لوحة للرسام فؤاد حمدي (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون قضايا الحرية والهوية والاغتراب تشغل 5 مجموعات قصصية by admin 28 يناير، 2025 written by admin 28 يناير، 2025 31 ازدهار القصة القصيرة يدل على حاجة الكتاب إلى فسحة تعبيرية خارج الشعر والرواية اندبندنت عربية / لنا عبد الرحمن يعد فن القصة القصيرة أحد أبرز الأجناس السردية القادرة على اختزال العالم وتكثيفه في لحظات زمنية، إذ تكمن قوة هذا الفن في تمكن الكاتب من تجسيد رؤيته الإنسانية أو الاجتماعية أو السياسية في سياق زماني ومكاني ومرجعي محدد من دون أن يفقد العمق أو التأثير في تقديم مرآة عاكسة للواقع، تظهر من الأحداث والتفاصيل ما يبدو عابراً أو محجوباً لكنها تحمل في طياتها دلالات كونية، فمن خلال شخصية واحدة أو حدث عابر أو حوار مختصر يمكن للقصة أن تكشف عن تناقضات المجتمع أو تعري الألم الفردي و تضيء على قضايا إنسانية كبرى كالحرية والهوية والاغتراب، مما يخلق تجربة أدبية مكتملة في زمن قصير تترك للقارئ مساحة للتأويل والتفاعل، ولذا يمكن القول إن القصة هي فن اللحظة الخاطفة التي تخلد في الذاكرة، وفي الوقت ذاته تبقى القصة القصيرة فناً قريباً من الناس يعبر عن همومهم بلغة بسيطة من دون تكلف، ويجعلها جسراً بين الأدب الرفيع والواقع اليومي. ويمكن الوقوف على التنوع الحكائي والدلالات الفنية في خمس مجموعات قصصية بين يدي القراء، تتنافس للتتويج بجائزة “الملتقى”، وهي “كنڨاه” للكاتبة الكويتية نجمة إدريس، و”الجراح تدل علينا” للكاتب الفلسطيني زياد خداش، و”الإشارة الرابعة” للكاتب السعودي محمد الراشدي، و”حفيف صندل” للكاتب المصري أحمد الخميسي، و”روزنامة الأغبرة، أيام الأمل”، للكاتب السوري عبدالرحمن عفيف. آلام الحائكة مجوعة “كنفاه” (دار صوفيا) في المجموعة القصصية “كنڨاه ” للكاتبة الكويتية نجمة إدريس الصادرة عن دار صوفيا، تتناول الكاتبة حيوات شخصيات متنوعة تعيش صراعات نفسية واجتماعية داخل إطار المجتمع الكويتي، وتتنقل القصص بين الذاكرة والواقع مستكشفة علاقات الإنسان بذاته ومحيطه عبر أسلوب سردي يحتفي بالذاكرة والحنين، ويتقصى تلك الجراح الغائرة في الذات التي تعود لأيام الطفولة والصبا. في القصة الأولى التي حملت عنوان المجموعة تتحول إبرة الحياكة إلى رمز للهرب من قسوة الحياة، فالأم التي تنسج خيوطاً تشبه دماءها تخلق عالماً موازياً من القوارب الغارقة والطيور الهزيلة، بينما تحاول ابنتها الفكاك من هذا الإرث عبر الانغماس في حياة عادية، لكنها تكتشف أن الخيوط نفسها تتسلل إلى شرايينها فتصبح الحياكة لغة موروثة للتعامل مع الألم، لذا تتطلع البطلة بوعي إلى تجنيب بطلتها ميراث الألم. ولا يختلف الأمر في قصة “باباه” التي تكشف عن وجه آخر من أوجاع المجتمع عبر علاقة السيد المستبد بخادمه الوافد، حيث القسوة البشعة هي اللغة الوحيدة التي يعرفها السيد في التعامل مع كل من يراهم أدنى منه. وفي قصة “بطن الحوت” تنتقل الكاتبة إلى عالم الفن كملاذ من الألم الداخلي، وتحاول بطلة القصة، وهي أيقونة في عالم الفن التشكيلي، أن تعوض فشلها في إنقاذ ابنها “يونس” من اكتئابه عبر الإفراط في الرسم، لكن اللوحات تتحول إلى مرايا تعكس