السبت, أكتوبر 12, 2024
السبت, أكتوبر 12, 2024
Home » في “خيمة المعجزات” آمادو يصفي حسابه مع العنصريين والتافهين

في “خيمة المعجزات” آمادو يصفي حسابه مع العنصريين والتافهين

by admin

حين انتزعت الترجمة العربية من البطل اسمه وهويته بشكل غامض

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

أن يترجم الفرنسيون عنوان رواية هو في الأصل “خيمة المعجزات” إلى “حانوت المعجزات” أمر يمكن تحمله بالنظر إلى أن الحانوت يمكن أن يكون خيمة والخيمة حانوتاً من دون أن يحدث التبديل فارقاً كبيراً في المعنى والمبنى، أما أن يترجم العرب العنوان نفسه بـ”زوربا البرازيلي” فأمر يثير من الدهشة بقدر ما يثير من السخرية ويدفع القارئ إلى التساؤل والاستنكار حتى بعد مرور نحو ثلث قرن على تلك “الفعلة”. وذلك على رغم أن الترجمة، الرائعة على أية حال والتي جرت من الإنجليزية وليس من اللغة الأصلية للرواية وهي البرازيلية البرتغالية، كانت من إنجاز واحد من كبار الشعراء العرب في تلك المرحلة كما كان واحداً من أبدع المترجمين، إذ جعل لغته الشعرية وثقافته الواسعة في خدمة ترجماته، ونعني به الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان.

الأدب على هوى التجار

ويخيل إلينا على أية حال أن هذا التبديل السخيف للعنوان لم يكن من صنع عدوان بل من صنع دار النشر في زمن كانت دور النشر في لبنان، وتلك واحدة منها، تقرصن وتغير على هواها من دون رقيب أو حسيب، إلى درجة أنها هي نفسها اختصرت صفحات رواية غابريال غارسيا ماركيز “مئة عام من العزلة”، من أربع مئة إلى مئتين وخمسين في ترجمة عربية أصدرتها. لكن ماركيز لم يخسر كثيراً يومها فحين صدرت تلك الترجمة كانت الرواية نفسها قد صدرت في ما لا يقل عن ترجمتين إحداهما بديعة تمت عن الإسبانية مباشرة بقلم المترجم المبدع صالح علماني. لكن “المسكين” آمادو كان أسوأ حظاً حيث أن “خيمة المعجزات” لم تصدر إلا في ترجمة واحدة. وعلى أية حال حسب القارئ اليوم أن يمزق الغلاف ليقرأ بلغة عدوان الرائعة هذه الرواية التي يمكن اعتبارها واحدة من أجمل الروايات التي انتجها أدب أميركا اللاتينية، البرازيلي هنا طبعاً.

رواية الروايات

صدرت “خيمة المعجزات” للمرة الأولى عام 1969 ما يجعلها واحدة من آخر الروايات الكبرى في مسار جورج آمادو الأدبي. والحال أن هذا البعد الزمني يتجاوز تقنيته ليعني أن الكاتب قد جمع في هذه الرواية، كما كان فعل قبلها في معظم رواياته المتأخرة، من “دونا فلور” إلى “اكتشاف الأتراك أميركا” (والأتراك هنا هم طبعاً اللبنانيون وكانوا يسمون سوريين وأتراكاً عند بدايات القرن العشرين) مروراً بـ”تييتا” و”تيريزا باتيستا”… جمع كل خبرته التي تنامت طوال نصف قرن وأكثر عبر عشرات النصوص لتحوله إلى واحد من أكبر الروائيين في القارة اللاتينية وتنقل أدبه هو نفسه من حال لحال. فبعدما كان آمادو مناضلاً سياسياً يغلب البعد الأيديولوجي على نصوصه الأولى التي راح ينشرها منذ ثلاثينيات القرن العشرين، تخفف لاحقاً من البعد الأيديولوجي ليتحول أدبه إلى أدب ساخر حاد ممتع يتحول فيه الصراع “السياسي” المباشر إلى نوع من تصفية حساب ضد كل الذين يرى في ممارساتهم ومواقفهم افتئاتاً على حقوق البائسين والمهمشين، وعنصرية ضد السود وكل الملونين والخلاسيين، ناهيك بتصفية حساب فتاكة ضد “دكاترة الجامعات” ورجال الدين المزيفين من دون أن يفوته أن يطل بسخريته على العسكريين وكبار رجال الأعمال. ففي المرحلة الأخيرة من حياته، وهي مرحلة تمثلها “خيمة المعجزات” خير تمثيل، ظلت معارك صاحب “قباطنة الرمال” و”دروب الجوع” و”البحر الميت” و”كاكاو” هي نفسها، لكن أسلوب النضال وأسلحته تبدلت. هدأت لكنها صارت أكثر قسوة حيث بات على القارئ أن يشارك من طريق الوعي والضحك، لا من طريق الإتباع الأعمى.

