آخر مرة حظيت فيها وزارة الكهرباء والطاقة بهذا القدر من الاهتمام كان قبل نحو عقد (رويترز) عرب وعالم ليل المصريين مثقل بأحمال الكهرباء وطلاسم جداولها by admin 5 أغسطس، 2023 written by admin 5 أغسطس، 2023 94 زاد الطين بلة تكرار وتوتر انقطاع التيار والطاقة الشعبية مشتتة في غير اتجاه اندبندنت عربية \ أمينة خيري صحافية لم يعد ليل الخميس يقلق المصريين كثيراً، فقرارات التعويم وإجراءات تحريك سعر سلعة أساسية هنا أو تعديل شرائح استهلاك هناك لم تعد تفرق كثيراً، فليل الخميس يمكن أن يحدث فيه الكثير، وليس فقط التعويم والتحريك، كما لم تعد رحلة آخر الأسبوع نحو الجزار أو “الفرارجي” (بائع الدجاج) أو حتى لمحل الفواكه والخضروات والبقالة وما شابه لزوم تخزين مستلزمات البيت من مأكولات سبباً رئيساً للقلق أو مدعاة حقيقية للضحك الذي هو ضحك كالبكاء، حيث الغلاء الفجائي للأسعار مع التضييق الحتمي للطلبات يفجران كعادتهما طاقات التنكيت وإمكانات السخرية من الأوضاع والأحوال. الأجواء الملتهبة وضعت وزارة الكهرباء في فوهة مدافع المصريين الغاضبة والساخرة (أ ف ب) الجدول في العرف المصري أحوال المصريين وهم غارقون في “حيص بيص” محاولين فك طلاسم تخفيف الأحمال وحل لوغاريتمات المقصود برأس الساعة وفهم أول الجدول من آخره، وهم منذ فجر التاريخ الحديث أبعد ما يكونون من ثقافة الجداول المثيرة والغريبة. البعض يعرف جداول الماء في القرى لزوم سقي الأرض وتصريف الماء الزائد، والبعض الآخر على علم وثيق بالجدول حيث وضع المداخيل والمصاريف في خانات لزوم سير العمل في المصنع أو المحل أو الشركة، وفريق ثالث اضطر في السنوات القليلة الماضية لمعرفة إعادة جدولة الدين حيث تفاقم الأزمات الاقتصادية مع تعثر الأوضاع المعيشية دفعه لرحلات مكوكية للبنك الذي حصل منه على قسط شراء السيارة أو المحل أو المشروع بغرض مد فترات الاستحقاق وإعادة توزيع الأقساط حسب جدول زمني جديد لا يعلمه إلا الله وموظف مسؤول القروض ومراقبو البنك المركزي. أما جدول تخفيف الأحمال وحساب ساعات انقطاع التيار الكهربائي ليلاً ونهاراً وتنسيق ما تبقى من ساعات بين بقاء في بيت يشتعل سخونة حيث لا جهاز تكييف أو مروحة تخفف من حدة الحرارة التي تمتصها الجدران نهاراً وتلفظها مساء، أو المغامرة بالتوجه إلى مركز تجاري شهير أو فرع سوبرماركت كبير حيث مولد الكهرباء الضامن لعمل المبردات ضرورة لا ترفيهاً، أو عمل مجلس قيادة تخفيف أحمال مع أبناء العم والخال ومن تيسر من الأقارب حتى الدرجة الثالثة ممن يقطنون في أحياء متجاورة لا تتطابق فيها مواعيد تخفيف الأحمال لتطبيق مبدأ صلة الرحم في اللحظة التي تقرر فيها وزارة الكهرباء والطاقة تخفيف أحمال “المطرية” مع الإبقاء على التيار في الحلمية (أحياء في العاصمة المصرية القاهرة) أعلن مجلس الوزراء تفاصيل خطة تخفيف أحمال الكهرباء بالتعاون مع وزارتي الكهرباء والطاقة والبترول (أ ف ب) تسييس الكهرباء آخر مرة حظيت فيها وزارة الكهرباء والطاقة في مصر بهذا القدر من الاهتمام الشعبي العارم والبحث العنكبوتي الهادر كان قبل نحو عقد، كان الاهتمام حينئذ ملغماً بالتسييس ومفعماً بموقف المتهم من جماعة “الإخوان المسلمين” الحاكمة في موسمي صيف 2012 و2013، ولم يكن هناك من منافس لسخونة السياسة، وصعود الجماعة للحكم، وبدء تطبيق إجراءات تمكين أعضائها من مفاصل الدولة، وهلع قطاع عريض من المصريين لاتجاه البلاد نحو جماعة تحكم وطناً لا وطناً تعيش