الأحد, نوفمبر 24, 2024
الأحد, نوفمبر 24, 2024
Home » عندما ألهمت العزلة الرسام الإسباني غويا أعماله السوداوية

عندما ألهمت العزلة الرسام الإسباني غويا أعماله السوداوية

by admin

أوهام ومخاوف ذاتية اجتاحت خياله وفنه

اندبندنت عربية / ياسر سلطان

قد لا تكون أجواء العزلة التي يعيشها العالم اليوم غريبة على الفنان، فالممارسة الفنية قد تتطلب قدراً من العزلة على كل حال، وهو ما يمكن أن نلمحه في أعمال العديد من الفنانين على نحو غير مباشر، حتى في هذه الأعمال المُزدحمة بالعناصر والأشخاص. يمكنك أن تبحث عن هذا المعنى في جميع الأعمال التي تطالعها، بداية من الأعمال الكلاسيكية إلى الأعمال المعاصرة، مروراً بأعمال الفنانين الحداثيين. قد تراها في عيون الموناليزا مثلاً، وفي نظرة فان غوخ المضطربة أو في حجرته الفارغة، ربما تلمحها في صرخة إدوارد مونخ، وفي شخصيات بيكاسو التي تلفها الوحدة، أو في شرود فتاة النافذة لسلفادور دالي، وفي العديد من أعمال الفنانين حول العالم. ولكن، ماذا لو كانت العزلة أمراً مفروضاً على الفنان، لا يستطيع الخلاص منه؟ ماذا لو كانت واقعاً معاشاً وثقيلاً حد الجنون؟  في تاريخ الفن الغربي هناك تجارب مثلت العزلة في أعمالها على نحو مباشر، غير أن أبلغ تمثيل وانعكاس للعزلة وقسوتها يبدو متجسداً في أعمال فرانسيسكو دي غويا، بخاصة في مراحله الأخيرة التي انسحب خلالها للعيش في إحدى القرى النائية ليعيش وحيداً منبوذاً، وفي شبه قطيعة مع العالم حتى وفاته. هي تجربة مؤلمة انعكست على أعماله التي أنجزها في تلك الفترة، والتي خيمت عليها السوداوية والكآبة، لكنها أيضاً كانت أحد أكثر مراحله نضجاً وإلهاماً.

لوحة تمثل الرسام غويا (موقع غويا)

ولد فرانسيسكو دي غويا في عام 1746 وبلغ في شبابه ذروة الشهرة، كما عاش حياة الرغد والرفاهية بين قصور النبلاء والطبقة الأرستقراطية الإسبانية، وظل هكذا، حتى كان ذلك التحول الكبير الذى طرأ عليه وحوّل حياته إلى جحيم. ففى عام 1793 داهمه المرض فجأة. سقط غويا ذات يوم مغشياً عليه بين أصدقائه، وانتابته لأيام متواصلة نوبات من الحُمّى. وظل حبيس بيته طوال شهرين كاملين يعاني فيهما من الألم والهذيان. وحين تعافى أخيراً من تلك المحنة كان قد فقد السمع تماماً. تحول غويا وهو على مشارف الخمسين من عمره من رجل اجتماعي دائم الحضور والمشاركة في المناسبات الرسمية إلى شخص إنطوائي متلعثم اللسان ومشتت الفكر. حار الجميع في مرضه وأعراضه، وإلى اليوم يتحدث مؤرخون وأطباء وعلماء نفس محاولين وضع تشخيص مناسب لهذا المرض المفاجئ الذي ألم بواحد من أهم أعمدة الفن العالمي. أكثر الآراء قبولاً لدى الكثيرين هي التي عزت تلك الأعراض إلى تأثير مادة الرصاص, والتي كان يستخدمها جويا بكثافة في تكوين اللون الأبيض؛ وقد عُرف عنه عدم الاكتراث في تعامله مع تلك المادة السامة.

