عرب وعالمعربي كورونا: عن المُتاجرة بالرّعب وتصفية الحسابات السياسيّة… سيرك التلفزيونات شراكة كاملة في الجريمة by admin 6 مارس، 2020 written by admin 6 مارس، 2020 56 القدس العربي / ندى حطيط – إعلامية وكاتبة لبنانية – لندن “نجحت” التلفزيونات وبيوتات الإعلام الغربيّ الكبرى من خلال حملة متزامنة متشابكة في خلق مناخ رعبٍ معولم، وفقدان جماعيّ لليقين بشأن انتشار فيروس كوفيد-19 (الكورونا)، لا سيّما بعد إعلان منظمة الصحّة العالميّة حالة الطوارئ لمواجهته نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، ولحاق حكومات كثيرة بها في اتخاذ إجراءات استثنائيّة وعاجلة لمنع انتقاله وعزل المصابين به. تتناقل شاشات الإعلام الغربي والعربي تحديثات متلاحقة عن أعداد الحالات والوفيّات المصاحبة لها على نحو تسبب في انتشار الهلع بين الأهالي في غير ما بلد. فهل شرعت البشريّة بالفعل في عيش “ديستوبيا” النّهاية كما أجواء رواية ألبير كامو “الطاعون” الشهيرة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد موجة أخرى من أمراض مستحدثة، ما تلبث أن تخمد بأسرع مما بدأت (سارس – 2003، ايفيان – 2005، حمى الخنازير – 2009، حمى الوادي المتصدّع – 2012، إيبولا – 2014 وزيكا – 2016)؟ وهل الفيروس الجديد نتاج مآس بيئيّة معاصرة، وسوء إدارة مزمن في دول مارقة، أم سلاح بيولوجيّ توظّفه مختبرات دول كبرى متقدمة كسلاح في صراع الأمم؟ كل هذه الاحتمالات قائمة نظريّاً اليوم، وتحديداً بفضل التلفزيونات والمحطات الإخباريّة الغربيّة (وتابعاتها العربيّة دون شك) التي غلب خليط من الجهل والخداع والأدلجة طريقة تعاطيها مع الحدث، أفقد الجمهور ما كان قد تبقى له من الثقّة بما يقال على الهواء، ليبحث عن إجابات أقرب لخبرته الذاتيّة القاصرة في نظريّات المؤامرة، أو الحقد الطبقيّ، أو التنازع العنصري – العقائدي، أو حتى في الهوس الزائد، أو اليأس التّام. كورونا: ربع الحقيقة لا يكفي! تقول “نّيويورك تايمز” – الصحيفة الأهم في الولايات المتحدة – إن عدد المصابين بفيروس كورونا بلغ مع نهاية الشهر الماضي 84 ألفاً في 56 بلداً توفي منهم 2900 حالة. هذه الأرقام لو تركت وحدها فهي بالطبع مثار قلق. لكن المرء يمكنه أن يضع الأمور في إطار أفضل عندما يعلم أن 98 في المئة من هذه الحالات متركزة في منطقة محددة من الصين – أي أن أقل من 5000 حالة مؤكدة فقط امتدت إلى بقيّة العالم – بما فيها البؤر الصغيرة إيطاليا وإيران وكوريّا الجنوبيّة – وفيما يبدو مصر أيضاً – الأمر الذي يجعل احتمال الإصابة بالمرض في الدول الأخرى أقل بكثير من احتمال الموت اليومي، جراء حوادث السيّر أو حتى الإنفلونزا العاديّة. أمّا في الولايات المتحدة ذاتها، فإن عدد الإصابات بكورونا وصل – وفق “نيويورك تايمز” دائماً – نهاية فبراير/شباط إلى 64 حالة. هذا في الوقت الذي سجلت الأجهزة الأمريكيّة المختصة بالتعامل مع الأمراض الساريّة، حتى منتصف يناير/كانون الثاني الحالي 15 مليون إصابة بالإنفلونزا العاديّة، تسببت بدخول 140 ألفاً – من المقتدرين – إلى المستشفيات، فيما توفي 8200 شخص حتى