كان دي بالما مخرجاً بطيئاً ومدققاً للغاية لدرجة أن المشروع تجاوز الجدول الزمني والموازنة المخصصين له (رويترز) ثقافة و فنون كيف حقق فيلم “وجه الندبة” نجاحاً شعبياً لاحقاً رغم طابعه العنيف؟ by admin 3 أكتوبر، 2023 written by admin 3 أكتوبر، 2023 80 لم يحظ الفيلم بأي قدر من النجاح عند إصداره، لكن بعد مرور 40 عاماً لا تزال ملحمة العصابات شديدة العنف للمخرج برايان دي بالما من كلاسيكيات السينما. نتذكر كيف كانت الفوضى أمام الكاميرا تعادل تماماً الجنون الدائر في الكواليس اندبندنت عربية \ جيفري ماكناب كان برايان دي بالما يعرف كيف يروج لبضاعته، ففي عام 1993 استعرض المخرج بحماسة لمجلة “إسكواير” الأسباب التي ستجعل فيلمه الجديد آنذاك “وجه الندبة” Scarface برأيه المعلن، أعظم فيلم ينتج خلال 10 أعوام: “الكوبيون! الكوكايين! آل باتشينو! الرشاشات! الفتيات! واو”. من المشكوك فيه أن المخرج صدق بالفعل تأكيداته الخاصة. اشتهر الفيلم، الذي سيعاد إصداره في ديسمبر (كانون الأول) المقبل احتفاء بالذكرى الـ 40 لإطلاقه، بالاضطرابات التي رافقت عملية إنتاجه التي شملت مجموعة من الشخصيات ذات الأمزجة النارية، كما أن إصداره النهائي كان مضطرباً بالقدر نفسه، إذ أحاطت به المراجعات الخلافية وتهديده بوصمه بتصنيف رقابي يجعله غير مناسب لعامة الجمهور، وعلى رغم كل هذا دخل “وجه الندبة” منذ زمن طويل في فئة أفلام العصابات في هوليوود. لعل أعظم شهادة على الدراما التي شهدتها كواليس الفيلم هي اقتراب كاتبه المتمرد أوليفر ستون من الموت عندما كاد أن يقتل على أيدي تجار المخدرات في جزر البهاما، إذ كان يقيم لإكمال البحث اللازم من أجل السيناريو، وكما كتب ستون في سيرته الذاتية الأخيرة التي تحمل عنوان “ملاحقة الضوء”، فإنه كان مثل بطل الفيلم يتعاطى الكوكايين بكثافة في ذلك الوقت، وبعد زلة لسان تجاه ندمائه الكولومبيين توصل إلى قناعة بأنه وزوجته سيتعرضان لإطلاق النار وسيتم إلقاء جثتيهما “في مستنقع ما لتلتهمهما السرطانات”. أثبت السيناريو النهائي لـ “وجه الندبة” أنه كان شديد العنف بالنسبة إلى البعض، إذ تخلى المخرج الأصلي للفيلم سيدني لوميت (صاحب فيلم “عصر يوم قائظ” Dog Day Afternoon) عن المشروع لاعتباره رؤية ستون استغلالية، وبمجرد بدء التصوير قامت الجالية الكوبية في ميامي بطرد الإنتاج خارج المدينة زاعمة أن العمل يضر بصورتها، ووصل بعضهم حد نشر شائعة غريبة مفادها أن فيدل كاسترو كان يمول الفيلم، وكانت هناك مشكلات أخرى في موقع التصوير الذي سرعان ما طرد منه ستون بسبب إسرافه في الكلام مع الممثلين. نجم العمل آل باتشينو الذي لعب دور البطل الكوبي الذي لا يتمتع بالصفات التقليدية للأبطال توني مونتانا، تسبب في إتلاف تجاويف أنفه بتناوله كميات كبيرة من الكوكايين المزيف، وقال في وقت لاحق “لا أعرف ماذا حدث لأنفي لكنه تغير”. عندما تم طرح “وجه الندبة” للمشاهدة الجماهيرية أخيراً كانت الآراء حوله منقسمة بصورة حادة، وشن بعض المراجعين هجوماً لاذعاً عليه، ورفضت الناقدة المؤثرة في مجلة “نيويوركر” بولين كايل الفيلم ووصفته بأنه “ميلودراما