أبوزيد، على خطى الحلاج والسهروردي ثقافة و فنون عندما صارت إعادة الأسلمة مضادًّا للتحديث by admin 4 سبتمبر، 2024 written by admin 4 سبتمبر، 2024 97 أبوزيد: اختزال الإسلام في نموذج الشريعة نتيجة تهميش تدريجي للفلسفة الإسلامية. The Middle East Online / محمد الحمامصي ما زال التيار الأصولي والإقصائي هو السائد في أغلب مناقَشات الفكر الإسلامي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الكارثية، التي أعطت المتطرِّفين والأصوليين موقعًا بارزًا لم يكونوا ليَحلُموا به يومًا. ومن جانب آخر فإن العلاقة بين العالمَين الإسلامي والغربي حاضرة بقوة في التاريخ الحديث للفكر الإسلامي. في واقع الأمر، كانت بداية المواجهة بين العالمَين هي التي جرت تحدي الحداثة ـ بكل قيمها على غرار التقدم والقوة والعلم والعقل ـ لتخترق المجتمعات التقليدية، وتنتهك بالتالي هُويَّاتها الراسخة. إلا أن رد الفعل لم يكن سلبيا على الدوام. ركز أي رد فعلٍ سلبي على الغزو العسكري، واحتلال الأرض، واستغلال الموارد الطبيعية والبشرية. تبين هذا الدراسة “إصلاح الفكر الإسلامي: تحليل تاريخي نقدي” للمفكّر الراحل د.نصر حامد أبو زيد، والصادرة بالإنجليزية عام 2006 والتي ترجمتها للعربية دينا غراب، وصدرت أخيرا 2024 عن مؤسسة هنداوي، كيف حاول المفكرون المسلمون الإصلاحيون من مصر وإيران وحتى إندونيسيا منذ وقت مبكر تخليص الإسلام من التفسيرات التقليدية والتي تركِّز على الشريعة، ونزعوا إلى إبراز قيم إسلام ثقافي ومستنير وديناميكي. ويرفض الكثير من خلفائهم المعاصرين الإسلامَ الجامدَ الذي تدعمه الأنظمة السياسية السلطوية والمحافظون؛ فهم يريدون أن يحلَّ محله إسلام حديث وروحاني وأخلاقي. لكن للأسف الحداثة باعتبارها منتجًا غربيًّا، والمعادلة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان وبين التغريب، لا يزالان هما المهيمنَين خارج هذه الدوائر الفكرية. يقول أبو زيد “من أسباب اختزال الإسلام في نموذج الشريعة هو التهميش التدريجي للفلسفة الإسلامية وعلم الكلام الإسلامي منذ القرن الخامس الهجري؛ أي، القرن الثاني عشر الميلادي. فقد كان الفلاسفة وعلماء الكلام المخالفون للمنهج المتبع يتعرضون للاضطهاد أو الهجوم من جانب الفقهاء والسلطات السياسية. من العلامات على هذا الطريق “المحنة” التي تلت مرسوم الخليفة المأمون عام 833 الذي فرض مذهب خلق القرآن لدى المعتزلة، واضطهد المعارضين لهذا الاتجاه. وقد استمر هذه الأمر 15 عامًا تقريبا. وفي القرن الثاني عشر في الأندلس، حين التمس الخليفة الدعم في حروبه ضد الملوك الكاثوليك، أقدم على نفي عالم الكلام المرموق ابن رشد وحرق كتبه. وكان من الأنصار الآخرين الكُثر الذين أُعدموا الصوفيان الجليلان الحلاج (الذي أُعدم عام 910) والسهروردي (شهاب الدين يحيى، الذي أُعدم عام 1191). ويوضح أنه وفقًا للمذاهب الفقهية الرئيسية، تتخذ المصادر المعرفية الإسلامية الترتيب الهرمي التالي. أولها هو القرآن وتفسيره اللذان يمثلان الكنز الأساسي للمعرفة؛ أي، كلام الله الذي أوحى به، باللغة العربية، للنبي محمد في القرن السابع الميلادي. ويلي القرآن مباشرةً أقوال وأعمال النبي محمد، التي تشمل أيضًا إقراره لأقوال أو أعمال صحابته أو رفضه لها. هذه هي السنة النبوية. وقد جرى اعتبارها مقدَّسةً مثل القرآن؛ لأنها هي الأخرى وحي من الله. وقد شُرح