الآن، ومع توقع الوصول في نهاية الموسم إلى رقم وفيات يتراوح بين 18000 و46000 ألفاً على أسوأ تقدير. هذه الإحصائيّات تشير بوضوح إلى أن كورونا مقتصر بشكل كبير على الصين، التي قدّمت – والحق يقال – نموذجاً فريداً في قدرة الدّولة الحديثة على وضع المرض تحت السيطرة، ومشاركتها المعطيات والاستنتاجات حوله مع الأمم الأخرى، رغم كل سوء النيّة المعلن تجاه الحكومة الصينية، والذي تحوّل شعبياً على مستوى الجهلاء إلى عنصريّة تجاه كل المنحدرين من شرق آسيا حتى لو كانوا ولدوا وعاشوا في الغرب، ولمّا تطأ أقدامهم الصين خلال حياتهم من قبل، فيما وصلت البلاهة في الحكومة الأستراليّة إلى إصدار تحذير صحيّ رسمي من أن الإثنية الصينية برمتها – وأغلبها إستراليو الجنسيّة أباً عن جد – تمثّل خطراً صحيّاً عبر نقل الفيروس اللعين إلى المواطنين الأستراليين (البيض البشرة). وتقول السّلطات الرسميّة في الصين، التي اختارت سياسة الشفافيّة في نشر التحديثات – وتهملها الأجهزة الإعلاميّة الغربيّة بلا مبرر – إن أكثر من 36 ألفاً من المصابين بكورونا قد تعافوا وعادوا إلى حياتهم العاديّة، فيما بدأ عدد الحالات الجديدة بالتناقص يومياً مقارنة بحالات الشفاء، وذلك منذ أكثر من أسبوع كامل مضى. موسم الحصاد: من سيربح المليارات؟ مما لا شكّ فيه أن فيروس كورونا أصاب الاقتصاد الصينيّ في انتكاسة هذا العام، عمّقها السلوك الغربيّ غير العقلاني تجاه مقاطعة الصين ومنع النقل الجوي من وإلى مطاراتها، والشروع في بناء خطط تزويد بديلة من أماكن أخرى عبر العالم. وهذه السياسة، المستندة إعلامياً لحملة التجهيل والمبالغة، تخدم بشكل مستفزّ مصالح الولايات المتحدة تحديداً التي ومنذ بداية القرن العشرين حوّلت الصين – إلى العدّو رقم واحد – بدلاً من المكانة التي شغلها الاتحاد السوفياتي لغاية انقراضه عام 1991 – بينما وحتى توفر دليلا قاطعا، فإن فرضيّة تورط مختبرات رسميّة أمريكيّة في تصنيع الفيروس لا يمكن استبعادها في أي حال ليس فقط لتاريخ الولايات المتحدة الطويل – والموثّق – في صناعة الحرب البيولوجيّة والجرثوميّة، بل وأيضاً لامتناعها – المستمر منذ 2001 – عن التوقيع على تعديلات المعاهدة الدوليّة للحرب البيولوجيّة، التي تفرض تفتيشاً دولياً على المواقع المشتبه بتصنيعها مواد قتل فيروسيّة أو جرثوميّة. وبينما سيتأثر المواطن العادي في أغلب دول العالم سلبياً في ما يتعلّق بنكسة الصين الاقتصادية الناتجة عن كورونا وسياسة الغرب تجاهها – وهو الذي سينعكس حتماً على تقلص المخزونات وانقطاع كثير من المواد الاستهلاكية والرأسماليّة وتضخمات في الأسعار وتآكل الدخول الفرديّة شبه المجمدة منذ الأزمة الماليّة العالميّة عام 2008 – فإن مصالح الأعمال الغربيّة تتحضر لموسم حصاد تاريخيّ. فشركات الأدوية الغربيّة الخمس الكبرى التي تتحكم في 85 في المئة من إنتاج “المطاعيم” العالمي شرعت – وبدعم حكوميّ من أموال دافعي الضرائب – في التّحضير لتصنيع سبعة مليارات جرعة بزيادة مليارين عن الطاقة القصوى العالميّة للإنتاج، التي يمكن أن تصل حالياً إلى 4.9 ملياراً فقط، وهو ما سيضمن