شعائرية فظة”، وتبرمت من أداء باتشينو الذي أظهر “نجماً يتمتع بخيال معطل على ما يبدو”. قارن آخرون الفيلم بصورة غير ملائم بالمعالجة السينمائية السابقة التي قدمها هوارد هوكس للرواية نفسها، النسخة الصادرة عام 1932 وتدور أحداثها في شيكاغو وكانت من بطولة بول موني في دور توني كامونتيه، المهاجر الإيطالي الشبيه بآل كابونيه الذي تحول إلى زعيم عصابة مجرمة، كما أن المراجعين لم يكترثوا لتفسير دي بالما المبهرج للعمل. كانت هناك مبالغة في حيوية الإضاءة مقارنة بالأشياء الفظيعة التي تحدث على الشاشة، وكانت الإضاءة في أفلام “العراب” Godfather لفرانسيس فورد كوبولا داكنة والألوان كئيبة بصورة مناسب، لكن “وجه الندبة” كان مبهراً إلى أقصى الحدود وتم تصويره بألوان زاهية، وكان أبطاله يرتدون بدلات بيضاء ومجوهرات ويفتحون أزرار قمصانهم المزركشة كتلك التي يرتديها السياح في هاواي. إحدى قواعد أفلام العصابات هي أن البطل غير التقليدي يجب أن يواجه نهاية سيئة، لكن توني في النسخة التي لعب بطولتها موني يموت مرعوباً ومذهولاً “مثل فأر شاحب” بينما كان يتضرع “لا تطلقوا النار، لا تطلقوا النار” لرجال الشرطة الذين قتلوا بالفعل أخته الحبيبة برصاصة طائشة. في نسخة باتشينو يموت توني بعد شنه هجوماً شرساً على أعدائه، ويعد مشهد موته أحد المشاهد الأكثر أوبرالية وإثارة في تاريخ السينما، وهو مشهد إطلاق نار يواجه فيه جيشاً من القتلة البوليفيين الذين غزوا قصره المغطى بالسجاد الأحمر بسلالمه القوطية العريضة، وتكون نهاية باتشينو محاطة بوهج المجد، ويواصل إطلاق الرصاص والصراخ بألفاظ بذيئة (“أنت بحاجة إلى جيش لعين إذا كنت تريد القضاء عليّ”) قبل أن ينهار ويغوص رأسه أولاً في حوض السباحة الخاص به. “وجه الندبة” عمل مخادع، يبدأ الفيلم بأسلوب جريء بلقطات إخبارية تظهر لاجئين كوبيين على متن قوارب مكتظة متجهين إلى الولايات المتحدة، ويقال للجمهور إنه “من بين 125 ألف لاجئ وصلوا إلى فلوريدا هناك ما يقدر بنحو 25 ألفاً لديهم سجلات جنائية”، ولقد أفرغ كاسترو سجونه للتو، ومن بين “الحثالة” التي نفاها إلى الولايات المتحدة كان توني وصديقه المقرب ماني ريبيرا (يؤديه ستيفن بور). في مشاهده الأولى يبدو “وجه الندبة” وكأنه فيلم قد يخرجه سيدني لوميت، دراما واقعية اجتماعية عن الهجرة وفساد الشرطة والدمار الذي أحدثته حرب المخدرات، وعلى كل حال سرعان ما تتحول تلك الأجواء إلى عنف مكثف يتم تصوير أحداثه ببهجة وزهو عصر الديسكو. من جانبها أصيبت أجهزة الرقابة الأميركية ممثلة في جمعية السينما الأميركية بالفزع بسبب مشهد باكر يقوم فيه رجل العصابات الكولومبي هيكتور الضفدع (آل إسرائيل) بقطع ذراع إنجل، صديق توني، بالمنشار، وعلى رغم أن المشاهد لا يرى أبداً عملية البتر الفعلية في المشهد إلا أن الإيحاء الناجم عن تناثر الدم على توني كان واضحاً. ولم يكن الرقباء أيضاً معجبين بوابل الشتائم الذي يتلفظ به باتشينو، واضطر المنتج مارتن بريغمان إلى بذل جهد كبير وسريع من أجل إزالة التصنيف الرقابي “إكس” X الذي كان مخصصاً بصورة عامة للأفلام الإباحية. كانت مبيعات التذاكر