تحافظ فجيج على طابعها العمراني العتيق وأبنيتها التقليدية الأصيلة وأحيائها السكنية التاريخية التي تسمى "القصور" (أ ف ب) منوعات قصور فجيج التاريخية… عندما ابتكر المغرب تجمعات سكنية by admin 15 يناير، 2025 written by admin 15 يناير، 2025 18 تضم أحياءً ممتدة الأطراف تمثل امتزاجاً بشرياً في منازل منخفضة العلو مبنية بالطين الأحمر وأبوابها من جذوع النخل اندبندنت عربية / حسن الأشرف صحافي وكاتب على رغم صروف الزمن وعاديات الدهر لا تزال مدينة فجيج الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي من المغرب، قرب الحدود مع الجزائر، تحافظ على طابعها العمراني العتيق وأبنيتها التقليدية الأصيلة وأحيائها السكنية التاريخية التي تسمى “القصور”. وتعرف فجيج، وتُنطق أيضاً بالكاف “فكيك”، بلقب “عاصمة القصور” في المغرب، بالنظر إلى ضمها سبعة قصور تاريخية فسيحة، تتميز دورها بطريقة بنائها التقليدية بحجر خاص بالمنطقة، فضلاً عن وجود عديد من المظاهر العمرانية والاجتماعية التي تؤشر إلى ما تزخر به المنطقة من تاريخ تليد. وتؤوي فجيج سبعة قصور تاريخية تقاوم تحديات الزمن وتقلباته، هي “المعيز” و”لوداغير” و”أولاد سليمان”، وكذلك و”الحمام الفوقاني” و”الحمام التحتاني” و”العبيدات”، ثم قصر “زناقة” الذي ينطق اسمه “زناكة”. عمارة فريدة في ما يشبه واحة كبيرة تؤثثها أشجار النخيل، وتحيط بها الجبال من كل جانب، تتدثر فجيج الواقعة في جبال الأطلس الكبير برداء التاريخ الضارب في القدم، من خلال هيمنة نمط عمراني وسكني تقليدي يتمثل في أبنية ودور “القصر”. والقصر تجمع سكاني تقليدي اشتهرت به مدينة فحيج أكثر من غيرها، يؤوي أحياءً سكنية ممتدة الأطراف، تتميز بمنازل منخفضة العلو، معظمها بطابق واحد، مبنية بالطين الأحمر، وبأبواب خشبية مصنوعة من جذوع النخل. ويحقق “القصر” بمدينة فجيج ما يمكن تسميته الاكتفاء الذاتي للسكان المحليين الذين يغلب عليهم الطابع المحافظ التقليدي، إذ يقضي السكان أغراضهم اليومية والحياتية والاقتصادية وحتى الإدارية داخل “القصر” نفسه الذي يتميز بأبواب ضخمة تفصله عن الخارج، وفق العمران التاريخي القديم الذي تمت المحافظة عليه. في هذا الصدد يقول المؤرخ المغربي إبراهيم القادري بوتشيش إن فجيج “عاصمة القصور”، أو “جوهرة الصحراء” كما كان ينعتها الفرنسيون، تتميز بقصورها التاريخية التي تتوسط مشهداً من النخيل الملتف حولها، وتظهر هذه القصور في شكل وحدة عمرانية تتألف من مجموعة من المنازل المتلاصقة، المبنية وفق تصاميم معمارية دقيقة ومتماسكة، فضلاً عن قلاع وتحصينات يرى بعض المؤرخين أن تاريخها يعود إلى ثمانية قرون خلت، مما يجعل هذه الحصون تجسد اليوم أرشيفاً مادياً ينطق بعبق حضارة متفردة. وتتشكل بنية هذه القصور، وفق المتحدث، من أسوار عالية يراوح ارتفاعها ما بين خمسة وسبعة أمتار، تتخللها أبراج دائرية، ويبلغ معدل سمكها نصف متر، كما تتميز بأقواس كبيرة الحجم، وأبواب مصنوعة من خشب النخيل، تجعل القصر ينفتح على محيطه الخارجي. تفسير التفرد بالقصور ويطرح الكثر سؤالاً منطقياً عن التفسيرات الممكنة في شأن تفرد مدينة فجيج لكل هذه القصور التاريخية أكثر من غيرها من مناطق المملكة، وهو ما يجيب عنه بوتشيش بوجود عوامل تاريخية تتمثل في الهجرات البشرية المتنوعة عبر حقب التاريخ. ويشرح المؤرخ، “هذه الهجرات جعلت من المنطقة امتزاجاً بشرياً ضم أجناساً عدة وقبائل وأتباع ديانات مختلفة، منهم الأمازيغ مثل صنهاجة وزناتة، والعرب الأشراف مثل الأدارسة وبنو هلال، وكذلك الأفارقة السود، واليهود، وغيرهم، بخاصة أنها تقع في منطقة حدودية جعلتها سوقاً نشطة لتجارة القوافل، مما أدى إلى استقرار عدد من التجار والحرفيين وأرباب الصناعات بها لذلك تعددت هذه القصور، وكانت إلى جانب وظيفتها التجارية والاستيطانية تقوم بوظيفة دفاعية تحمي سكان القصور من الغارات والهجمات الأجنبية، مما جعلها محمية آمنة، ونموذجاً مغرياً لجميع القبائل التي تريد الاستقرار في مدينة فجيج. واستطرد المتحدث بأن هذه القصور كانت في الوقت نفسه تمثل مجتمعات قائمة، إذ كان لكل قصر أعرافه ومؤسسته السياسية المحلية (التي تسمى الجماعة)، وكان أعضاء الجماعة يسهرون على إدارة