الثلاثاء, أبريل 22, 2025
الثلاثاء, أبريل 22, 2025
Home » فرنسيس… البابا الفقير من المهد إلى اللحد

فرنسيس… البابا الفقير من المهد إلى اللحد

by admin

 

المهاجر خورخي بيرجوليو صاحب قصة كفاح روحي وعلمي وديني حملته من بوينس آيرس إلى الفاتيكان

“اندبندنت عربية ”

 

“شعبي فقير وأنا واحد منهم”…

خورخي بيرجوليو، فرنسيس لاحقاً.

لم يكن للكثيرين أن يتخيلوا دورة عجلة الزمن إلى الحد الذي يأتي منه بابا للكنيسة الرومانية الكاثوليكية من قارة أميركا اللاتينية؛ فقد درجت العادة أن يكون البابا إيطاليّاً (نحو 200 كانوا إيطاليين)، غير أن اختيار كاردينال بولندا كارول فوتيلا (يوحنا بولس الثاني) عام 1978، كسر هذه القاعدة بعد نحو خمسة قرون، فأضحى أول بابا من دولة أوروبية شرقية، ثم جاء من بعده البابا الألماني جوزيف راتزينجر (بندكتوس السادس عشر)، وها هو خورخي ماريو بيرجوليو يحل لاحقاً في السُّدة البطرسية.

في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) من عام 1936 كان المولد في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس لعائلة مكوَّنة من خمسة أطفال، هو الأكبر فيها، الأب مارو خوسيه بيرجوليو المهاجر الإيطالي الأصل، ووالدته ريجينا سيفوري ماريا الأرجنتينية الجنسية، الإيطالية الأصل كذلك، وكلاهما (الأب والأم) هربا من إيطاليا في زمن الحكم الفاشي، الذي ساد فيها فترة من الزمن.

جذور البابا بوصفه ابناً لعائلة مهاجرة، سيقدر لها لاحقاً أن تشكل طريقة تفكيره في واحدة من أهم الإشكاليات التي قابلتها أوروبا في الأعوام الأخيرة، وهي الهجرة والمهاجرون، وعلى نحو خاص من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بعث بيرجوليو ذات مرة من عام 2017، برسالة إلى اجتماع “تيد 2017” الملتئم في فانكوفر بكندا تحت عنوان “المستقبل هو أنت”، عبر تسجيل مصوَّر قال فيها: “إن وجود كل واحد منا يرتبط بالآخرين”، فـ”الحياة ليست وقتاً يمضي بل وقت لقاء”.

الأب خورخي بيرجوليو الذي سيصبح لاحقا البابا فرنسيس (الفاتيكان)

 

وتابع: “إن لقائي أو إصغائي لمعاناة مرضى ومهاجرين يواجهون صعوبات جمَّة في البحث عن مستقبل أفضل، وسجناء يحملون الجحيم في قلوبهم، وشباب لا يعملون، غالباً ما يطرح عليّ سؤالاً: لماذا هم وليس أنا؟ فقد ولدت أنا أيضاً في عائلة مهاجرة، والدي وأجدادي، كالعديد من الإيطاليين الآخرين، هاجروا إلى الأرجنتين وعرفوا مصير من يخسر كل شيء؛ لذلك كان من الممكن أن أكون أنا أيضاً اليوم بين من يتم تجاهلهم”.

الطريق إلى الكهنوت والتكريس

تخرج بيرجوليو فنياً كيميائياً، قبل أن يختار طريق الكهنوت، فيدخل في المعهد الإكليريكي “فيلاديفوتو”.

وفي الحادي عشر من مارس (آذار) 1958 التحق بالرهبنة اليسوعية، ودرس العلوم الإنسانية واللاهوتية في تشيلي، وفي 12 مارس 1960 أشهر نذوره الرهبانية، فغدا بذلك عضواً رسمياً عاملاً في الرهبنة.

عاد بيرجوليو لاحقاً إلى الأرجنتين ليتابع دراساته في الفلسفة واللاهوت في جامعة “سان ماكسيمو دي مغيل”، التي حصل منها على درجة علمية في الفلسفة.