متواضعة وبالكاد تمكن “وجه الندبة” من تحقيق أرباح (جاء في المركز الـ 40 في شباك التذاكر الأميركي ذلك العام وكسب في النهاية 45 مليون دولار)، لكنه لم يكن فيلماً رائجاً. كان دي بالما مخرجاً بطيئاً ومدققاً للغاية لدرجة أن المشروع تجاوز الجدول الزمني والموازنة المخصصين له، ووفقاً لستون فقد كان المخرج محبطاً للغاية من عملية صناعة “وجه الندبة” لدرجة أنه لم يحضر حفل انتهاء العمل وهرب من المدينة على متن أول طائرة متوافرة، ويعتقد أنه أخبر الكاتب وهو يغادر المكان: “هل تظن أنني أريد أن أكون بين هؤلاء الناس ليوم آخر؟ أنا خارج من هنا”. بعد مرور 40 عاماً يظل “وجه الندبة” أحد أكثر الأفلام المؤثرة في عصره، وبصورة واضحة تدين مسلسلات تليفزيونية من “رذيلة ميامي” Miami Vice إلى “ناركوس” Narcos له بالفضل، كما هو الحال مع عدد لا يحصى من أفلام العصابات الأخرى التي تدور قصصها حول المخدرات وليضرب النقاد الأوائل رؤوسهم بالحائط، إذ يكاد يكون من المؤكد أن توني مونتانا هو أكثر أداء يحتفى به لآل باتشينو، إذ يتم رسم افتتان الممثل بالشخصيات الشريرة في أعمال شكسبير بإتقان، وقد قدم لاحقاً فيلماً عن هوسه بشخصية ريتشارد الثالث (“البحث عن ريتشارد” Looking for Richard الصادر عام 1996). على سبيل المثال، في لحظات معينة في “وجه الندبة” عندما يواجه معلمه الخائن والفاسد فرانك لوبيز (روبرت لوجا) والشرطي المحتال (يؤديه هاريس يولين)، يتصرف كما لو كان على خشبة مسرح “أولد فيك” التاريخي في لندن يقدم مسرحية تراجيديا غارقة في الدماء، فقد كان أداؤه مسرحياً مبالغاً فيه لكنه رائع. وربما لم يحصل “وجه الندبة” على أي ترشيح لجوائز الـ “أوسكار” لكنه الآن يتمتع بالمرتبة الـ 10 في قائمة معهد الفيلم الأميركي لأفضل 10 أفلام عصابات على الإطلاق. إذاً كان هناك انقلاب في المواقف تجاه الفيلم الذي تم التعامل معه في البداية بمثل هذا الازدراء، ومن المؤكد أن تمتع ملحمة العصابات التي لعبها باتشينو بحياة جديدة هائلة بعد أن احتضنها مغنو الراب وفنانو الـ “هيب هوب” كان أمراً جيداً. قال دي بالما عام 2015 “نظراً إلى أنني لست من أشد المعجبين بموسيقى الـ’هيب هوب‘ فلم أكن أعرف شيئاً عنها حتى أخبرني الناس عنها ببساطة، وتواصلت معي شركة ’يونيفرسال‘ وسألتني عما إذا كنت سأوافق على أن تكون الموسيقى التصويرية للفيلم من نوع الـ’هيب هوب‘ فقلت حتماً: لا”. مع الموسيقى التصويرية أو من دونها، كان اهتمام صناعة الموسيقى ممتعاً ولعب دوراً رئيساً في تغيير المفاهيم حول الفيلم، وفي عام 2003 حققت تشكيلة أعمال في ألبوم يحوي موسيقى مستوحاة من “وجه الندبة” إلى جانب أغنيات لـ جاي زي وآيس كيوب وإن دبليو أيه مبيعات سريعة، كما أحب عشاق ألعاب الفيديو الفيلم أيضاً. الملصق الدعائي الذي لا ينسى لفيلم “وجه الندبة” أثناء الكشف عنه قبل إصداره عام 1983 (يونيفرسال بيكتشرز) لعبة فيديو الآكشن والمغامرات “وجه الندبة: العالم ملك لك” التي يأخذ فيها اللاعبون دور توني المتعطش للانتقام، باعت أكثر من مليوني نسخة منها، وهناك مفارقة واضحة هنا إذ يسخر سيناريو ستون من الثقافة