عجزها، فالحوت هنا ليس كائناً بحرياً بل استعارة تكشف العجز. أما في القصة الأخيرة “مجرد يوم عادي”، فتصور إدريس الشيخوخة كمرحلة من الاستسلام للزمن عبر رجل مقعد على كرسي متحرك ترعاه ابنته التي تحمل بدورها ذكريات عن طفولة مفككة، ولا تكتفي إدريس بسرد حكايات فردية بل تقدم نسيجاً من النقد الاجتماعي يعكس صوراً متشظية للإنسان الحديث، بين الحنين إلى الماضي والخوف من المستقبل، وبين الكثافة الظاهرة في الماديات والفراغ الباطني في الروح، وتستخدم الكاتبة لغة سردية حيوية دقيقة وشاعرية تحول التفاصيل اليومية، كخيوط الحياكة أو فضلات الدجاج، إلى استعارات بيّنة، كما لو أنها تعمد إلى تذكيرنا بأن الحضور الحقيقي للذات ليس في ما نحمله من أشياء بل في ما نخفيه من أوجاع. جراح تروي قصصاً مجموعة أخرى (منشورات المتوسط) تجسد المجموعة القصصية “الجراح تدل علينا” للكاتب الفلسطيني زياد خداش انعكاساً لآلام إنسانية فادحة تجمع بين اليأس والأمل والهشاشة والصلابة في سياق واقع فلسطيني مليء بالصراع. وقد صدرت المجموعة عن “منشورات المتوسط في إيطاليا 2023” وتضم 34 قصة قصيرة تتنقل بين الحكايات اليومية والذكريات الشخصية والرموز الساخرة، لتكشف عن طبقات من الوجود الإنساني المثقل بالأغلال والظلم تحت نير الاحتلال. يعيش خداش المولود في القدس عام 1964 والناشئ في مخيم الجلزون في رام الله واقعاً فلسطينياً يعج بالصراع والمفارقة والقلق، وتنعكس هذه الخلفية بوضوح في قصصه حيث تصور حياة المهمشين الذين يكافحون للبقاء في ظل الفقر والاحتلال، كما في قصة “لي صديق من العالم السفلي” و”كريم الروماني محمم الموتى”، ويتميز أسلوبه بلغة بسيطة لكنها محملة بالدلالات الفطنة والمفارقات اللاذعة يعتمد فيها على التفاصيل الصغيرة لرسم المشاعر الإنسانية، كما يستخدم السخرية السوداء كسلاح لمواجهة القمع، كما في قصة “إصبعا صالح المنتصبان”، إذ يصبح انتصاب إصبعي شخصية “صالح” رمزاً للمقاومة اليومية. وفي معظم قصص المجموعة يحضر الفن بالتوازي مع الواقع سواء عبر صوت البيانو، عبر الرسم والقصائد، عبر إشارات تنغزل في القصص لتؤكد بصورة جوهرية على “ضرورة الفن”، ليس كوسيلة للمقاومة فقط بل كطريق واحد للحياة. حفيف صندل مجموعة مصرية (دار كيان) تطل قصص “حفيف صندل” الصادرة عن دار كيان للكاتب أحمد الخميسي على قضايا وجودية واجتماعية، تتنقل بين التفاصيل اليومية البسيطة في الواقع المصري والهواجس النفسية المتعلقة بالزمن والحياة والموت، مع تركيز على التفاعل الإنساني وصراع الحرية. تبدأ قصة “حفيف صندل” بلقاء عابر بين الراوي ورجل فقير يرتدي صندلاً بالياً عند موقف سيارات، والتفاعل بينهما ينقل صورة حية للتفاوت الطبقي والتعاطف الإنساني، فالرجل النحيل بملابسه المهترئة وصندله المفتوح يرمز إلى الفقر المدقع، بينما الراوي الذي يقدم له النقود يجسد محاولة فردية لسد فجوة هذا التفاوت، لكن الخميسي لا يكتفي بذلك فالصورة الأخيرة للصندل المهترئ الذي “يحك بالأرض” تترك أثراً مريراً، مؤكدة أن العطاء المادي وحده لن يصلح شرخاً اجتماعياً عميقاً. وتدور أحداث قصة “هاربان” في مقر إحدى الصحف، إذ يدرك “خالد” و”أيمن” أنهما شخصيتان داخل قصة مكتوبة ويحاولان الهر ب من النص