ميلان كونديرا (1929 - 2023) (غيتي) ثقافة و فنون لماذا سحب كونديرا من الترجمة الفرنسية لروايته مقدمة آراغون؟ by admin 7 مارس، 2024 written by admin 7 مارس، 2024 92 3 شهور صعبة في حياة الشاعر الفرنسي أنقذته منها “مزحة” الكاتب التشيكي “المنشق” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في نهاية الأمر سوف يقول الشاعر إن ما من شهور كانت في حياته أشد صعوبة من تلك التي عاشها في النصف الثاني من عام 1968. كما سيقول إنه ربما يدين بخروجه “راضياً عن نفسي، من تلك الظروف ارتياحي للموقف الذي رأيت أن من واجبي أن أتخذه ولو أنه كلفني الكثير”. وهنا قبل الخوض في شيء من التفاصيل قد يكون من المهم أن نوضح تفاصيل كل ذلك. وبدءاً من الظرف التاريخي الذي يمثل في خلفية تلك الراحة الداخلية التي نتجت لديه من ذلك كله. ففي صيف ذلك العام غزت قوات حلف وارسو البلد التشيكوسلوفاكي واضعة نهاية مأساوية ليس فقط لما سمي حينها “ربيع براغ“، بل كذلك لما كان تبقى من علاقات إيجابية مع ما كان لا يزال صامداً من أحلام كثر من مثقفي العالم بأسره من مواقف لا تزال تأمل في أن تصلح الأمم “الاشتراكية” من الإنحرافات عن الثورة البلشفية التي ما أيد مثقفو العالم أية ثورة أخرى تذرعت بالتقدم طوال القرن العشرين تأييدهم لها، هم الذين كان صمودهم ذلك لا يزال كامناً، رغماً عن موبقات ستالين بل حتى جرائمه. ولكن هذه المرة طفح الكيل بل بدا الكيل أكثر فيضاناً من خلال موقف الشاعر لوي آراغون. ومهما يكن فإن ذلك الموقف لم يكن جديداً لكنه وصل إلى ذروته حين قرر آراغون أن يقول “كفى!”. وكانت رواية التشيكي “المنشق” ميلان كونديرا الذروة التي حركت “كفى!” الآراغونية التي تعني أكثر مما كان يمكن أن تعنيه أية صرخة أخرى. جملة من علامات عنيدة وكان ذا دلالة مضاعفة كونها ترافقت لدى صاحب قصيدة “الملصق الأحمر” التي كانت قد أضحت منذ كتابته لها تحية لـ”النضال الأممي ضد النازيين المحتلين فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية”، وتحديداً من خلال الحديث عن الأرمني ميساك مانوشيان ورفاقه من الأجانب المقاومين في فرنسا وإعدام زبانية هتلر لهم، ترافقت مع بداية أسئلة عميقة راح آراغون يطرحها على نفسه حول ستالينيته هو نفسه وما إلى ذلك من أسئلة كانت فنية بدورها طرحها من خلال كتابته الثورية عن… فيلم جان لوك غودار “بيارو المجنون” على الصفحة الأولى من مجلته “الآداب الفرنسية” مقالاً اعتبر ثورة آراغونية حقيقية توقع له كثر أن تمهد لانقلاب أساسي في سياساته، لكنها لم تفعل بل اكتفي باعتبارها “نزوة غضب عبر بها الشاعر الكبير عن خيبات أمله”. غير أن الانقلاب سيأتي من خلال تبنيه التام بعد ذلك لرواية أتت من بلد بعيد هو تشيكوسلوفاكيا اعتبرها كثر على خطاه علامة أساسية على رغبة إبداعية عارمة في… التخلص من تلك الستالينية القاتلة لأحلامهم التغييرية في مسار العالم. ونتحدث هنا عن رواية “المزحة” لميلان كونديرا الذي كان آراغون أول وأقسى من تحدث عن “انشقاقه” فيها ونصح الناشر الفرنسي غاليمار بترجمتها إلى الفرنسية ونشرها على نطاق واسع، بل تشجيع اللغات الأوروبية وغير الأوروبية الأخرى على ترجمتها ونشرها. ولقد وصل آراغون حينها إلى حد كتابة مقدمة للترجمة الفرنسية، ستشتهر لاحقاً وتنال إجماعاً ممهدة لاتخاذ آراغون من بعدها مواقف عديدة تجعل منه بدوره منشقاً على طريقته. لويس آراغون (1897 – 1982) (غيتي) كونديرا يمحي المقدمة والحقيقة أن تلك المقدمة باتت في حينه شهيرة شهرة الرواية نفسها. لكن المشكلة أنه بعد المواقف العديدة المحبذة لها والتي اعتبرتها ثورة ليس فقط في ثقافات “المعسكر الاشتراكي” بل ثورة داخل الحزب الشيوعي الفرنسي نفسه، إذ كان هناك كثر من مثقفين وحتى رسميين شيوعيين أيدوا المقدمة حتى وإن كانوا تحفظوا على الرواية نفسها، فإن الطعنة الأكثر إيلاماً التي وجهت إلى آراغون ومقدمته إنما أتت من… كونديرا نفسه! وحتى لئن كانت الطعنة غير موجهة إلى آراغون مباشرة، فإنها كانت تعنيه بشكل موارب على أية حال. والحكاية أن أعمالاً روائية وغير روائية كثيرة