ثقافة و فنونعربي مانيه ودوغا خلقا الانطباعية في حال من التواطؤ by admin 16 أبريل، 2023 written by admin 16 أبريل، 2023 137 معرض باريسي ــ نيويوركي يبيّن دورهما الرئيس في انبثاق “الرسم الجديد” اندبندنت عربية \ انطوان جوكي عاجلاً أم آجلاً، كان لا بد من جمع عملاقي الحداثة الفنية، الفرنسيين إدوار مانيه (1832 ــ 1883) وإدغار دوغا (1834 ــ 1917) في معرض واحد. ضرورة تبررها أسباب عدة، شخصية وفنية، دفعت أخيراً متحف “أورسيه” الباريسي ومتحف “متروبوليتان” النيويوركي إلى التعاون لإنجاز هذا المعرض المثير الذي تستضيفه باريس حالياً، قبل أن ينتقل إلى نيويورك في سبتمبر (أيلول) القادم. قيمة هذا المعرض تكمن أولاً في سماحه، للمرة الأولى، بفهم مانيه ودوغا، الواحد من خلال الآخر، عبر تفحّص أوجه التشابه بينهما، وأيضاً أوجه الاختلاف. وكثيرة هي نقاط التماثل بين وجهي “الرسم الجديد”، من الموضوعات إلى الخيارات الأسلوبية، ومن الأماكن التي عرضا أعمالهما فيها، إلى تلك التي كان يلتقيان فيها، مروراً بتجار الفن ومجمّعيه الذين وفّروا لهما الإمكانات المادية لمتابعة عملهما وتكريس وقتهما له. لوحة للرسام مانيه (خدمة المعرض) وثمة نقاط تقارب أخرى يستخلصها المعرض من سيرة كل منهما، كتجربة الحرب في عامي 1870 و1871، أو مقهى “أثينا الجديدة” في ساحة “بيغال” الذي كانا يترددان عليه، وكانت أجواؤه تحفّز المناقشات وتلطّف التوترات بينهما. توترات سببها تارةً، نزعة مانيه الفردية التي جعلته يرفض خوض المغامرة الانطباعية إلى جانب دوغا، وطوراً رفض هذا الأخير الرسم مثل صديقه، على الرغم من إيمانه بقوة العمل الجماعي. وبوضعه إياهما إذاً تحت ضوء تناقضاتهما، يحثّنا معرضهما الحالي على إلقاء نظرة جديدة على تواطؤهما وتنافسهما الدائم، وبالتالي على تلك الحقبة المجيدة التي شهدت ولادة الفن الحديث. علاقة غامضة بوستر المعرضين (خدمة المعرض) تكمن أيضاً قيمة المعرض في كشفه أشياء كثيرة حول مانيه ودوغا، كنا نجهلها، كالغموض الذي ما زال يحيط بعلاقتهما، بدءاً بتاريخ انطلاقها الذي لا يزال مجهولاً، ومروراً بانتفاء أي أثر لتراسلهما الذي كان بإمكانه أن يشكّل مصدر معلومات ثمين حولها. ولذلك، كل ما نعرفه عن هذه العلاقة يتأتى من معاصريهما وكتّاب سيرتيهما. نكتشف أيضاً، بفضل هذا المعرض، خللاً لافتاً ومعبّراً داخل عمليهما الفني. فبينما لا يوجد أي بورتريه لدوغا بريشة مانيه، لدينا عدة بورتريهات لهذا الأخير بريشة أو قلم صديقه، من بينها بورتريه يظهر فيه مصغياً إلى عزف زوجته على البيانو. لوحة أدى عدم رضا مانيه عن الطريقة التي رسم دوغا بها زوجته، إلى تمزيقه الجزء الذي تمثل فيه. فعل رمزي عنيف شكّل مصدر خلاف كبير بينهما. من الأعمال الحاضرة في المعرض، يتبيّن أيضاً أن كلاً من هذين الصديقين اللدودين، تأمّل في عمل الآخر بشكلٍ عميق ومنتظم. تأمل يعكس طبيعة الرابط الحميم والقوي الذي جمعهما، رابط صداقة وتنافس على حد السواء، كما يعكس الحوار الفني الثابت والمثمر بين عملاقين كان يدرك كل منهما قيمة الآخر، كما كان يدرك قيمة عمله الانقلابية في تاريخ الفن. وفي تأمّلهما المتبادل، نقرأ الطموح نفسه إلى أعادة ابتكار الأنواع الفنية (البورتريه، المشهد الطبيعي…)، والرغبة نفسها في فرض فنّهما داخل محيطهما (وإن ضمن استراتيجيات مختلفة)، والفهم نفسه لدور الفنان الفريد. وبالتالي، كان تحاورهما قوياً لدرجة أنه يبدو قادراً بمفرده على تلخيص الأسئلة الكبرى التي أسّست لتلك اللحظة الفريدة في تاريخ فن الرسم. ولذلك، تكفي مقابلة أعمالهما لفهم أهمية ما كان يحدث في ستينيات القرن التاسع عشر. فمن لقائهما الأول المفترض في متحف اللوفر، حين كانا في بداية مسيرتهما ينسخان أعمال المعلمين الكبار، إلى وفاة مانيه وانطلاق دوغا في تجميع أعمال صديقه، يشهد كل شيء في حوارهما على محاكاة حقيقية شكّلت مصدر الانقلاب الفني الحاسم الذي حدث آنذاك. من المعرض المشترك (خدمة المعرض) من جهة أخرى، يبيّن المعرض الحالي أن ما ربط هذين الصديقين لا يستنفد عبقرية كل منهما. فما يميّزهما ينير بالقدر نفسه، الطموح الفني والخيارات الاستراتيجية التي جعلت منهما