ظاهرة الأوسكار وخفاياها (أ ف ب) ثقافة و فنون قراءة ثقافية في ظاهرة الأوسكار: الفن السابع وهواجسه by admin 1 فبراير، 2025 written by admin 1 فبراير، 2025 21 كأن السينما هنا تدرك ذاتها أو تتطلع إلى ما يفترض أنه دورها “الغامض” في مساءلة أحوال النفس في عالم سريع وطائش اندبندنت عربية / موسى برهومة غالبية الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار، التي نعرض لبعضها، حصلت على أعلى التقييمات، أو حظيت من قبل بجوائز مهرجانات أخرى مثل “كان”، أو حققت حضوراً وأرباحاً في قاعات العرض، تنهمك في مقاربة الحاجات النفسية للبشري والكينونة في العالم المعاصر. والمتأمل في الخطاب الثاوي لتلك الأفلام يقبض على جملة كثيفة من المخاوف الوجودية. وكأن السينما هنا تدرك ذاتها، أو تتطلع إلى ما يفترض أنه دورها (الغامض) في مساءلة أحوال النفس الإنسانية، في عالم سريع وطائش تهيمن عليه المادة وتتحكم بإيقاعه. في فيلم Emilia Perez الحاصل على 13 ترشيحاً، والمقتبس عن رواية Écoute “استمع” الصادرة عام 2018 للفرنسي بوريس رازون، نستشعر ذلك الظمأ الحارق للجهر بالهوية الحقيقية، ومواجهة أقدار التحول الجنسي، حيث يقرر زعيم عصابة مخدرات مكسيكي إجراء عملية جراحية يغدو بعدها امرأة لطالما حلم أن يكونها لأنها تعبر عن هويته الحقيقية. ومع أن الفيلم لم يستسلم لهذه الفكرة المتصلة بتحقق الذات وصيرورتها ولم يعمقها و(انحرف) نحو الآكشن والاستعراض، إلا أن الفكرة لم تنطفئ أو تغمرها الرمال، على رغم أن ذلك (الانحراف) أفقد الفيلم متعته المعرفية، بالتالي بقاءه الطويل في ذاكرة الفن السابع. الهواجس الوجودية تسيطر، أيضاً، على الفيلم المرشح بقوة لنيل الأوسكار المقبل؛ “أنورا” Anora للمخرج الأميركي شون بيكر، الذي حاز جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان في دورته الأخيرة. الفيلم يبدو، للوهلة الأولى، وكأنه ينتمي إلى سينما الآكشن التي يتابعها المشاهد من دون تركيز فيما ينهمك بقرش “الفوشار”، بالتالي يختفي البريق بمجرد مغادرة صالة العرض، أو انتهاء الفيلم. مشهد من فيلم “أنورا” (ملف الفيلم) بيْد أن الوقائع التي تحكي عن الصبية “أنورا” ذات الأصول الكازاخستانية التي تعمل في حانة للاستعراضات الجنسية، وتُغرم بمراهق روسي، تتعدى هذا الإطار لتناقش أزمة الصراع الطبقي “التوحش” الذي تنتصر فيه المادة على العاطفة، والمال على المشاعر، والمظاهر على الأعماق. الفقراء (أو غير الأثرياء) لا مكان لهم في هذا العالم المثقل بالكذب والرياء. فمثلاً عائلة الصبي الذي يوقع “أنورا” في حبائله ويعرض الزواج عليها، تحاول (أي العائلة) بكل أساليب الغش والفساد والخداع أن تنقض هذا العهد (المقدس) بين قلبين، كما يُفترض أن يكون الزواج الناشئ عن قصة حب. لكنّ الانتماءات الطبقية التي حققت كينونتها ورصيدها بالطرق الملتوية (غالباً) وبغسل الأموال وتجارة المخدرات، تتعطل أمام السؤال الأخلاقي الذي يحول دون ارتباط الفتى المراهق براقصة تعرٍ توصف في أكثر حوارات الجزء الثاني من الفيلم بـ”العاهرة”. ثم في لحظة من اليأس المطبق المعطوف على رغبة “أنورا” بالهرب والنجاة من هذا الجحيم بأي ثمن، تجد أن “سجانها” الذي صفّدها بسلك الهاتف هو أكثر من يتعاطف من ألمها، وينظر إليها بإنسانية مغمورة بالمشاعر. لذا وفي لحظة غير متوقعة تخوض معه، وهما في السيارة، مغامرة جسدية سريعة أومأت إلى أن أوحال الطبقات تظل عالقة بالجسد والروح. الروح الفلسفية وغير بعيد من هذه المناخات