لكونديرا راحت قبل ذلك، تصدر تباعاً في فرنسا وفي غيرها وصولاً على أية حال إلى العام الذي تمكن فيه كونديرا من مبارحة براغ مع امرأته فيرا وأيضاً هنا بتشجيع من آراغون ومن الناشر غاليمار الذي تولى هو نشر كل أعمال كونديرا المتتالية في فرنسا في انطلاقتها إلى العالم حيث راح الناس جميعاً ينتظرون فوز الكاتب بجائزة نوبل الأدبية عاماً بعد عام، إذ كان كونديرا في كل تلك الأعوام مرشحاً طبيعياً رئيسياً للفوز لكنه سيموت في العام الماضي من دون أن ينال تلك الجائزة. لكن أموراً كثيرة سوف تحدث منذ ذلك الحين في سياسات العالم وحركة التاريخ وحياة الكاتب الشخصية وصوله إلى نيل الجنسية الفرنسية وتعمقه في اللغة الفرنسية التي كان مثل معظم المثقفين الأوروبيين يعرفها بشكل لا بأس به، منذ دراسته الابتدائية. إعادة نظر غير أن معرفة كونديرا القديمة بها لم تكفه لأكثر من قراءة ترجمتها بالفرنسية. لكنه بعد سنوات من إقامته في فرنسا وتحوله مواطناً فرنسياً وفي وقت بات فيه متمكناً من لغة موليير، أعاد قراءة رواياته في هذه اللغة، فاكتشف غاضباً أن تلك الترجمات لا تفي روايته حقها. فكانت النتيجة أنه انكب مع مترجمين جدد وبتدخل مباشر منه، إلى إعادة النظر في كل ما صدر من أعماله بالفرنسية. وكان ذلك طبيعياً بخاصة أن الترجمات الجديدة كشفت عما لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية في الترجمات القديمة: حسّ السخرية والتهكم والعبثية. وهو أمر كان من الصعب على المترجمين الأول اكتشافه ولا سيما على ضوء ما سيسميه كونديرا بنفسه “التسييس المفرط الذي طاول تلقي أعمالي ومساري الحياتي نفسه منذ غادرت براغ لأعيش في الغرب”. ولا شك أن كونديرا كان يشير هنا وإن يكن بقدر كبير من التهذيب والاحترام، أول ما يشير إلى المقدمة التي كتبها آراغون لروايته الأولى “المزحة” التي كان الشاعر الفرنسي أول من قرأها وهي بعد مخطوطة، ما يعني بشكل أو بآخر أن آراغون في كتابته تلك المقدمة كان أول من وجه القراء اللاحقين للرواية، ومن ثم لأدب كونديرا بأسره ناحية اعتباره “كاتباً منشقاً”. وهو أمر لم يكن الكاتب التشيكي موافقاً عليه حتى وإن اعتبر نفسه كاتباً منفياً. وكانت نتيجة ذلك سحب المقدمة من الترجمة الفرنسية وإحالتها إلى التقاعد! ما عنى أن الطعنة أتت آراغون من حيث لم يكن يتوقع وفي خاتمة حياته إذ إنه سيرحل عن عالمنا بعد شهور من صدور الترجمة الجديدة وفي حقبة أخيرة من حياته كان يرى فيها أنه كان من أكثر أبناء جيله بالنسبة إلى إيصاله “ثورته على ماضيه” إلى مستوى لم يكن هو نفسه يتوقعه. تصفية حساب مهما يكن لا بد من الإشارة هنا إلى أن كونديرا الذي أمضى العقود الأخيرة من حياته في الغرب وهو يدافع عن كون أدبه لم يكن بأية حال أدباً منشقاً بل كان أدباً خالصاً يشتغل “بكل صدق وإخلاص” ضد تلك الأدلجة المفرطة للإبداع الأدبي والسينما. ومن هنا كان استياؤه، المتأخر على أية حال، من ممارسي تلك الأدلجة. لا سيما من آراغون الذي إذ نقرأ اليوم في الحقيقة تلك المقدمة التي كتبها سندرك فوراً أنها لم تكن تقديماً لأدب صاحب “المزحة”، بقدر ما كانت نوعاً من تصفية حساب قام به على الضد من خصومه الداخليين وربما كنوع من قطع العلاقة بينه وبين ماضيه نفسه. فإذا كان ثمة في نصه ما يدنو مباشرة من أدب كوندريرا فإنما كان ذلك من خلال ما يبدو في كلامه نوعاً من النعي لتلك المرحلة من مسار التاريخ الاشتراكي الحديث لتشيكوسلوفاكيا، المرحلة التي سبقت الغزو السوفياتي – وغزو قوات وارصو “الشقيقة” أكسسواريا – لذلك الجزء من المعسكر الاشتراكي الذي كان جل ما يتطلع إليه تحقيق نوع من الاشتراكية ذات الوجه الإنساني بحسب تعبير كثر ممن كانوا لا يزالون يحلمون، لكن القوات الغازية أجهضت حلمهم! المزيد عن: ميلان كونديرالوي أراغونربيع براغالثورة البلشفيةجان لوك غودار 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post شكوك سعودية نحو رفسنجاني صدقتها الأيام next post قطعت خلية “البيتلز الإرهابية” رأس ابنها: قصة حقيقية لمأساة أم You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024