"حديقة المباهج الأرضية" للرسام الهولندي هورينيموس بوش الذي أتمها عام 1500 (متحف برادو) الذكاء الاصطناعي فيلسوف يبشر بـ “يوتوبيا” للذكاء الاصطناعي الخارق: ليس كارثة by admin 27 أبريل، 2024 written by admin 27 أبريل، 2024 168 اشتهر نيك بوستروم بانتقاده إيلون ماسك لكنه يتحدث الآن عن علاقة التقنية بمعنى الحياة ومفهوم العمل حينما تحل الآلات مشكلاتنا كلها وتشبع رغباتنا كافة اندبندنت عربية / أنتوني كاثبرتسون صحافي @ADCuthbertson خلال القرون الوسطى امتلك الفلاحون في أوروبا رؤية عن الجنة سموها “أرض كوكايني” Land of Cockaigne، وتمثلت بمكان للوفرة الأسطورية حيث الجدران مصنوعة من النقانق فيما السماء تمطر الجبنة. وبعد ذلك بنحو 500 عام استطعنا أخيراً تحقيق تلك النسخة من الـ “يوتوبيا” أو المدينة الفاضلة في الأقل من منظور فلاحي القرون الوسطى بفضل البرادات المملؤة بالطعام وتطبيقات توصيل الطعام بمجرد النقر على شاشة. إذاً في زمن الوفرة النسبية هذا ما نوع الـ “يوتوبيا” التي نستطيع تخيلها مع المعدل الحالي الذي نسجله في التطور؟ إذا حلَّت التكنولوجيا مشكلاتنا الحاضرة كلها، من الموت والمرض إلى الصراعات وأنواع المعاناة، وإذا نهض الذكاء الاصطناعي بكل الأمور لمصلحتنا، فما الذي عسانا أن نفعله؟ وما المعنى من وجودنا حينها؟ لقد تناول هذا الموضوع الفيلسوف نيك بوستروم في كتابه الأخير الـ “يوتوبيا” العميقة ومعنى الحياة في عالم حُلت مشكلاته” Deep Utopia: Life and Meaning in a Solved World . ولطالما ذاع صيت البروفيسور بوستروم بفضل كتابه “ذكاء خارق” Superintelligence الذي وضعه في عام 2014 وقدم فيه رؤية مستقبلية متشائمة عما سيحدث حينما يتفوق الذكاء الاصطناعي على ما يمتلك البشر من ذكاء. وبسوداوية أَنذر الكتاب بأن ذكاء اصطناعياً منفلتاً من السيطرة سيعمل في نهاية المطاف على محو الإنسانية، ودفع ذلك الأمر إيلون ماسك إلى التحذير من خطر وجودي محدق يتضمنه الذكاء الاصطناعي ويفوق أخطار الأسلحة النووية، وبعد 10 أعوام مع انتشار متزايد غير مسبوق للذكاء الاصطناعي، قرر البروفيسور بوستروم استكشاف ما سيحدث إذا سلكت تلك التقنية المسار الصحيح، وإذا أثبت الذكاء الاصطناعي أنه مفيد وينجح في تحسين حيواتنا بدل تدميرها، والأهم من ذلك كله أن بوستروم يطرح سؤالاً عما سيحدث لنا إذا لُبيت حاجاتنا ورغباتنا كلها وأُشبعت. لوحة “أرض كوكاينيه” للرسام بييتر برويغل وقد اشتغلها عام 1567 (ويكيميديا كومونز) وفي حديث مع “اندبندنت” يورد بوستروم، “أعتقد بأننا نحتاج إلى التفكير في التداعيات التغييرية للذكاء الاصطناعي وكيفية التعامل معها، وحينما تنظر إلى المستويات المتطرفة من الـ ’يوتوبيا‘ حينها ستواجه التحدي الفلسفي الأشد عمقاً في تكوين مفهوم عما يكونه حُسن الحياة الإنسانية”. على المدى القريب، من الممكن تصور عالم يلغي