وتذكُرُ مصادر أخرى أنه تابع دراساته في الأدب وعلم النفس بين عامي (1964 – 1965) في جامعة “ديلا انماكيو لادا” في “سانتا في” وتخرج منها.

ومنذ عام 1964 حتى عام 1965، علّم بيرجوليو الأدب وعلم النفس في كلية الحبل بلا دنس في “سانتا في”، وبعد سنة علَّم المادتين عينهما في كلية المخلِّص في بوينس آيرس.

سِيم بيرجوليو كاهناً عن يد رئيس الأساقفة رامون خوزيه كاستيانو عام 1969، غير أن مسيرته مع التحصيل العلمي لم تتوقف، فحصل عام 1986 على شهادة دكتوراه في اللاهوت في فرايبورغ – ألمانيا.

كان عام السيامة الكهنوتية عاماً مؤلماً صحياً بالنسبة للكاهن الأرجنتيني الشاب؛ ذلك أنه أصيب بالتهاب خطير في الصدر استدعى استئصال إحدى رئتيه بعد نزاع دام ثلاثة أيام “بين الحياة والموت”، وقال في وقت ما: “هذا الإجراء الجراحي، كان يمكن تلافيه في حاضرات أيامنا عبر استخدام المضادات الحيوية المتقدمة”.

انتصرت إرادة الحياة على الموت الذي واجه المدعوَّ لاحقاً لأن يصبح “صاحب القداسة”، ومن قبل ذلك عُيِّن أستاذاً لعلم اللاهوت، ودرّس في كلية الفلسفة واللاهوت في جامعة “سان مغيل” في بوينس آيرس بصفته محاضراً مبتدئاً، ثم أستاذاً، وكان قد أقام المحطة الأخيرة للتدريب الروحي للرهبان الجدد بحسب قواعد الرهبنة اليسوعية في إسبانيا، ومكث فيها حتى اختير رئيساً إقليمياً للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين بدءاً من 22 أبريل (نيسان) عام 1973، واستمر في شغل المنصب حتى نهاية ولايته في 1979.

كان البابا فرنسيس نشيطا في تحركاته وجولاته رغم الاعباء الصحية (رويترز)

 

كانت فترة رئاسته للرهبنة بصفته رئيساً إقليمياً في بلاده، واحدة من أزهى الفترات وأكثرها نماءً في حياة الأب بيرجوليو؛ فقد علَّم وحاضر في عدد من المحافظات الأرجنتينية، وبعد نهاية ولايته عاد إلى التدريس في جامعة “سان مغيل” وغدا عميد المعهد اللاهوتي هناك.

بيرجوليو رئيس أساقفة لبوينس آيرس

في أوائل العقد الأخير من القرن العشرين وتحديداً في عام 1992، كان اختار يوحنا بولس الثاني الأب بيرجوليو ليكون أسقفاً مساعداً لرئيس أساقفة “بوينس آيرس” الكاردينال أنطونيو كاراكينو، وفي منتصف عام 1997 عين بيرجوليو القائم بالأعمال الفعلي لأبرشية بوينس آيرس مع حق الخلافة التلقائية، بعد تقدم رئيس أساقفتها في السن وتعثر صحته.

رحل الكاردينال كاراكينو عن عالمنا في 28 فبراير (شباط) 1998، فغدا بيرجوليو رئيس أساقفة العاصمة الأرجنتينية، واحتُفل بتنصيبه في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 1998.

مثير جداً شأن بيرجوليو الفني الكيميائي، والإكليريكي، ولاحقاً الأب الكاهن والراهب اليسوعي، وصولاً إلى رتبة رئيس أساقفة عاصمة إحدى أكبر دول أميركا اللاتينية.

المثير هو حبه للفقر والفقراء، وقد قال عن نفسه ذات مرة: “شعبي فقير وأنا واحد منهم”؛ ولهذا فقد اكتفى بالعيش في شقته الصغيرة بدلاً من مقر رئاسة الأساقفة الفخم، وتخلى عن سيارة الليموزين مع السائق الشخصي، وقنع بوسائل النقل العام.

