لماذا دفن الأغا خان في مدينة أسوان المصرية؟

تربط عائلته بمصر علاقة روحانية وثقافية تعود جذورها إلى الدولة الفاطمية

اندبندنت عربية / ظفر سيد

توفي الإمام الـ49 للطائفة الإسماعيلية الأمير كريم الحسيني أغا خان الرابع في الرابع من فبراير (شباط) الجاري عن عمر يناهز 89 سنة، وأقيمت صلاة الجنازة عليه في المركز الإسماعيلي بالعاصمة البرتغالية لشبونة التي حضرها الرئيس ريبيلو دي سوزا ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إلى جانب أفراد الأسرة وزعماء الطائفة الإسماعيلية وكبار الشخصيات الدولية، ليدفن بعد ذلك في مراسم خاصة بمدينة أسوان في مصر في التاسع من فبراير الجاري.

وتحمل أسوان المصرية أهمية تاريخية وثقافية وروحية عميقة للطائفة الإسماعيلية لذا اختيرت لتكون المرقد الأخير لزعميهم الروحي الذي كان يحمل جنسيات عدة ولديه أتباع وممتلكات في شتى بقاع الأرض، ويعكس هذا الاختيار ارتباط الأغا خان الشخصي العميق بالمدينة، وتكفي حادثة شخصية واحدة مثيرة للاهتمام لإلقاء الضوء على هذا الارتباط.

يذكر موقع “Memphis Tours” أن أغا خان الرابع أصيب ذات مرة بشلل في ساقيه، وكان بإمكانه أن يتلقى أعلى مستوى من الرعاية الطبية في أي مكان في العالم، لكن الأطباء نصحوه بقضاء بعض الوقت في أسوان، حيث ساعدته بيئة المدينة والرعاية التي تلقاها هناك على التعافي، وربما كان هذا هو سبب ارتباطه الخاص بالمدينة.

وامتدت علاقة الزعيم الروحي بأسوان إلى مصر وجميع أنحاء شرق أفريقيا، حيث عمل على تعزيز العلاقات الإيجابية بين مختلف الأعراق والأمم، كما أسس هناك صحيفة “East African” التي لعبت دوراً مهماً في مجال الإعلام والتنمية في المنطقة.

والأهم من ذلك كله أن اختيار أسوان يعكس الحفاظ على التقاليد العائلية، إذ يقع مرقد جد الأغا خان الرابع سلطان محمد ساه وسلفه في زعامة الطائفة الإسماعيلية أيضاً في أسوان، بل إن الأغا خان دفن في قبر جده إلى حين تكملة بناء ضريح منفصل له على الأراضي المجاورة ليدفن جثمانه هناك بعد ذلك.

ضريح الأغا خان الثالث الذي يعد معلماً ثقافياً ودينياً للطائفة الإسماعيلية (اندبندنت أوردو)

ويعد هذا الضريح المبني على الطراز الفاطمي من الحجر الجيري الوردي والقبور ذات الرخام اللامعة الذي دفن فيه الأغا خان الثالث والرابع دليلاً على العلاقة الوطيدة بين الإسماعيليين وأسوان.

وكان الأغا خان الجد يقضي عطلة الشتاء في أسوان، وأسهمت شبكة أغا خان للتنمية في مختلف المشاريع الخاصة بتحسين حياة السكان وتنمية المدينة. ويظل ضريح الإمام الـ49 للطائفة الإسماعيلية النزارية معلماً ثقافياً ومكاناً يحج إليه أفراد الطائفة ويوضع الورد الأحمر على قبره اتباعاً للتقليد الذي أقامته زوجته السيدة أم حبيبة الأغا خان.

الإسماعيلية ومصر… تاريخ قديم

تعود علاقة الطائفة الإسماعيلية بمصر إلى الدولة الفاطمية ولها جذور تاريخية عميقة، إذ كانت عائلة الفاطميين التي حكمت أجزاءً كبيرةً من شمال أفريقيا والشرق الأوسط فيما بين القرنين الـ10 والـ12 الميلاديين، تنتمي إلى الطائفة الإسماعيلية.

وتأسست عاصمة مصر الحالية القاهرة عام 969 ميلادية في الحكم الفاطمي ولها أهمية تاريخية وروحانية، كما أنشا الفاطميون مؤسسات تعليمية رائدة مثل الجامع الأزهر العريق عام 970 ميلادية وتخصص ابتداءً في العلوم الدينية، ثم أقيمت الكليات الأخرى فيها بعد ذلك.