خوفاً من الرقابة والملاحقة، وهنا يقدم الخميسي نقداً لاذعاً حول قمع الحريات الفكرية، وعندما يحذف “أيمن” أوصافهما من القصة يصبح حينها الهرب ممكناً لكن الثمن هو فقدان الهوية، ويطل المشهد الأخير حين يطيران فوق المدينة ليعكس حنيناً إلى الحرية المطلقة، ويشير إلى هشاشة الفنان في مواجهة القمع. ويسيطر سؤال الزمن على مواضيع القصص على اختلافها إلا أنها تجمع صراع الإنسان مع العمر و القيود، سواء كانت فقراً مادياً أو قمعاً فكرياً أو وحدة عاطفية، فالخميسي يستخدم التفاصيل اليومية كنقطة انطلاق لاستكشاف أسئلة واقعية ونفسية واجتماعية، معتمداً على لغة تحتفي بالصور والرمزيات التي تطل على الأمس من منظور اللحظة الآنية التي يحضر فيها الأسى والاغتراب عن الواقع المرئي. عالم الإشارات مجموعة “الإشارة الرابعة” (نيل وفرات) في مجموعة “الإشارة الرابعة” يقدم محمد الراشدي عالماً سردياً يستمد رسوخه من تحويل التفاصيل الصغيرة التي قد تبدو عابرة في الحياة اليومية إلى نوافذ مفتوحة على أسئلة وجودية معقدة، وكل قصة هي مرآة تعكس تشظي الإنسان الحديث بين العزلة والاستغلال والعبثية والبحث الدائم عن معنى غائب. تبدأ الرحلة مع قصة “الرذاذ” إذ يحيل الراشدي ظاهرة تكاثف قطرات الندى على زجاج النافذة إلى استعارة مكثفة عن الوحدة، والشخصية الرئيسة التي لا نعرف اسمها تتحول مراقبتها اليومية لحركة الرذاذ إلى طقس وجودي في محاولة لفهم الذات من خلال تفاعلها مع عناصر الطبيعة، وكأن الكاتب يقول إن التواصل الإنساني محكوم بالفشل في عالم يفرض الاغتراب ويذيب المشاعر في صمت قاس. وهذا الصمت يتحول إلى صرخة صامتة في قصة “ملقط السكر” تتحول أداة بسيطة، كملقط السكر، إلى رمز للإنسان المزهو بنفسه والذي يستخدم ثم يرمى، وقد اعتمد الكاتب هنا على أنسنة الجماد الملقط يروي سيرته الذاتية بلسان تراجيدي، هو الواهن الذي يحمل أحلامهم إلى أقداح السكر. واللغة في القصة تكتسب طابعاً شعرياً، فحرق الملقط في النار “صرخت من شدة الألم” ليس حدثاً عابراً، بل كشفاً للمعاناة المخبئة في العلاقة مع الأشياء الحلوة التي تمثل الوهم الزائف للسعادة المادية. ومن الاستغلال المادي إلى الاستغلال المعنوي تأتي قصة “أصفاد” لترسم لوحة قاسية عن القيود التي تفرض على الإنسان منذ الولادة، أما القصة التي تعطي المجموعة عنوانها، “الإشارة الرابعة”، فهي ليست مجرد علامة مرور بل نقطة التحول التي يدرك فيها الإنسان أن سعيه نحو السعادة أشبه بمطاردة سراب. وما يميز نصوص الراشدي هو لغته التي تمتاز بالصور الشعرية الغنية والتركيبات اللغوية التي تعزز الدلالات الفنية كأن يقول “مدّوا بساط السهر”، “أضرموا الأغنيات”، مما يؤكد أن الأدب الجيد لا يحتاج إلى أحداث درامية صاخبة بل إلى عين قادرة على رؤية العالم من خلال قطرة ندى أو ملقط سكر أو إشارة مرور، وهنا يصير الأدب مرآة نرى فيها أنفسنا، ونحن نحاول عبثاً تنظيف زجاج النافذة التي تفصلنا عن العالم. أيام الأمل مجموعة قصصية سورية (دار رامينا) في كتاب “روزنامة الأغبرة، أيام الأمل” الصادرة عن دار رامينا، ينسج الكاتب السوري الكردي عبدالرحمن عفيف عالماً سردياً يعكس تناقضات الوجود الإنساني في بلدة حدودية قرب القامشلي، يمتزج