"فضيحتان" أدبيتان مقصودتان تختتمان حياة الإنجليزي مارتن أميس ثقافة و فنون “فضيحتان” أدبيتان مقصودتان تختتمان حياة الإنجليزي مارتن أميس by admin 30 يناير، 2024 written by admin 30 يناير، 2024 268 ما الذي حرك الفرنسيين والألمان للامتناع عن ترجمة ونشر روايته “منطقة الاهتمام”؟ اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لعل أكثر ما كان يهم القارئ العربي بالنسبة إلى “معرفته” بالكاتب الإنجليزي مارتن أميس، كونه الابن الأكبر والوريث المعروف في عالم الإبداع الأدبي للكاتب كنغسلي أميس الذي قد يصح أن نقول إن مجده الأدبي تمثل في أنه كان من أوائل الأدباء الإنجليز الذين عرفوا قراء لغة شكسبير بأعمال الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ، سنوات عديدة، قبل نيل هذا الأخير جائزة “نوبل” الأدبية. في رواية أميس ثمة شيء آخر ينتظر بعضهم على الأقل وهو الحب والخيانات الزوجية (غيتي) والحقيقة أن القراء العرب لم يبدوا أية مبالاة، في العام الماضي 2023، حين حملت لهم الأنباء خبر الرحيل المبكر لمارتن، عن 74 سنة، واكتشفوا فقط، وللمناسبة، أن هذا الكاتب الذي ذكرت الأنباء أنه أصدر في حياته 15 رواية كان يعتبر من أشهر الكتاب الإنجليز في “العالم الخارجي” لا ينافسه في ذلك سوى قلة من بينهم إيان ماك إيوان وحميد قرشي وبالطبع نايبول. ولكن، في المقابل، تعرف القراء الفرنسيون إلى أميس الابن، باكراً، إذ ترجمت رواياته إلى الفرنسية وقرئت من دون أن تثير اهتماماً كبيراً لديهم، حتى كان عام 2014، حين أصدر روايته “منطقة الاهتمام”، لتتبعها في عام 2020 رواية أوتوبيوغرافية له هي “الحكاية من الداخل”، وما من واحدة من تينك الروايتين أثارت، في الحقيقة، اهتمام الفرنسيين لقيمتها الأدبية، بل للفضيحة الاجتماعية التي اندلعت من جراء كل منهما. وكانت الفضيحة المتعلقة بـ”منطقة الاهتمام” أكثر وطأة لأنها تمس موضوعاً يعتبره الإعلام الفرنسي “مقدساً محظوراً”، وهو موضوع معسكرات الاعتقال النازية وحياة اليهود المحشورين فيها لا ينتظرهم هناك سوى الموت كمآل أخير لهم. حب وخيانات زوجية ولكن في رواية أميس، قبل الأخيرة هذه، ثمة شيء آخر ينتظر، بعضهم في الأقل، وهو الحب والخيانات الزوجية وما شابه ذلك من علاقات ولقاءات كان يمكن، على أية حال، أن تحدث في عالم آخر لا علاقة له بتلك المعسكرات، وما كان من شأنه أن يثير ثائرة الفرنسيين الذين اعتادوا أن يجعلوا من أنفسهم المؤتمنين على “الهولوكوست” وكل ما يتعلق به، أيديولوجياً وأخلاقياً. فكيف إذا تم تناوله من موقع تلك العلاقات وتحديداً بأسلوب لا يخلو من فكاهة، على الطريقة الإنجليزية؟ وكيف إذا كان ذلك كله قد انطلق من موضوع تفرد في اعتبار الأمر فضيحة قام بنشره يومها “ملحق التايمز الأدبي”، في وقت أجمع النقد الإنجليزي على كون تلك الرواية “أفضل ما نشر أميس حتى الآن”، كما أفتت زادي سميث من دون أن تبالي بما تحمله الرواية من “سخرية وحس مرح ومشاهد جنسية لا تليق بالقضية الكبرى”. وهو موقف شاركتها فيه زميلتها الأميركية جويس كارول أوتس التي أفتت، بدورها، بما يشبه ذلك في “النيو يوركر” عبر مقال يمتدح الرواية بدوره. غلاف رواية “منطقة الاهتمام” (أمازون) ويبدو أن أميس حصل يومها على مبتغاه من ضجيج ولو محدود كان من نصيب “منطقة الاهتمام” ليكرر “لعبته” بعد نصف عقد من السنين في كتابه التالي الذي سيختم به حياته ومساره الأدبي، على أية حال، مازجاً بين فصول حقيقية من حياته، وفصول أخرى متخيلة لها شخصياتها الخاصة بها، ليروي ما بقي في ذاكرته من صداقة ارتبط، من خلالها، بثلاثة من كبار كتاب عصره: فيليب لاركن وسول بيلو وطبعاً كريستوفر هيتشنز الذين كانوا من خلصائه ورحلوا قبله، ليضيف إليهم شخصية متخيلة، هي فوبي فليبس التي يتخيل، في رواية “التخييل الذاتي” هذه، أنها تفيده كمحور يلقي من خلاله، نظرات حاسمة على العلاقات التي قامت بين أولئك الأصدقاء في تصوير “من الداخل” كما يقول العنوان الواعد. من ثم أتاح مجالاً لفضيحة أدبية جديدة، تختلف جذرياً عن تلك التي أثارتها الرواية السابقة. ويقيناً أنه هنا أيضاً تعمد إثارة الفضائح من حول أدب لم يكن له هو نفسه عهد بما يشابهها من قبل. فضيحة شخصية والحقيقة أن الفضيحة الثانية كانت شخصية تنبع عموميتها فقط من كونها أتت تالية للفضيحة الأولى، ولا سيما أن “فضيحة” “منطقة الاهتمام” أتت من سؤال طرحه البعض في تلك المناسبة: “هل يمكن للأدب السخرية من كل شيء؟”