فيه جماعة، إلا سخونة درجات الحرارة. وزاد الطين بلة تكرار وتوتر انقطاع التيار الكهربائي، وهو ما أسهم في تأجيج الغضب الشعبي جراء ما سماه المصريون وقتها بـ “تكدير عيشتهم وتسويد حياتهم”، ومناشدات وزارة الكهرباء، وقتها، المواطنين بترشيد الاستهلاك لحين مرور أشهر الصيف نجمت عنها موجات غضب عارمة، وخروج رموز الحكومة وكبار المسؤولين للاعتراف بوجود مشكلة تارة والاعتذار تارة أخرى أدى إلى تفجر السخرية، وتوجيه اتهامات لـ “أعداء مصر والمصريين والديمقراطية والأمن والاستقرار” بالتسبب في قطع التيار تارة ثالثة أسفر عن مزيد من الحنق تجاه النظام. فوهة مدفع المصريين تلك الأجواء الملتهبة وضعت وزارة الكهرباء في فوهة مدافع المصريين الغاضبة والساخرة في صيف عام 2013، وهي الفوهة المزودة بعدسة مكبرة قادرة على التقاط كل تصريح غريب أو قرار عجيب مهما كان متناهي الصغر، وتحويله إلى مادة للضحك والتنكيت. فمن مطالبة رئيس الوزراء وقتها هشام قنديل المواطنين بارتداء الملابس القطنية، وتخفيض عدد المكيفات في البيت الواحد، واجتماع الأسرة في غرفة واحدة، إلى حديث الرئيس السابق الراحل محمد مرسي عن “الواد عاشور” الذي يتقاضى 20 جنيهاً لـ “يلعب في سكاكين الكهرباء” وغيرها كانت حديث القاصي والداني ومثار سخرية الملايين من غير أعضاء ومحبي الجماعة. ومعها كانت وزارة الكهرباء ومسؤولوها وموظفوها وقنوات تلقى الشكاوى فيها محل سخرية وتنكيت، وهو ما شخصه علماء اجتماع ونفس وقتها بـ “فش غلّ” جماعي ناجم عن شعور بالغضب مع قلة الحيلة. طاقة الغضب لكن الغضب يحتاج قدراً كبيراً من الطاقة، والطاقة الشعبية الحالية مشتتة في غير اتجاه، أزمة اقتصادية هي جزء من أزمة عالمية، نسبة تضخم أساسي وصلت 41 في المئة في سابقة هي الأولى من نوعها، موجات غلاء أقرب ما تكون إلى أفلام الخيال غير العلمي، ضبابية ملامح المستقبل القريب، غموض مآل المستقبل البعيد وكل ذلك في أجواء “قبة حرارية” لم تكن على البال أو الخاطر، إنها القبة التي جعلت الأستاذ حسين مدير قسم الصادر والوارد يمشي إلى محطة المترو وهو يرتدي قرطاساً ورقياً صنعه من الصحيفة، ودفعت صاحب محل السوبرماركت في الشارع الرئيس إلى تخصيص “حنفية” الحريق لترطيب رأسه ونصف جسده العلوي كل نصف ساعة، وأضافت بند رش ملاءات السرير بالماء البارد عقب غسل الأسنان قبل الخلود للنوم. هذه الأجواء المهلكة للقدرة الجسدية والمستنفدة للطاقة الفكرية تركت الملايين في حالة تفكير منهك نهاراً وبحث مهلك مساء لتدبر أمر جدول تخفيف الأحمال، فبعد أيام من تضارب الأنباء وتناقض الأخبار بين “بشرى سارة” بانتهاء أزمة انقطاع التيار الكهربائي و”مفاجأة صادمة” ببدء العمل بجدول تخفيف أحمال لا مهرب منه، اتضح أن المفاجأة الصادمة هي الواقع الجديد. أمل امتصاص الغضب الواقع الجديد أعلنه مجلس الوزراء وكأنه يعلن خبراً عادياً، ربما بغرض أو على أمل امتصاص الصدمة، فقد أعلن مجلس الوزراء، الإثنين الماضي، تفاصيل خطة تخفيف أحمال الكهرباء بدءاً من اليوم التالي، وذلك بالتعاون مع وزارتي الكهرباء والطاقة والبترول، كما أعلن عن جداول قطع الكهرباء التي يجري العمل بها طيلة شهر أغسطس (آب) الحالي، في إطار خطة التعامل مع درجات الحرارة الشديدة غير المسبوقة. والغريب أن الغالبية العظمى من المصريين، وهي الغالبية المتضررة من قطع التيار وتخفيف الأحمال، انهمكت وانغمست في موجات من التنكيت والسخرية من الجدول ومن تخفيف الأحمال، فحياة الغالبية