لوحة تمثل مأساة أدونيس بريشة كريستوف شوارتز (موسوعة الفن الكلاسيكي) ثقافة و فنون قاتل كخنزير بري… لافونتين وقصيدة الغرام المستحيل by admin 18 مايو، 2025 written by admin 18 مايو، 2025 17 حكاية أدونيس كما استعارها شاعر الوعظ الأشهر من أساطير الأقدمين وأهداها لولي نعمته اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هو من دون أدنى ريب واحد من أشهر شعراء التاريخ في مجال الكتابة بألسنة الحيوانات وعنها. صحيح أنه استلهم التراثين اليوناني واللاتيني في هذا المجال، وربما كذلك التراث العربي، كما يرى البعض، لكنه كان إلى ذلك النقطة الانعطافية التي راح يستلهمها من بعده معظم الذين، وفي مختلف اللغات، كتبوا الأشعار المتحدثة عن المملكة الحيوانية. كما كان الشاعر الذي خلف مئات الأمثلة الشعبية الأخلاقية المستوحاة من أشعاره أو المأخوذة منها حرفياً. وفي لغتنا العربية حسبنا أن نقارن بين عشرات القصائد التي كتبها، على سبيل المثل، أمير الشعراء أحمد شوقي متناولاً فيها حكايات الحيوانات، وأشعار لافونتين كي ندرك اتساع حضور هذا الأخير. لقد كان حضوره في مجال أشعار عالم الحيوان من الضخامة والاتساع بحيث ينسى كثر أنه كتب في مجالات أخرى، ولا سيما استلهاماً من الأساطير القديمة التي أعاد صياغتها بلغة فرنسية جميلة ومعاصرة لزمنه لتصبح بالنسبة إلى كثر، هي الأساس وحتى ما سبقها زمنياً ينهل منها! ولعل في إمكاننا هنا أن نتوقف عند واحدة من قصائد لافونتين في هذا المجال كنموذج على شعره المأخوذ من أساطير الأقدمين، ونعني بهذا قصيدته “أدونيس” التي كتبها عام 1657، ولكنها لم تنشر إلا عام 1669. قصيدة صغيرة في عمل كبير من ناحية مبدئية تعد قصيدة “أدونيس” للافونتين جزءاً مكوناً من قصيدته الطويلة “الحب وبسيكيه”، فتعرف بكونها “قصيدة صغيرة ترد ضمن عمل أطول”، بيد أن طول هذه “القصيدة الصغيرة” لا يقل عن 600 بيت من الشعر المقفى والموزون، الذي سيكون بول فاليري لاحقاً من أبرز مكتشفيه ومادحيه ودارسي دلالاته وأهميته. غير أن لافونتين حين كتب “أدونيس” إنما كتبها كتحية وهدية إلى الوزير فوكيه. ولم يكن قصده منها أول الأمر أن تنشر، بل أن تكون نصاً خاصاً موجهاً إلى رجل الدولة الذي كان معروفاً بحمايته له وتقريبه من القصر الملكي. وفي تقديمه للقصيدة يعرفها الشاعر بقوله “إنها حكاية غراميات فينوس وأدونيس، حكاية الخاتمة التعيسة التي كانت من نصيب ذلك الصياد الوسيم، والذي شاهدنا حول قبره كل نساء الإغريق ينتحبن، بينما نشاهد أم الحب المقدسة منكبة على مقارعة ندمها طوال الزمن الوثني، هي التي لم يكن من عوائدها أن تذرف أية دمعة حزناً على فقدانها عشاقها…”. إذاً، ما لدينا هنا هي حكاية أدونيس المعروفة منذ أوفيد الذي ذكرها وأسهب في وصفها في كتابه “مسخ الكائنات”، ومن ثم راح يرويها من بعده عشرات الكتاب والشعراء، ويرسمها فنانو أمم كثيرة، وبعد ذلك يموسقها مبدعو الأوبرات وغير الأوبرات. من بعد أوفيد نعرف أن حكاية أدونيس وفينوس – المسماة أحياناً عشتروت، إذ تنتقل الحكاية من الإغريقية إلى