ثقافة و فنونعربي “عبيدات الرما” فن مغربي بدوي عريق يواجه الزوال by admin 7 نوفمبر، 2022 written by admin 7 نوفمبر، 2022 59 فرق شبابية تعيد إحياءه عبر حفلات جوالة حفاظا على تقاليد الثقافة التراثية اندبندنت عربية \ عبد الرحيم الخصار في الفترة الأخيرة بدأت الأوساط الثقافية والفنية في المغرب تتحرك من أجل إدراج فن “عبيدات الرما” (عبيد الرماة) ضمن قائمة التراث العالمي الثقافي اللامادي لمنظمة اليونسكو. وإن كانت أبرز جهة تقف وراء هذه الحركة هي وزارة الثقافة المغربية ومديريتها الجهوية لمنطقة بني ملال خنيفرة، حيث ينشط هذا اللون الفني بشكل كبير، فإن الفضل في لفت انتباه الجهات الرسمية إلى “عبيدات الرما” يعود بالأساس لمجموعة كبيرة من الشبان الذين أسهموا بشكل لافت في إحياء هذا التراث الفني الذي كان مهدداً بالزوال. فقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة مجموعات كثيرة تتشكل من شبان من العمر ذاته تقريباً، اختاروا العودة إلى تاريخهم الفني المحلي، وانتقاء أهازيج مهملة ونصوص منسية والاشتغال عليها من جديد. واللافت أن غالب المجموعات أرادت أن تحافظ على الطابع التقليدي لهذه الأغاني بشكل شبه مطلق، إن على مستوى الملابس والآلات والرقصات أو أشكال الفرجة والحضور. في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني لـ”عبيدات الرما” شاركت في إحياء سهراتها أكثر من أربعين مجموعة غنائية. وهذا الرقم يكشف الإقبال اللافت للأجيال الجديدة على هذا النمط الغنائي والاستعراضي القادم من أعماق البادية المغربية. رقص وغناء على هامش القنص والزراعة تتنوع الأنماط الغنائية التراثية في المغرب، ويتخذ هذا التنوع بعداً جغرافياً، فلكل إقليم تقريباً موسيقاه وأغانيه. ففي طنجة ونواحيها مثلاً نسمع “الطقطوقة الجبلية”، وفي تطوان “الطرب الغرناطي” وفي فاس “الطرب الأندلسي” وفي مراكش “فن الملحون” وفي آسفي “فن العيطة” وفي المناطق الأمازيغية بالجنوب نسمع “أحواش”، أما لدى أمازيغ الأطلس فتسود أهازيج “أحيدوس”. أحياناً تشترك أقاليم متفرقة في نمط غنائي واحد، وأحياناً تتعدد الألوان الموسيقية داخل الإقليم الواحد. مشهد فني (خدمة الفرقة) في بوادي مدينتي خريبكة وبني ملال وسط المغرب، انتشر فن “عبيدات الرما” وصار ذكره مقترناً بهذه المناطق، وإن انتشر لاحقاً في عدد من مدن المغرب. وإذا كانت الترجمة الفصيحة لـ”عبيدات الرما” هي “عبيد الرماة” فإننا لسنا بالضرورة أمام شكل صريح من أشكال العبودية. فكلمة “عبيد” تعني “الخدم”، وهم مجموعة من المزارعين والمياومين الذين وضعوا أنفسهم في خدمة القناصين بالأساس، وفي خدمة جيرانهم وأهل دواويرهم. وإذا كانت خدمة الفئة الأولى تتجلى في المرافقة والمؤانسة خلال الخروج للقنص، فإن خدمة الجمهور هي الفرجة عبر إحياء سهرات ليلية مفتوحة في وجه الذين أتعبتهم مشاغل النهار. تخلو أغاني “عبيدات الرما” من النزعة البكائية والخطاب الفجائعي، إنها أغان منذورة للفرح والبهجة والتخفيف عن أعباء الفلاحين والمياومين والعمال الذين يقضون يوماً طويلاً في أشغال الزراعة أو البناء أو التجارة، بعد أن كانت حكراً على القناصين لفترة طويلة. أزياء تراثية وآلات من الطبيعة رقص وأزياء (خدمة الفرقة) ينسحب البعد الفلكلوري في أغاني “عبيدات الرما” على الأزياء أيضاً. فأعضاء الفرق حريصون على ارتداء لباس مغربي تقليدي، هو في الأساس اللباس الذي يرتديه المغاربة في المناسبات الدينية والاجتماعية. ويكون اللون الأبيض هو المهيمن في الغالب على أزياء المؤدين، حيث الجلباب المغربي والقميص والعمامة والبلغة هي