لويس كارول (ويكيبيديا) ثقافة و فنون قصيدة لويس كارول التي تعلمنا كيف نهزم الأعداء by admin 24 سبتمبر، 2024 written by admin 24 سبتمبر، 2024 84 كيف أفلت صاحب “أليس في بلاد العجائب” من استحواذ السورياليين والعبثيين عليه؟ اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هل يعرف كثر في عالم اليوم هذا الاسم: تشارلز لوتوغد دودجسون؟ غالباً، لا… فالاسم غريب في تركيبه وفي لفظه، مما يجعله عصياً على الذاكرة حتى وإن حدث لها مرة أن عرفته أو سمعت به. فكيف إذا لم تعرفه؟ فالسيد دودجسون ليس معروفاً على الإطلاق، لأنه، وبكل بساطة، وقع ضحية اسم آخر هو لويس كارول. حسناً… هنا ستقفز الذاكرة لتفيدنا بأنها تعرف لويس كارول حقاً. ولكن هنا، مرة أخرى، وفي شكل أقل خطورة، سنجد أن هذا السيد كارول قد وقع بدوره ضحية لاسم ثالث هو أليس. أليس نفسها تلك الصبية التي زارت بلاد العجائب، فكانت النتيجة ذلك الكتاب الذي يعد الأشهر والأكثر عقلانية في عالم أدب الأطفال، حتى وإن كان كثر يفضلون أن يروا فيه ما هو أكثر بكثير من مجرد نص كتب للأطفال. فالنص حافل بالرمزية وبالأعماق التي كثيراً ما مكنت مؤلفين من أن يستعيروه ويقتبسوه ويحاكوه، وفي أعمال لم تكتب من أجل الأطفال. والسؤال الآن: لماذا الحديث عن هذه الأسماء الثلاثة معاً؟ أما الجواب فبسيط، لأن أليس هي في نهاية الأمر لويس كارول، ولويس كارول ليس في حقيقته سوى الاسم المستعار للسيد تشارلز لوتوغد دودجسون. هل يعرف كثر في عالم اليوم هذا الاسم: تشارلز لوتوغد دودجسون؟ (الموسوعة البريطانية) أما مشكلة لويس كارول الأساسية في رأينا، فتكمن في أنه اعتبر دائماً مؤلف عمل واحد وحيد هو روايته “أليس في بلاد العجائب”، مع أنه عاش حياته للكتابة، وكانت ثمة من بين أعماله نصوص كانت بالنسبة إليه أجمل وأهم من روايته الشهيرة، بل إنه هو نفسه أمضى السنوات الأخيرة من حياته وشعاره كمواطنه آرثر كونان دويل، يقول “ليتني لم أبتدع هذه الشخصية”، فهي صارت أشهر منه بكثير وحكمت كثير من تصرفاته، تماماً كما فعل شرلوك هولمز بخالقه دويل، ما اضطر هذا الأخير إلى رميه من أعلى شلالات، في رواية أراد أن يقتله فيها ويتخلص منه، إذ دفعه إليها عدوه البروفيسور جيمس موريارتي. “قصيدة بطولية كوميدية” إذاً، لئن كنا وكان عموم القراء من محبي لويس كارول، معجبين بـ”أليس في بلاد العجائب“، يجب علينا، بعد أن نتجاوزها ونقر لها بأهميتها، أن نقترب من أعمال أخرى للرجل. فإذا فعلنا فسنجد أول ما نجد أمامنا، ثاني أشهر عمل له، وهو روايته “صيد السنارك”، وهي رواية كان نشرها للمرة الأولى عام 1876، على شكل “قصيدة بطولية – كوميدية” وفق تعبير الباحثين الذين تحدثوا عن هذا العمل. وعند نشرها كان لويس كارول (أو السيد دودجسون) في الـ44 من عمره، وكان قد سبق له أن نشر “أليس في بلاد العجائب”، إضافة إلى أعمال أخرى وفرت له شهرة كبيرة وإضافية من بينها “الجانب الآخر من المرآة” التي قد يعدها البعض استكمالاً لـ”أليس…”. هذيان متعدد الحلقات حين نشرت إذاً عام 1876 “قصيدة” لويس كارول “صيد السنارك” الطويلة حمل الغلاف تعريفاً بها يقول إنها “هذيان في ثماني حلقات أو ثماني أزمات”. والحال أن القصيدة قد أدت إلى خلط كبير لدى القراء، إذ إن غالبيتهم عجزت عن معرفة كيف يتعين عليها أن تتعامل مع هذا العمل، أو تفهم حقاً مقاصده وشخصياته، من هنا يميل كثر إلى اعتبار القصيدة (أو النص، إذ يصعب حقاً القول، في نهاية الأمر، إنه قصيدة) فاتحة حقيقية للكتابة السوريالية، بل أيضاً لمسرح العبث وشعره، كما سادا في القرن الـ20، خصوصاً أن العمل في عمق أعماق أبعاده يطل إطلالة حقيقية على الحياة وأطرافها من ناحية، حاملاً معه في أعماقه كثيراً من الرموز والاستعارات كما يفعل الشعر مع مالارميه وبريتون وإيلوار، من ناحية ثانية. منذ البداية، وما إن يدخل القارئ في سطور النص حتى يبدأ بالتساؤل عما هو حيوان “السنارك” هذا، ولماذا يطارده ويحاول اصطياده، الرجل حامل الجرس، والفريق المرافق له المؤلف من خادم وتاجر قبعات ومحام، وعميل للبورصة، وحكم في مباريات البليار، ومصرفي ولحام، وخباز مزعوم؟ ما الذي يريده هؤلاء جميعاً؟ ولماذا يريدون صيد “السنارك”؟ أجوبة مؤجلة إنه سؤال لن تلقى جواباً عنه، بل أجوبة، حتى نهاية النص، حتى وإن كانت خاتمة الكتاب تبقينا على ظمئنا حقاً في نهاية الأمر. أما الأحداث التي يطالعنا بها العمل، فهي، كما يمكننا أن نتصور، رحلة بحرية هدفها أصلاً صيد “السنارك”. أما الذي يسأل نفسه ما هو “السنارك”، فإنه بعد أن يتأكد أنه حيوان بحري لا يمكن القبض عليه أبداً، لأنه في نهاية الأمر كائن وهمي، سيكتشف أن “السنارك” ليس في حقيقته سوى “البوجوم”، ولكن ما هو “البوجوم”؟ إنه بدوره حيوان بحري لا يمكن القبض عليه لأنه كائن وهمي! وهنا يكمن الجانب العبثي الإضافي في هذه القصيدة. أما الجانب الأكثر عبثية فهو في أن الأحداث والشخصيات والأماكن كلها، إذ يصفها ويسهب لويس كارول في وصفها، ليست مهمة في حد ذاتها إلا لكونها تعطي الفرصة للكاتب لكي يمارس لعبة شديدة الحذلقة في ابتكار الكلمات والوقوف عند الألفاظ، وكشف لعبة التقاطع والتشابك والتقابل بين الألفاظ، وتبديل موقع الكلمة في الجملة وما إلى ذلك. إننا هنا أمام لعبة كلام حقيقية من دون أدنى ريب، كما يقول الباحثون المطلعون جيداً على أعمال لويس كارول، ومنهم من يعطي لهذه القصيدة بالتحديد مكاناً مفضلاً. وهؤلاء يظهرون عادة بأن تجربة “صيد السنارك” هي أهم محاولة من نوعها في عبثية الكتابة، وأجرأ نص من ناحية طوله وصعوباته، في الأدب الإنجليزي قاطبة في القرن الـ19. ولا يفوت هؤلاء الباحثون أن يروا أيضاً أن لعبة تحديد الفوارق بين “السنارك” و”البوجوم”، علماً أن الاثنين واحد في نهاية المطاف، إنما هي كناية عن كل ما يمت إلى الحياة والأدب بصلة من الصلات. الصياد الوحيد والحال أن هذا البعد يقودنا إلى ما يقوله لويس كارول نفسه في خلاصة عمله، إذ يفيدنا بأن من يكون في إمكانه أن يفهم أبيات الشعر الخمسة التي تصف، بقوة وبعمق، “سمات السنارك الخمس”، أي السمات التي تسمح للمرء بأن يتعرف على هذا الحيوان في شكل حقيقي ومضمون، سيكون الوحيد الذي في إمكانه أن يقبض، في نهاية الأمر، على فرد من أفراد هذا الحيوان، ناقلاً إياه من بعده الخرافي الزئبقي، إلى بعد آخر، واقعي ويمكن التقاطه. ومن المؤكد أن لويس كارول، الذي تكاد مسألة المعرفة أصلاً أن تكون العنصر الأساس في روايته الكبرى “أليس…”، يريد هنا أن يقول لنا مرة أخرى، وليست أخيرة، إن معرفة الشيء، تسميته، نقله من المجهول الغامض إلى المعلوم المسمى، هي العنصر الأساس في الانتصار عليه: التقاطه والهيمنة على حركته. ونعرف، طبعاً، أن كبار منظري الحرب منذ أقدم العصور، علمونا دائماً أن الخطوة الأولى من أجل إلحاق الهزيمة بالعدو، في معركة يجب أن تصبح متكافئة، تكمن في إعطاء العدو اسماً، والتعرف إليه، وتحديد أبعاده وقوته… باختصار إنها عبارة “اعرف عدوك” الشهيرة، أليس كذلك؟ هذه الخلاصة التي يمكن استنتاجها من عمل لويس كارول هذا، تصلح، بداهة، لكل الأزمان، ويقيناً إنها، في الأحوال كافة، لا يمكن أن تبدو للعين إلا بعد قراءة معمقة لـ”صيد السنارك”. أما كاتب هذه القصيدة (الاستراتيجية!) فهو كان في الـ35 من عمره حين وصل إلى الشهرة مع نشر روايته التي ستضحي الأشهر لاحقاً “أليس في بلاد العجائب” وتطبع في عشرات ملايين النسخ وتترجم إلى شتى لغات الأرض، وهو نشرها أولاً على حسابه، إذ إن ناشره ماكميلان لم يكن ليتوقع لها أي نجاح. ولويس كارول واصل الكتابة حتى سنواته الأخيرة، هو الذي كتب في أمور كثيرة، وصولاً إلى السياسة (التي تقف على أية حال في خلفية كتاباته ككل)، وصار، ذات زمن في بلاده، معلماً من معالم الأدب والفكر، من دون أن يطويه أي نسيان بعد ذلك أبداً. المزيد عن: لويس كارولأليس في بلاد العجائبتشارلز لوتوغد دودجسونشرلوك هولمزالبروفيسور جيمس موريارتي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جاك سترو يكتب عن: رواية مشوقة عن احتلال السفارة الإيرانية في لندن next post حظوة أهل فاس المغربية في السلطة والمال ما سرها؟ You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024