جعل الأسقف بيرجوليو إشكالية العدالة الاجتماعية حجر زاوية في رئاسة أسقفيته، واشتهر بالتواضع الحقيقي، من دون زيف أو مراءاة، متقبلاً كل الآراء، داعماً لأسس الحوار البنَّاء؛ ما دعا إلى تعميق دور الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في المشهد العام اللاتيني وليس الأرجنتيني فقط.

كشفت صحيفة “لا ناسيون” الأرجنتينية أنه منذ 12 سنة، أرسلت السيدة بيلار مارتينيس ثوبيريا، وهي أم لستة أولاد، رسالة إلى رئيس أساقفة بوينس آيرس الكاردينال بيرجوليو، منتقدة إيَّاه على عدد من الأمور، ورداً على هذه الرسالة، اتصل الكاردينال بالسيدة، وشكرها على الرسالة، مؤكداً أنه سيأخذ ما قيل في الاعتبار، طالباً منها أن تصلي من أجله كثيراً.

قضية الفقراء كانت الشغل الشاغل للبابا فرنسيس (أ ب)

 

تقول بيلار: “كان هذا مثالاً كبيراً لتواضعه… فقد اتصل بي على رقم منزلي”، وتضيف: “بعد سنوات تكررت الحادثة نفسها، مع السيدة بيلار، فاتصل من جديد طالباً منها المزيد من الصلاة لأجله”، وهنا شرحت أنها تأثرت كثيراً، وبعد أن مرَّ الوقت فكرت في أنه “قد يكون الإعلام هو السبب في انتقاداتي بسبب انتقاص واجتزاء بعض مواقفه وإبرازها بطريقة خاطئة”، وتابعت: “أرسلت له هذه المرة رسالة مدح، مشجِّعةً إياه على الاستمرار بما يقوم به، لكنه هذه المرة لم يرد على الرسالة”، معتبرة أن “هذا دليل كبير على تواضعه”.

بيرجوليو كاردينالاً للكنيسة الجامعة

في أعقاب تعيينه رئيس أساقفة بثلاث سنوات، أي في عام 2001، اختار يوحنا بولس الثاني بيرجوليو كاردينالاً للكنيسة الجامعة، وعيَّنه في خمس وظائف إدارية في الكوريا الرومانية، هي: عضوية مجمع العبادة الإلهية وتنظيم الأسرار، وعضوية مجلس الإكليروس، وعضوية مجمع مؤسسات الحياة المكرَّسة، وجمعيات الحياة الرسولية، وعضوية المجلس الحبري للعائلة، وعضوية مجلس أساقفة أميركا الجنوبية.

لاحقاً حلَّ الكاردينال بيرجوليو محل الكاردينال إدوارد إيغان، الذي عاد إلى نيويورك في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وفقاً لصحيفة “هيرالد” الكاثوليكية، التي وصفت الكاردينال الجديد بأنه خلَّف “انطباعاً إيجابياً بوصفه رجلاً يقبل التواصل والحوار”.

لم تكن المناصب العليا في الكنيسة لتغيِّر من بيرجوليو الفقير، المحب للفقراء، فقد ذكر أحد الصحافيين الأرجنتينيين أنه عندما عُيّن المطران بيرجوليو كاردينالاً، أرادت مجموعة من المؤمنين مرافقته إلى روما، لمشاركته في هذا الحدث الاستثنائي، ولكنه طلب منهم البقاء في بوينس آيرس، وتقديم الأموال التي كانوا يريدون تخصيصها للسفر إلى الفقراء، وهو الأمر الذي سيتكرر بعد 12 سنة، حين سيتم انتخابه حبراً أعظم للكنيسة الرومانية الكاثوليكية؛ إذ دعا المؤمنين الكاثوليك في بلاده، الذين كانوا قد عزموا النية على السفر إلى روما لحضور قداس تنصيب البابا الجديد، إلى عدم السفر إلى حاضرة الفاتيكان، وتقديم الأموال لفقراء بلادهم، ومن ثم الاكتفاء بمتابعة القداس والصلاة، عبر أجهزة التلفاز.