. وكان من الواضح أن الجواب الذي كان منطقياً حينها بالنسبة إلى مارتن أميس هو: نعم! وهو فعل إيمان لم يتخل هذا الكاتب عنه وقد ورثه أصلاً من أبيه. والحال أن السؤال والجواب كانا طرحا من قبل صدور الرواية، وبالتحديد منذ كان أميس قد أعلن، قبل أشهر من ذلك، أنه بصدد نشر رواية جديدة له تدور أحداثها داخل معسكر الموت النازي في “أوشفيتز”. ومنذ ذلك الحين راح الشعور بالفضيحة يتراكم في الأوساط النخبوية وحدها على أية حال، ولعل إعلان الناشر الفرنسي غاليمار الذي ينشر عادة الترجمات الفرنسية لروايات مارتن أميس ونظيره الألماني هانز فيرلاغ بالنسبة إلى ترجمات الكاتب نفسه إلى الألمانية، أعلنا استنكافهما عن نشر هذه الرواية الجديدة على رغم ما كان متوقعاً من أن تتضاعف، للمناسبة، مبيعات الرواية لدى قراء كل منهما، وذلك لأسباب واضحة تتعلق بكون ألمانيا هي المعنية أكثر من أي بلد في العالم بهذا الموضوع من ناحية، وكون فرنسا تتنطح دائماً لاعتبار نفسها المعنية الأولى، وربما بأكثر مما تفعله إسرائيل، بكل ما يتعلق بـ”الهولوكوست”. وسوف يزيد الطين بلة حين تصدر الرواية ويبدأ تداولها في بلدان عديدة من العالم، أن القراء اكتشفوا أن أميس لم يكن يمزح حين نشر أحاديثه عن روايته. فالرواية، حتى وإن لامست موضوعها من منطلق اللغة الساخرة التي ميزت عادة أسلوب هذا الكاتب، لم تكن بأية حال شريرة تجاه شخصياتها. لكنها، وربما هنا يقع “ذنبها” في نظر الذين نصبوا أنفسهم حراساً لذاكرة “الهولوكوست”، لم تهتم كثيراً بما إذا كان من الضروري أن تتناول الصفحات التي تتحدث في الرواية عن الحياة الداخلية التي يعيشها الضباط الألمان داخل المعسكر للقيام بمهامهم في مجال إبادة اليهود المعتقلين. ففي نهاية الأمر، كان “ذنب” الرواية أنها اتبعت الخط الذي تميزت به الفيلسوفة الأميركية اليهودية من أصل ألماني حنة آرنت، حين تابعت محاكمة النازي أدولف أيخمان في القدس، أوائل ستينيات القرن الـ20 لحساب “النيو يوركر”، وتطلع بكتاب تؤكد فيه أن ذلك المسؤول عن قتل كثر من اليهود في معسكرات الاعتقال “إنما كان ذنبه الأساس يكمن في تنفيذه أوامر رؤسائه”، ومن هنا ابتكرت مفهوم “عادية الشر” مما أثار ضدها في حينه عواصف من الغضب. وثارت ثائرة الفرنسيين هنا طبعاً لا يذكر أميس حنة آرنت، لكنه يبدو متبنياً فكرتها كبديهة. وهو على أية حال تبن يثير الثائرة لدى الألمان والفرنسيين لكن أثره يبدو ضعيفاً جداً في البلاد الأنغلو – سكسونية. ومن هنا الفارق في تلقي الرواية بين بلد وآخر ولغة وأخرى على أية حال، ومن هنا ما لوحظ يومها من أن الصحافة الإنجليزية عموماً لم تتورع عن امتداح “منطقة الاهتمام” معتبرة أن طرافة موضوعها، الذي تدور من حول حكاية غرام متشعبة بين ضابط ألماني وزوجة قائده داخل المعتقل، وهي حكاية تتواصل بعد الحرب وبعد أن يعود الضابط إلى “عادية حياته”، أمر جدير بالاهتمام، بل إن من بين المعلقين الإنجليز على الرواية من لفت إلى أن الجانب الهزلي في الحكاية كلها أتى في هذه الرواية أقل حضوراً مما اعتاد “أميس أن يقدمه لنا في رواياته السابقة المتخمة عادة بمستوى ضخم من روح الدعابة الإنجليزية في أكثر تجلياتها إضحاكاً”! ومن هنا لم يكن غريباً أن ينظر كثر إلى “منطقة الاهتمام” معتبرينها من أفضل ما أنتجه مارتن أميس (1949 – 2023) في مساره الأدبي المجيد. وخير خاتمة إبداعية لحياته التي لم تكن تقل أهمية عن حياة شخصيات هذه الرواية تشهد على ذلك سيرته “الحكاية من الداخل” التي سيختم بها تلك الحياة بعد هذه الرواية بسنوات قليلة، والتي اتسمت بذلك المزج الخلاق بين الفصول العديدة التي تروي حكاية صداقاته والفصول الخيالية التي تتحدث عن الدور الذي لعبته امرأة متخيلة في توجيه اتجاهات الفصول الحقيقية فيها. المزيد عن: مارتن أميسكنغسلي أميسجائزة نوبلالهولوكوستحنة آرنت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post N.S. proposes taking on $117 million of utility’s fuel costs to reduce rate hike next post كاميليا انتخابي فرد تكتب عن: النظام الإيراني يتستر على أهدافه الاستراتيجية من خلال إشعال المواجهات في المنطقة You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024