الهم والإحباط: توم هانكس في دور فورست غامب في فيلم العام 1994 الفائز بجائزة "أوسكار" (باراماونت) ثقافة و فنون “فورست غامب” فيلم جدلي لكنه من أبرز المحطات السينمائية by admin 9 أبريل، 2024 written by admin 9 أبريل، 2024 110 على رغم فوز الفيلم بـ 6 جوائز “أوسكار” وحصده نجاحاً بارزاً في شبابيك التذاكر، إلا أنه لا يزال يثير انقساماً حاداً. نستكشف الإرث المثير للجدل لهذا العمل السينمائي الكلاسيكي الحديث اندبندنت عربية / جيفري ماكناب جنس، مخدرات، اغتيال سياسي، اضطرابات عرقية، حرب فيتنام، مهارات عالية السرعة في لعبة تنس الطاولة، وتجارة المأكولات البحرية. هذه العناصر تضافرت جميعها في فيلم “فورست غامب” Forrest Gump ليشكل عملاً شاملاً يحتوي على كل ما يمكن أن يخطر في البال. فالعمل الذي أنتج عام 1994، بدا على نحو غير متوقع، أحد أكثر الأفلام نجاحاً في عصره، بحيث قدم ملحمةً امتدت لعقود من الزمن، مزجت بين الجدية والخطر والنزوة الشديدة. وأصبح بطل الرواية المحبب والخيّر إلى حد يحاكي سحر الشخصيات الكرتونية، الدور المميز لتوم هانكس. ودخلت عبارات مميزة في الفيلم مثل: “اركض يا فورست، اركض” Run, Forrest, run!، و”الحياة تشبه علبة شوكولاتة” Life is like a box of chocolates في الاستخدام اللغوي الشائع. لكن على رغم النجاح الهائل الذي حصده الفيلم في شبابيك التذاكر وحصوله على 6 جوائز “أوسكار” – بما فيها “أفضل مخرج” و”أفضل ممثل” و”أفضل فيلم” – إلا أن “فورست غامب” يواصل إثارة الجدل واستقطاب الآراء. حتى لدى إصدار الفيلم للمرة الأولى، لم يتمكن بعض النقاد من مقاومة رشقه بالانتقادات بحماسة قاسية هي نفسها التي أبداها طلاب المدارس في ولاية ألاباما الأميركية، الذين أساؤوا معاملة فورست الشاب في بداية الفيلم. وكانت عبارات مثل “يائس لكنه عاطفي” Bleak yet saccharine، و”رجعي” Reactionary، و”غباء طفولي يتحول إلى غموض يبعث على الشعور بالسعادة” Infantile stupidity alchemized into feel-good dopiness من بين أكثر التصريحات اللاذعة الموجهة ضد الفيلم. وانتقِد كاتب السيناريو إيريك روث والمخرج روبرت زيميكيس، على إزالتهما العناصر الساخرة كلها من رواية وينستون غروم الأصلية التي يستند إليها الفيلم. وشعر النقاد بخيبة أمل وأصيبوا بالفزع من حقيقة أن الفيلم الذي اعتبروا أنه يفتقر للعمق والأصالة، تمكن من الطغيان على فيلم “خيال رخيص” Pulp Fiction لكوينتين تارانتينو، وسرق الأضواء منه أثناء حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 1995، من خلال الفوز بعدد من الفئات الرئيسة. لكن بعد نحو ثلاثة عقود من الزمن، لا يزال فيلم “فورست غامب” (الذي سيُعاد عرضه قريباً في دور السينما احتفالاً بالذكرى السنوية الـ30 لإنتاجه) يحتفظ بروحه المفعمة بالحيوية والمغامرة كما كان. فسرديته التي تدور حول رحلة رجل تغلب على تجارب مليئة بالصدمات عاشها طوال حياته، ليصبح قصة نجاح أميركية مبدعة تركت بصمتها في التاريخ عند كل منعطف، لا تشبه في الواقع أي قصة أخرى. كما أن مسار السرد يمحو تدريجاً كل سخرية متبقية لدى الجمهور المتشكك في البداية، الذي سرعان ما يستسلم ليصبح أكثر انخراطاً في رحلة فورست وتجاربه. يبدأ الفيلم بلحظة من التألق السينمائي، تحلق فيه ريشة