فيه الذكاء الاصطناعي الحاجة إلى العمل. قبل قرن توقع الخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز أن التطورات التكنولوجية قد تترجم بأن نعمل 15 ساعة في الأسبوع خلال القرن الـ 21، وقبل فترة وجيزة طرح بيل غيتس سؤالاً عما قد نفعله مستقبلاً في زمن ما بعد العمل، معرباً عن خشيته من أن التحدي الأكبر سيتمثل في “فقدان الهدف والغاية”، فلقد تناول سابع أغنى شخص في العالم المسألة من منظور الرأسمالية الحديثة، وفي المقابل ثمة أدلة تشي بأن أجدادنا في العصر الحجري لم يعملوا سوى أربع ساعات في اليوم. ويورد بوستروم أنه “من المدهش أنه حتى الآن، وعلى رغم المكتسبات الهائلة المنجزة في الانتاجية الاقتصادية، وقد توقعها كينز في مقالته الشهيرة، فلقد اخترنا استعمال معظم فائض دخلنا الاقتصادي في الاستهلاك بأكثر من زيادة الراحة والمتعة، واخترنا أن نكتفي بشراء مزيد من السلع”. ويزعم بوستروم أننا نحتاج إلى نقلة ثقافية “تعطي الأولوية للاستمتاع والتقدير أكثر من النفع والكفاءة”، مما قد يعني قبل كل شيء إجراء إصلاح جذري للمناهج المدرسية التي نعرفها اليوم. ويطرح بوستروم فرضية قوامها أن مسألة الهدف تصبح صعبة بخاصة عندما تصبح الأنشطة الترفيهية زائدة عن الحاجة، وذلك بسبب التقدم في التكنولوجيا العصبية وزراعة الدماغ التي لديها القدرة على محاكاة مشاعر المتعة أو الرضا من دون الحاجة إلى أية حركة جسدية منا. وفي هذا المستقبل الذي يرتئيه بوستروم وقد يأتي بعد أعوام أو آلاف الأعوام، تصل الحضارة إلى نقطة النضج تكنولوجياً، وحينما نتخطى زمن الندرة والقلة ونتجاوز طوباويات ما بعد العمل نصل إلى زمن “يوتوبيا” ما بعد الأدوات حينما لا يتبقى للإنسان شيء يستطيع عمله بأفضل مما يستطيع الذكاء الاصطناعي إنجازه. الفيلسوف نيك بوستروم اشتغل على مواضيع تغطي الفيزياء النظرية والمنطق والذكاء الاصطناعي (اندبندنت) واستكمالاً فثمة استثناءات قليلة لكنها بارزة في ذلك المشهد، على غرار تصور الأطفال عن والديهم على رغم أن الذكاء الاصطناعي لديه إمكان كامن في تقديم رعاية الأطفال أفضل من البشر، ويكتب بوستروم، “يستطيع الذكاء الاصطناعي الخارق تكوين أبوة / أمومة بديلة ومثالية، وفي المقابل فمن المفهوم تماماً في زمن النضج التقني أنك قد تلحق بعض الضرر بطفلك كلما انغمست في أبوة من نوع “افعل ذلك بنفسك””. ويصف بوستروم تلك الوضعية بأنها “حال من انعدام الوزن” ترغمنا على مواجهة السؤال عن الغاية والهدف، وما الذي من شأنه أن يعطي لحياتنا معنى في ذلك النوع من العالم؟ وللتغلب على مشكلة الغاية يرسي بوستروم “خمس حلقات من الدفاع” بغية الحماية من اللاجدوى، فمثلاً يقدر التعزيز الإدراكي على نقلنا إلى عوالم جديدة من التجارب والاستمتاع والتقدير حيال الجمال الطبيعي أو الفيزياء الكمومية. وثمة مثل آخر يتجسد بـ “التشابك الاجتماعي الثقافي”، بمعنى أنه يتضمن الاهتمام بشخص تحبه أو تصنع بيديك هدية تُعبر بها عن شعور محدد تجاه إنسان آخر تهتم لأمرهن وهناك أيضاً “الغاية المصطنعة” التي يوجد مثل عليها في تسلق جبل إيفرست، وذاك عمل لا حاجة أصيلة إليه لكن الناس مستمرون في تحميله بالمعاني، ولا يلزم أن تتمثل تلك “الغاية المصطنعة” في أمر عظيم. وبحسب بوستروم “فمن المستطاع أن يغدو كل يوم بمثابة حذاقة فنية أصيلة، مما يجعل الأيام قطعاً فنية رائعة في أنفسنا”. وهناك ما هو أبعد حتى من “يوتوبيا” ما بعد الأدوات، ويشير إليه بوستروم بمصطلح الـ “يوتوبيا التشكيلية”، بمعنى أن تتوافر تكنولوجيات متطورة تستطيع تشكيل كل ما نرغب فيه، بما في ذلك أشكال أجسادنا وحالنا العقلية. ويكتب، “مع توفر تقنية كاملة وأموال فائضة سنصل إلى وضع سنضجر فيه من أدمغتنا أو أننا سنحول أنفسنا إلى “فقاعات متعة”، بمعنى أن نغدو أدمغة خامدة غير فاعلة تعايش إحساساً بالمتعة المحفزة بصورة اصطناعية”. وفي الحد الأخير من الأشياء سيصل ما نقرر فعله إلى مواجهة السؤال الفلسفي الأقدم فيشأن معنى الحياة، ويقترح بوستروم أن الإجابة ستأتي ذات يوم إما من الذكاء البشري المُعزز [بالوسائل التكنولوجية] أو من ذكاء اصطناعي متطور إلى حد يكفي للتوصل إلى إجابة، وحتى حينها، وفق بوستروم، سنحتاج إلى أدمغة أكبر كي نتفهم ذلك بصورة فعلية. وفي نهاية المطاف حينما يصل الأمر إلى تقديم إجابة عن سؤال كتابه [معنى الحياة]، يقدم بوستروم تصوره الخاص بأنها “تتعلق برحلة وليس مصير”، وفق اقتباس لكلماته، ويكتب أنه “يجدر بنا ألا نسأل عن ما هي الحال المناسبة، بل ما هو المسار المناسب؟”. واستطراداً يُقصد من التقصي عن مفهوم الـ “يوتوبيا” العميقة أن يستعمل كنوع من مُسرع جسيمات بالنسبة إلى المفاهيم الفلسفية، أي أنه يكون الوضعيات القصوى سعياً إلى دراسة قيمنا الأساس. وفيما استطاع كتاب “ذكاء خارق” إدخال فكرة التهديد الوجودي المتأتي من الذكاء الاصطناعي إلى التيار الواسع [من النقاش عام]، فإن طموح المؤلف في كتابه الأخير هو إلقاء الضوء على “مدى الاتساع الذي يمكن أن يصبح عليه المستقبل” مع الذكاء الاصطناعي المتقدم، وينقل الكتاب التفكير الطوباوي إلى مستوى لم يجر التفكير فيه حتى الآن، ويتخيل الـ “يوتوبيا” على مستوى كوني وليس على المستوى العالمي وحده، وعلاوة على ذلك فهو يمتد إلى ما هو أبعد من تحسين الإنسانية وحدها ليشمل أي كائن واعٍ في هذه الرؤية، فحتى الذكاء الاصطناعي لديه الفرصة لتحقيق السعادة. وبحسب بوستروم، “آمل أن يتمكن الناس من تبني منظور أكثر اتساعًا عند التفكير في ما قد نطمح إلى تحقيقه ونرغب فيه في المستقبل البعيد، وأعتقد أنه في مرحلة ما سنحتاج إلى التداول في شأن الاتجاه الذي نرغب في توجيه العالم إليه، على افتراض أننا منحنا الفرصة للقيام بذلك، ومع ذلك يجب علينا أيضًا أن نعترف بالاحتمال الذي يلوح