في أعقاب وفاة البابا يوحنا بولس الثاني في أبريل (نيسان) من عام 2005، نظر الجميع في داخل الفاتيكان وخارجه إلى الكاردينال بيرجوليو بوصفه أحد الكرادلة ذوي الحظوظ لخلافته، من خلال “الكونكلاف” الذي عقد لاختيار البابا الجديد، والذي راجت تقارير عدة من حوله، تشير إلى أن بيرجوليو حصل على ثاني أكبر عدد من الأصوات بعد جوزيف راتزينجر، تالياً في التصويت الأخير.

كان بيرجوليو يطلب ممن انتخبه عدم التصويت له، ما أسهم في فوز راتزينجر الذي حمل اسم البابا بندكتوس السادس عشر.

بدا واضحاً أن بيرجوليو يلقى احتراماً وتقديراً كبيرين في أعين أمراء الكنيسة (الكرادلة)، وقد تبين ذلك من خلال مشاركته في جنازة البابا يوحنا بولس، والدور الذي لعبه بوصفه أحد الكرادلة البارزين في إدارة مرحلة شغور الكرسي الرسولي.

لاحقاً وفي أعقاب اختيار البابا بندكتوس السادس عشر، انتخب بيرجوليو عضواً في مجلس الأساقفة في أعقاب سينودس الأساقفة لعام 2005، وفي 8 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته انتخب رئيساً للمؤتمر الأسقفي الأرجنتيني في ولاية تستمر ثلاث سنوات بين 2005 – 2008، ثم أعيد انتخابه بالغالبية الساحقة من قبل أساقفة الأرجنتين، وبُعَيد إعادة انتخابه انتخب أيضاً رئيساً للجامعات الحبرية الكاثوليكية في الأرجنتين.

استطاع البابا فرنسيس اجتذاب محبة المسيحيين من حول العالم (أ ب)

 

كان فبراير من عام 2013 شهراً مثيراً في تاريخ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية؛ ففي الحادي عشر من ذلك الشهر، ومع بدء زمن “الصوم الكبير”، تقدم البابا الألماني الأصل بندكتوس السادس عشر باستقالته بدافع تقدمه في العمر بعد حبرية قصيرة نسبياً، لم تتجاوز ثماني سنوات، مختاراً أن تدخل استقالته حيز التنفيذ في 28 فبراير من 2013.

فرنسيس والطريق إلى كرسي البابوية

انعقدت الجمعية العامة للكرادلة في 4 مارس، وحددت يوم 12 مارس موعد بدء “الكونكلاف” لانتخاب الحبر الجديد.

في ذلك النهار، وفقاً للتقليد المتبع في الكنيسة الكاثوليكية، كان عميد مجمع الكرادلة الكاردينال أنجيلو سوداني يترأس القداس الإلهي في كنيسة القديس بطرس مشدداً في عظته على أن “يمنح الرب كنيسته راعياً جديداً”، وموجِّهاً التحية إلى البابا بندكتوس الذي حمل منذ ذلك الوقت لقب “البابا الفخري”، ومتمنياً أن يكون “مجمع انتخاب البابا” قصيراً.

بعد ظهر الثاني عشر من مارس كان المشهد التقليدي للكرادلة، الذي يتكرر غداة وفاة البابا (أو استقالته النادرة) واختيار بابا جديد، حيث يمضي في طريق كنيسة “سيستين” أمراء للكنيسة في أثوابهم الحمراء الزاهية، والصلبان المذهَّبة تزين صدورهم، والمهمة شائقة وشاقَّة، وهي اختيار الرجل الذي سيُلقى عليه العبء الروحي لمليار وثلاثمئة مليون كاثوليكي حول الكرة الأرضية، منتشرين في قارات الأرض الست، وجميعهم ينشدون طلبة جميع القديسين، ثم لحن “هل أيها الروح الخالق” باللغة اللاتينية، اللغة الرسمية لحاضرة الفاتيكان.