بطولات فردية

وواضح أن هذا بالتحديد ما يميز “خيمة المعجزات”. ففي هذه الرواية لم يعد ثمة مجال للبطولات الجماعية “الملحمية” ولا للصراعات الطبقية الفصيحة، ولا حتى للصراعات السياسية، بخاصة أن الحقبة التي كتبها آمادو فيها كانت تلي انقلاباً عسكرياً ناجحاً وفاشياً كان همه الأساس كمّ الأفواه. فكمّ آمادو فاهه ليكون هذا لصالح العمل الأدبي، حتى وإن كانت مشاكسته التاريخية قد جعلته يوجد في الرواية شخصية مدير للأمن فاسد، من دون أن يجعله معبراً عن الطغمة الإنقلابية الحاكمة بشكل واضح… فمرّت الحيلة بشكل لا بأس فيه ولم يبتعد آمادو كثيراً عن مشاكسته وإن كان قد اقترب أكثر من الأدب الممتع في فعاليته. أي الأدب الثوري الحقيقي في عرفه. ولم يكن بعيداً عن الصواب طبعاً.

باهيا الأثيرة لدى عاشقها

تدور أحداث “خيمة المعجزات” في باهيا تلك المدينة التي ينتمي آمادو إليها وجعلها مكان العدد الأكبر من تحفه الأدبية. لكنه هنا تعاطى معها عبر زمنين يفصل بينهما ما يقارب نصف القرن بحيث أن الرواية تتحرك كالمكوك بين الزمنين: الزمن الأول ذلك الذي عاش فيه ومات بيدرو آرشانجو، الذي حولت الترجمة العربية المقرصنة اسمه إلى “زوربا” من دون أن يكون للأمر أثر في الرواية. المهم أن بيدرو هذا كان ملوناً من أبناء باهيا عاش حياته الصاخبة خلال النصف الأول من القرن العشرين. وهو لئن كان اشتغل رسمياً كساع في جامعة المدينة فإنه كان قارئاً ممتازاً من دون شهادات، ومناضلاً في سبيل الدفاع عن فكرة تقول إن كل أبناء البرازيل خلاسيون ملونون بمن فيهم الأرستقراطيون “البيض” الذين يمارسون أعتى صنوف العنصرية ضد الملونين والمهمشين الآخرين. ولقد وضع بيدرو حول هذا الموضوع كتاباً وحيداً من دون أن يتمكن، أو حتى يرغب، في وضع غيره هو الذي كان ينفق وقته بين الشراب والنساء والثرثرة مقيماً في تلك الخيمة التي تعتبر حانوتاً ومعبداً ومنتدى… مع رسام لا يقل عنه هامشية وإبداعاً. صحيح أن بيدرو مات غارقاً في ساقية ككومة من القذارة من دون أن يتنبه أحد في حينها إلى أهميته، ولكن ها هو الآن عالم إنتروبولوجيا وصاحب جائزة نوبل من أميركا الشمالية يأتي بعد كل تلك الغقود ليقول لأهل باهيا أن بيدرو آرشانجو كان مؤلفاً عبقرياً غُمط حقه ويجدر أن تُستعاد ذكراه ويكرم الآن.

عودة الحكاية إلى الحياة

وهكذا إذ يصل العالم الأميركي إلى باهيا لتلك الغاية، يفيق أهل المدينة من سباتهم الطويل ويبدأ كل واحد منهم بالعودة إلى الأرشيفات والتواريخ الشفوية وإلى ذكريات من لا تزال لهم ذاكرتهم للتعرف إلى “ابن البلد” الراحل والمشاركة في الاحتفال بذكراه. ومن جديد تعود قصة بيدرو إلى الحياة عبر ذلك الظرف الجديد الذي يخلق له وصول العالم الأميركي دينامية لم تكن متوقعة. ونتعرف نحن إذا بدورنا إلى بيدرو من خلال الأحداث الراهنة حيث تستعاد حياته ونعرف عنه بالتدريج أموراً كانت الذاكرة قد طوتها. ولعل أول ما سوف نعرفه هو الكم الكبير من الأبناء الذين أنجبهم ويملأون اليوم المدينة حتى من دون أن يعرف معظمهم أن بيدرو كان والده الحقيقي. إنهم يعرفون أمهاتهم في أغلب الأحيان لكنهن كن قلة الأمهات أولئك اللواتي كنّ أخبرن الأبناء بهوية الوالد الذي سيبدو لنا الآن وكأنه المسؤول عن ولادة العدد الأكبر من أبناء باهيا. وذلك لأنه كان زئر نساء حقيقياً، إضافة إلى مشاكساته وتدخله في قتالات لا تنتهي.

المدينة تجند نفسها

غير أن الأمر الأكثر أهمية هنا هو ذلك المناخ الذي يخلقه الكاتب من حول تلك الدينامية حيث يجند الإعلام والجامعة وأهل المجتمع والنقابات والخمارات… باختصار يجند الجميع أنفسهم للاحتفال بذاك الذي لم يكن سوى شريد أفاق في تاريخ مدينتهم فإذا بالبروفسور الأميركي يأتي ليخبرهم أنه كان مؤلفاً عبقرياً ورجلاً استثنائياً وعليهم الآن التعامل مع هذا الواقع. ولنا أن نتصور الجو الساخر والعبثي الذي يخلقه آمادو، والقدر الكبير من تصفية الحسابات الذي يمارسه بلغته البديعة المواقف الساخرة التي يخلقها في عمل يقول الكثير مما أمضى جورج أمادو (1912-2001 ) حياته وهو يقوله ويكرره في إبداعاته. ولكن أيضاً في نضالاته السياسية التي جعلته أحياناً نائباً عن الحزب الشيوعي البرازيلي وأحياناً نزيل المنافي والسجون ما أثرى في نهاية الأمر تجربته الأدبية بشكل استثنائي.

