الأربعاء, أكتوبر 16, 2024
الأربعاء, أكتوبر 16, 2024
Home » لماذا قد يجد الغربي نفسه في حكايات السعوديين؟

لماذا قد يجد الغربي نفسه في حكايات السعوديين؟

by admin

 

سعد الصويان والحفريات الأثرية وثقا جذور العلاقة… أما الأكاديمية هند بنت تركي السديري فأجرت المقارنة بين الأسطورة المحلية والعالمية وتفاجأت بالنتائج

اندبندنت عربية / مصطفى الأنصاري كاتب وصحافي @mustfaalansari

تروي الجدات في إقليم نجد وسط السعودية في أزمنة خلت حكاية “دويدة أم الذبان”، تحمل مغزى يرمز إلى التقاليد الشائعة في ذلك الحين، بأن ابنة العم أولى من يتزوج بها ابن عمها، إلا أن حالات معينة تخرج عن ذلك السياق لأسباب توثق الأسطورة أحدها.

تروي خلاصة الحكاية أن طفلة يتيمة تحولت حياتها إلى سلسلة من التحديات المفاجئة إثر زواج والدتها وتركها في منزل عمها، فعلى رغم جمالها، كانت تُعامل كطرف أدنى في بيت عمها، وتعرضت للتنمر من قبل ابن عمها الذي أطلق عليها لقب “دويدة أم الذبان” بسبب قلة اهتمامها بنظافة وجهها في الصغر.

بعد أن كبرت، اقترحت الأسرة تزويجها بابن عمها الذي كان رفضه قاطعاً، قائلاً “ما بقي إلا دويدة أم الذبان كي أتزوجها”؟، لكن الفتاة قررت تغيير واقعها، فعملت على تحسين مظهرها والإصلاح من شأنها، مما جعلها محط أنظار الفتيان، فتقدم لخطبتها رجل خارج محيطها الصغير، فلما رآها ابن عمها قد تزينت للعرس هالها حسنها فندم، وجعل يتحسر بلسان حاله ومقاله، مما أثار شفقة زوج دويدة حتى طلقها، ليتزوج بها ابن عمها بعد أن كان فيها من الزاهدين.

“أم الذبان” و “جلد الحمار”

كان ذلك اختزالاً لواحدة من الحكايات الزاخرة بالمعاني القيمية والتراثية، والدلالات الاجتماعية أخرجته الأكاديمية السعودية هند بنت تركي السديري في كتاب صدر حديثاً، تميز بجمعه نماذج من أساطير مناطق المملكة الرئيسة في “الوسط (نجد) والشرق والشمال والجنوب والغرب”، ولم يقتصر على منطقة وحدها مثل سابقيه.

لكن اللافت أن تلك الحكاية قد لا تبدو غريبة بالنسبة إلى قارئ نظيرتها الأوروبية “جلد الحمار”، على رغم تباعد الثقافتين لدرجة أنهما إلى عهد قريب يعتقد بأنهما متضادتين مثل الماء والنار، لولا أن المنقبين السعوديين والباحثين الغربيين، وجدوا في الصحراء العربية إرثاً ممتداً بدأ يظهر للتو، ولا يزال التعتيم عليه أو نكرانه لغزاً محيراً في العصور الماضية.

هربوقراط المكتشف في قرية “الفاو” يعود للقرن الأول والثالث الميلادي (السياحة السعودية)​​​​​​​

ففي الحفريات الحديثة التي جرى التنقيب عنها في موقع “الفاو” جنوب شرقي الرياض الذي أصبح مصنفاً على قائمة التراث العالمي أخيراً، يجد علماء قطعتين لتمثالين شهيرين لدى اليونانيين وهما هربوقراط الذي تدور حوله الأساطير عند اليونانيين، و هيراكليس أيقونة الفن والأدب عند شعوب أثينا في قرية الفاو، حيث مملكة كندة قرب الربع الخالي.

وكانت الهيئة السعودية للسياحة عرضت التمثالين ضمن معرض أثينا المقام في 2019 تحت اسم “طرق التجارة القديمة” التي كانت الجزيرة العربية بين نقاط العبور البارزة فيها.

وهذا التلاقي الذي ما كان يلفت الانتباه في الحكايات قبل ظهور أدلته المادية، دفع وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب إلى التعليق بالقول إن “العلاقة بين اليونان والجزيرة العربية تمتد لأكثر من 3 آلاف عام، ويبرز ذلك في عدد من الآثار الموجودة في السعودية التي تظهر الروابط التاريخية والثقافية بين شبه الجزيرة العربية والثقافات اليونانية والبيزنطية”.