خالية من ثقافة الجدول، والطبيعة الكارهة للقيود والمعتادة على المضي قدماً في حياتها اليومية بقدر واضح من عدم التخطيط وميل طاغ لعدم التقيد بمواعيد صارمة أو ارتباطات محددة، وجدت نفسها فجأة أمام “جدول تخفيف أحمال”. مفاجأة عنيفة المفاجأة عنيفة وردود الفعل طريفة، فكيف لمن اعتاد أن يتفق مع صديقه على أن يقابله بعد الظهر، وهي الفترة الممتدة من بعد الـ 12 ظهراً وحتى المساء، أو من يحدد مواعيد للزبائن أو العملاء أن يمر عليهم بعد المغرب وهي الفترة الممتدة من بعد غروب الشمس وحتى شروقها فجر اليوم التالي، أو من يكتب في بطاقة الدعوة للفرح “تمام الثامنة مساء” وهو على يقين بأن المدعوين لن يظهروا حتى العاشرة مساء، أو من يفتح محله التجاري “على الظهر كده” (تقريباً) أو من يرد على سؤال زوجته: متى تعود؟ بـ “شوية كده”، أو يؤكد للسائل أن المسافة بينه وبين محطة الباص تستغرق خمس دقائق سيراً على الأقدام على رغم أنها فعلياً لا تقل عن 30 دقيقة بالخطوة السريعة، أن يتقيد يومياً بـ “جدول تخفيف أحمال”؟ القلة الممسكة بتلابيب التفاؤل والنظر إلى نصف الكوب الملآن تقول إن الجدول من شأنه أن يجبر قاعدة عريضة من المصريين على إضافة مكون التخطيط مع عامل التنظيم في حياتهم اليومية، قلة أخرى وجدت في جدول تخفيف الأحمال وقطع التيار منفذاً للبكاء على لبن “الجماعة” المسكوب، إنها القلة المتعاطفة والمتضامنة مع جماعة “الإخوان المسلمين” التي ترى في إنهائها ظلماً لها وتسرعاً من جموع المصريين في إصدار أحكام بالفشل على مندوبيها في القصر الرئاسي ومجلس الوزراء. مجالس شعبية لا تخلو من طرافة نجمت عن “جدول تخفيف الأحمال”. تغيير مواعيد النوم والاستيقاظ في ضوء الجدول، وتكثيف الزيارات الأسرية في ساعات تخفيف أحمال بيت فلان على أن يتم رد الزيارة حين يتم تخفيف أحمالها في بيت علان، وتوثيق الصلة بين جيران العمارة أو أهل الحي الواحد الذين ألهتهم الحياة وأغرهم عدم انقطاع التيار، فلم يعد الجيران يعرفون بعضهم بعضاً، لكن إعلان الجداول المعقدة وبدء العمل بها فجر طوفاناً من الأسئلة بين السكان والجيران وبعضهم بعضاً “هل يمكن لمن فك طلاسم الجدول أن يخبرنا بموعد تخفيف الأحمال عن العمارة؟ مدينة الشروق لم يرد اسمها في الجدول، فهل نجت من التخفيف أم أنها تتبع مدينة بدر؟”. الناجون من الجدول والأمر لا يخلو كالعادة من السخرية، فهناك من وجد من الوقت والجهد ما أتاح له أن يستخرج المناطق التي نجت من جدول التخفيف وأعلن عنها على منصات التواصل الاجتماعي، ما دعا سكان هذه المناطق وأهلها إلى الرد والتعليق بوضع عيون زرقاء منعاً للحسد وأكفاً وتعويذات لإبطال أمنيات تمني زوال نعمة التيار من الآخرين. تحييد مناطق من جدول تخفيف الأحمال يمكن تفسيره في ضوء ضعف استهلاك هذه المناطق أصلاً من الطاقة الكهربائية، سواء لقلة عدد السكان أو قلة عدد الأجهزة الكهربائية أو كليهما معاً، لكن نجاة مناطق أخرى من الجدول أشعل التعليقات المنددة بالأغنياء والتدوينات الباكية على ضيق الحال والتغريدات الساخرة من المحظوظين والمحظوظات ممن لم تكتف أبواب السماء بفتح آفاق الساحل الشمالي وبحره أمامهم، بل كتبت على أبواب شاليهاتهم وفيلاتهم وقصورهم “الناجون من الجدول”. رئيس شركة “البحيرة” لتوزيع الكهرباء المهندس طارق عبد الشافي قال في تصريحات صحافية إن منطقتي الساحل الشمالي والعلمين الجديدة (حيث أنشطة حكومة ورسمية وفنية مكثفة تجري حالياً) تتمتعان ببدائل