الفرق بينهما من باب التفرقة بين المضمون والتعبير اللغوي أو الشكل. فبما أن القرآن هو كلام الله، فإن مضمونه وتعبيره اللغوي (شكله) كلاهما مقدس. أما السنة من جهة أخرى، فرغم أن مضمونها موحًى به ولذلك مقدَّس، فهي بشرية من ناحية الشكل؛ أي، إن محمدًا هو الذي عبَّر عنها بالكلمات. وعلى ذلك فإنها ليست أدنى من القرآن؛ إنها مساوية له وإن كانت تأتي في المرتبة الثانية. ويتابع “المصدر الإبستمولوجي الثالث للمعلومات هو إجماع العلماء. بما أنه لم يكن هناك إجماع بين العلماء على القيمة الإبستمولوجية لمبدأ الإجماع، فلا يمكن كذلك أن يكون هناك اتفاق على تعريفه. وقد حدت صيغته النهائية من مجاله وتطبيقه. فقد اختُزل مجاله للإشارة فقط للمسائل التي اتفق عليها بالإجماع الجيل الأول من المسلمين، صحابة النبي، بناءً على افتراض أن ذلك الإجماع لا بد أن قام على سنةٍ نبوية معيَّنة لم تنتقل إلى الجيل التالي. وبالتالي فقد اقتصر مجاله على المسائل التي لم تُذكر صراحةً أو ضمنًا في المصدرَين المذكورَين سابقًا. المصدر الرابع والأخير لاكتساب المعرفة هو القياس؛ أي، استنباط قاعدة لحالةٍ معيَّنة لم تُذكر في المصادر المذكورة أعلاه، من خلال المضاهاة بينها وبين قاعدةٍ راسخة تشبهها. لا بد أن يقوم القياس على تشابه، مثل شرب الخمر وتدخين الحشيش، أو على الأساس المنطقي للقاعدة المذكورة. يستلزم النوع الثاني من القياس الالتزام بمبدأ المتكلمين القائل بوجود منطق عقلاني وراء أحكام الله، وهو اعتقاد لا تشترك مذاهب الفقه كلها في قبوله. وعلى عكس الإجماع، لم يُطبِّق الفقهاء كلهم القياس، لكنه اكتسب دعمًا أكبر بين الأغلبية. ويتوقف أبو زيد عند إصلاح الفكر الإسلامي في القرن التاسع عشر، حين أثار التفاعل السياسي والثقافي بين العالمَين الغربي والإسلامي الكثير من الموضوعات الأساسية. كان أولها موضوع الإصلاح. وكان السؤال الجوهري هو: لماذا استطاعوا “هم” التقدم بينما صرنا نحن متخلفين جدًّا؟ لماذا، بعد أن “كنا” سادة العالم طيلة قرون، صرنا في غاية الوهن والضعف لدرجة الخضوع لحكم القوى الغربية وسيطرتها؟ فكانت الإجابة المعتادة لهذه الأسئلة غالبًا هي أن الإصلاح الضروري يتطلب العودة للأخلاقيات والقيم الأساسية للإسلام التي حوَّلَت العرب الوثنيين في القرن السابع الميلادي إلى سادة العالم. من ثَم فقد كان المقصود بالإصلاح هو الإحياء؛ وبجانب الاتجاه الإحيائي السابق للقرن الثامن عشر، كان يُقصد بهذا قراءة التراث في الإطار الجديد للحداثة. يقدم أبو زيد هنا مفكرين من مناطق شتى من العالم الإسلامي، مع التركيز على مساهمتهم الفكرية في موضوع الإسلام والحداثة. فمن الهند، يعطي موجزًا للأفكار الرئيسية للسير سيد أحمد خان، موضحا تأثير النقاش الجدلي حول شخصية النبي محمد مع المستشرقين، أمثال كارل فاندر وويليام موير. كذلك كان رفاعة رافع الطهطاوي من مصر، وأحمد فارس الشدياق من سوريا، من المفكرين العرب الأوائل الذين سافروا ونقلوا أخبار العالم الغربي الحديث من واقع تجاربهم. وقد أتاحت الصورة التي نقلاها عن الغرب أن تصير هناك وجهة نظر نقدية للوضع السياسي المزري في العالم الإسلامي لدى المفكرين المسلمين الآخرين الذين لم تُتَح لهم نفس الفرصة. ويحلِّل أيضًا الأفكار الرئيسية لدى جمال الدين الأفغاني في سياق مشاركته في النقاش الجدلي مع عالم الفلسفة الفرنسي، إرنست رينان. ومن