خيط غامض بين “نجد” واليونان

ومنذ اكتشاف عالم الآثار السعودي الراحل عبدالرحمن الأنصاري “الفاو”، ظهر مزيد من الأدلة للأثريين السعوديين تظهر أن الحضارة الرومانية واليونانية ارتبطت بالجزيرة العربية عبر انتقال البخور واللبان العربي في طرق التجارة الشهيرة التي تنطلق من بحر العرب نحو وسط الجزيرة العربية باتجاه الرومان، لينقلها التجار العرب، مروراً بأسواقهم الشهيرة التي أصبحت تعرف بطرق التجارة القديمة. وبعد تزايد أعمال التنقيب في كل من الفاو والعلا وغيرهما في سياق جهود وزارة الثقافة في البلاد، تكشفت أدلة أخرى.

ولدى سؤال الأكاديمية السديري عما وراء التشابه بين حكايات في الثقافتين، تقول لـ”اندبندنت عربية” إنها لم تبحث في التشابه “لكن لفت نظري ذلك، بخاصة في منطقة نجد التي كان يكتنفها الغموض، وقلّ أن يطرقها الغرباء ولكن قد تكون الطبيعة الإنسانية في كل مكان وزمان والانعكاسات الاجتماعية على الإنسان السر، فالإنسان هو نفسه المتشكل في كل مكان، فبالتالي قد تكون تشكلت بعض القصص مع بعض التغيرات بحسب مكان القصة”.

واستبعدت أن يكون للترجمة دور في تشابه القصص، “فهي موغلة في القدم، ولكن هل تم تناقل هذه الحكايات شفوياً عبر دروب التجارة أو موسم الحج”؟.

وهل يعني ذلك أن الغربي ربما وجد نفسه في الحكاية السعودية عكس ما كان يعتقد؟، فتضيف “لا، لن يجد نفسه لكنه سيشعر بالسعودي الشرقي وسيفهمه أكثر في مشاركة أدبية إنسانية”.

وتدور حكاية “جلد الحمار” من التراث الفرنسي القديم حول أميرة جميلة اضطرت إلى الهروب من قصر والدها الملك المنحرف أخلاقياً. إلا أنها بنصيحة من جنية طيبة، تمكنت من التخفي بارتداء جلد حمار غيّر ملامح جمالها حتى هربت وصارت خادمة في قرية بعيدة.

بعد مرور الوقت وعلى رغم مظهرها البسيط والقبيح، استطاعت جذب أمير وسيم في ديارها الجديدة، شغفها حباً من خلال رؤية إشارات لجمالها الحقيقي. في النهاية، يكتشف الأمير حقيقتها عندما تُكشف هويتها خلال حفل ملكي، ويتزوجها بعد أن أدرك أن جلد الحمار يخفي من ورائه معاني أخرى من النبل والأصالة.

وهكذا فإن الحكايتين “جلد الحمار” الأوروبية  و”دويدة أم الذبان” السعودية تحملان رموزاً متشابهة تتعلق بالتخفي والقيمة الحقيقية للفرد خلف مظهره الخارجي، مما يدعو الإنسان إلى التفكير في كيفية الحكم على الآخرين بناءً على مظاهرهم بدلاً من جوهرهم الحقيقي، بحسب ما يُعتقد بأن الأسطورة في الحالتين أرادت تأسيسه في عقل الجماهير.

رسم فرنسي يحاكي قصة “جلد الحمار” الأوروبية المشابهة لحكاية “دويدة أم الذبان” السعودية (ويكبيديا)​​​​​​​

هل التشابه محض الصدفة؟

الكاتبة والمترجمة السعودية التي نقلت مؤلفها “الحكايات الشعبية السعودية” الصادر عن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في 206 صفحات، إلى الإنجليزية أيضاً، لاحظت أن التشابه لا يتوقف عند هاتين الحكايتين، فهناك أيضاً الحكاية العربية “ليلى والذئب”، وتقاطعها مع “ذات الرداء الأحمر”، وهي مأخوذة من الأدب العالمي أيضـاً، وحكاية “ورقة حنا” المدونة هنا تأخذ قواسم مشتركة مع قصة “سندريلا”، وتتشــابه مع حكايات الجنـوب في السعودية، إلا أن الذئب فيها يصبح “السعلاة” في النسخة المحلية، وهو كائن خرافي مرعب يأكل البشر. أيضاً نجد تشابهاً بين “مسرحية الملك لير” الإنجليزية وقصة “بنت الملك والملح”، وكيف يقصي البنت عن والدها شكه بمشاعر ابنته تجاهه حتى يمر بوقت عصيب وتتبين له محبة ابنته”.