يُقسِم الكرادلة قسَمَ السِّريَّة قبل ابتداء أعمال المجمع حفاظاً على أسرار عملية الانتخاب، ويبقى المطلوب هو حصول أحد الكرادلة على ثلثي الأصوات ليتم انتخابه حبراً أعظم، فإذا تم ذلك وسُجِّل في محضر رسمي موقَّع عليه، خرج من مدخنة الكنيسة السيستينية دخان أبيض، وإذا لم يحدث خرج دخان أسود.

مساء الثاني من مارس 2013 كان الدخان الأسود الخارج من المدخنة يشير إلى إخفاق الكرادلة في الحصول على النسبة المطلوبة لاختيار الحَبْر الأعظم.

وفي اليوم التالي أي الثالث عشر من مارس فشل الكرادلة كذلك في الجولتين الصباحيتين في اختيار بابا للكنيسة، غير أن الدخان الأبيض الذي تصاعد في سماوات الفاتيكان في الجلسة المسائية لذلك اليوم (الجلسة الرابعة)، كان يؤذن باختيار الحبر السادس والستين بعد المئة على كرسي مار بطرس.

نجح الكرادلة في تأمين غالبية الثلثين لأول مرشَّح من قارة أميركا اللاتينية في تاريخ البابوية، وعبر واحد من أقصر المجامع المغلقة في تاريخ الكنيسة، كذلك قُرعَت الأجراس، وهو تقليد أرساه البابا يوحنا بولس الثاني.

البابا يوحنا بولس الثاني (الموسوعة البريطانية)

 

منذ اللحظات الأولى لإعلان اسمه بصفته بابا وظهوره للجماهير الغفيرة المحتشدة في ميدان القديس بطرس، بدا العالم أمام بابا مغاير انطلاقاً من أنه أول بابا غير أوروبي منذ زمن البابا السوري غريغوريوس الثالث في القرن الثامن.

لماذا اختيار فرنسيس وليس أغناطيوس؟

أحد الأسئلة التي لا تزال تترد على أذهان المتابعين للبابا الفقير، كيف اختار اسم فرنسيس، ولم يعمد إلى اختيار اسم آخر ولا سيما أغناطيوس مثلاً؟

من دون استفاضة في عمق التحليلات التاريخية يبقى فرنسيس هو الاختصار المعروف دوماً للقديس الصوفي فرنسيس الأسيزي، الإيطالي الأصل، والمؤسس لطريق الإخوة الأصاغر، أو الرهبان الفرنسيسكان، بردائهم البني اللون، والحبل الأبيض بعقده الثلاثة التي تشير إلى الالتزام الرهباني بالفقر والطاعة والعفة.

أما أغناطيوس فهو مؤسِّس “جمعية رفاق يسوع” اليسوعيين الفارس الأسباني الأصل، وهي الرهبنة التي انتظم في سلكها بيرجوليو منذ زمان طويل.

بعد انتخابه بأيام قليلة أشار البابا المنتخب لأهل الصحافة بأن اسم فرنسيس هو اسم السلام، وأخبر كيف أن رئيس أساقفة ساو باولو كان يقف إلى جانبه، وعندما وصلت الأصوات إلى الثلثين عانقه، وهمس في أذنه: “لا تنسَ الفقراء”، من هنا فكر البابا مباشرة بقديس أسيزي مشيراً إلى أنه رجل الفقر ورجل السلام.

بعد تصاعد الدخان الأبيض وقرع الأجراس، أطل الكاردينال بمرتبة الشماس الأول، الفرنسي الأصل جان لويس توران، على الحشود الواقفة في خشوع، مطلقاً العبارة التقليدية باللغة اللاتينية Habemus papam ومعلناً اسمه على الملأ.

خلافاً للتقاليد المتبعة في كلمة الحبر الروماني المنتخب، فوجئ الجميع بـ”بابا” يلقي تحية المساء في لهجة متواضعة وابتسامة رقيقة، كما يطلب على نحو غير متوقع منهم الصلاة من أجل سلفه بندكتوس السادس عشر.