موسمين متتاليين – على الأقل – من الأرباح الخياليّة تذكّر بموسم السارس عام 2003 حين أنتجت كميّة لقاحات تكفي البشرية بأجمعها بيعت بأعلى الأسعار قبل أن ينتهي معظمها إلى قمامات وزارات الصحّة حول العالم دون استعمال. هذا بالطبع ناهيك عن الانفجار في الطلب على جيل كامل من مواد التعقيم والتنظيف عبر الأسواق العالميّة والتي تتحكم بإنتاجها ذات الشركات المعولمة الكبرى. سيرك التّلفزيونات في خدمة المضاربات الماليّة تحولت التلفزيونات هذه الايّام إلى ما يشبه دخولاً مجانياً لغرفة الرّعب في مهرجانات السيرك المتنقلة يجبر المشاهد على العبور من خلاله قبل الاطلاع على الأحداث الأخرى في العالم. ويرى كثيرون في مناخ الخوف المعولم هذا تفسيرا لتراجع الأسواق العالميّة في أكثر من 15 في المئة خلال الشهر الماضي. لكن الخبراء في تقنيّات السوق الماليّة المعاصرة يعلمون أن تصحيح الأسعار ليس نتاج ذهنية القطيع لدى صغار المستثمرين، بقدر ما هو إعادة توزيع للثروة على حساب هؤلاء الأخيرين تحديدا، تقوده أجهزة كمبيوتر متقدّمة لدى المضاربين العالميين، ضمنت إلى الآن تبخّر 6 تريليونات دولار إنتقلت لأيدي الأثرياء الكبار، الذين يمكنهم الآن أيضا الاحتفاظ بالأسهم لبعض الوقت، وإعادة التربح منها في جولة جديدة فور انتهاء عاصفة الكورونا. العودة من الرّعب العابر إلى رعبنا الدائم لقد نجحت شاشات الإعلام الغربيّ وتابعاتها العربية في المهمة التي اختارتها لنفسها: تجهيل الأكثريّة لمصلحة الأقليّة. نجاح يرتقي، إلى مستوى الشراكة الكاملة في الجريمة، والاستقالة – النهائيّة هذه المرّة – من ثقة الجمهور، وقد لا يتبقى لنا – نحن المتلقون بلا حول ولا قوّة – سوى التأمل في نهاية عاجلة للكوفيد 19 ودفنه في مقابر العائلات الفيروسية، كي يتسنى لنا العودة للعيش مجدداً في لحاف الرّعب، الذي اعتدنا عليه مع الرأسماليّة الحبيبة: ظلّ الأسلحة النووية والكيميائيّة الفتاكة، ومآسي المناخ والبيئة المسرطنة. ما أحلى الرّجوع إليهما! 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الإنترنت والمهن الجديدة للمرأة في الجزائر: عندما تتغنى الهشاشة الاجتماعية بالحداثة next post مَن الفائزون والخاسرون من وقف إطلاق النار في إدلب؟ You may also like تقارير في تل أبيب: خطة جاهزة مع فريق... 17 نوفمبر، 2024 من مول استهداف ملحق سفارة أميركا لدى بيروت... 17 نوفمبر، 2024 كل الاسبوع: حربا غزة ولبنان في “قمة الرياض”... 17 نوفمبر، 2024 انتخابات بلدية “نادرة” في ليبيا منذ إطاحة القذافي 17 نوفمبر، 2024 هل تحاصر سوريا “حزب الله” والنفوذ الإيراني في... 16 نوفمبر، 2024 التهميش يدفع شباب “الفولان” الأفريقي إلى جماعات الإرهاب 16 نوفمبر، 2024 أميركا.. رسالة تطالب بالتحقيق في اتصالات إيلون ماسك... 16 نوفمبر، 2024 طيارون أميركيون يكشفون ما حدث ليلة هجوم إيران... 16 نوفمبر، 2024 بري لـ«الشرق الأوسط»: الورقة الأميركية لا تتضمن حرية... 16 نوفمبر، 2024 محكمة فرنسية تأمر بالإفراج عن الناشط اللبناني جورج... 16 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.