المرافق الاجتماعية والاقتصادية التي يحتاج إليها السكان في حياتهم اليومية كالمساجد والكتاتيب القرآنية والدكاكين والتجارة والصناعات الحرفية. ومضى المؤرخ قائلاً إن “الروح التضامنية بين قصور فجيج قد تكون ازدادت في أعدادها، وجعلها تنضم لبعضها بعضاً، بخاصة في مجال تعاون سكانها على استغلال المياه في بيئة صحراوية تتميز بندرة الماء”، لافتاً إلى أن “تقنية بديعة لتوزيع الماء بطريقة عادلة تعرف باسم ’الفكارة‘ سادت بين سكان هذه القصور، وهي عبارة عن قناة تحمل الماء عبر مسارات متنوعة وممتدة عبر القصور، ويستفيد منها الجميع”. واستدرك بوتشيش بأن هذه الروح التضامنية عرفت بعض التصدعات أحياناً كما حدث في القرن الـ18، حين قامت بعض النزاعات حول منابع المياه، مما أدى إلى طرد قبيلة الجوابر من فجيج بعد نزاع دامٍ مع قصر زناقة. وذهب المؤرخ نفسه إلى أن “عمليات مقاومة الاستعمار الفرنسي في القرن الـ20 دفعت هذه القصور إلى توحيد جهودها لنيل الاستقلال، وهو ما زاد من تقوية ثقافة التضامن وتعزيز الانتماء إلى مدينة فجيج وقصورها التاريخية”. صومعة حجرية ويعتبر الكثر قصر زناقة أكبر قصر في فجيج من الناحية الديموغرافية والمساحة أيضاً، وهو يوجد في سهل منخفض ومنفصل عن القصور الستة الأخرى بهضبة مرتفعة. تتميز البيوت بعمران منفرد وهندسة سكنية بسيطة (أ ف ب) ومن أشهر القصور السبعة لفجيج على الإطلاق قصر الوداغير الذي شيد في القرن الـ11، لما يتميز به من عمران منفرد وهندسة سكنية بسيطة، توحي بالعتاقة والعراقة، غير أنها اشتهرت على وجه الخصوص بفضل صومعتها المبنية بألواح من الحجر الجيري، والتي يشبه شكلها رقم ثمانية. ووفق جمعية فجيج للتراث وثقافة الواحات، تتشكل هذه الصومعة الحجرية، التي يصل ارتفاعها إلى 19 متراً من قاعدة مربعة متينة تتحول تدريجاً إلى شكل ثمانية عند الارتفاع، لتكون بذلك برجاً شامخاً يلفت الأنظار من مسافات بعيدة. وإذا كانت هذه الصومعة تشكل جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية والروحية لسكان قصر الوداغير بفجيج، فإنها لعبت قبل ذلك أدواراً تاريخية مهمة، إذ كانت تستخدم برجاً للمراقبة للدفاع عن المدينة من الغزاة المتربصين والمتسللين. وتتميز فجيج بتنوع أنماط العمارة، فإضافة إلى عمارة المباني السكنية الفريدة من نوعها في “القصور” بواسطة طين محلي خاص، تتميز المدينة بعمارة المساجد والأضرحة، والعمارة العسكرية من خلال الأسوار وأبراج المراقبة، والعمارة المائية من خلال وجود 36 عيناً للماء، وحمامات باطنية، أبرزها “تيط نحفصة” في قصر الوداغير، والحمام الفوقاني، وهي من أقدم هذه الحمامات، وفق معطيات من جمعية فجيج للتراث وثقافة الواحات. وبالنظر إلى عوامل التعرية والإهمال التي طاولت عدداً من هذه القصور التاريخية الفريدة، فإن الحكومة سطرت ما سمته “البرنامج النموذجي للتثمين المستدام للقصور والقصبات”، الممتد من سنة 2022 إلى حدود السنة المقبلة 2026، يتمحور حول تخصيص مبالغ مالية لتثمين وتأهيل القصور المتضررة أو التي تضررت من الهشاشة التنموية. المزيد عن: الجزائرالمغربمدينة فجيجمباني تقليديةقصور تاريخية المباني التقليدية في مدينة فجيج المغربية (أ ف ب) 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ماجد كيالي يكتب عن: انهيار الخيار العسكري ضد إسرائيل فلسطينيا وعربيا next post القاتل المتسلسل ونظيره العشوائي “تبادل الجرائم” بدم بارد You may also like لماذا أخفت الاستخبارات عن الملكة إليزابيث قصة الجاسوس... 15 يناير، 2025 القاتل المتسلسل ونظيره العشوائي “تبادل الجرائم” بدم بارد 15 يناير، 2025 الجواري والموسيقى.. وجهان لثراء الحياة في قصور الخلافة... 12 يناير، 2025 مصريون أموات في السجلات أحياء على الأرض 12 يناير، 2025 خبرات المصريين تعيش في أمثالهم الشعبية… المندثرة 12 يناير، 2025 من الحب ما قتل… كيف لعلاقة زواج أن... 10 يناير، 2025 الذكاء الاصطناعي والجريمة… البربرية بأحدث التقنيات 10 يناير، 2025 ديمي مور «في حالة صدمة» بعد فوزها بأول... 7 يناير، 2025 جنبلاط متمسك بقائد الجيش ودعواتٌ لإنجاح الجلسة 7 يناير، 2025 الألقاب الطبقية في مصر… تشريف وسخرية وتخليص مصالح 6 يناير، 2025