والمثير أن الحبر الروماني المنتخب منذ ساعات انحنى أمام الجماهير التي غصَّ بها الميدان طالباً منهم الصلاة من أجل أسقف روما الجديد، أي شخصه، قبل أن يمنح بركته التقليدية Orbei et Urbi للمدينة المقدسة روما وللعالم برمته.

كان فرنسيس تعبيراً عن تغير كبير سيحدث لاحقاً في رؤية الكنيسة ورجالاتها للعديد من القضايا، فقد كان أول حبر أعظم ينتمي إلى رهبنة بعد البابا غريغوريوس السادس عشر، الذي كان ينتمي إلى “رهبانية الكملدوليين” وقد انتخُب عام 1831.

أضحى فرنسيس في الكنيسة يسوعي الانتماء فرنسيسكاني الروح، وهو الأول أيضاً منذ زمن البابا لاندو (913 – 914) الذي لم يختر اسماً استعمله أحد أسلافه.

عادة ما يرتبط الاسم المختار للبابوية بخطوط الطول والعرض التي سيمضي في أثرها الحبر الروماني الجديد، الأمر الذي رصدته صحيفة “تلغراف” البريطانية حين قالت في تقرير لها عقب اختيار بيرجوليو لاسم فرنسيس: “إن اختيار البابا لهذا الاسم يكشف بالذات عن الخلفية التي جاء منها وطريقته المتوقعة لإدارة الكنيسة، ولكنه في الوقت ذاته صعَّب من مهمته في المرحلة المقبلة”… لماذا رأى محرر الصحيفة هذا المستقبل للبابا الجديد؟

الجواب لأن فرنسيس الذي بزغ اسمه في القرن الثالث عشر الميلادي كان من أتباع التيار الإصلاحي في الكنيسة، وقد ترك حياة الترف واختار حياة الزهد تاركاً عائلته وأصدقاءه، وبدأ بالدعوة إلى مساعدة الفقراء، كما نادى بإعادة ترميم الكنيسة”.

البابا بندكتوس السادس عشر (الموسوعة البريطانية)

 

محاربة الفقر مهمة البابا الجديد

يُحكى عن الأب غيليرمو ماركو أحد أقرب مساعدي البابا قوله إن بيرجوليو اختار هذا الاسم من أجل محاربة الفقر؛ فلطالما كان من كبار المعجبين بفرنسيس الأسيزي.

على أن هناك في الاسم جانباً آخر، لا يوفر الجذور والانتماء اليسوعي للبابا، فبوصفه راهباً يسوعياً، اختار اسم فرنسيس أيضاً لتكريم القديس فرنسيس كسفاريوس الأسباني، وأحد الآباء الكبار في الرهبنة اليسوعية.

من الأيام والساعات الأولى لحبرية البابا فرنسيس، كان الفقراء هم نقطة انطلاقه مصطحباً معاً الكنيسة الأم الأكبر والأعرق حول العالم، كنيسة بطرس، وكثيراً ما صرح بأنه يتطلع لـ”كنيسة فقيرة، تدفع عن الفقراء، عطفاً على أنه كان يرى في فرنسيس الأسيزي، رجلاً يدافع عن السلام في عالم تتقاذفه الحروب، بجانب دفاعه ومحبته للطبيعة في عالم يتجه نحو التلوُّث، ويكاد يدمر الكرة الأرضية”.

في حوار للبابا مع مؤسس صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية، أوجينو سكالفاري غير المتدين والقريب جداً من الإلحاد إن لم يكن كذلك، نراه يصف فرنسيس بأنه “رائع في كل شيء؛ فهو رجل يريد أن يعمل وأن يبني، فقد أسس رهبنة وأرسى قواعدها وهو متجوِّل ومبشِّر، وهو شاعر ومتصوِّف، فقد وجد الشيطان فيه وعمل على اجتثاثه، أحب الطبيعة والحيوانات والعشب في الحديقة والطيور في السماء، إلا أنه أحب الناس فوق كل شيء فأحب الأطفال والعجزة والنساء، كان مثالاً جيداً لمفهوم المحبة في أنقى صورها”.