فيها الغبار اليومي بشرارات الأمل الخافتة، وعبر قصص متنوعة يقدم الكاتب رؤية عميقة لما يعتمل في نفوس الشخصيات من أحلام معلقة وذكريات غائبة وصراعات مع واقع قاس، إذ يعمد الكاتب إلى تحويل التفاصيل الصغيرة إلى استعارات كبرى عن الحياة والإبداع والعلاقة مع الشعر والحياة. في القصة الأولى “ضحك الأرانب في أبراج الشعر” يقدم الكاتب شخصية الشاعر منير دباغ الذي يشكل رمزاً للمثقف الطموح المنفصل عن واقعه، ويصف عفيف لقاءات الشعراء في مقهى البلدة الذين يتناقشون حول شعر بودلير ورامبو، بينما يحاوطهم غبار الشوارع وضجيج الحياة اليومية، فيحلمون ويتطلعون للبعيد، لكن هنا يصبح “برج الشعر” استعارة للعزلة التي يفرضها الإبداع على صاحبه في مجافة للواقع الرتيب، بينما الأرانب البيضاء التي تظهر كضحكة حبيبة الشاعر تتحول إلى رمز لهشاشة الأحلام، فالشاعر الذي ينزل من برج الشعر إلى أرض الواقع يواجه بغبار يغطي أحلامه، لكنه يصر على العودة للبرج ويظل في مراوحة بين الحقيقة والمخيلة. وفي قصة “الفيض الأخير” يتحول نهر “الخنزير” الجاف إلى مسرح لاستعارة مأسوية عن فنانين شاخت أحلامهم، ويجلس الشعراء العجائز على ضفاف النهر ينتظرون “فيضان الإلهام”، كما ينتظرون فيضان النهر الذي يحدث مرة كل عقد وهم ينتظرون أيضاً عودة الروح للكتابة والإبداع، لكن قريحتهم نضبت مثل ماء النهر. لكن المفارقة تكمن في أن هؤلاء العجائز، على رغم عجزهم، يعلمون الأجيال الجديدة أن الأغاريد تتطاير على مدى النهارات وكأنهم يقولون “حتى لو فشلنا علينا أن نمرر شعلة الفن”، ولعل العنوان نفسه “روزنامة الأغبرة، أيام الأمل” يختزل قصص الكتاب، فالروزنامة تنظم الزمن بينما كلمة “الأغبرة”، وهي جمع للغبار، ترمز للفوضى والنسيان. يكتب عبدالرحمن عفيف عن الماضي وكأنه يرتب ذاكرة أراد من خلالها أن يشكل مادة حية تمنح ديمومة ووهجاً للحاضر، وفي كل قصة يعيد الكاتب تعريف الأمل ليس كحدث مستقبلي بل كغبار مضيء يلمع عندما ننظر إليه بعين تتأمل في الحياة، فالغبار على رغم ثقله يحمل في ذراته بصمات كل من مشوا على الأرض وكل من حلموا بأن تصير السماء أقرب. المزيد عن: قصص قصيرةفن السردالروايةالحريةالهوبةالاغترابقضايا راهنةالأدباءالتعبير 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ياباني يكتب رواية صينية معاصرة عن الذاكرة الثقافية next post جماليات التجريد الغنائي في لوحات جنان الخليل You may also like ظاهرة الزواج العصري المأزوم في مقاربة فلسفية 30 يناير، 2025 “موجز تاريخ الأدب البولندي” يرصد محطات الشيوعية وما... 30 يناير، 2025 فيلم “الخرطوم”: توثيق إرث ضائع وسط لهيب الحرب 30 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: أفاعي موقع مسافي في... 28 يناير، 2025 جماليات التجريد الغنائي في لوحات جنان الخليل 28 يناير، 2025 ياباني يكتب رواية صينية معاصرة عن الذاكرة الثقافية 28 يناير، 2025 مبادرات لدعم القارئ والناشر في معرض القاهرة للكتاب 28 يناير، 2025 هل يستحق “إميليا بيريز” 13 ترشيحا لـ”الأوسكار”؟ 28 يناير، 2025 المؤرخ الفرنسي هيرفي لو برا: لا يوجد عرق... 28 يناير، 2025 هل كان بلزاك نابوليونيا أم اكتفى بالإمبراطور كأدب؟ 28 يناير، 2025