العناصر الأساسية في هذا الهندام الفني. ويمكن أن تكون هناك عناصر تكميلية مثل خناجر الفضة ومحافظ الجلد التراثية. وغالباً ما يرتدي رئيس الفرقة ملابس بلون مغاير يميزه عن باقي أعضاء الفرقة. وإن ظهرت لدى الشباب ألوان جديدة للجلباب إضافة إلى الأبيض، فالقاعدة هي أن يكون اللون موحداً لدى الجميع، باستثناء قائد الفرقة، هذا الأخير غالباً ما يتوسط المجموعة أو يتقدمها، ويعطي إشارات صوتية وإيقاعية فضلاً عن حركات رأسه، من أجل ضبط ميزان الأداء، كي تكون الإيقاعات متناغمة مع الحركات الاستعراضية، بالتالي تتحقق الفرجة لدى المتلقي على النحو المأمول. تتجنب فرق “عبيدات الرما” الآلات الموسيقية الحديثة، وتستخدم بالمقابل آلات بسيطة مصنوعة من مواد أولية متاحة في البوادي. فالتعريجة (دربكة صغيرة) مصنوعة من الطين وجلد المواشي، والطارة (الدف) من الجلد والخشب، والآلة التي تحدث إيقاعاً مختلفاً هي المقص الكبير الذي يستعمل عادة في جز الخراف. يؤدي أعضاء الفرقة رقصات تعبر عن مظاهر الحياة البدوية، إذ يقومون بتشخيص حركات الحرث والقنص والحصاد والفانتازيا والخدمات المنزلية في تناغم مع معاني الأغاني المرافقة لرقصاتهم. يتعلق الأمر بعمل مسرحي مشهدي يترجم الدلالات النصية. ونصوص “عبيدات الرما” هي في الغالب إما ذات طابع شذري، خصوصاً في الأغاني التي تستند إلى الحكم والأمثال، أو ذات طابع سردي وصفي في القطع المطولة التي ترصد تفاصيل الحياة القروية. وإن كان الجانب الحكمي حاضراً في أغاني الفرقة ومردداتها، فإن الجانب الهزلي هو المهيمن، ذلك أن هذا النوع من الغناء، بأشكاله الاستعراضية المتنوعة، يروم إلى إضحاك الحاضرين والترفيه عنهم. المزيد عن:فن مغربي\فنون عريقة\التراث\الرقص\الفولكلو\رطقوس شعبية\القريةالصحراء 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post خطة السلطات المغربية لتشتيت تجمعات المهاجرين الأفارقة next post “العيش سريعا” الرواية الفائزة بغونكور تواجه عبث الفقدان You may also like نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024
في الفترة الأخيرة بدأت الأوساط الثقافية والفنية في المغرب تتحرك من أجل إدراج فن “عبيدات الرما” (عبيد الرماة) ضمن قائمة التراث العالمي الثقافي اللامادي لمنظمة اليونسكو. وإن كانت أبرز جهة تقف وراء هذه الحركة هي وزارة الثقافة المغربية ومديريتها الجهوية لمنطقة بني ملال خنيفرة، حيث ينشط هذا اللون الفني بشكل كبير، فإن الفضل في لفت انتباه الجهات الرسمية إلى “عبيدات الرما” يعود بالأساس لمجموعة كبيرة من الشبان الذين أسهموا بشكل لافت في إحياء هذا التراث الفني الذي كان مهدداً بالزوال. فقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة مجموعات كثيرة تتشكل من شبان من العمر ذاته تقريباً، اختاروا العودة إلى تاريخهم الفني المحلي، وانتقاء أهازيج مهملة ونصوص منسية والاشتغال عليها من جديد. واللافت أن غالب المجموعات أرادت أن تحافظ على الطابع التقليدي لهذه الأغاني بشكل شبه مطلق، إن على مستوى الملابس والآلات والرقصات أو أشكال الفرجة والحضور. في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني لـ”عبيدات الرما” شاركت في إحياء سهراتها أكثر من أربعين مجموعة غنائية. وهذا الرقم يكشف الإقبال اللافت للأجيال الجديدة على هذا النمط الغنائي والاستعراضي القادم من أعماق البادية المغربية. رقص وغناء على هامش القنص والزراعة تتنوع الأنماط الغنائية التراثية في المغرب، ويتخذ هذا التنوع بعداً جغرافياً، فلكل إقليم تقريباً موسيقاه وأغانيه. ففي طنجة ونواحيها