للتغذية الكهربائية بديلة للشبكة القومية، ووجود شركات لتوزيع الكهرباء تابعة للقطاع الخاص مسؤولة عن توفير الطاقة لمثل هذه المناطق، إضافة إلى تزويد القرى السياحية بعدد من ماكينات الديزل ومحطات الكهرباء الصغيرة وهو ما أدى إلى عدم تأثرها بتخفيف الأحمال. وبدلاً من أن يؤدي التوضيح إلى التهدئة، نجمت عنه موجات من الحسد العلني والحقد الطبقي مستترة بنكات وقفشات، وتهيمن عليها مطالب شعبية بتعميم الجداول من دون استثناء وتخفيف الأحمال “وإلا”! كل يغني على أحماله “العين فلقت الحجر” كما غرد أحدهم معلقاً على خروج العلمين والساحل من جداول التخفيف، وقال آخر إن قواعد الإنسانية وقيم المساواة تحتم أن يستضيف الإخوة الناجون من الجدول في الساحل إخوتهم الغارقين في الجدول، محذراً من أن مَن نجا من جدول التخفيف اليوم قد يجد نفسه ضحية له غداً. الحسابات الدقيقة الطبيعة المصرية غير المتوائمة مع منظومة الجدول وفكرة الحسابات الدقيقة لمواعيد النوم والاستيقاظ والخروج والدخول متوائمة تماماً مع منظومة السخرية من نفسها، والدليل أن كلاً يغني على أحماله هذه الأيام. تخفيف الأحمال ليس مسألة اختيارية أو مطروحة للنقاش أو مسموحاً فيها بالرفض أو الاعتراض، وهناك مطالبون بتخفيف فواتير الغاز والكهرباء كلفتة كريمة من الحكومة لقاء تعايشهم مع تخفيف أحمال التيار، وآخرون وجدوها فرصة للبحث عن تخفيف الأحمال الزوجية، فإذا كانت الكهرباء ثقلت بحمل شهرين من الحرارة، فماذا عمن ثقل بحمل عقود من الزواج؟! والمطالبة بتخفيف الأحمال، كل بحسب هواه، مستمرة وتقوم بدور لا بأس به في امتصاص الغضب والتخفيف من صعوبة الأوضاع وحرارة الأجواء. ووصل الأمر لدرجة اقتراح إضافة دعاء “اللهم لا تترك علينا حملاً إلا خففته وليس وزارة الكهرباء وحدها” مكوناً ضمن دعاء صلاة الجمعة. ويبقى تخفيف الأحمال عن عديد من الطرق الرئيسة والسريعة، التي تحفل في الأحوال العادية وجميع أعمدتها مضاء بكامل طاقته بحوادث سير مميتة بسبب غياب الرقابة وعدم الالتزام بالقواعد والقوانين، هو الأكثر فداحة، فطرق مثل القاهرة – السويس الذي يستخدمه الملايين على مدار الساعة، تغرق في ظلام ليلاً ما يفاقم من خطورتها، وعلى رغم أن لجنة إدارة الأزمات حين قررت قبل أيام تخفيف إنارة الطرق الرئيسة تحدثت عن “تخفيف” إلا أن الطريق غارق تماماً في ظلام دامس. المزيد عن: القبة الحراريةالإخوان المسلمينمولد الكهرباءالتيار الكهربائيمجلس الوزراء المصريأحمال الكهرباء 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هل يخرج مروان البرغوثي من السجن إلى الحكم؟ next post عصيان داخل الجيش الإسرائيلي يهدد باندلاع “حرب أهلية” You may also like وزير المالية الإسرائيلي يدعو لخفض عدد سكان غزة... 26 نوفمبر، 2024 غسان شربل يتابع الكتابة عن .. جمال مصطفى:... 26 نوفمبر، 2024 بعد أنباء استهدافه في بيروت… مَن هو طلال... 26 نوفمبر، 2024 ماذا وراء رفع مصر مئات الأسماء من “قوائم... 26 نوفمبر، 2024 صور فضائية تكشف خطط كوريا الشمالية في “مصنع... 26 نوفمبر، 2024 سكان العراق أكثر من 45 مليون نسمة نصفهم... 26 نوفمبر، 2024 هل لبنان على موعد مع الإعلان عن اتفاق... 26 نوفمبر، 2024 الكشف عن هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي... 25 نوفمبر، 2024 هيئة البث الإسرائيلية: الاتفاق مع لبنان تم إنجازه 24 نوفمبر، 2024 تفاصيل خطة إسرائيل لتسليم إدارة غزة إلى شركات... 24 نوفمبر، 2024