الوجهين الرئيسين للتجديد التشكيلي. بالتالي، يجب ألا تخفي التماثلات الموضوعية والشكلية بينهما الاختلافات التي تكشفها سيرتيهما، سواء على مستوى مزاجيهما أو على مستوى تدربهما على الرسم في محترفين كان من المفترض أن يفصلاهما كلياً، الواحد عن الآخر: مانيه في محترف توما كوتور، ودوغا في محترف لوي لاموت. ومع ذلك، شاركا معاً في مغامرة الحداثة، الجماعية والتنافسية أكثر مما كنا نظن. وفي ضوء ذلك، لا يكمن رهان المعرض في تحديد أيهما تفوق على الآخر، بل في تفكيك أسطورة كفاح تشكيلي موحد ومتجانس ضد الاتباعية الأكاديمية. تفكيك تطلب متابعة ترددات وإشراقات كل منهما، لحظات تقاربهما أو تعارضهما، التي تسمح بقياس التطور المعقد لكل منهما وشكه في طبيعة عمله، أبعد من الأسئلة التي تتعلق بصداقتهما أو خلافهما المزمن. محاكاة وتنافس مانية كما رسمه دوغا (خدمة المعرض) وهذا لا يعني أن المعرض يهمل هذه الأسئلة، بل يتناولها أيضاً، مبيّناً صعوبة تحديد علاقة مانيه ودوغا بسبب الغموض الذي يلفّها. غموض يعود بشكل رئيس إلى ذلك المزيج من المحاكاة والتنافس الذي سبق وأشرنا إليه. وفي هذا السياق، نقرأ في المعرض شهادات لمعاصريهما تذهب في هذا الاتجاه، كشهادة الكاتب الإيرلندي جورج مور الذي اعتبر أن “صداقة رائدي المدرسة الانطباعية اهتزت بفعل تنافس كان يتعذر تجنبه”. نقرأ شهادات أخرى تلعب على التناقض بين مانيه الأنيق الذي كان يشعر بارتياح كبير داخل المجتمع ويستقبل الفنانين والصحافيين دوماً في محترفه، ويمثل بيُسر كبير أمام عدسة المصورين، ويجهد لاختراق صالونات باريس الفنية؛ ودوغا ذي الطبيعة المتحفّظة والمستقلّة بشدّة، وصاحب اللسان القارص والمواقف الراديكالية، الذي كان يحتقر الصالونات الفنية والصحافيين وأي تكريم رسمي، ويمضي وقته في الرسم والاختبار بلا كلل، وفي تنظيم المعارض الإنطباعية والترويج للأسلوب التشكيلي الجديد الذي انبثق تحت ريشته وريشة رفاقه. وبما أن ثمة نقصاً شديداً في المصادر المتأتية من الطرفَين المعنيين، يستقي معرضهما دلائل منيرة حول طبيعة علاقتهما من الرسائل التي وجهّها كل منهما إلى أصدقاء آخرين، كوصف مانيه دوغا بـ “الرسام العظيم” ثم بـ “الأبله”، داخل رسالة واحدة، لانزعاجه من رفض صديقه مرافقته إلى لندن للعثور على “منفذ” لإنتاجيهما؛ أو وصف دوغا مانيه بـ “المتكبّر القليل الذكاء”، إثر رفض هذا الأخير دعوته للمشاركة في المعرض الانطباعي الأول. وصفان إن دلا على شيء، فعلى رغبة كل منهما الشديدة في كسب تواطؤ صديقه، وعلى المرارة الناتجة من فشله في تحقيقها. وما يعزز هذه القراءة قول دوغا عن مانيه، إثر وفاة هذا الأخير: “كان أكبر مما كنا نظن”. باختصار، يبيّن معرض “مانيه ــ دوغا”، من خلال مقابلته بين آثار هذين العملاقين، أن تاريخ الانطباعية تشيّد على أرضية مفارقتين مثيرتين. فبينما بقي مانيه في مواقفه على مسافة من هذه الحركة التي ثارت على التقليد، ساهم في لوحاته في بلورة أسلوبها. وفي المقابل، لم يُظهِر دوغا أبداً مدى احتقاره لمقاربة شديدة الحساسية للواقع، كما فعل خلال السنوات التي تربّع فيها على رأس الحركة المذكورة. ولكن بما أن الاثنين حدسا، بالتزامن، وقبل غيرهما، برواج تلك النزعة الجديدة إلى “المنظر الطبيعي”، التي تقوم على وحدة الموضوع وحركية إدراكه بصرياً، استخلصا مفرداتها التشكيلية واستثمراها لتحقيق طموحهما المهني. وكل منهما عرف كيف يؤسس لانطباعية فريدة. المزيد عن: المدرسة الإنطباعي\ةماني\هدوغا\معرض مشترك\باريس\نيويورك\الفن الجديد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ابتكارات موسيقية أعطت “الساعة الإسبانية” لرافيل نكهة غير متوقعة next post تقنية ثورية تشخص مرض باركنسون قبل ظهور أعراضه You may also like ثقافة “الهاليو”… قوة كوريا الجنوبية الناعمة التي اجتاحت... 30 نوفمبر، 2024 عودة غودار من منفاه النهائي احتجاجا على كارثة... 30 نوفمبر، 2024 مقولة النصر والهزيمة في ضوء الفلسفة والنقد التاريخي 30 نوفمبر، 2024 كتّاب المرحلة الروسية الفضّية في “زهرة تحتَ القدَم” 30 نوفمبر، 2024 مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024