مشهد من فيلم "فجر يوم جديد" (يوتيوب) ثقافة و فنون “فجر يوم جديد” ليوسف شاهين… سينما اليقين المحير by admin 11 أكتوبر، 2024 written by admin 11 أكتوبر، 2024 40 هكذا برر السينمائي المشاكس للسلطات الثورية مواقفها الفكرية قبل أن يهاجر احتجاجاً اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كما هي الحال دائماً في الأفلام الانعطافية في مسيرة يوسف شاهين، لم يكن هو صاحب فكرة هذا الفيلم الأساسية، وما كان هو كاتب السيناريو. لكن شاهين، منذ اقتناعه بالنص الذي كتبه له مساعده الرئيس، في ذلك الحين، سمير نصري، صار هو صاحب الفيلم بالتأكيد. في ذلك الحين، أي بين عامي 1963 و1964، كان شاهين قد أنجز واحداً من أكثر أفلامه ضخامة وإثارة للسجال: “الناصر صلاح الدين”، ذلك الفيلم الذي سيقال لاحقاً إن “القطاع العام السينمائي” في مصر إنما اخترع من أجله. ذلك أن الدولة الناصرية، التي كانت خلال الحقبة السابقة قد حققت “انتصارات” خارجية كبيرة، وبدأت تنظر بعين الجدية، على رغم فشل تجربة الوحدة مع سوريا، ثم وصولها إلى الرمال المتحركة في حرب اليمن، وجدت في استعادة ذكرى صلاح الدين الأيوبي، وإسقاطه على شخص وسياسات الرئيس جمال عبدالناصر، وسيلة لتأكيد ذلك كله وكان شاهين مطواعاً في هذا المجال، من ناحية لأنه هو شخصياً كان يؤمن بذلك كله، ثم لأن ضخامة الفيلم أتاحت له خوض تجارب سينمائية هوليوودية كان يحلم بخوض مثلها منذ زمن بعيد، ثم لأن إنتاجاً من هذا النوع كان من شأنه أن يحرك ركود المهنة ويخلق فرص عمل لكثر. فيلم متعب كان فيلم “الناصر صلاح الدين” متعباً، لكنه أتاح لشاهين أن يخرج من منحدرات سلسلة أفلام سبقته حققها للعيش أو كيفما اتفق، أو يأساً بعد السقوط التجاري (والنقدي؟!!) المريع لـ”باب الحديد”، أو حيرة بعد الإحباط الذي أصابه مع تجربة “جميلة الجزائرية” الذي كان يعول عليه كثيراً. والمهم أكثر من ذلك كله هو أن أوضاع شاهين الجديدة بعد “الناصر صلاح الدين” وانفتاح أبواب “الدولة” في وجهه، مادياً ومعنوياً رداً على الدعم الذي قدمه لها هذا الفيلم، مكن شاهين من خوض تجربة جدية في سينماه، كان سمير نصري، مساعده الشاب في ذلك الحين، والمعروف بثقافته السينمائية الأوروبية، قد قاد خطاه فيها: تجربة السينما الأوروبية، إذ خلال تلك السنوات قيض لشاهين، وغالباً في رفقة سمير نصري، أن يشاهد عدداً لا بأس به من أفلام ميكائيل أنجلو أنطونيوني ولوكينو فيسكونتي. حداثة على الطريقة السينمائية كان المناخ العام، وجعل المرأة في مركز الفيلم، والانصراف للحديث عن الطبقة الوسطى وموقعها من الثورة المصرية، بعد 10 سنوات من “نجاحات” تلك الثورة وإخفاقاتها، كل هذا كان جوهر هذا الفيلم. فـ”الفجر الجديد” الذي يتحدث عنه العنوان هنا هو فجر ينبني على المصالحة الطبقية، لا على الصراع الطبقي. لكنها كانت، في العرف الناصري، مصالحة من نوع عجيب: تريد لطبقة سلبت أملاكها وحرمت من المساهمة التلقائية في ازدهار المجتمع وبناء الوطن، أن ترضى بما أصابها وتنخرط في المجتمع “الثوري” الجديد، برضاها. وهذا هو المعنى الإجمالي لهذا الفيلم أولاً وأخيراً. وعن هذا المعنى، تحديداً، كنا نتحدث، حين أشرنا إلى قسط يوسف شاهين أو قسط سمير نصري في هذا الفيلم. يوسف شاهين (أ ف ب) خبث أيديولوجي منذ البداية يضعنا الفيلم في سياق “خبثه” الأيديولوجي. فهو يقدم لنا زوجين ينتميان إلى البورجوازية القاهرية الرفيعة: نايلة الأربعينية وهي تمثل في نهاية الأمر الأرستقراطية الهاوية من أعلى مكانتها، وزوجها حمادة أبو العلا، الذي يمثل تلك البورجوازية المؤلفة من أغنياء الحرب الذين جمعوا ثروة من دون أن تواكبها ثقافة اجتماعية حقيقية. منذ البداية قد نتعاطف بعض الشيء مع نايلة، لكننا سنندفع أكثر وأكثر إلى النفور من الاثنين، لأنهما يقدمان لنا في الفيلم، ليس كفردين من بورجوازية وسطى تبني الوطن وتسهم في رفعة الثقافة والعمران والصناعة والاقتصاد كما هي حال البورجوازية (الطبقة الوسطى) في كل المجتمعات التي تشبه المجتمع المصري، بل كشخصين ساقطين بالكاد يعثران على مال يشتريان به المشروبات للحفلات الصاخبة التي يقيمانها، بل إن الخدم (رمز الشعب!) لا ينظرون إلى الزوجين، إلا بكل احتقار… فهم – أي الخدم – لا يقبضون حتى أجورهم. وعلى رغم هذا كله، نجد الزوجين يخوضان الحياة الاجتماعية كما يجب، بما في ذلك حضور الحفلات الخيرية وتقديم المساعدات الاجتماعية، وصولاً إلى ذات يوم تزور فيه نايلة مأوى لليتامى يغني فيه في حضرتها مجموعة من هؤلاء يلفت نظرها واحد منهم. وفي الوقت نفسه تتعرف نايلة على طالب شاب (طارق) يدرس حتى يتمكن من السفر لاستكمال دراسته في الفيزياء النووية، في وقت يعمل فيه في مشروع “الصوت والضوء” في منطقة أهرام الجيزة (عنوان الفيلم مأخوذ أصلاً من أحد شعارات المشروع). على غرار صحراء أنطونيوني وكما “يجب” أن يحدث هنا، تقع نايلة في حب طارق، الذي يصارحها منذ البداية بأنه سيرحل عما قريب كي يدرس في ألمانيا ثلاث سنوات. في البداية لا تبالي نايلة بهذا، بل تصطحبه في جولات نصف – سياحية، نصف غرامية، يعرفها طارق خلالها على منجزات الثورة: المصانع والبنايات الضخمة وبرج القاهرة والاحتفالات الثورية الصاخبة. والحال أن هذه الجولة لا تبدو جولة غرامية بقدر ما تبدو جولة دعائية، الغاية منها اكتساب نايلة إلى صف الثورة و”الفجر الجديد” وانتزاعها من طبقتها. ونايلة، ربما لحبها لطارق، وربما لسأمها من واقع حياتها الفاسد والمضجر، كما حال مونيكا فيتي في “الصحراء الحمراء” لأنطونيوني، لا تجد صعوبة في الوصول إلى القناعة التي أراد لها طارق أن تصل إليها. بل أكثر من هذا: تحس بعدوى الحماس الثوري ومجتمع العمل وتجد أن عليها هي الأخرى أن تعمل: فتطلب من أخيها، الصحافي في “الحقيقة” (لافتة ترجمة اسم “البرافدا” الروسية في هذا الاسم!)، أن يشغلها سكرتيرة لديه فيفعل لتجد من خلال مجابهة مع سكرتيرة أخرى أكثر شباباً منها، أن حبها لطارق ذي الـ22 عاماً، خطأ. هكذا إذاً فعل فيها الانتماء الثوري فعله: سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً. ومن هنا ستقيم أوضاعها في اللحظات الأخيرة وتقرر عدم مصاحبة طارق إلى ألمانيا، وهو ما كانت تعتزمه أصلاً، وفي المشهد الأخير يحصل الفراق والوداع بينهما: هو يتوجه إلى ألمانيا كي يدرس و”يرفد ثورة الشعب بعلمه وإمكاناته الجديدة”. وهي تودعه وقد قررت أن تكرس وقتها للفتى اليتيم الذي تحتاج موهبته إليها. وهذا الفتى نفسه يبدو منظره طريفاً وعجائبياً وهو يصل إلى المحطة (باب الحديد) ليعانق نايلة، “أمه” الجديدة، التي ستوفر له، هو الآخر، الفجر الجديد، بحمايتها له وقد انتمت إلى الثورة نهائياً! فيلم تبريري بامتياز واضح أن كل هذه الشخصيات مرمزة، لكن الترميز واضح ولا يحتاج إلى مزيد من التفسير. إننا هنا إزاء فيلم “ثوري” يبرر للسلطة كل ما تفعل، ويجعل الانتماء إليها وإلى ثورتها ومنجزاتها حلاً عجائبياً متاحاً لمن يعي ذلك. غير أن هذا الكلام لا ينبغي أن يمر هنا من دون إشارات سيبدو الفيلم مغرقاً في السذاجة لو لم نتنبه إليها. وأولى هذه الإشارات يتعلق بالإطار التاريخي لزمن إنتاج الفيلم: أنتج في وقت كانت فيه “الثورة” قد أنجزت ضرب الطبقة الوسطى متهمة إياها بكل أنواع الموبقات والخيانات، مصادرة أموالها ومصالحها، متسببة في أحيان كثيرة في هجرتها (هجرة سيكون الفنانون ومنهم يوسف شاهين وسمير نصري أنفسهما، في عدادها، مباشرة بعد إنجاز هذا الفيلم!). فما الذي أتى “فجر يوم جديد” ليقوله هنا؟ طبعاً إن الطبقة الوسطى، ولكن الطفيلية (زوج نايلة، وقام بدوره يوسف شاهين نفسه، في تجربته التمثيلية المهمة الثانية بعد لعبه دور قناوي في “باب الحديد”) تستحق ما حل بها. فهي جنت على نفسها، ولم تجن عليها الثورة. ولكن في المقابل هناك نايلة، هي الأخرى تنتمي إلى الطبقة الوسطى، ولكن: الأصيلة، المثقفة، ذات الوعي والعواطف، التي يمكن اكتسابها بالإقناع، بالحب… مثلاً! كل هذا واضح. ولكن من الواضح أيضاً أننا أمام عمل سينمائي: ميلودراما راقية إلى حد كبير “ميلودراما تحمل كل رموز وإشارات العمل الميلودرامي، ناهيك بأن ثمة هنا أيضاً يوسف شاهين، الذي وضع في هذا الفيلم، وفي تجديد لافت، تلك العوالم التي ستشكل لاحقاً أجزاء أساسية من عالمه الكلي: دور المثقف، التصالح الطبقي بشروط الطبقة الأوعى، محاولة العقل الواعي فضح الفساد… لكن هذا وغيره إنما جاء إشارات متفرقة. المزيد عن: يوسف شاهينالسينما المصريةالنظام الناصري 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عبد الرحمن الراشد يكتب عن: تخريب مشروع إنقاذ لبنان next post عبده وازن يكتب في وداعه: شوقي أبي شقرا شاعر الحداثة في تجلياتها اللبنانية You may also like محمد علي اليوسفي: كل ثورة تأتي بوعود وخيبات 22 ديسمبر، 2024 سوريا والمثقفون الانتهازيون: المسامحة ولكن ليس النسيان 22 ديسمبر، 2024 حين انطلق “القانون في الطب” غازيا مستشفيات العالم... 22 ديسمبر، 2024 “انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته 21 ديسمبر، 2024 الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في “الذراري... 21 ديسمبر، 2024 “هند أو أجمل امرأة في العالم” لهدى بركات:... 21 ديسمبر، 2024 جواد الأسدي يسجن شخصياته المقهورة في “سيرك” 21 ديسمبر، 2024 عندما انبهر ترومان كابوتي بالمجرم في “بدم بارد” 21 ديسمبر، 2024 كاتبات يابانيات “متغربات” يتحدين تقاليد السرد العريق 21 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: حسن الصباح والإسماعيلية…... 20 ديسمبر، 2024