في شوارع مدينة سافانا في ولاية جورجيا الأميركية، لتستقر أخيراً عند قدمي رجل يرتدي بزةً بيضاء وحذاءً رياضياً بالياً، وهو يجلس على مقعد في جوار محطة حافلات. هذا الرجل هو فورست غامب. يقوم بفتح حقيبته المليئة والموضبة بعناية، ويستخرج نسخته من كتاب الأطفال “جورج الفضولي”، ويضع الريشة بدقة داخل صفحاته. ثم، يشرع بمحادثة امرأة لا يعرفها، ويقدم لها قطعة من الشوكولاتة. المصور السينمائي المرشح لجائزة “أوسكار” دون بورجيس، أخبرني بأنه استخدم تقنية اضطُر فيها إلى وضع “رافعة إضافية فوق الرافعة الأساسية” لالتقاط المشهد الفريد للريشة وهي تنحدر بشكل ساحر عبر الأشجار والمنازل. ويتذكر في معرض تأمله لانطباعه الأولي عند قراءة السيناريو للمرة الأولى، أنه انجذب إلى سحره الغريب، لكنه أدرك في المقابل التحدي الهائل الذي يمثله من حيث التنفيذ. وأشار إلى أن غامب مليء بمثل هذه اللحظات، بما في ذلك التسلسل الافتتاحي الذي يجسد جوهره: فهو آسر وشاعري، لكن من الصعب إلى حد ما استيعابه أو فهمه بالكامل. “اركض، فورست، اركض!”: توم هانكس يلعب دور عدّاء رشيق يتحدى الصعوبات في الدراما الكوميدية لروبرت زيميكيس (باراماونت) إن سرد القصص في الفيلم ليس مبتكراً أو فريداً من نوعه كما قد يعتقد بعض المعجبين به. ففيلم “زيليغ” Zelig (1983) للمخرج وودي آلن قدم شخصيةً شبيهةً بالحرباء ظلت تظهر في لحظات تاريخية مهمة. كذلك استوحى الفيلم إلهامه من فيلم “أن تكون هناك” Being There للمخرج هال أشبي (1973) الذي لعب فيه الممثل بيتر سيلرز دور بستاني متواضع يصبح بشكل غير متوقع معلماً حكيماً في السياسة. وعلى رغم ذلك، كانت الاستوديوهات في حيرة من أمرها في البداية من أن أي شخص قد يرغب في إنتاج مثل هذا الفيلم الغريب. ويوضح المنتج ويندي فينرمان – الذي أمضى نحو عقد من الزمن في تأمين التمويل له – في مقابلة أجرتها معه صحيفة “نيويورك تايمز” عام 1994، أن “الممثلين والمخرجين والوكلاء والعاملين في الاستوديو، لم يبدوا اهتماماً بالمشروع”. فقد كان لدى جميعهم شعور بأن الجمهور، بعدما سبق أن شاهد فيلم “رجل المطر” Rain Man (1988) الذي قام بدور البطولة فيه داستن هوفمان مجسداً شخصية “عالِم مصاب بالتوحد”، من المحتمل ألا يهتم بفيلم آخر يظهر فيه بطل الرواية متبايناً عصبياً. وقد ردد شكوكهم إلى حد ما الممثلون وطاقم العمل. واستذكر توم هانكس في مقابلة أجرتها معه مجلة “نيويوركر” مشاعره والتساؤلات التي طرحها أثناء التصوير ومنها: “هل سيهتم أي شخص بهذا الفيلم؟ أو بذاك الرجل الجالس على مقعد مرتدياً حذاءً فضفاضاً وبزةً غريبة المظهر، ومعه حقيبة مليئة بكتب ’جورج الفضولي‘؟ هل نحن نقدم شيئاً ذا معنى لأي شخص؟”. وعلى رغم حجم الطموح لهذا الفيلم، إلا أن إنتاجه اقتصر على موازنة متواضعة نسبياً – نحو 50 مليون دولار. ويتذكر المصور السينمائي الجدول الزمني المرهق، وساعات العمل الإضافية في عطلة نهاية الأسبوع بالقول: “كنا نعمل في كثير من الأحيان لمدة ستة أيام في الأسبوع على الفيلم. أما أيام الأحد فكنا نقول لأنفسنا، ’دعونا نذهب لتصوير بعض مشاهد الجري‘”. اجتاز غامب جرياً الولايات المتحدة بأكملها من ساحلها الشرقي إلى الغربي، وعبر مواقع كثيرة بينهما. لم يقم صانعو الفيلم بتزييف تلك المشاهد، فقد