ولعب الجامع الأزهر دوراً مهماً في تعزيز الفكر والثقافة الإسلامية وارتبط به علماء كبار، كما قام الفاطميون أيضاً ببناء عديد من المساجد في مصر، وكثير منها لا يزال قائماً حتى يومنا هذا.

ومن المثير للاهتمام وما يعكس ارتباط الأغا خان بمصر أن الأغا خان الثالث كان مرشحاً لحكم مصر لفترة وجيزة عام 1914، ووفقاً لبعض المصادر التاريخية فإن البريطانيين تدخلوا في اللحظات الأخيرة لمنع الأغا خان من الوصول إلى الحكم. ولم يقتصر ارتباط العائلة بالسياسة على هذا الترشح، إذ لعب الأغا خان دوراً أساساً في تأسيس حزب الرابطة الإسلامية عام 1906 ويعترف رسمياً بجهوده في استقلال باكستان.

وأوصى الأغا خان الثالث في الـ11 من يوليو (تموز) 1957 بعدما قضى أكثر من سبعة عقود في زعامة الطائفة الإسماعيلية بأن حفيده الأمير كريم سيكون خليفته بدلاً من ابنه، وبعثت الملكة إليزابيث الثانية برسالة داعمة إلى الأغا خان الحفيد عند وفاة جده اعترافاً بخدماته.

ويتوقع أن الأغا خان الجديد الإمام الـ50 للطائفة الإسماعيلية الأمير رحيم الحسيني أغا خان سيواصل إرث والده في العمل الخيري والقيادة، وسيقود المجتمع الإسماعيلي إلى المستقبل.

أسوان وريثة الحضارة المصرية

تقع مدينة أسوان على نهر النيل على الحدود الجنوبية لمصر القديمة، ولها أهمية تجارية، إذ تمثل بوابة مصر للقارة الأفريقية، بل إن اسم المدينة نفسه يأتي من الكلمة المصرية القديمة “سوين” التي تعني السوق أو الساحة، مما يشير إلى الأهمية التجارية للمدينة.

إنزال العلم في مقر مؤسسة الأغا خان بلشبونة بعد وفاة الأمير كريم (اندبندنت أوردو)

ووفقاً للموسوعة البريطانية فإن أسوان كانت المصدر الرئيس للغرانيت الذي كان يستخدم في التماثيل والبنايات في عهد الفراعنة، كما وفرت مناجمها الحجر لعديد من المعالم الأثرية الشهيرة في مصر، وتضم المدينة عديداً من المواقع الأثرية بما في ذلك معبد إيزيس في فيلة ومتحف النوبة التي تعكس تاريخ المدينة العريق وأهميتها كملتقى للحضارات.

واختيرت أسوان مدينة مبدعة للحرف والفنون الشعبية من قبل منظمة “يونيسكو”، مما يسلط الضوء على التزامها الحفاظ على الثقافة وتنميتها، كما تتمتع مصر بحد ذاتها بأهمية تاريخية وثقافية كبيرة، وهي واحدة من أقدم الحضارات في العالم وأكثرها، وتشتهر بهندستها المعمارية وممارساتها الزراعية المتقدمة ومعتقداتها الدينية المعقدة، ولا تزال الأهرام والمعابد والمقابر في مصر القديمة التي تثير إعجاب الناس شاهداً على عظمة الحضارة المصرية.

ولا تقتصر مساهمات هذه الحضارة في الجانب المعماري، بل قدم المصريون القدماء مساهمات كبيرة في الرياضيات والطب والري والزراعة تاركين وراءهم إرثاً يفتخر المصريون اليوم به.

ويعد قرار الأغا خان الرابع بالدفن في أسوان دليلاً على العلاقات العميقة والمتعددة الأوجه بين الطائفة الإسماعيلية وأسوان التي تتمتع بمكانة تاريخية وثقافية في تاريخ الإمامة الإسماعيلية، ويعد دفن الأغا خان الرابع في أسوان بمثابة تذكير بهذا الإرث القديم ومكانة المجتمع الإسماعيلي فيه.

نقلاً عن اندبندنت أوردو

المزيد عن: مصرأسوانالطائفة الإسماعيليةأغا خانكريم الحسيني