سوريا أيضًا هناك عبدالرحمن الكواكبي وهو مثال للمفكر العربي صاحب النقد العميق. فقد كان مدركًا بشدة للطبيعة البالغة الاستبدادية لنظام الخلافة العثمانية، وسعى بكتاباته النقدية لتحرير السياسة من قبضته. كذلك من مصر هناك محمد عبده الذي تأثر تأثرًا بالغًا بأفكار الأفغاني واستمد الإلهام من نزعاته الحماسية للإصلاح. وقد طرح مشروعًا إسلاميًّا كاملًا للإصلاح تناول تقريبًا كل موضوع من الموضوعات التي ستتكشف في القرن العشرين. كما يحلل أيضًا مشروعه لإعادة تفسير القرآن والسنة في سياق نقاشه الجدلي مع أمثال المؤرخ ووزير الخارجية الفرنسي جابرييل هانوتو. وكان أول من أثار قضية المرأة أحد أتباع محمد عبده، وهو قاسم أمين الذي درس في فرنسا. ويؤكد أبو زيد أن سيد أحمد خان ومحمد عبده مهدا الطريق للمفكرين المسلمين طوال القرن العشرين لإعادة التفكير في معنى القرآن، وبالتالي معنى الإسلام، مما أتاح لهم التأقلم مع الحداثة بطرقٍ مختلفة. فقد كان سيد أحمد خان مشغولًا في الأساس بتحدي العلوم الحديثة، في حين كان محمد عبده مشغولًا بموضوع العقلانية في العموم. إذا كنا سنعُد منهج خان البذرة لما سيكون تيار الإعجاز العلمي اللاحق؛ أي، الاعتقاد بأن القرآن تنبأ بالنظريات العلمية الحديثة، وكذلك تيار أسلمة العلوم والمعرفة، فقد كان منهج عبده ميالًا لما صار معروفًا باسم المقاربة الأدبية. ورغم ذلك، فقد شهد القرن العشرين تسييس الإسلام ومقاومته للهيمنة الغربية، وهي الحركة التي بدأَت في الهند وانتهت بإقامة باكستان لتكون دولةً للهنود المسلمين. وفي هذا السياق، صارت أفكار المودودي ومبادئه المصدر الحقيقي للتفسيرات السياسية والأيديولوجية المستقبلية للقرآن. يتناول أبو زيد إصلاح الفكر الإسلامي خلال القرن العشرين وتقديم مفهوم الدولة القومية الحديثة، في مصر وتركيا خصوصًا. ويقول “كان موضوع الإصلاح بحاجة لأن يُعاد تعريفه من أجل إفساح المجال لتبنِّي مفاهيمَ وأعرافٍ غربية حديثة على غرار الحرية والعقل والديمقراطية. حيث ظهرَت مسألة السياسة في أعقاب الانهيار المثير للإمبراطورية العثمانية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وقرار الحركة التركية الوطنية الجديدة عام 1924 إلغاء الخلافة. وقد أثارت هذه الأحداث السؤال عما إذا كانت الخلافة تمثل عرفًا إسلاميًّا أم أنها كانت مجرد نظام سياسي يمكن أن يُستبدَل به نظامٌ آخر دون خسارة هُوية الإسلام. وقد دافع المصري علي عبدالرازق (1888ـ 1966) عن إلغائها مدعيًا بأنه لا يُوجَد نظامٌ سياسي يمكن أن يُوصَف بأنه إسلامي. واستجاب محمد رشيد رضا (1865ـ 1935) متخذًا اتجاهًا آخر؛ حيث دافع عنها بصفتها نظامًا إسلاميًّا أصيلًا لا بد من إعادة إنشائه لمنع المسلمين من الرجوع للجاهلية. جاءت الاستجابة السياسية في شكل تنظيم الإخوان المسلمين، الذي تأسس في مصر عام 1928. سعى الإخوان المسلمون لإعادة إنشاء المجتمع الإسلامي في مصر كنموذجٍ مثالي يجب تطبيقه في سائر الدول، قبل إقامة الخلافة مجددًا. وهكذا صارت إعادة الأسلمة مضادًّا للتحديث، الذي صُوِّر على أنه التغريب. ويشير إلى أنه تبين كيف أن الغرب طالما كان ولا يزال حاضرًا في الجدال بشأن الإسلام والحداثة في مصر وتركيا وإندونيسيا والهند وإيران وفي كل مكان. ومع أن ثقافة الغرب هي التي حفزَت تبنِّي القيم الحديثة وشجَّعَت عليه، فقد ولَّدَت سياسة الغرب إحجامًا عن قبول هذه القيم. بل إنها في الواقع أثارت مقاومةً حادة للحداثة، التي يُنظر إليها باعتبارها تغريبًا ينشُر الهيمنة الغربية. حالة إيران هي أبرز مثال على تطبيق الإسلام السياسي بنجاح وإقامة دولةٍ ذات حكم ديني. ورغم ذلك فإنه مع ذروة موقفهم السياسي المضاد للغرب، ظل المفكرون الإيرانيون يهمون بترجمة النصوص الفلسفية الغربية المعروفة ونشرها، وهو ما مهَّد الطريق لنقاشٍ فكري قوي ونشط. إن تجربة المسلمين في إيران للإسلام السياسي تمكِّنهم من نقد تجربتهم والكفاح من أجل دولةٍ ديمقراطية وليبرالية حيث يمكن احترام حقوق الإنسان وحمايتها. في الوقت نفسه، لا بد أن نضع في اعتبارنا أن نجاح الثورة كان الأساس لإقامة جمهورية؛ أي، نظام سياسي غربي، لا خلافة أو إمامة. ومن ثَم فقد كانت الانتخابات البرلمانية والرئاسية جزءًا لا يتجزأ من نموذج الدولة الذي تبنَّته إيران، وإن كانت تُجرى في حدود الشريعة الإسلامية. ووجود هذه الأدوات الديمقراطية يعني أن الشعب الإيراني بإمكانه التصويت لليبراليين الذين أرادوا تغيير الأيديولوجيا الدينية لإيران. إلا أن الغرب السياسي، متمثلًا في الولايات المتحدة، قاطع هذا التطور الإيجابي حين أعلن جورج بوش الابن أن إيران جزء من محور الشر، إلى جانب العراق وكوريا الشمالية. وهذا جعل نقد الأيديولوجيا الإيرانية المحافظة مساويًا للتعاون مع العدو؛ إذ صار مفهوم التعاون البنَّاء مع الغرب الذي دعا إليه معظم المفكرين الليبراليين، وفيهم الرئيس الإيراني خاتمي، أمرًا ملعونًا. وحتى حصول شيرين عبادي على جائزة نوبل لم يحتفل به إلا الليبراليون في حين أدانه المحافظون. في الواقع يمكن اعتبار الهزيمة السياسية لليبراليين في انتخابات يونيو 2005، نتيجةً لقرار مجلس صيانة الدستور، بمنزلة أثرٍ جانبي للتدخل الغربي. إلا أن ثمة ارتباطًا قويًّا بين هذه النكسة السياسية والمستوى المتقدم للنقاش الفكري الذي يتناول الآن الكثير من الموضوعات التي كانت من المحظورات فيما مضى. هذا الجدل الدائر عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحرية الدينية، والدولة العلمانية والفردية أسَفر عما هو أكثر من قراءة جديدة للتراث أو معنى القرآن؛ فقد أدى لإضفاء طابع إنساني على القرآن بصياغة علم كلام ليبرالي، وكذلك إنشاء منهج جديد للتفسير. وهذا المنهج يُسمى في الفلسفة الغربية علم التأويل. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post نقد التراث أم نقض التراث next post فاروق يوسف يكتب عن: على تركيا الاعتذار عما فعله العثمانيون بالعالم العربي You may also like رسائل تنشر للمرة الأولى… حب مستحيل لأراغون 8 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: في “معا في الجنون”... 8 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: بعلبك… آن لروح الشعراء... 8 نوفمبر، 2024 من “المراهق العزيز” الذي صاغ نصوص دا فنشي... 8 نوفمبر، 2024 “آخر المعجزات” يعيد سجال السينما المصرية وعيون الرقيب 8 نوفمبر، 2024 هل تصمد الرواية الرقمية أمام تحديات القراءة؟ 7 نوفمبر، 2024 “آلام جان دارك”… أسطورة واقعية وتراجيدية على الشاشة 7 نوفمبر، 2024 هل يستحق “جوكر 2” الفشل الجماهيري؟ 7 نوفمبر، 2024 ما الذي كان يمكن أن يحدث لو أن... 7 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: أحصنة برونزية من شبه... 6 نوفمبر، 2024