انتقلوا معه في كل خطوة على الطريق، من رصيف “سانتا مونيكا” إلى منارة ولاية ماين، ومن ولاية مونتانا إلى ولاية وايومنغ. ويتذكر المصور بورجيس ذلك قائلاً: “لقد كان التعامل مع مجمل تلك التحديات اللوجستية أشبه بكابوس”. لقاء المحاربين القدامى: فورست غامب ورفيقه السابق في الجيش دان (الذي يلعب دوره غاري سينيس) (باراماونت) وعلى رغم الاستقبال المثير للانقسام بين الجمهور لفيلم “فورست غامب”، إلا أنه اجتذب عدداً هائلاً من المتفرجين الذين توافدوا لمشاهدته. وحقق بالتالي إيرادات مذهلة في شبابيك التذاكر على المستوى العالمي، بلغت ما يناهز 700 مليون دولار، ليتجاوز إجمالي إيرادات الأفلام الرائجة مثل “المنتقمون” The Avengers، و”عالم الجوراسي” Jurassic World، و”الفهد الأسود” Black Panther. في بداية الفيلم، يخاطب غامب المرأة الغريبة التي لا يعرفها، والتي تحاول ما أمكن تجاهله بالآتي: “كانت والدتي تقول لي دائماً إن الحياة تشبه علبة شوكولاتة… أنت لا تعرف أبداً ما الذي ستحصل عليه”. وقد استلهم كاتب السيناريو روث هذه العبارة المؤثرة من جملة افتتاحية لرواية وينستون غروم وهي: “دعني أقول هذا: أن تكون أحمقاً أو جاهلاً ليس بعلبة شوكولاته”. ومع ذلك، فإن غامب الذي في الرواية يختلف بشكل كبير عن ذلك الذي جرى تصويره على الشاشة. ففي الكتاب، هو شخصية واعية ولديه فهم واضح لهويته ومكانته في المجتمع، ويرى نفسه جزءاً من تقليد طويل للنموذج الأصلي “الأحمق الموهوب” (الذي يشبه “الأحمق” في رواية شكسبير “الملك لير” King Lear ، أو شخصية بو رادلي في رواية “أن تقتل الطائر المحاكي” To Kill a Mockingbird). وقد صوّر على أنه شخص كبير القامة وخشن السلوك، يتلفظ دائماً بعبارات بذيئة، ويمارس الكثير من الجنس. ولكن في الفيلم، جرى التخلي عن الكثير من السخرية والتصنع. ففورست الذي يلعب دوره هانكس، يجسد البراءة والسذاجة اللتين تذكراننا بممثلي الأفلام الكوميدية في السينما الصامتة، مثل تشارلي تشابلن أو باستر كيتون. وهناك لحظات في الفيلم تستحضر أسلوب هؤلاء الكوميديين، مثل انتصار فورست في مباراة كرة قدم جامعية، حين سجل هدفاً ثم واصل الركض، وفي النهاية خرج مسرعاً من الملعب. ونجح المخرج في تحويل رواية ساخرة – تضمنت في الأساس مواضيع عن الجنس والسياسة – إلى فيلم مناسب للعائلة. كانت محور هذا التحول قصة الحب التي ترسخت في صميم الحبكة. فمنذ اللحظة التي عرضت عليه جيني، الفتاة الصغيرة، مقعداً في حافلة المدرسة، أصبح فورست مفتوناً بها. وجرى تصوير علاقتهما على أنها طبيعية ودائمة، ووصف فورست التطابق بينهما بأنه “كالبازلاء والجزر” اللذين يكملان بعضهما البعض. وأصبحت جيني في نهاية المطاف هاجسه مدى الحياة. روبن رايت التي لعبت دور جيني البالغة، قالت لمضيف البرنامج الحواري جيمي فالون، إن اختبار الأداء في فيلم “فورست غامب” كان المرة الوحيدة في حياتها المهنية التي شعرت فيها بأنها حققت “نجاحاً”. وعلى رغم أنها كانت حاملاً في ذلك الوقت، إلا أنها شعرت بـ “عزم ثابت” و”بسهولة في التواصل” في علاقتها مع توم هانكس منذ البداية. وقد أسهمت علاقتهما الرومانسية في تقديم قصة قوية في الفيلم، التي كان من الممكن أن تبدو مفككة أو تفتقر إلى التماسك. وعلى رغم السمة العاطفية المفرطة التي