المزيد عن: جورج آمادو/فرنسا/رواية/الأدب اللاتيني/زوربا البرازيلي/البرازيل/غابريال ماركيز

 

 

You may also like

17 comments

zodiac01 27 أبريل، 2021 - 12:34 ص

Wow that was strange. I just wrote an extremely long comment but after I
clicked submit my comment didn’t show up. Grrrr… well
I’m not writing all that over again. Regardless,
just wanted to say wonderful blog!

Also visit my web site; zodiac01

Reply
download bokep 27 أبريل، 2021 - 12:53 ص

Simply want to say your article is as amazing.
The clearness in your post is just great and i could assume you are an expert on this subject.
Fine with your permission let me to grab your feed to keep up to date with forthcoming post.

Thanks a million and please carry on the rewarding work.

Reply
asia89 27 أبريل، 2021 - 1:26 ص

I would like to thank you for the efforts you have put in writing this website.
I am hoping to view the same high-grade blog
posts by you later on as well. In truth, your creative writing abilities has inspired me to get
my own site now 😉

Reply
followers instagram indonesia 27 أبريل، 2021 - 1:42 ص

Hey There. I found your weblog using msn. This is a very well written article.

I will make sure to bookmark it and return to read
extra of your helpful info. Thank you for the post. I’ll certainly comeback.

Reply
BDSM Sex 27 أبريل، 2021 - 1:44 ص

Hi! This post couldn’t be written any better! Reading this post reminds me of my good old room mate!

He always kept chatting about this. I will forward this page to him.
Pretty sure he will have a good read. Thank you for sharing!

Reply
download bokep 27 أبريل، 2021 - 1:46 ص

Fantastic goods from you, man. I’ve understand your
stuff previous to and you’re just too wonderful. I really like what
you have acquired here, certainly like what you
are stating and the way in which you say it.
You make it entertaining and you still take
care of to keep it wise. I can not wait to read much
more from you. This is actually a terrific web site.

Reply
asiagol 27 أبريل، 2021 - 1:54 ص

Hello There. I discovered your blog the use of msn. That is a really smartly
written article. I will make sure to bookmark it and come back
to learn extra of your helpful info. Thanks for
the post. I’ll certainly return.

Reply
Carlena Badman 27 أبريل، 2021 - 2:18 ص

Have you ever thought about creating an e-book or guest
authoring on other blogs? I have a blog based on the same topics
you discuss and would love to have you share some stories/information. I know my viewers would appreciate your work.
If you’re even remotely interested, feel free to send
me an e mail.

Reply
FUN88 27 أبريل، 2021 - 2:31 ص

I love reading through a post that can make people think. Also, thanks for allowing me to comment!

Feel free to surf to my blog FUN88

Reply
Mergemp3.Com 27 أبريل، 2021 - 2:34 ص

Combine mp3 information. That is precisely what MP3 Cutter
does.

Reply
ufabet 27 أبريل، 2021 - 3:00 ص

Write more, thats all I have to say. Literally, it seems as though you relied on the video to make your point.
You definitely know what youre talking about, why waste your intelligence on just posting videos to your site when you
could be giving us something informative to read?

Reply
Lên giường với em người yêu dâm đãng và cái kết 27 أبريل، 2021 - 3:11 ص

At this moment I am going away to do my breakfast, later than having
my breakfast coming again to read further news.

Reply
slot 27 أبريل، 2021 - 3:12 ص

When some one searches for his vital thing, thus he/she
needs to be available that in detail, so that thing is maintained over
here.

my website – slot

Reply
thẩm mỹ viện tp hồ chí minh 27 أبريل، 2021 - 3:32 ص

whoah this weblog is magnificent i love studying your posts.
Stay up the good work! You recognize, lots of individuals are searching around for this info, you can aid them greatly.

Reply
메이저사이트목록 27 أبريل، 2021 - 3:45 ص

I’m not sure exactly why but this weblog is loading extremely slow for me.
Is anyone else having this problem or is it a issue on my end?
I’ll check back later and see if the problem still exists.

Reply
dabwoods carts 27 أبريل، 2021 - 4:50 ص

I simply could not leave your website prior to suggesting
that I extremely loved the usual info an individual supply in your guests?
Is gonna be back continuously to check up on new posts

Reply
asiagol 6 مايو، 2021 - 8:55 م

Hello, i think that i saw you visited my weblog thus i
came to return the want?.I am attempting to in finding things to enhance my web site!I suppose its good enough to use a
few of your ideas!!

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00