أثر المرض

كان على المرض أن يؤثر بشدة على شخصية غويا، فانسحب من الحياة العامة، وقضى أغلب أوقاته وحيداً. ولنا أن نتصور كيف كان يفكر رجل مثله بعد أن فقد التواصل مع العالم من حوله. لقد جعله الصمم يقترب أكثر من أفكاره الداخلية، وشحذ تصوراته البصرية، وبدا أكثر ميلاً إلى الجوانب المظلمة من الحياة. كان غويا من قبل مهتماً بجمع المال، ولم يكن يرسم إلا بناءً على تلك التكليفات التي يتلقاها عادة من الملك أو حاشيته، لكنه بعد هذه المحنة بدأ في الاعتماد أكثر على خياله وأوهامه. بدأ جويا في تناول الكثير من الموضوعات التي لم يكن يتناولها هو أو معاصروه من قبل، مثل الكوارث والفواجع، وقُطاع الطرق الذين مثّلوا ظاهرة أرقت المجتمع الإسباني آنذاك، كما رسم العديد من اللوحات من وحي زياراته لمصحة الأمراض العقلية.

لوحة “الحساء” للرسام غويا (موقع غويا)

في هذه الأثناء اندلعت الثورة الفرنسية، وكان غويا معروفاً بحماسته للأفكار التقدمية التي أدت إليها. ثم غزت الجيوش الفرنسية أراضي إسبانيا، وظلت هناك حوالى خمس سنوات وسط مقاومة شرسة. وبعد اندحار الغزاة سرت موجة من العداء لكل أصحاب الأفكار التقدمية وسط تنامي الرجعية، وتغول من قبل محاكم التفتيش التي بسطت سطوتها على كل أرجاء إسبانيا. وبدأ الملك الجديد ينظر بعين الريبة إلى غويا، الذي حاول أن يستعيد مكانته تلك ولكن بلا جدوى. رسم غويا العديد من اللوحات التي تصور فظائع الحرب، وتُسجل بسالة المقاومة الأسبانية، في سلوك تم تفسيره على أنه محاولة لنفي التهمة التي شاعت عنه بالتعامل مع قوات الاحتلال الفرنسي. زاد ذلك الأمر من إحباطات جويا وانعزاله، واستمر في الاستسلام إلى خيالاته حتى اقترب من الجنون. صار جويا أكثر انطواء على نفسه بعد أن تقدم به السن وحاصرته الإحباطات من كل جانب، فاختار الابتعاد عن الناس، وانتقل للإقامة في بيت اشتراه خارج مدينة مدريد بالقرب من أحدى القرى الريفية، وعُرف بيته في تلك الأنحاء بمنزل الرجل الأصم، أو بيت الأشباح. عاش غويا سنواته الأخيرة حبيس ذلك البيت، وقضى وقته في طلاء جدرانه بالرسوم واللوحات الجدارية.  كان يعيش على الخط الفاصل بين الحياة والموت، أو بين التعقل والجنون.

اللوحات السوداء

في اثنين من أكبر غرف هذا المنزل رسم غويا أربعة عشر لوحة جدارية عُرفت في ما بعد باللوحات السوداء، بسبب ألوانها القاتمة، والسوداوية التى خيمت على أجوائها ومواضيعها الحزينة الفاجعة في أغلب الأحيان. رُسمت هذه اللوحات الجدارية بالألوان الزيتية مباشرة على الجدران، وهي تعد أكثر أعمال جويا غموضاً ووحشية وتأثيراً. فقد أطلق فيها لخياله العنان، وكان أكثر ميلاً إلى تسجيل أوهامه وآلامه ومخاوفه الذاتية، وهو ما مثّل تطوراً هاماً في تاريخ الفن. فقد سبق بأعماله تلك خيالات السورياليين بعدة عقود، وكان ملهماً لفنانين كُثُر جاؤوا بعده، فعدّه البعض أباً للحداثة في الفن الغربي. في هذه المرحلة رسم غويا لوحته الشهيرة “ساترن يأكل أبناءه” والمستلهمة من الأساطير الإغريقية. الأسطورة نفسها استلهمها قبله فنانون آخرون، لعل أبرزهم الفنان الفلامنكي الشهير “بول روبنز”، إلا أن لوحة غويا كانت الأكثر تأثيراً وقدرة في التعبير عن هذه الأسطورة، إذ كانت معالجته لها أكثر رعباً وسوداوية، حتى أن البعض اعتبرها اللوحة الأكثر ترويعاً في تاريخ الفن.