اللاتينية أو العكس بالعكس – لئن كان معظم هؤلاء المبدعين قد اشتغلوا عليها تعديلاً وتبديلاً، فإن لافونتين حين انصرف إلى كتابتها شعراً فرنسياً، آثر أن يتركها كما هي في حذافيرها الأصلية الأوفيدية، مكتفياً بنظمها بشعره الإيقاعي الموقع الجميل، فهو حين نظمها كان لا يزال في بداياته لا يجرؤ على إحداث تبديلات أساسية في عمل سابق الوجود. فاتن نساء الإغريق هكذا ظلت القصيدة تتحدث في صورة أساسية عن أدونيس متوقفة عند وسامته وحسن طلعته اللتين فتنتا كل نساء الإغريق والمناطق المجاورة التي كانت تسمع به، فتتقاطر نساؤها وأجمل فتياتها إلى حيث يمكنهن أن يرونه ويتمتعن ببهاء طلته وتحلم كل واحدة منهن بأن يكون رجلها ذات يوم. أما هو فإنه لم يكن ليعبأ بذلك كله. كان كل ما يهمه أن يمارس صيده ويلتحم بالطبيعة الغناء ناهلاً من سحرها وحالماً بأن يبقى على هذه الحال من السعادة الرعوية. لكنه ذات يوم، وإذ كان جالساً قرب مياه النهر يحلم ويتأمل المناظر الجميلة من حوله، تمر فينوس (عشتروت، أو حتى عشتار الفينيقية بالنظر إلى أن ثمة كذلك نسخة يقال لها إنها نسخة فينيقية عن الحكاية نفسها وتدور حوادثها افتراضياً في منطقة ما مما هو اليوم شمال لبنان، مجاورة للنهر المسمى اليوم نهر إبراهيم والمفترض أنه كان نهر أدونيس، لكن هذه ليست حكايتنا هنا ولا ترد على الإطلاق عند لافونتين بالطبع)، تمر فينوس بالمكان وإذ تشاهد الفتى الوسيم تنبهر به وتغرم من فورها عاملة على إغوائه. وهو يستجيب إلى ذلك الإغواء لتنشأ بينهما حكاية الحب الشهيرة. تلك الحكاية التي يتخللها حوارات بين الكائنين العاشقين وكلام عن الزمن يرد في ما تقوله فينوس لأدونيس بخاصة أن عليه أن يحذر غدر الزمن، منبهة إياه من أن هذا الأخير يمر من دون أن ننتبه إليه لنجدنا واقعين في أسره وقد ذوي شبابنا – ومن الجلي هنا بالطبع أن تلك السطور الحكيمة التي من الواضح أن لافونتين قد أقحم معظمها على نص أوفيد الأصلي إنما كانت من نوع الحكمة الشعرية الموجهة إلى الوزير الذي أهدي النص إليه، بأكثر مما كانت موجهة من الفاتنة فينوس إلى الصياد الشاب. استدعاء العاشقة ومهما يكن من أمر هنا، نعود إلى الحكاية المعروفة نفسها لنرى كيف أن العاشقين في ما كانا ينهلان من غرامهما عند ضفة النهر وسط جمال الطبيعة ووعودها، حدث أن استدعت الآلهة فينوس بوصفها الإلهة المولجة بأمور الحب لمهمة عاجلة إلى بافوس، فتستأذن أدونيس وتعانقه عناقاً أخيراً طالبة منه أن ينتبه لنفسه وينتظرها، إذ إنها ستعود فور انتهائها من مهمتها. وترحل تاركة إياه وقد جن هياماً بها. ونعرف بالطبع منذ أيام الدراسة بقية الحكاية: بعد رحيل فينوس يغوص أدونيس في دموعه باكياً لفراق حبيبته أول الأمر. لكنه بعد ذلك، إذ يهدأ بعض الشيء يقرر تزجية الوقت في اصطياد الخنزير البري. وإذ يبدأ في مطاردة أول خنزير يراه وقد تملكته شجاعة استثنائية، لا يكون من ذلك الخنزير إلا أن يرديه قتيلاً. جان دي لافونتين (1621 – 1695) (الموسوعة البريطانية) والحقيقة أن لافونتين يصل في وصف الطراد والعراك بين أدونيس