اتسم بها غرامب، إلا أنه كانت تحيط به دائماً مسحة أكثر قتامة. فالفيلم يستكشف موضوعات مختلفة بدءاً من الموت والخسارة وصولاً إلى الشعور بالوحدة الشديدة. وتتصارع جيني أيضاً مع الأحداث المضطربة التي شهدتها تلك الحقبة. وفيما كان فورست منغمساً في مستنقع حرب فيتنام وينقذ جنوداً جرحى، كانت جيني منخرطةً بقوة في حركة الحقوق المدنية وتشارك في أنشطة تتحدى الأعراف الثقافية السائدة وتعارضها. كانت تتعاطى المخدرات ووصلت إلى حافة الانتحار. وتشكل تجاربها انعكاساً لصراعات فورست إنما بطريقة أكثر قتامةً وتعقيداً. أما ماضي جيني المؤلم، الذي طبعته إساءة والدها إليها وعنف صديقها، فيرمز إلى الجانب المظلم من الحلم الأميركي. حبيبان منذ الطفولة: توم هانكس وروبن رايت في فيلم “فورست غامب” (باراماونت) يجسد فيلم “فورست غرامب” نموذجاً لأفلام الأصدقاء التقليديين – وهو سبب آخر جعله ينال إعجاب الكثير من المشاهدين. فالعلاقة بين غامب والملازم دان تايلور (الذي يؤدي دوره الممثل غاري سينيس)، ضابط الجيش الذي بُترت ساقاه في فيتنام، تشبه إلى حد كبير العلاقة بين شخصية جورج صغير القامة لكن واسع الحيلة، وليني كبير القامة ومتباين الأعصاب، في رواية جون ستاينبيك “الفئران والرجال” Of Mice and Men. (في الواقع، أخرج غاري سينيس – الذي يلعب دور الملازم دان – فيلماً مقتبساً من الكتاب وقام ببطولته قبل نحو عام). ويتذكر المصور السينمائي بورجيس أن الطاقم كان “يهوى فورست غامب خلال صناعة الفيلم”، غير أنه أضاف أنه “لم تكن لديهم أي فكرة عما إذا كان الجمهور سيبادله الشعور نفسه”. بعد مرور نحو ثلاثة عقود، ليس من الصعب أن نفهم ما الذي يجعل هذا الفيلم قوياً على نحو فريد. لعل السحر يكمن في قدرة صانعي الأفلام على إحياء قصة شعبية مليئة بالتفاؤل واستحضارها من كنف وقائع قاتمة وكئيبة. قد يتجدد ولع الجمهور الدائم بغامب مع الإصدار المقبل للفيلم الجديد “هنا” Here، المقرر عرضه في وقت لاحق من هذه السنة. هذا العمل يجمع بين المخرج زيميكيس والنجمين هانكس ورايت وكاتب السيناريو روث. والفيلم الجديد عبارة عن دراما عائلية مستوحاة من رواية ريتشارد ماغواير المصورة، بحيث يلعب هانكس ورايت دور بطلين يتزوجان وينجبان أطفالاً. بورجيس هو المصور السينمائي مرةً أخرى، لكنه نبه المشاهدين إلى عدم توقع فيلم “غامب” آخر. وقال: “لقد عاد الفريق الإبداعي (الذي كان وراء “فورست غرامب”) إلى العمل معاً لكن لديه قصة خاصة”. أما في ما يتعلق بغامب نفسه، فلا يزال هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يطيقونه – بينما لا يزال هناك آخرون يشيدون به باعتباره أحد أفضل أبطال السينما في التسعينيات. قد يكون مفتقراً للذكاء، لكنه يعرف ما هو الحب. إن أي شخص يكن له كرهاً، لا بد من أن لديه نظرةً سلبيةً للحياة بشكل عام. فيلم “فورست غامب” Forrest Gump يُعاد عرضه في التاسع عشر من يوليو (تموز) المقبل © The Independent المزيد عن: فورست غامبجوائز الأوسكارتوم هانكسروبرت زيميكيس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post دانيال بايمان يكتب عن: إسرائيل عالقة في غزة next post ماذا بات يعني الأمل في زمن الحروب اللاإنسانية؟ You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024