فرويد وابنته أنا (مؤسسة فرويد) ثقافة و فنون فرويد فشل في معالجة ابنته آنا التي رافقت احتضاره by admin 25 أغسطس، 2024 written by admin 25 أغسطس، 2024 62 العائلة الفرويدية وأمراضها وعلاقاتها ومرحلة الحرب في سيرة فرنسية شاملة اندبندنت عربية / مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN تحظى الرواية البيوغرافية أو رواية السيرة الغيرية بشعبية كبيرة في هذا الموسم الأدبي الفرنسي. فهناك عديد من الكتب الصادرة حديثاً تكشف عن سير شخصيات تاريخية أو أدبية أو علمية أو فنية، كان لها الأثر الكبير في زمانها وفي الأزمنة اللاحقة. تتوقف هذه الروايات عند محطات وأحداث شكلت منعطفاً أساساً في حياة كل شخصية، سالكة طرقاً مختلفة لتقديمها للقارئ. بعضها سقط في فخ الإفراط في التوثيق، وبعضها الآخر في فخ الإفراط في الخيال، بوصفه أسلوباً يعكس رؤية الكاتب إلى ذات بطل سرديته وطريقته في التصور والإحساس والتعبير. ولعل رواية إيزابيل باندازوبولوس الصادرة أخيراً في باريس تحت عنوان “بيوت آنا فرويد السبعة” (منشورات آكت سود، 2024) تتحاشى الأمرين، ولو تداخل فيها الواقع التاريخي والخيال في لعبة سردية جميلة. تتناول رواية “بيوت آنا فرويد السبعة” سيرة آنا، أصغر أبناء سيغموند فرويد ومرتا برنيز (1895-1982)، التي كان ينظر إليها وقتذاك كـ”بطة” العائلة “القبيحة” بسبب مشكلاتها الصحية والنفسية، مثل فقدانها الشديد الشهية ونوبات الضيق والاكتئاب الحادة التي كانت تصيبها، وغيرها من الأمراض الجسدية التي استوجبت وضعها تحت رعاية طبية مدى الحياة. تبدأ الرواية في ليلة من ليالي شتاء عام 1946 بوصول ممرضة شابة إلى منزل آل فرويد لرعاية آنا التي اشتد مرضها بعدما هربت العائلة من بطش النازيين، وانتقلت إلى الإقامة في العاصمة البريطانية. فقد كانت الابنة الصغرى للمحلل النفسي الشهير منهكة ومصابة بالحمى، معلقة بين الحياة والموت. وعلى رغم ذلك استطاعت أن تكشف لهذه الشابة الغريبة، التي تلعب في القصة دور الراوي، أسرار حياتها كما لو كانت مستلقية على أريكة التحليل النفسي تستحضر في استرجاع سردي، ذكريات أحداث وقعت خارج الخط الزمني للرواية، عمقت شخصيتها وأضفت على الحبكة مزيداً من الإثارة والاهتمام. “بيوت أنا فرويد السبعة” (دار أكت سود) على هامش هذه العقدة الروائية الأساسية يتطرق السرد إلى حقبة مفصلية من تاريخ أوروبا أيام صعود النازية والحرب العالمية الثانية والعيش في المنفى، التي تتقاطع مع استعادة آنا محطات من حياتها ومن حياة والدها الذي كانت شديدة الالتصاق به، وتصويرها بدايات التحليل النفسي وغيرها من الموضوعات التي نقلت القارئ إلى فيينا عشرينيات القرن الماضي، وتحديداً إلى منزل وعيادة الطبيب الأسطوري صاحب نظرية اللاوعي وطريقة التداعي الحر، الواقع في الرقم 19 من شارع بيرغاس، إذ خضعت الابنة أيام مراهقتها الصعبة، المليئة بالرغبات المكبوتة والتخيلات المحرجة، لأول علاجاتها النفسية على يد والدها، الذي أخذت عنه في ما بعد، اتجاهاته العلمية واهتماماته السيكولوجية، وظلت ترعاه في مرضه منذ إصابته بالسرطان عام 1923 حتى وفاته في لندن عام 193، وتوليها بعد ذلك رعاية مرضاه. الابنة المريضة على الأريكة مع أن التحليل النفسي الذي خضعت له آنا على أريكة فرويد لم يساعدها على الشفاء من اعتلالاتها الجسدية والعصبية، إلا أنه بالتأكيد خلق بينها وبين والدها علاقة قوية، أدخلنا السرد الروائي في خصوصياتها، لا سيما تلك المتعلقة بالسنوات الأخيرة من حياة فرويد. تتطرق الرواية كذلك إلى تعرف آنا إلى الكاتبة والفيلسوفة والمحللة النفسانية لو أندرياس سالومي (1861-1937)، التي قدمها سيغموند فرويد لابنته على أمل أن تكون قادرة على مساعدتها وتوجيهها في حياتها العملية. وبالفعل، نجحت لو في تقديم الدعم للشابة البالغة من العمر آنذاك 26 سنة وفي جعل جمعية التحليل النفسي في فيينا تقبل عضويتها، بعد أن أصدرت أول أبحاثها عن اتجاهاتها في تحليل نفس الأطفال وأسس العلاج الخاص بهم، وقدمت مساهمات أساسية لفهم كيفية عمل الأنا أو الوعي في تجنب الأفكار والدوافع والمشاعر المؤلمة عند الطفل. تخبرنا