ثقافة و فنونعربي لماذا نستعيد اليوم معارك عباس محمود العقاد الثقافية؟ by admin 20 مارس، 2022 written by admin 20 مارس، 2022 23 في ذكرى الكاتب النهضوي المجدد الذي واجه خصومه بجرأة ووعي نقدي اندبندنت عربية \ محمد السيد إسماعيل لا يحتاج عباس محمود العقاد (1889 – 1964) إلى مناسبة للحديث عنه، ومع ذلك فإن من المؤسف أن تمر ذكرى وفاته في شهر مارس (آذار) الحالي، من دون أن تلتفت وزارة الثقافة المصرية إلى ذلك. ومن المعروف أن العقاد بدأ حياته الأدبية مجدداً ثائراً، وقد ظهر ذلك في كتاب “الديوان” الذي شاركه إبراهيم المازني في تأليفه، وكان من المفترض أن يشاركهما فيه عبد الرحمن شكري لولا ما وقع من خلافات بينهم. ويعد كتاب “الديوان” من العلامات التي انتقلت بالشعر من الكلاسيكية كما مثلها أحمد شوقي شعراً ومصطفى المنفلوطي نثراً، إلى الرومانسية التي أصبحت مناخاً عاماً شارك فيه- أيضاً- شعراء المهجر بحيث لم يقل كتاب “الغربال” لميخائيل نعيمة أهمية– في هذا السياق– عن “الديوان”. وكان العقاد يقول تعليقاً عليه: “لو لم يقل نعيمة– هذا الكلام لوجب أن أقوله أنا”. ومعارك العقاد السياسية والأدبية كثيرة، لكننا سنتوقف أمام معركتيه الشهيرتين؛ الأولى التي كان فيها مجدداً متمرداً، والأخيرة التي بدا فيها محافظاً. امتياز الشاعر يقدم العقاد رؤيته لطبيعة الشاعر كما يراها بقوله، إن الشاعر لا بد أن يمتاز “بقوة الشعور وتيقظه وعمقه واتساع مداه ونفاذه إلى صميم الأشياء. فالمرآة تعكس على البصر ما يضيء عليها من الشعاع فتضاعف سطوعه”. وهو ما لم يجده في شعر شوقي الذي بدا له مجرد صناعة لفظية لا تدل على قوة الشعور أو حضور الشخصية، وأن شعره قريب من الطبع المنقول من القسط الشائع بين الناس؛ “الذي تعرفه بعلامة صناعته وأسلوب تركيبه كما نعرف المصنع من علامته المرسومة على السلعة المعروضة”. على أن أهم ما دعا إليه العقاد هو ما يعرف بالوحدة العضوية في القصيدة التي هي عنده كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته ولا يغني عن غيره في موضعه إلا كما تغني الأذن عن العين، أو القدم عن الكف، أو القلب عن المعدة. الكاتب المصري طه حسين (الهيئة المصرية للكتاب) هذه الدعوة التي ارتبطت بالعقاد وأصبحت أدل عليه رغم إيمان الرومانسيين كلهم بها، والتي على أساسها عاب على كثير من قصائد شوقي ووصفها بالتفكك مثل قصيدته في رثاء مصطفى كامل. إضافة إلى وقوف شوقي – كما يرى – عند ظواهر الأشياء، وما يدرك بالحس أكثر مما يدرك بالإحساس. وقد ظهر ذلك في خطابه الشهير إلى شوقي بقوله: “اعلم أيها الشاعر العظيم، أن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء، لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها، وأن ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه وإنما مزيته أن يقول ما هو، ويكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به”. العقاد إذن – في بدايته – مجدد رغم موقفه الرافض – في ما بعد – لقصيدة الشعر الحر. وليس أدل على ذلك من شعره نفسه حين نقرأ: “التقينا/ والتقينا/ عجباً كيف صحونا ذات يوم فالتقينا/ بعدما فرق قطران وجيشان يدينا/ فتصافحنا بجسمينا وعدنا فالتقينا/ بعد عصر/ أي عصر”. أو قوله: “شبران من هذا البناء/ بيني وبين المال والدنيا العريضة والثراء/ ليس بأقصى في الرجاء”. فرغم الحرص الواضح على القافية في الشاهدين السابقين، فإنه لم يلتزم بعدد التفعيلات مما يقربه كثيراً من نمط السطر الشعري، وبالتالي من مدرسة الشعر الحر التي رفضها بعنف! “إلى لجنة النثر للاختصاص” هذه العبارة الشهيرة: “إلى لجنة النثر للاختصاص”، كتبها العقاد على مجموعة من دواوين الشعر الحر عندما جاءته، وهو أمين المجلس الأعلى للفنون والآداب ثم شفع ذلك بست دراسات بعد أن وصفه بالشعر “السايب”، وهي: أوزان الشعر– أوزان الشعر العربي – الشعر العربي والمذاهب الغربية الحديثة – التجديد وفن الشعر – الشعر “السايب” تأباه السليقة الشعبية – شغلة لا تفلح ولعبة لا تسلي”. ولم يكتف العقاد بذلك بل حاول إثارة شبهات تمس عقيدة شعراء الشعر الحر ووطنيتهم وانتماءهم. ولا شك أن ذلك يرجع إلى طبيعة العقاد الذي يمكن إدراجه– كما يقول شوقي ضيف– في عداد أصحاب المزاج العصبي الحاد. فأصغر شيء يهيجه. الكاتب إبراهيم المازني (الهيئة المصرية للكتاب) وهذا ما يفسر