المتلاطمة، يأتي فيلم Conclave؛ “الاجتماع السري”، لينزع القشرة السطحية عن فكرة القداسة، وهو من أعمق الأفلام المرشحة المكتنزة بالروح الفلسفية المتسائلة والمتشككة في معنى الإيمان، حيث يقول الكاردينال لورانس (الذي أدى دوره ببراعة الممثل الإنجليزي رالف فينس) في بداية الاجتماع السري “لو كان هناك يقين فقط من دون شك لما كان هناك أي غموض، بالتالي لما كانت هناك حاجة للإيمان”. يسلط الفيلم أضواء ساطعة على مفاهيم الدنيوية والتسامح والتوحش والفساد وصراع الإرادات والأديان والتعددية، والغلو في تقديم المادي على الروحاني، في أكثر الأماكن إيقاظاً للمشاعر الإنسانية الجامعة، وحفاظاً على القيم الأخلاقية المشتركة. الفيلم، علاوة على ذلك، يحمل ما يشبه “البشارة” إلى أن التحولات الصاخبة في العالم قد تنعكس على الفاتيكان، فيتم انتخاب “بابا” من أصول أفغانية وملتبس النوع الجنسي، إذ إن الحبر الأعظم في Conclave خلق برحم أنثوي، وإنه لم يشأ إجراء عملية لإزالته، حفاظاً على منشأ الخلق الإلهي، ما يطرح سؤالاً عميقاً كان طرح في فيلم Emilia Perez عن الموقف الأخلاقي من عمليات التحول الجنسي. وليس بعيداً من الأفلام التي تحظى بأكثر عدد من الترشيحات فيلم The Substance؛ المادة، الذي رشحت بفضله النجمة ديمي مور لجائزة “أفضل ممثلة”، بعد أن نالت جائزة “غولدن غلوب” عن أدائها في الفيلم الذي وصفه نقاد بأنه “متوحش” نظراً لمقدار العنف الذي يغمر بالدم تفاصيله الطويلة والثقيلة. الفيلم، على رغم المبالغة الفائضة في دمويته، يبحث في السؤال المحير لدى غالبية البشر، وبخاصة النساء، والمتعلق بالشباب الدائم، ومكافحة الشيخوخة، ورفض الاعتراف بقوة الزمن القهارة، حيث تنقاد “إليزابيث” وهي مقدمة برنامج تلفزيوني عن الرشاقة واللياقة البدنية، إلى محادثة غامضة من شخص مجهول يدلها إلى عقار يؤمّن لها استعادة شبابها المفقود، فتسرع إلى ذلك، على رغم المجازفات التي تقلب حياتها رأساً على عقب. إنه سؤال الخلود الذي بحث عنه جلجامش، كما تقول الأسطورة، عندما وصف له جده عشبة للحياة الأبدية. وبعد رحلة بحث مضنية يجد العشبة في قاع البحر، وحينما يستخرجها، وينام على الشاطئ ليرتاح تسرقها الأفعى بأمر من الآلهة التي لا تسمح بالبقاء والخلود إلا لنفسها. أسئلة السينما الجديدة تغرف من معين هذه المؤرقات التي تقض مضجع الإنسان، فإن أخفق في الوصول إلى حلول لها، لجأ إلى الأدب والفن كي يعبر عنها، فلربما إن لم يُخلَّد الجسد، تُخلَّد الذكرى. المزيد عن: جوائز الاوسكارأفلامسينماالبعد الثقافيالفن الساربعالواقعيةالنفس الإنسانيةالفردالعصر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “حراس” السينما اللبنانية يستضيفهم مهرجان فرنسي عالمي You may also like “حراس” السينما اللبنانية يستضيفهم مهرجان فرنسي عالمي 1 فبراير، 2025 بلزاك يبتكر مبدأ عودة الشخصيات في روايته “الأب... 1 فبراير، 2025 في قسم «البداية» ببينالي الفنون الإسلامية… من السماء... 31 يناير، 2025 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 31 يناير، 2025 المجلة في ملف خاص : خمسون عاما على... 31 يناير، 2025 محمد أبي سمرا يكتب عن: أم كلثوم التي... 31 يناير، 2025 البدايات الأولى… مذكرات أم كلثوم كما روتها على... 31 يناير، 2025 سامر أبوهواش يكتب عن: أم كلثوم التي في... 31 يناير، 2025 ما الذي أغاظ اليساريين والإسلاميين في مسيرة أم... 31 يناير، 2025 ليلى أربيل توثق تاريخاً من الصراع في تركيا... 31 يناير، 2025