والخنزير البري إلى ذروة مدهشة لدرجة أن تلك الأشعار القوية سيجدها بول فاليري بعد قرون من الزمن جديرة بأن تشكل جزءاً من أرقى وأقوى أشعار المعارك الواصفة القتال بين الإنسان والحيوان وصفاً مدهشاً، بيد أن ما سيكون أقوى من هذا إنما هو توقف الشاعر إثر ذلك عند ما يمكن استخلاصه من ذلك القتال من هشاشة السعادة البشرية، فهذا هو الأساس بالنسبة إلى لافونتين هنا. هشاشة الحب القاتل الأساس هو الدرس المعنوي الذي يمكن استخلاصه من حكاية أرادت أن تصور قبل أي شيء آخر هشاشة الحب نفسه، إذ ها هو الشاعر يذكرنا هنا بأن أدونيس حتى ولو كان قد سقط مضرجاً بدمائه بفعل تفوق الخنزير البري عليه، فإن ما قتله قبل أي شيء آخر، كان الحب ولا سيما حبه المستحيل لفينوس التي، وهذا ما لا ينبغي أن ننساه أبداً، لم تترك في حياتها، من قبل أدونيس، سوى ضحايا لغرامها من كبار الأبطال الذين يتساقطون واحدهم بعد الآخر من دون أن ينالوا سعادتهم المطلقة معها. لكن الذنب ليس أبداً ذنبها وها هي إذ تعود إلى المكان وتكتشف جثة حبيبها المضرجة بالدماء إلى درجة اصطباغ مياه النهر بلون أحمر قان، تبكي عليه دموعاً حقيقية غزيرة وتشكو الآلهة في لغة ينقلها إلينا لافونتين بأداء رائع لن يفوت بول فاليري أن يرى فيه استباقاً لتلك اللغة الوصفية الرائعة التي تسم قصيدة “البحيرة” للامارتين بين نصوص أخرى. طبعاً، على رغم تلك المقاطع الشعرية التي تتسم بالروعة وأشرنا إليها أعلاه، لن نزعم أن قصيدة لافونتين هذه هي الأفضل بين ما كتب عن أدونيس، وحسبنا أن نقرأ مثلاً قصيدة “أدونيس” التي كتبها برسي شيلي حول موت صديقه الشاعر جون كيتس، أو قصيدة الإيطالي جان باتيستا مارينو، أو بخاصة نص شكسبير حول “فينوس وأدونيس”، للتيقن من هذا. مع ذلك فإن قصيدة “أدونيس” لجان دي لافونتين (1621 – 1695) تبقى في سياق أعماله، نصاً كبيراً، وفي سياق الأدب الفرنسي، نصاً مؤسساً لطريقة بارعة في استخدام الأساطير القديمة لكتابة أشعار – ومسرحيات – بدت حديثة، في زمنها. المزيد عن: حكايات لافونتينأدونيسعشتروتفينوسبول فاليريالشعر الفرنسيجون كيتسأحمد شوقي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مهى سلطان تكتب عن: 3رسامين لبنانيين يعلنون نهاية الرومانسية next post معرض بيروت للكتاب يتعافى ببطء من وعكة المدينة You may also like هل يعالج الإغلاق “قصور” الثقافة المصرية؟ 18 مايو، 2025 الأم ليست كما عرفناها: سرديات مغايرة في مهرجان... 18 مايو، 2025 معرض بيروت للكتاب يتعافى ببطء من وعكة المدينة 18 مايو، 2025 مهى سلطان تكتب عن: 3رسامين لبنانيين يعلنون نهاية... 18 مايو، 2025 إليف شافاك: تعرضت للمحاكمة والإعدام الإلكتروني 18 مايو، 2025 بطرس المعري يلوذ بالفن “كي لا ننسى” آلام... 15 مايو، 2025 عبد الرزاق قرنح في الحب والخيانة والهجران 15 مايو، 2025 “حربنا” فيلم وثائقي سجالي يطلق شعلة مهرجان كانّ 15 مايو، 2025 فلاسفة العصور القديمة عاشوا وفق ما تقتضيه أفكارهم 15 مايو، 2025 عشرات النسخ من حكاية فاوست أفضلها بطل غوته... 15 مايو، 2025