مثلاً نسمع “الطقطوقة الجبلية”، وفي تطوان “الطرب الغرناطي” وفي فاس “الطرب الأندلسي” وفي مراكش “فن الملحون” وفي آسفي “فن العيطة” وفي المناطق الأمازيغية بالجنوب نسمع “أحواش”، أما لدى أمازيغ الأطلس فتسود أهازيج “أحيدوس”. أحياناً تشترك أقاليم متفرقة في نمط غنائي واحد، وأحياناً تتعدد الألوان الموسيقية داخل الإقليم الواحد. مشهد فني (خدمة الفرقة) في بوادي مدينتي خريبكة وبني ملال وسط المغرب، انتشر فن “عبيدات الرما” وصار ذكره مقترناً بهذه المناطق، وإن انتشر لاحقاً في عدد من مدن المغرب. وإذا كانت الترجمة الفصيحة لـ”عبيدات الرما” هي “عبيد الرماة” فإننا لسنا بالضرورة أمام شكل صريح من أشكال العبودية. فكلمة “عبيد” تعني “الخدم”، وهم مجموعة من المزارعين والمياومين الذين وضعوا أنفسهم في خدمة القناصين بالأساس، وفي خدمة جيرانهم وأهل دواويرهم. وإذا كانت خدمة الفئة الأولى تتجلى في المرافقة والمؤانسة خلال الخروج للقنص، فإن خدمة الجمهور هي الفرجة عبر إحياء سهرات ليلية مفتوحة في وجه الذين أتعبتهم مشاغل النهار. تخلو أغاني “عبيدات الرما” من النزعة البكائية والخطاب الفجائعي، إنها أغان منذورة للفرح والبهجة والتخفيف عن أعباء الفلاحين والمياومين والعمال الذين يقضون يوماً طويلاً في أشغال الزراعة أو البناء أو التجارة، بعد أن كانت حكراً على القناصين لفترة طويلة. أزياء تراثية وآلات من الطبيعة رقص وأزياء (خدمة الفرقة) ينسحب البعد الفلكلوري في أغاني “عبيدات الرما” على الأزياء أيضاً. فأعضاء الفرق حريصون على ارتداء لباس مغربي تقليدي، هو في الأساس اللباس الذي يرتديه المغاربة في المناسبات الدينية والاجتماعية. ويكون اللون الأبيض هو المهيمن في الغالب على أزياء المؤدين، حيث الجلباب المغربي والقميص والعمامة والبلغة هي العناصر الأساسية في هذا الهندام الفني. ويمكن أن تكون هناك عناصر تكميلية مثل خناجر الفضة ومحافظ الجلد التراثية. وغالباً ما يرتدي رئيس الفرقة ملابس بلون مغاير يميزه عن باقي أعضاء الفرقة. وإن ظهرت لدى الشباب ألوان جديدة للجلباب إضافة إلى الأبيض، فالقاعدة هي أن يكون اللون موحداً لدى الجميع، باستثناء قائد الفرقة، هذا الأخير غالباً ما يتوسط المجموعة أو يتقدمها، ويعطي إشارات صوتية وإيقاعية فضلاً عن حركات رأسه، من أجل ضبط ميزان الأداء، كي تكون الإيقاعات متناغمة مع الحركات الاستعراضية، بالتالي تتحقق الفرجة لدى المتلقي على النحو المأمول. تتجنب فرق “عبيدات الرما” الآلات الموسيقية الحديثة، وتستخدم بالمقابل آلات بسيطة مصنوعة من مواد أولية متاحة في البوادي. فالتعريجة (دربكة صغيرة) مصنوعة من الطين وجلد المواشي، والطارة (الدف) من الجلد والخشب، والآلة التي تحدث إيقاعاً مختلفاً هي المقص الكبير الذي يستعمل عادة في جز الخراف. يؤدي أعضاء الفرقة رقصات تعبر عن مظاهر الحياة البدوية، إذ يقومون بتشخيص حركات الحرث والقنص والحصاد والفانتازيا والخدمات المنزلية في تناغم مع معاني الأغاني المرافقة لرقصاتهم. يتعلق الأمر بعمل مسرحي مشهدي يترجم الدلالات النصية. ونصوص “عبيدات الرما” هي في الغالب إما ذات طابع شذري، خصوصاً في الأغاني التي تستند إلى الحكم والأمثال، أو ذات طابع سردي وصفي في القطع المطولة التي ترصد تفاصيل الحياة القروية. وإن كان الجانب الحكمي حاضراً في أغاني الفرقة ومردداتها، فإن الجانب الهزلي هو المهيمن، ذلك أن هذا النوع من الغناء، بأشكاله الاستعراضية المتنوعة، يروم إلى إضحاك الحاضرين والترفيه عنهم. المزيد عن:فن مغربي\فنون عريقة\التراث\الرقص\الفولكلو\رطقوس شعبية\القريةالصحراء