أيضاً كثرة خصوماته السياسية. وقد يرجع هذا العنف إلى أنه قد نما إلى علمه – كما يذكر أحمد عبد المعطي حجازي – “أن هؤلاء الشعراء الشبان يريدون أن يحطموه ويحطموا عمود الشعر العربي من أساسه، وقيل له بل هم شيوعيون يريدون أن يحطموا كل بناء قائم وكل قاعدة ثابتة”. هجوم العقاد يجمل العقاد آراءه في المقالات الستة التي أشرت إليها فيرى أن الدعوة إلى تعديل أوزان الشعر العربي قد بدأت بعد اطلاع قراء العربية على تاريخ الأدب المقارن بين اللغات وابتداء حركة الترجمة من اللغات الأوروبية عند منتصف القرن التاسع عشر. وهو يرى خطأ هذه الدعوة، لأن الاختلاف بين منظوماتهم ومنظوماتنا، إنما جاء من اختلاف الأحوال الاجتماعية والنفسية، ولم يجيء من اختلاف أوزان العروض؛ لأن المألوف أن يتولد الشعر على حسب الحاجة إليه. ويؤكد أن أوزان العروض العربية “على إحكامها وإتقانها سهلة الأداء قابلة للتوسع والتنويع إلى الغاية المطلوبة في كل موضوع يتناوله الشعراء”. ويرى أن أي فن يتميز بما لديه من قواعد ومقاييس مقررة، حيث لا ينبغي إلغاء هذه المقاييس رغبة في التسهيل. فقواعد الفن هي التي تميزه وتحدد طبيعته. ولهذا لا يرى مناصاً من استخدام قواعد الشعر العربي ولا يراها معوقة لتحقيق كافة أغراضه ويحاول تأكيد سهولة النظم عن طريق تقرير شاعرية اللغة العربية؛ “فالتركيب الموسيقي أصل من أصول هذه اللغة لا ينفصل عن تقسيم أبواب الكلمات فيها”. لهذا فقد اتسعت أوزان الشعر العربي لأغراض النظم كلها ما يترتب عليه أن الدعوة للخروج عليها، إنما يأتي من العجز أو الرغبة في الهدم؛ “فلا خير للفن في كلام يقوله من يعجز عن هذا القدر من السليقة الشاعرية والملكة الفنية”. ومع ذلك لا ينكر العقاد التجديد وضرورته، ألم تكن حملته على شوقي بغرض التجديد؟ ولكنه يقدم مفهوماً لتجديد غاية في الفرادة حين يشترط أن يحافظ هذا التجديد على قوام الشعر الأصيل، حيث إن “فن الشعر عندنا هو الفن الوحيد بين فنون الشعر العالمية الذي يقبل التجديد، وهو باق على قوامه الأصيل”. وهو ما يعني أنه يرفض فكرة التجديد القائمة على استبدال نظام بنظام آخر على العكس من التجديد في الشعر الغربي الذي يقوم على النسخ؛ أي التغيير الكامل. ويرفض حجة المؤيدين للشعر الحر الذين يرون في التجديد اقتراباً من الشعب وهمومه ويرد قائلاً: “إذا كانت القصائد الموزونة المقفاة تشق على أحد فهي لا تشق على السليقة الشعبية التي يتمسحون بها ويدارون عجزهم”. طه حسين: القدماء جددوا بعد هذا الحد توالت ردود المؤيدين للشعر الحر. وكان طه حسين أبرزهم بحيث لا يرد نزعتي المحافظة والتجديد إلى إرادة الشعراء فحسب، بل يردها إلى اختلاف الطبائع والنفوس. ويرى – وهو محق في ذلك – أن القدماء جددوا “فابتكروا في الإسلام أوزاناً لم تكن في العصر الجاهلي، وابتكروا في العصور المتأخرة أوزاناً لم تكن في الشعر الإسلامي الأول”. وعليه لا يرى بأساً من مشايعة المجددين من الشباب في أن يتحرروا من قيود الوزن والقافية إذا نافرت أمزجتهم وطبائعهم. ثم جاء بعده تلميذه النجيب محمد مندور مشايعاً هؤلاء الشباب أيضاً. والحق أن الحركة النقدية القوية التي صاحبت الشعر الحر وآزرته كان لها دور فاعل في توضيح جمالياته وضرورته على يد كل من عز الدين إسماعيل، وعبد القادر القط، ومحمد النويهي، ومن الشعراء صلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي؛ الأمر الذي اضطر العقاد أن يقول بعد سنوات، إن صلاح عبد الصبور كان لا بد أن يستمر لأن ملكته الأدبية قوية. ورغم القصيدة العنيفة التي كتبها حجازي في هجاء العقاد، والتي تبدأ بقوله: “من أي بحر عصي الريح تركبه/ إن كنت تبكي عليه نحن نكتبه”. إلى أن يقول: “تعيش في عصرنا ضيفاً وتنكرنا/ أنا بآلائه نشدو ونطربه – يا من يحدث في كل الأمور ولا/ يكاد يحسم أمراً أو يقربه”. أقول رغم هذا فقد صرح حجازي – في ما بعد – بأنه لم يشعر بقرب روحي مع أحد من الرواد بقدر ما شعر بها إزاء العقاد. المزيد عن: طه حسين \ نقد أدبي \ نقد ثقافي \ النهضة العربية \ القاهرة \ سجال \ صراع \ عباس محمود العقاد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “تاسوعات أفلوطين” استكملت الثلاثي الفلسفي الإغريقي بعد نصف ألفية next post دراما رمضان 2022 تفتش في الدفاتر القديمة You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024