الاستهلاكية والفساد والجشع في الولايات المتحدة بطريقة شريرة، ويظهر الفيلم توني وهو يعيش نسخته المشوهة والبشعة من الحلم الأميركي، فهو اللاجئ الكوبي الذي يصل إلى فلوريدا معدماً، ويغسل الأطباق لتغطية نفقاته قبل أن يشق طريقه إلى القمة بالسرقة والصفقات غير المشروعة ناهيك عن القتل، وفي نهاية المطاف يمتلك السيارات وقصراً ويظفر بزوجة كانت حلماً بالنسبة إليه وهي إلفيرا (ميشيل فايفر في أحد أدوارها الرائعة)، ومع ذلك فهو أكثر بؤساً وتعاسة مما كان عليه في البداية. إحدى أفكاره التي تشكلت لما صار أكثر إدراكاً هي “هل تعرف ما هي الرأسمالية؟ أن تصاب باللعنة”، وقد تجاهل جمهور ألعاب الفيديو وفنانو الـ “هيب هوب” هذه الرسالة المزعجة إلى حد ما، واختاروا بدلاً من ذلك التركيز على البهرجة والنوادي الليلية والأسلحة الرشاشة، ومما كان في مصلحة الفيلم أيضاً هو احتواؤه على ذلك الحوار الذي لا يُنسى، إذ يعلن توني في وقت باكر “أريد ما سيكون نصيبي”، فيُسأل “ما هو نصيبك؟”، ويجيب توني “العالم، شيكاغو، وكل ما فيها”. قبل ثلاثة أعوام أعلن المخرج الإيطالي لوكا غوادانيينو (مخرج فيلم “نادني باسمك”Call Me by Your Name) عن خطط لإخراج نسخة جديدة من “وجه الندبة” تدور أحداثها في لوس أنجليس وكتب السيناريو لها الأخان كوين، وربما بعد إمعان التفكير في الأمر اكتشف أن التراجع عن الخطة هو التصرف الحكيم، إذ إن فيلم دي بالما متطرف للغاية في أسلوبه وعنفه وغروره لدرجة أنه لن يكون بإمكان غوادانيينو التفوق عليه، وفي وثائقي صادر عام 2015 عن المخرج بعنوان “دي بالما” De Palma من إخراج نوا بومباخ وجيك بالترو، يتم عرض صورة فوتوغرافية لـ دي بالما مع صديقه ستيفن سبيلبرغ الذي زار موقع التصوير بينما كانا يصوران مشاهد المعركة النهائية في “وجه الندبة”، وكان باتشينو قد أحرق يده بعدما أمسك بماسورة البندقية شديدة السخونة واضطر إلى التوقف عن التصوير لمدة أسبوعين. أمضى دي بالما ذلك الوقت في تصوير خاتمة الفيلم، ويتذكر قائلاً “غني عن القول أنني أطلقت النار بكل الطرق التي يمكن أن يطلق أحدهم النار بها على غيره بينما كنت أنتظر عودة نجمي”. انضم سبيلبرغ إلى تنظيم المذبحة واقترح زوايا تصوير مختلفة وترتيبات متقنة للقضاء على القتلة البوليفيين، وفي ذلك الوقت كان دي بالما وسبيلبرغ رجلين ملتحيين في بداية منتصف العمر، لكن التعبير على وجهيهما في تلك الصورة هو تعبير طفلين صغيرين مبتهجين تمكنا من العبث بألعاب الجيران النارية كما يحلو لهما. الكوبيون! الكوكايين! آل باتشينو! الرشاشات! ربما كان هذا المزيج المثالي في النهاية. سيعاد إصدار فيلم “وجه الندبة” في دور السينما في الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. © The Independent المزيد عن: سكارفايسبرايان دو بالماآل باتشينوأفضل عشرة أفلامأفلام أجنبية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “روبنسون كروزو” وأعمال أخرى ولدت من رحمها تناست أصلها الأندلسي next post صداقة بيكاسو وغرترود ستاين أنجبت الحداثة اللاحقة You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024