief heads
up and let you know a few of the images aren’t loading
correctly. I’m not sure why but I think its a linking issue.
I’ve tried it in two different internet browsers and both show the same
results.

Reply
pcambia vectors binary options 28 يناير، 2022 - 8:12 م

I’ve been browsing online greater than three hours these
days, but I by no means found any attention-grabbing article like yours.
It’s lovely worth sufficient for me. Personally, if all web owners and bloggers made
good content material as you did, the web can be much more useful than ever
before.

Reply
Profile 28 يناير، 2022 - 8:38 م

Attractive element of content. I simply stumbled upon your blog
and in accession capital to assert that I acquire in fact enjoyed
account your weblog posts. Any way I will be subscribing to your feeds or even I success
you access persistently quickly.

Reply
Buy Commercial Property in Lucknow 28 يناير، 2022 - 9:13 م

This post gives clear idea for the new viewers of blogging, that in fact how to do blogging.

Reply
unturned dedicated server 28 يناير، 2022 - 9:28 م

An interesting discussion is definitely worth comment.
There’s no doubt that that you ought to publish more about
this subject matter, it might not be a taboo subject but usually people don’t talk about these subjects.
To the next! Many thanks!!

Reply
freelance wordpress developer 28 يناير، 2022 - 9:32 م

Thank you for sharing your thoughts. I truly appreciate your
efforts and I am waiting for your next post thank you once again.

Reply
click here 28 يناير، 2022 - 9:34 م

Right here is the perfect blog for anybody who hopes to find out about this topic.
You know so much its almost tough to argue with you
(not that I personally would want to…HaHa). You definitely
put a fresh spin on a subject that’s been discussed for ages.
Great stuff, just wonderful!

Reply
Visit 28 يناير، 2022 - 10:14 م

With havin so much written content do you ever run into
any issues of plagorism or copyright violation? My blog has a lot of completely unique
content I’ve either written myself or outsourced
but it appears a lot of it is popping it up all over the web without my permission. Do you know any methods to help
protect against content from being stolen? I’d truly appreciate it.

Reply
adulrfriendfinder 28 يناير، 2022 - 10:28 م

Great article, totally what I wanted to find.

Reply
slot online 28 يناير، 2022 - 10:30 م

Hello! Someone in my Facebook group shared this site with
us so I came to give it a look. I’m definitely loving the
information. I’m book-marking and will be tweeting this to my followers!
Great blog and fantastic style and design.

Reply
zulassungsstelle gersthofen 28 يناير، 2022 - 10:51 م

My brother recommended I might like this blog. He was totally
right. This post actually made my day. You cann’t imagine just
how much time I had spent for this info! Thanks!

Reply
먹튀폴리스 안전공원 28 يناير، 2022 - 11:26 م

This is my first time visit at here and i am actually pleassant to read
everthing at one place.

Look at my web blog – 먹튀폴리스 안전공원

Reply
查看个人网站 28 يناير، 2022 - 11:33 م

This excellent website trly has all of the information and facts I needed
concerning this subject and didn’t knjow who too ask.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00