الروائي البريطاني الياباني الأصل كازوو إيشيغورو (صفحة الكاتب - فيسبوك) ثقافة و فنون كازوو إيشيغورو يروي تعقيدات الصداقة بين الإنسان والروبوت by admin 15 أغسطس، 2023 written by admin 15 أغسطس، 2023 85 “كلارا والشمس” تتخيل حدوث التقاطع بين الوجود البشري النقي والمعدل جينيا والذكاء الاصطناعي اندبندنت عربية \ لنا عبد الرحمن في أحدث أعماله الروائية “كلارا والشمس”، الصادرة عن المركز الثقافي العربي، بترجمة زياد حسون، يأخذ الكاتب البريطاني الياباني الأصل كازوو إيشيغورو (حائز نوبل) القراء في رحلة مستقبلية نحو الغد، وخلالها يتداخل الذكاء الاصطناعي مع العواطف البشرية. وبأسلوبه الفطن الشاعري، المرتكز إلى التأمل العميق والتساؤلات الوجودية، يطرح إيشيغورو أكثر الموضوعات إرباكاً للإنسان في المرحلة الراهنة: الوعي، الحب، الروح، وجوهر أن نكون بشراً، في عصر يتقدم فيه الذكاء الاصطناعي بقوة نحو الحياة الإنسانية. يصور إيشيغورو مجتمعاً يعتمد بشدة على التكنولوجيا المتقدمة لتلبية الحاجات الطبية والعاطفية على حد سواء. ووجهاً لوجه، يضع بطلته الإلكترونية كلارا مقابل رفيقتها البشرية جوسي، لتخوضا معاً مغامرة طويلة محفوفة بكل أنواع التساؤلات الوجودية لكلتيهما. تبدأ الرواية مع كلارا، التي يشغل اسمها العنوان، هي روبوت، تم تصميمها لتكون رفيقة للمراهقين، تستمد طاقتها من الشمس وتتمثل رغبتها القصوى في أن تختارها “الزبونة” المراهقة، لتبدأ مرحلة أخرى من وجودها خارج المتجر، كي تكون رفيقة مخلصة مدى الحياة لمراهق أو لمراهقة وتتعلم ما يفضله البشر. هكذا تنتقل كلارا لتقيم مع جوسي وتكون صديقتها المقربة، لكن حياة جوسي أيضاً تعج بالأحداث المؤلمة. لقد فقدت أختها بسبب المرض، وجوسي نفسها معدلة جينياً لتمتلك صفات معينة، لكنها مهددة بالموت، مما يجعل والدتها تحضر كلارا كي تحل في يوم ما مكان ابنتها، في حال موتها. الرواية بالترجمة العربية (المركز الثقافي العربي) تقول “جيلنا لا يزال يحمل المشاعر القديمة. جزء منا يرفض التخلي عن الماضي، هذا الجزء يريد الاستمرار في الاعتقاد أن هناك شيئاً ما، لا يمكن الوصول إليه داخل كل واحد منا. شيء فريد، لا يمكن نقله، لكن هذا غير حقيقي، لذا أعتقد أنني أكره كابالدي لأنني في أعماقي أشك في أنه قد يكون على حق، وأن ما يدعيه صحيح، وأن العلم قد أثبت الآن بلا شك أنه ليس هناك شيء فريد جداً في ابنتي، لا شيء يمكن أن تستخرجه أدواتنا الحديثة وتنسخه وتنقله”. حدود الوجود تطرح “كلارا والشمس” تساؤلات عميقة حول تعقيدات العلاقات البشرية المستقبلية وإمكانية حدوث التقاطع بين الوجود الإنساني النقي، والمعدل جينياً، والذكاء الاصطناعي. يستكشف إيشيغورو ببراعة فكرة مرعبة حول إمكانية تشكيل العواطف في الكائنات الاصطناعية. بطلته كلارا، تظهر قدرة مدهشة على الفهم والاستجابة للمشاعر البشرية، مما يفرض ظنوناً قلقة حول ما إذا كانت هذه الآلات، قادرة على تجربة الأحاسيس أم إنها تحاكيها فقط، مما يدفعنا نحو تأمل فلسفي في جوهر المشاعر الإنسانية، طبيعة تشكلها، واختلافاتها بحسب الزمان والمكان والمجتمع، بين الأمس واليوم، وبالتوازي مع تباين تعريفها وردود الفعل نحوها بين مجتمع وآخر. الرواية تستكشف طبيعة تطور العلاقات الإنسانية مع التكنولوجيا، في ظل حضور متقدم للذكاء الاصطناعي، يجعل البشر يشكلون اتصالات عميقة مع روبوتات نوعية مثل كلارا. وهذا يدفع إلى التساؤل حول تأثير التكنولوجيا على الروابط الاجتماعية، وما إذا كانت هذه التفاعلات قادرة حقاً على التخلي عن الرفقة البشرية، والاستعاضة عنها بالآلة. الرواية بالأصل الإنجليزي (أمازون) منح إيشيغورو كلارا دور الراوي، مما سمح بتقديم نظرة فريدة على ملاحظاتها وأفكارها وفهمها المتزايد للعالم. تقول “كانت هذه دروساً مفيدة بالنسبة إليَّ. لم أتعلم فقط أن التغييرات كانت جزءاً من طبيعة جوسي، وأنني يجب أن أكون مستعدة لاستيعابها، بل بدأت أفهم أيضاً أن هذه ليست سمة غريبة في جوسي فقط، بل إن الناس غالباً ما يشعرون بالحاجة إلى عرض جانب من أنفسهم أمام الآخرين، تماماً كما يحدث في نافذة المتجر، وأن يجب ألا يؤخذ هذا العرض على محمل الجد دائماً”. كلارا، تحمل في داخلها آلاف الأفكار، تصوغ أسئلة فلسفية حول الهوية والوجود، ليس فقط بالنسبة لها، وإنما أيضاً بالنسبة إلى البشر المعدلين مثل رفيقتها جوسي. السؤال الجوهري لكلتيهما هنا “ما معنى أن نكون بشراً؟”