الرواية كذلك أن آنا لم تتزوج وأنها بدأت حياتها العملية مدرسة أطفال. فالطفلة المجروحة التي تتربص في داخلها كانت سبباً كافياً بحسب الراوية لجعلها تهتم بالتربية وعلم نفس الطفل، ودراسة الجوانب العقلية والانفعالية والجسمية والمعرفية عنده، بهدف تحليل سلوكه ومحاولة فهم التغيرات التي تطرأ عليه. وأصبحت واحدة من أولى المحللات النفسيات للأطفال ومؤسسة أول مدرسة في لندن للأولاد المتسربين من النظام التعليمي، منافسة كل الشخصيات المؤثرة في مجال علم نفس الطفل، وعلى رأسهم المحللة النمسوية الشهيرة ميلاني كلاين (1882-1960). تعرج الرواية كذلك على وفاة صوفي، شقيقة آنا وعن تبني هذه الأخيرة ابنها إرنست، وعن لقائها على هامش ممارستها التحليل النفسي للأطفال بصديقة عمرها الأميركية دوروثي بيرلينغهام، الهاربة من العنف الأسري، التي حاولت التعامل مع محنة أطفالها الأربعة، والتي أسست معها عدداً من دور الحضانة للأطفال اليتامى والمنكوبين والمرحلين، متطرقة كذلك إلى العلاقة العاطفية الملتبسة بينهما. عائلة فرويد ما يميز رواية إيزابيل باندازوبولوس التي بدأت حياتها كأستاذة للغة الفرنسية وكمدرسة للأطفال الذين يعانون صعوبات في التعلم والإعاقة العقلية، هي الحميمية التي تدخل القارئ في كنف عائلة فرويد، كأنه أحد أفرادها أو المقربين منها الذين رافقوا خضوع رائد التحليل النفسي لأول عملية جراحية في فكه، وعيشه بعدها 16 عاماً برفقة مرض السرطان وخضوعه لـ15 جراحة أخرى، تطلبت عناية آنا به ومعاناتها معاناته، ورفضها رؤية الموت الذي يتقدم منه بخطى ثابتة. إن قراءة سيرة آنا فرويد كما تقدمها لنا إيزابيل باندازوبولوس، تعني في ما تعنيه، تعرف القارئ ليس فقط إلى حياة بطلتها، بل إلى كل الحركات التحررية النسائية في القرن الـ20، والتأرجح الذي يعيشه الإنسان بين الواجب والحرية، والدخول في تاريخ التحليل النفسي، لا سيما تحليل نفس الأطفال، وفهم ما يحدث اليوم في طريقتنا في النظر إلى الطفولة. “بيوت آنا فرويد السبعة” رواية تقرأ كملحمة عائلية، وكقصة مختصرة عن تاريخ التحليل النفسي، وكمسرى حياة امرأة شجاعة تبحث عن صوت ومكانة لها تحت الشمس. تكشف لنا هذه الرواية كذلك عن توترات التاريخ من خلال التوقف أمام الأحداث المهمة التي عاشتها وعاصرتها عائلة فرويد، وفق منطق عاطفي غير آبه بتأريخ الحوادث وفقاً لتسلسل وقوعها وتحديد تواريخها الكرونولوجية الدقيقة، بل كامتداد غير خطي لتعرجات الحياة. على غرار الروائية الأميركية جويس كارول أوتس التي تناولت حياة مارلين مونرو في كتابها الشهير “شقراء”، تشدد إيزابيل باندازوبولوس من خلال سرد قصة حياة آنا فرويد الغنية بالأحداث، التي يتداخل فيها الواقع والمتخيل، على شخصية بطلتها. فتصورها كامرأة تسير عكس الرياح، تصارع طرق حياتها المسدودة، مقدمة لنا قصة مؤثرة عن الحب العميق من ابنة لوالدها، ومعاناتهما، ككثر غيرهما، من ويلات الحرب والمنفى، بخاصة أن آنا قد تم اعتقالها واستجوابها من قبل الغستابو، قبل إطلاق سراحها. ليست “بيوت آنا فرويد السبعة” التي تحاول سبر أغوار الجانب المخفي من حياة آنا فرويد التي أضحت منسية، أول رواية لإيزابيل باندازوبولوس المولودة في باريس عام 1968. سبق لهذه الكاتبة المعروفة باهتمامها بأدب الشباب أن نشرت روايات عدة، نال بعضها عدداً من الجوائز. وأطلقت أول سلسلة من النصوص التي تستكشف قصص الميثولوجيا اليونانية بعيون نسائية. إن رواية “بيوت آنا فرويد السبعة” إضافة نوعية إلى روايات السير الغيرية. هي بالتأكيد ثمرة تداخل جميل بين خيال باندازوبولوس الجامح وقراءاتها العميقة لأعمال آنا فرويد، ورسائلها الشخصية وكتاباتها، وأماكن إقامتها في فيينا ولندن وباريس وغيرها من المدن التي ارتبطت بنشأة التحليل النفسي. المزيد عن: فرويدالإبنةالتحليل النفسانيسيرةالحرب العالمية الثانيةلندنالنازيةالامراضالكآبة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سرقة القرن… المتهم الرئيس خرج من العراق ولم يعد next post وودستوك من منظور جديد: ما الذي حل بحلم الهيبيين؟ You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024