لم يختلف شعار البابا فرنسيس للبابوية كثيراً عن السمات الأساسية للشعار الذي اختاره منذ كان رئيساً للأساقفة.

شعار البابا فرنسيس (الفاتيكان)

 

في دلالات شعار البابا فرنسيس

كان شعاره تاج أسقف عادي لا التاج المثلَّث الذي كان قد ألغي أيام البابا بولس السادس، كما حافظ على الخلفية الحمراء والذهبية.

الدرع الذي يتوسَّط الشعار، توسَّطه شعار الرهبنة اليسوعية التي ينتمي إليها البابا، والتي تشير إلى المسيح يسوع، وتحوي ثلاثة أحرف لاتينية هي اختصار المسيح مخلِّص البشر.

إلى الأسفل من درع الشعار، نحو اليمين وضع عنقود عنب يشير إلى القديس يوسف، الذي يُرمز إليه في تراث أميركا اللاتينية بثمرة العنب، أما إلى اليسار فقد وضعت نجمة تشير إلى مريم العذراء؛ إذ إن نجمة البحر إحدى ألقابها التكريمية في الكنيسة الكاثوليكية.

الشعار المكتوب للبابا يمكن للمرء أن يقرأه بأكثر من صيغة؛ فقد ورد باللاتينية كالتالي: Miesrando atque eligendo، والتي يمكن أن تترجم بـ”الرحمة والاختيار”، وتقرأ أيضاً “بالرحمة اختاره” أو “لأنه نظر إليه من خلال عيون الرحمة اختاره”، وشعار البابا هنا مقتبس من عظة للقديس بيدا المبجل، أحد معلمي الكنيسة الجامعة حول اختيار المسيح للقديس متى (متى 9:9-12).

المؤكد أن حبرية فرنسيس، اختلفت كثيراً جداً في الاهتمامات عن عدة حبريات سابقة في القرن العشرين، فعلى سبيل المثال كان الشغل الشاغل للبابا بيوس الثاني عشر، هو مواجهة أحداث وتبعات الحرب العالمية الثانية.

أما خليفته البابا يوحنا الثالث والعشرين، فقد اهتم بانفتاح الكنيسة على العالم، من خلال المجمع المكوني الفاتيكاني الثاني من 1962-1965.

لاحقاً انشغل البابا بولس السادس بقضايا النزاع المسلح وزمن الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية.

وبحلول عام 1978 وحتى 2005، لعب البابا يوحنا بولس الثاني دوراً مهماً ومحورياً في هزيمة الشيوعية.

لم يطل المقام بالبابا بندكتوس، وعلى رغم علمه الجزيل، إلا أنه لم يكن بابا شعبوياً، بل فيلسوفاً في برجه العاجي كما رآه البعض.

جاء فرنسيس من بلاد فقيرة، وعاش حياة فقيرة زاهدة، وليس أدل على ذلك من ثوبه المهترئ، وحذائه المثقوب، وساعته القديمة، وصليبه الفضي لا الذهبي، عطفا على رفضه السكن في القصر الرسولي، وتفضيله غرفتين متواضعتين في “نزل سانت مارتا” بالقرب من القصر الرسولي.

عاش فرنسيس مهتماً بقضايا كونية وفي مقدمها التغيرات المناخية التي كرس لها جهوداً كبيرة من وقته، كما لم يهمل في سنواته الأخيرة الصراع الفكري المنطلق من حول أزمة الذكاء الاصطناعي.

وفي كل الأحوال، جدد فرنسيس الدماء في شرايين العلاقات الإسلامية- المسيحية، لا سيما من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية، وقراءته الشهيرة “كلنا أخوة”.

عاش فقيراً ومات فقيراً إلا من إرث روحي حكماً سيتذكره التاريخ.

المزيد عن: البابا فرنسيسالكنيسة الكاثوليكيأميركا اللاتينيةالفاتيكانالأرجنتينيوحنا بولس الثانيبندكتوس السادس عشرالقديس فرنسيس الأسيزي

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili