ثقافة و فنونعربي عودة إلى الباليرينا الساطعة نينا فيروبوفا بعد أن هرمت by admin 30 أبريل، 2023 written by admin 30 أبريل، 2023 16 الرقص في أرذل العمر لنجمة النجمات التي قاطعت رودولف نورييف 5 سنوات غاضبة اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب خلال سنوات الستين وكانت نجمة الباليه الروسية نينا فيروبوفا لا تزال على تألقها وجمالها، وبخاصة على رقصها المتميز الذي طبع أواسط القرن العشرين، اهتمت السينما بأمرها في نوع من كشف تلك الموهبة الراقصة المليئة بالحساسية والتي أمنت طوال تلك المرحلة حضور الرقص الروسي المميز في أوروبا والعالم. ومع ذلك كان هواة رقص الباليه جميعاً يعرفون أن فيروبوفا لم تدرس الرقص ولم تمارسه في وطنها الروسي الذي كان أهلها قد ارتحلوا وارتحلت هي معهم منذ الأعوام القليلة التي تلت انتصار الثورة البلشفية وقيام الاتحاد السوفياتي. فنشأت وتعلمت وعاشت معظم حياتها في فرنسا بالكاد تعرف بضع كلمات وعبارات من لغتها الأم، وهي التي ولدت في شبه جزيرة القرم. ومع ذلك، باعتبار فن الباليه كان دائماً فناً روسياً بامتياز وكبيرات راقصات العالم روسيات، ناهيك بأن مروج الباليهات الروسية في باريس وأوروبا عموماً لم يكن سوى الروسي دياغيليف الذي حط في فرنسا وأوروبا عموماً بأفكاره وتجديداته خلال مرحلة مبكرة من القرن العشرين ليقدم عروضه فيهما، مسبغاً على فن الرقص الروسي هالات من قداسة فنية، ولأن من دربن نينا حتى قبل سن المراهقة كن راقصات روسيات كبيرات يعشن في أوروبا الغربية، كان من الأكثر ملاءمة لوالدة نينا الأرملة أن توجه ابنتها في المنافي لكي تكون روسية، فكانت كذلك. إذ اهتمت السينما المتخصصة في هذا الفن وكانت نينا ما دون الأربعين من عمرها بعد، فظهرت في فيلمين هما “أداجيو” و”طيف الرقص” نقلا شهرتها أخيراً إلى الجمهور العريض بعد أن كان سيرج ليفار مدير ومدرب الباليه، الروسي الأصل بدوره، قد قدمها بقوة لجمهور الخاصة منذ أواخر سنوات الأربعين. ومن هنا لم يتردد السينمائي الأكثر حداثة دومنيك ديلاتوش الذي كان شبه متخصص في التسعينيات في تحقيق شرائط تلقى نجاحات جماهيرية كبيرة وتتحدث عن نجوم الرقص ونجماته، لم يتردد حين التقاها نحو عام 1995، أي بعد نحو ثلاثة عقود من شغفه بفيلميها القديمين، عن إقناعها بأن الوقت قد حان لعودتها إلى السينما في فيلم وثائقي طويل يحكي حكايتها على لسانها ويستطلع آراءها في الفن والعالم ومجريات أحداث القرن الذي عاشته. قبلت نينا بتبني مشروع يتبنى ذكرياتها وآراءها وحقق الفيلم بالفعل، لكن صاحبة العلاقة كانت الآن قد تجاوزت السبعين من عمرها وهي سن تعتبر متقدمة أكثر مما ينبغي بالنسبة إلى نجمات هذا الفن الذي هو فنها. وكانت المشكلة بالتحديد أن نينا لم تشأ الاكتفاء في الفيلم باستعادة ذكرياتها واستعراض ما عاشته وسرد علاقتها بالفن والسياسة وأوروبا ووطنها الروسي الذي بعد زيارة أولى له صورها الفيلم، بل إنه أنتج وحقق على أية حال لمناسبتها، ستعود إلى زيارته مرات عدة قبل رحيلها عام 2007، وتغرم به كثيراً بعد أن “تحرر من ربقة حكامه الشيوعيين الذين لا يمكنهم بأية حال أن يفهموا هذا الفن” كما ستقول في الفيلم مراراً. لم تكتفِ بهذا من خلال تدخلاتها في مجرى الفيلم. لو فعلت لكان من شأنها أن تبدو رائعة وامرأة حكيمة وفنانة مشعة تعرف حدودها، ولكنها أصرت وهي على تلك السن أن ترتدي ثياب الرقص الضيقة العارية وتقدم رقصات بشكل غير منطقي. ضاعت فرصة التتويج؟ والحقيقة أن ذلك الفيلم الذي كان منتجوه ومخرجه قد أرادوا له في البداية أن يكون تتويجاً جمالياً خالصاً لرحلة نينا فيروبوفا في الفن والحياة، يركز بخاصة على تلك الزيارة التي صخب لها الإعلام كثيراً وحققت للفنانة تعاطفاً شعبياً كبيراً بعد أن كانت شبه منسية خلال السنوات التي سبقت الزيارة، اتخذ – الفيلم بسبب تعنت الفنانة كما سيقول أهل الفيلم لاحقاً وإصرارها على الرقص بشكل بدا كثير الافتعال في نهاية الأمر – مساراً مختلفاً. ومع ذلك وعلى رغم هذا كله، تمكن المخرج من إنجاز فيلم يعتبر في جانب منه من أجمل الشرائط التي حققت عن فن الباليه في فرنسا، إذ إنه في المقام الأول، وبحسب النقاد، أنسن ونقل إلى الشاشة وجمهورها حرارة الإبداع وجمال الأمكنة والإيمان بالفن بعيداً من برودة الباليه المعتادة وتمسكه بنخبويته. وكذلك تمكن، على رغم كل شيء، من تصوير علاقة فنان ببلده الذي بالكاد كان يعرفه أو عرف كيف يحلم به يوماً، ناهيك بأنه قدم صورة سينمائية شديدة اللطف والواقعية عن حياة فنانة بدا عليها وكأنها عبرت القرن العشرين من دون أن تعرفه ومن دون أن تتعامل معه، ولكن بالمعنى الإيجابي للكلمة، أي بمعنى أنها عاشت داخل زمن الفن والباليهات التي قدمتها على مدى يزيد على ثلث قرن كانت خلالها نجمته من دون منازع. نينا فيروبوفا (1921 – 2007) (غيتي) أبرز بنات جيلها باختصار قدم الفيلم نينا بوصفها الراقصة الأكثر رقة وبهاء في الجيل الذي انتمت إليه وبوصفها “الباليرينا” بامتياز. وأخبرنا أنها ولدت في بلدة صغيرة في القرم تدعى كورزوف لكنها انتقلت إلى باريس، كما نوهنا، وكانت بعد طفلة برفقة جدتها لأمها وأمها الأرملة هرباً من “الثورة”. وكانت أمها أول من علمها الرقص قبل أن تتشارك في تربيتها الفنية في سنوات لاحقة الراقصات الشهيرات في ذلك الزمن، واللاتي ستقول في الفيلم إنها لن تنسى “ما حييت فضلهن عليَّ”، بريو براجنسكا وتريفيلوفا وييغوروفا. ولقد كان أول ظهور لنينا على المسرح في مدينة كان غرب فرنسا حيث لعبت دور سوانيلدا في الباليه الكوميدي “كوبيليا” (“الذي لا يزال يضحكني حتى اليوم كلما تذكرته” كما تقول في الفيلم ضاحكة). وهي بعد ذلك وبعد أن ظهرت لفترة في عروض لفرقة الباليه البولندية، ثم تولت البطولة في عروض لفرقة “الباليه الروسي” في فرنسا، التقت الكوريغراف الفرنسي رولان بيتي في باريس، والذي كان حينها يستعد لافتتاح عروض جديدة له في “مسرح الشانزليزيه” فتبناها من فوره وكانت بالكاد بلغت العشرين من عمرها كما تؤكد. وأعطاها دوراً أساسياً في باليه “الأسواق”، لكنها وكما ستخبر الفيلم انتظرت الدور الكبير الذي أعطاها إياه مدرب الرقص الروسي سيرج ليفار العامل في باريس بدوره حينها، في باليه “لاسلفيد” الرومانطيقي لتعتبر ظهورها فيه أول ظهور كبير لها كبطلة وباليرينا حقيقية. سنوات ليفار ومن هنا فإن البداية الحقيقية لمسارها المهني ستكون في عام 1949 حين تعرفت إلى ليفار الذي كان يتابعها كما تقول منذ سنوات “منتظراً الفرصة السانحة لكي يتعاقد معها” بل حتى لكي يعطيني لقب “الراقصة النجمة” الذي يعادل عادة لقب “بريما باليرينا”، وهو لقب لا تحمله عادة سوى نجمة رقص واحدة من نجمات أي فرقة. وكان ذلك فاتحة لسلسلة من عروض ظهرت فيها ظهوراً قوياً وحققت نجاحات هائلة في فرنسا وغيرها طوال سنوات الخمسين، جاعلة من “باليه أوبرا باريس” مركز الثقل في الحياة الفنية في العاصمة الفرنسية. “المركز الذي تشخص إليه عيون كل العاملين في هذا المجال الفني من أكبر النجمات إلى أصغر التقنيين”، قالت والدموع تملأ عينيها في لحظة لا شك أنها بدت من أكثر لحظات الفيلم تشويقاً وإثارة وامتلاءً بالحنين، بل في لحظة ستبدو معها لحظة التقائها للمرة الأولى بعد كل تلك السنوات بالقرية التي كانت مسقط رأسها، بادية الافتعال مقارنة بها. وذكرت نينا هنا بأن باريس “شاهدت كلها في ذلك العقد الخمسيني من السنين بطولتي لباليهات من أهم ما يبقى في ذاكرتي منها (متتابعة بالأبيض) و(دراما بير موزيكا)، وبخاصة (جيزيل) و(بلانش نيج) و(الأعراس الغرائبية ) وحتى (هاملت) (كباليه طبعاً) و(الحب ومصيره) وغيرها من أعمال كانت كلها من إبداع ليفار الذي ارتبطت به منذ تلك الحقبة وصرت أرافقه في أعماله متنقلين ورفاقنا من مسرح إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى”، ولكن “ذلك لم يمنعني طبعاً من العمل مع جورج بالانشاين” الذي لن تنسى أبداً قيامها ببطولة “السائرة نائمة” تحت إدارته، كما لن تنسى أبداً أنها كانت في عام 1961 أول من عملت مع رودولف نورييف حين انشق بدوره عن موسكو، فكان “تقديمنا الأسطوري لـ(الحسناء النائمة في الغابة)… لكني غضبت منه إذ أجرى بعض الإضافات والحركات المباغتة كاجتهاد منه خلال العرض، فقاطعته طوال خمس سنوات”! المزيد عن: الباليه الروسي\ةنينا فيروبوف\اشبه جزيرة القرم 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post انتفاضة ليبية تشتعل في الزاوية ضد المرتزقة next post دين الكراهية… بوسطن تهدي أميركا إلى “عبادة الشيطان” You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024