ومن بين أشهر الحكايات العالمية “الجميلة والوحش”، ونجد مثلها في أسطورة “ديرة بني كلب” التي وجدت فيها حسناء عربية نفسها تتزوج بقوم ظنتهم بشراً، ما لبثوا أن انقلبوا كلاباً، ولم يسعها الهرب منهم إلا بعد أن اتخذوا من والدتها وجبة لهم، وأنجبت منهم ولداً أصبح “جرواً” صغيراً.

في وقتنا الحاضر، أسهمت “ديزني” في تسويق الحكايات الشعبية العالمية من خلال سلسلة أفلامها الواسعة الانتشار عن الجنيات، كما تم توظيف شخصيات الحكايات الشعبية في الأدب والأوبرا والأفلام وبرامج التلفزيون وعلى شبكات الإنترنت، في حين بقي نطاق إحياء الحكايات العربية الأصيلة في الأعمال السينمائية والإبداعية خجولاً.

ويوثق الأنثربولوجي الشهير سعد الصويان الذي انشغل بتوثيق الأدب الشفوي في السعودية ومقارنته بالغربي في دراسات موسوعية عدة، تقاطعاً كبيراً بين الثقافتين، لا سيما بين اليونان ومنطقة نجد، تجاوز الحكايات إلى التضاريس، إلا أنه لم يزل حائراً لماذا تفوقت أثينا في تأملها على نظيرتها العربية.

ويفسر حالة التشابه في الحكايات تحديداً بأنها تعكس حالات مشتركة من الصراع والحكمة، إضافة إلى مفاهيم العدالة والعقاب. ويرى الصويان أن دراسة هذه الحكايات مهمة لأنها تكشف عن عمق التجربة الإنسانية، مشدداً على أن الأدب الشعبي في كل أمة يخدم كوسيلة تعبير وتوثيق للقيم والمعارف المتداولة شفوياً عبر الأجيال، ويرجح أن “تداول هذه الحكايات في مجتمعات متنوعة يعكس التواصل الثقافي غير المباشر عبر الأزمان”.

أما المؤلفة السديري صاحبة الإصدار الجديد، فالذي فاجأها أكثر ولم تتوقعه أنه حتى على مستوى السعودية، كان ثمة “تباين بين الحكايات وتنوعها وعدم الحرص على تدوينها في بعض المناطق، أيضاً ضمن المنطقة الواحدة نجد بها حكايات مختلفة وقد لا تتشابه نهائياً وهي من منطقة واحدة بالنسبة”، غير أن المضامين والمدلول العام في الجميع، قالت في حديثها إلى “اندبندنت عربية” كان ناطقاً على نحو كاشف “بعادات وعرف النظام الاجتماعي القديم لكل منطقة، حيث كانت الصبغة الدينية واضحة”.

تهمة الإساءة إلى المرأة

ولدى سؤالها عما يدفع كاتبة تنويرية مثلها إلى الانشغال بحكايات غلب عليها طابع الإساءة للمرأة، لا سيما المطلقة أجابت أن القصص في مجملها “ليست مسيئة للمرأة ولا للرجل، وهي أيضاً ليست تمجيداً لأحد، فالكتاب ينقل صوراً اجتماعية في أزمان مختلفة، ويحمل تاريخاً وإرثاً”، بغض النظر عما يكون المحتوى المرصود.

لكنها استدركت بأن مؤلفها الجديد “سيتبعه كتاب آخر سيكون موضوعه المرأة في الحكاية، وفيه سأعود لمساري في الكتابة عن المرأة السعودية وتوضيح دورها”.

غلاف الكتاب الصادر أخيراً بنسختيه العربية والانجليزية (مكتبة الملك عبدالعزيز)

امتاز الكتاب في نسخته العربية ببساطة في الحكي نادرة، قالت الكاتبة أرادت بها أن تجعل الحكاية قريبة من لغتها الأصلية أثناء تحلق الصبيان حول الجدات ينصتون إلى أساطيرهن، ويغازلن في وجدانهم براءة الطفولة ومحدودية الاطلاع التي تجعل الحاضر مأخوذاً بما يسمع يومئذ كأنه يبصره رأي عين، في الرعب والمرح.

وتضمن كل فصل من فصول الكتاب الخمسة، ست حكايات شعبية مثل “البنت والتاجر، والخالة وزوجة الولد، والولد ووصية أبيه، ودويدة أم الذبان، وشيمة، وغدر الرجل المملوك بسيدته، وبنت الملك والملح، وسفوف، والبنت المظلومة، والرجل الذي باع بضاعته على جني، وعاشق الجنية، وكيد النساء كيد جبار، والبنت السعلية، وجمبح جمبح جلاجل، وديرة بني كلب”، وغيرها.

المزيد عن: السعوديةالحكايات الشعبيةألف ليلة وليلةجلد الحماردويدة أم الذبانليلى والذئباليوناننجدالفاو

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00