في الأفق بحدوث نتائج كارثية بين الآن و لاحقاً”. وبصفته رئيساً لـ “معهد مستقبل الإنسانية” في “جامعة أكسفورد” فقد لعب البروفيسور بوستروم دوراً رئيساً في لفت انتباه الجمهور إلى مثل هذه القضايا، ومع ذلك ففي الأربعاء الماضي وعقب أسابيع قليلة من نشر “يوتوبيا عميقة”، أعلن المعهد أنه بصدد إقفال أبوابه بعد نحو 20 عاماً على عمله، مُرجعاً ذلك إلى “ضغوط إدارية”. ويمكن تفسير هذا التحول في الأحداث بطريقتين، إما أنه يشير إلى انتكاسة لجهودنا في توجيه مسار البشرية على المدى الطويل نحو اتجاه إيجابي، أو كما قال “عراب الذكاء الاصطناعي” يان ليكون “يبدو أن مستقبل الإنسانية لم يعد موضع شك بعد الآن، في حال ساور أحدنا القلق في شأنه”. وحينما سئل البروفيسور بوستروم عن مآل مسارنا حاضراً وإن كان سيفضي إلى “يوتوبيا” أو مستقبل متشائم، جاء رده بأنه يعتقد بأن الأمور معلقة على كفتي ميزان، وكذلك أورد “أننا نتحرك صوب النهايتين كليهما بسرعة”، مضيفاً أن الذكاء الاصطناعي سيشكل “عنصراً حاسماً” في تحديد أي المآلين سنصل إليه. وبحسب ما لاحظه في كتابه الرائد “ذكاء خارق” فإن مصير عدد لا يمكن تصوره من البشر في المستقبل يقدر بنحو 1063، يمكن أن يتوقف على أفعالنا. وكتب بوستروم في المؤلف نفسه أنه “إذا جسّدنا بدمعة فرح كل السعادة التي تعاش خلال حياة بأكملها لدى كل شخص، فستملأ سعادة تلك الأرواح كل محيطات الأرض، بل ستعيد ملأها في كل ثانية، وتستمر في تكرار فعل ذلك طوال مليار مليار من الألفيات، ومن المهم بالفعل أن نتثبت من أن تلك الفيوض هي فعلاً دموع فرح”. © The Independent المزيد عن: نيك بوسترومالذكاء الإصطناعييوتوبياجون مينارد كينزإيلون ماسكبيل غيتسحديقة المباهج الأرضيةمستقبل البشريةالذكاء البشرييان ليكون 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post العلاقة بين الأنشطة اليومية وخفض أخطار الاكتئاب next post “مراسلات فلوبير”… عندما تصبح الكتابات الحميمة مشاعا You may also like قريبا: استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن أورام الدماغ 24 نوفمبر، 2024 روبوت بـ”رؤية خارقة”.. يرى ما وراء الجدران! 17 نوفمبر، 2024 كاميرا مزودة بالذكاء الاصطناعي لقياس ضغط الدم والسكري 17 نوفمبر، 2024 الذكاء الاصطناعي يطرح على ترمب تحديات كونية وأبعد 14 نوفمبر، 2024 أدوات مميزة لتحويل أفكارك إلى تصميمات مرئية جذابة 13 نوفمبر، 2024 دراسة جديدة: نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية تفتقر لفهم... 7 نوفمبر، 2024 الذكاء الاصطناعي لاعب دبلوماسي ومفاوض على طاولة السلام 7 نوفمبر، 2024 كيف وظفت دول عظمى الذكاء الاصطناعي في الفضاء؟ 2 نوفمبر، 2024 الذكاء الاصطناعي وصناعة “الإرهابي الملهم” 31 أكتوبر، 2024 أفضل أدوات الذكاء الاصطناعي لصناعة الفيديوهات المتقدمة 29 أكتوبر، 2024