المزيد عن: الرسام الإسباني غويا/اسبانيا/العزلة/المرض/فن تشكيلي

 

 

You may also like

14 comments

Christiane 21 يونيو، 2020 - 4:08 ص

Hello to all, how is everything, I think every one is getting more
from this website, and your views are nice in favor of g new people.

Reply
Philip 27 يونيو، 2020 - 11:39 ص

each time i used to read smaller content that as well clear their motive, and cbd oil that works 2020 is also happening with this post which I am reading at this time.

Reply
Clarice 27 يونيو، 2020 - 9:53 م

Hey There. I discovered your weblog the use of msn. This
is a very well written article. I will make sure to bookmark it and come
back to learn extra of your useful information. Thanks for the post.
I will certainly comeback.

my web blog; cbd oil that works 2020

Reply
Lilliana 21 يوليو، 2020 - 10:24 م

I’ll right away clutch your rss as I can not find your
e-mail subscription link or e-newsletter service. Do you have any?
Please permit me know in order that I may subscribe.
Thanks.

My website :: best web hosting 2020

Reply
Lawrence 30 يوليو، 2020 - 1:29 م

I will immediately snatch your rss as I can’t find your e-mail subscription hyperlink or e-newsletter
service. Do you have any? Please let me realize so
that I may subscribe. Thanks. adreamoftrains web hosting company

Reply
Magaret 5 أغسطس، 2020 - 4:25 م

Great blog here! Additionally your site quite a bit up very fast!
What web hosting sites host are you using?
Can I am getting your associate link on your host? I wish my site loaded
up as fast as yours lol

Reply
Enriqueta 7 أغسطس، 2020 - 6:15 ص

In fact when someone doesn’t be aware of afterward its up to other viewers that they will assist, so here it occurs.

Feel free to surf to my site: best web hosting 2020

Reply
Jamey 14 أغسطس، 2020 - 12:32 ص

What’s up i am kavin, its my first time to commenting anyplace, when i read this paragraph i thought
i could also make comment due to this good
post.

Also visit my web blog :: web host

Reply
Kathlene 26 أغسطس، 2020 - 8:11 ص

This is really interesting, You’re a very skilled blogger.
I’ve joined your rss feed and look forward to seeking more of your great post.
Also, I have shared your site in my social networks!

Feel free to surf to my page … cheap flights

Reply
Darnell 30 أغسطس، 2020 - 11:15 م

I don’t even know how I ended up here, but I thought this post was good.
I do not know who you are but definitely you are
going to a famous blogger if you are not already 😉 Cheers!

Feel free to visit my website: black mass

Reply
Tarah 5 سبتمبر، 2020 - 1:52 ص

Good post however , I was wanting to know if you could write a litte more on this topic?
I’d be very grateful if you could elaborate a little
bit further. Appreciate it!

Check out my site :: best web hosting company

Reply
web hosting the 28 أغسطس، 2021 - 11:52 ص

Whoa! This blog looks exactly like my old one! It’s
on a completely different subject but it has
pretty much the same layout and design. Superb choice of colors!

Reply
j.mp 31 أغسطس، 2021 - 4:50 م

Do you mind if I quote a few of your articles as long as I
provide credit and sources back to your webpage?
My website is in the very same niche as yours and
my visitors would truly benefit from some of the information you provide here.
Please let me know if this okay with you. Regards!

Reply
keratin treatment procedure 22 يونيو، 2024 - 12:44 م

Fantastic post! I look forward to reading more from you.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00