، من جانب كلارا، هي تنظر إلى حياة البشر، تراقب سلوكهم، وتتعلم كيف تستشعر مزاج الأشخاص وتعبر عن آرائها بعبارات وتصرفات ملموسة ومؤثرة. وبالنسبة إلى جوسي، ها هي تستعيض عن أختها الراحلة، وعن الصداقات الغائبة من عالمها، برفيقة إلكترونية ذكية، تمنحها الرفقة والإخلاص والأمان وتشاركها في تجاربها اليومية، هذا يجعل كلارا وجوسي تعيشان تجربة فريدة من نوعها في العلاقة المشتركة بين الإنسان والآلة. فهل يمكن التكنولوجيا أن تمتد لتغطية الفراغات الاجتماعية والعاطفية التي قد تظهر بين البشر؟ إن وجود جوسي كإنسان معدل جينياً يطرح مخاوف حول معنى الهوية البشرية. هل هو مجرد تراكم للجينات والخصائص الوراثية، أم أنه يتعدى ذلك إلى العواطف والروح؟ يتجلى هذا السؤال بشكل واضح في التفاعل بين جوسي وكلارا، بحيث تقدم كل واحدة منهما وجهة نظر مختلفة عن الأنا والوعي، والهوية الذاتية، هذا ما يتكشف أكثر مع مصير كلارا في نهاية الرواية. هل الآلة أكثر وفاءً من الإنسان؟ البشر هم من يؤذون بعضهم بعضاً، وفي الوقت عينه هم من يتحكمون بسلوك الآلات ومصيرها. فبعد أن تتعافى جوسي، وتنطلق لممارسة حياتها الطبيعية، والذهاب إلى الجامعة، ينتهي مصير كلارا بأن تعود إلى المخزن، بعيدة عن البشر، وعن النوافذ التي تستمد منها الطاقة عبر رؤيتها للشمس، فهل سبب هذا المصير ألماً لكلارا التي طورت وعيها ليوافق رفيقتها جوسي، التي تخلت عنها ورحلت؟ لنقرأ “لقد أحببنا أنا وجوسي بعضنا بعضاً حقاً، كانت هذه هي الحقيقة في ذلك الوقت، لكن الآن لم نعد أطفالاً، علينا أن نتمنى لنفسينا الأفضل وأن نسلك طرقاً مختلفة. لم يكن من الممكن أن ينجح الأمر وأبقى معها، أن أذهب إلى الكلية، وأحاول التنافس مع كل هؤلاء الأطفال الذين تم تربيتهم. سنظل دائماً معاً على بعض المستويات، حتى إذا غادرنا ولم نلتق بعد الآن، سنظل معاً ضمن المستوى الأعمق. لا أستطيع التحدث نيابة عنها، ولكن بمجرد أن أكون بعيدة، أعلم أنني سأستمر دائماً في البحث عن شخص مشابه لها. في الأقل شبيهة بجوسي التي عرفتها ذات مرة”. أسئلة أخلاقية إذاً ما معنى أن تكون إنساناً؟ هذا السؤال يحفز القارئ على إعادة تقييم تصوراته المسبقة عن الحياة والوعي والروح في عالمنا المعاصر، كما يصدمه برؤية جريئة حول مشكلات أخلاقية تتعلق بالذكاء الاصطناعي والهندسة الوراثية، مع تطور المجتمع وسعيه نحو الكمال مع أفراد مستقبليين معدلين جينياً كي يمتلكوا قدرات تتجاوز الإنسان الطبيعي. لا يمكن اعتبار “كلارا والشمس” مجرد عمل خيالي ديستوبي، يقدمه إيشيغورو بعد فوزه بـ”نوبل”، بل إنها رواية تعكس علاقتنا الخاصة مع التكنولوجيا. وتدعو القارئ إلى تفكيك حدود التفاعل بين الجهاز والإنسان، والأسئلة الأخلاقية التي تنشأ عندما تتطور التكنولوجيا إلى ما يتعدى فهمنا الحالي. تطرح الرواية أيضاً مناقشات في غاية الأهمية حول المسؤوليات الأخلاقية التي نتحملها عند تطوير التكنولوجيا التي قد تعيد بنية وجود الإنسان، إذ مع اقترابنا من عصر يصبح فيه الذكاء الاصطناعي متطوراً ومدمجاً في حياتنا، يقدم إيشيغورو قصة تحذيرية، تحثنا على مراعاة العواقب المحتملة للتقدم التكنولوجي على نسيج إنسانيتنا، من دون استثناء، فالعالم كله مهدد من شرقه إلى غربه. يمزج إيشيغورو في رواياته بين عناصر الخيال العلمي والرواية التاريخية والرواية الأدبية. تتناول رواياته غالباً موضوعات الذاكرة والهوية والزمن. وحصلت أعماله على عديد من الجوائز والإعجاب النقدي، وتم منحه جائزة نوبل في الأدب في عام 2017 تقديراً لإسهاماته المؤثرة بعمق في عالم الأدب. المزيد عن: روائي بريطانيروايةترجمةجائزة نوبلالذكاء الإصطناعيالروبوتالإنسانالصداقة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post السينما منحت أعمال العمراني الإسباني غاودي مجدا إضافيا next post فيتامين “ك” يساعد على تعزيز صحة الرئتين You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024