الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Home » عبد الكريم كاصد عبر الصحراء على جمل هاربا إلى المنفى

عبد الكريم كاصد عبر الصحراء على جمل هاربا إلى المنفى

by admin

حكايات ومواجهات وحواجز من مدينة إلى أخرى وصولا إلى لندن

اندبندنت عربية \ عمر شبانة 

“حين قدمت إلى المنفى أول مرة قاطعاً الصحراء على جمل لستة أيام، في قافلة ضمت ستة مهربين وهاربين وشاعرين (كان معي في الرحلة صديقي الشاعر العراقي الراحل مهدي محمد علي) وستة جمال، كان المنفى بالنسبة إلي، كالصحراء، مفتوحاً على الجهات الأربع، لا أعرف أين تحملني رياحه، ومتى تهب؟”.

بهذه المقدمة الدرامية، والسؤال المكثف المعمق عن معنى “المنفى” وماهيته وجوهره، وعن علاقته بالصحراء بكل ما تحمله من دلالات الجفاف والاتساع والضياع حد التوهان، ينطلق الشاعر العراقي عبد الكريم كاصد في رسم معالم سيرة “منفاه” المتواصلة منذ سنة 1978، حين غادر العراق إلى الكويت “هارباً عبر الصحراء على جمل، ثم إلى عدن حيث عمل محرراً في مجلة “الثقافة اليمنية”، وفي نهاية 1980 رحل إلى سورية ثم إلى لندن أواخر 1990، مع ابنيه زياد وسارة بعد وفاة زوجته حذام سنة 2002.

في كتابه الجديد “منفى ومهاجر” (لندن للطباعة والنشر، 2021، 196 صفحة)، وهو ليس الأول له الذي يتناول سيرة “المنفى” و”الوطن”، فقد سبق وصدر له كتاب حوارات بعنوان “أيهما الوطن؟ أيهما المنفى؟” وهو حوار مطول أجراه معه الشاعر معتز رشدي وصدر في دار تموز للطباعة والنشر، دمشق 2013. هو هنا في ما بين منفى وهجرات ورحلات كثيرة في بلدان عدة، تبدأ من الكويت، وتنتهي في لندن، وما بينهما كوكب فسيح من الزمان والمكان والحوادث والأفكار والتأملات والنقاشات.

حوار الذات والعالم

خلال أربعة أقسام وخاتمة، هي قوام هذا الكتاب، نتجول مع الشاعر والناثر هنا، في عوالم شتى، شديدة الثراء فكراً ولغة وحوارات مع الذات والعالم، مع المنفى ومكوناته، والوطن- الذي لم يعد وطناً- بكل تفاصيله وتحولاته وتشوهاته التي جرت ولا تزال تجري، منذ الحاكم- الصنم وممارساته الباطشة بحق شعب محكوم بالعنف، وصولاً إلى قوة عظمى جاءت على دبابة “الديمقراطية”، وصدقها، بل استغل وجودها، عراقيون لم يكن يهمهم سوى مصالحهم وتطلعاتهم للحكم والسلطة، ولا يزالون يعيثون فساداً وتسلطاً في بلد الحضارات.

كتاب الشاعر العراقي عبد الكريم كاصد (دار لندن)

وما بين الهموم الصغيرة والقضايا الكبيرة، فإن الشاعر صاحب التجربة الطويلة والعميقة شعراً ونثراً وترجمات من الشعر العالمي، يجوب الكثير من الآفاق والأمداء، بدءاً من رفض مصطلح “الكتاب الأفضل”، حيث لا يجوز “إحصاء المنتوج وكأن الأدب دكان بقالة وليس منجزاً حضارياً هو أبعد من أن يقاس بالسنة والشهر”. فالمصطلح المذكور “يعبر عن جوهر معني بالإعلام لا بالثقافة، ما دام ثمة مجهول هناك حتى في أدق ما يتأمله الإنسان في هذا الوجود الشاسع، في داخله والكون”.

و”في انتظار الشيطان”، يكتب شاعرنا عن ظاهرة “المديح” كما رصدها في مهرجان “المربد” العراقي، مثلاً، حيث كبار الكتاب العرب يرفعون المدائح للقائد، بأساليب مختلفة، ومن هؤلاء يحضر “نزار قباني المتغزل بعيني صدام (لا أدري ماذا رأى فيهما(، ويوسف إدريس، وغيرهم من الأحياء والأموات، ممن كانوا يذهبون إلى مهرجانات المربد فارغي الحقائب ويعودون منها وقد امتلأت بالدولارات وخزيهم…”. وعن محمد عابد الجابري، يستعير ما قاله عنه جورج طرابيشي ليكشف “أن “زمخشري التاريخ” هذا “ما هو إلا مثقف زائف، رغم موسوعاته الضخمة وطبول مريديه الضاجة”.

ومن بين القضايا التي يتناولها بالتفصيل، فصل يسميه “نجم والي والافتراء على إدوارد سعيد”، يفند فيه ما جاء في كتابات “النجم” والي بعد زيارة له إلى إسرائيل، بل نفي أن يكون إدوارد سعيد مقدسياً، ولادة ونشأة ويرى أن” سعيد نفسه اخترع لنفسه مكان الولادة القدس… وهو لم يولد في القدس أبداً”. ويلجأ كاصد هنا إلى شهادات كبار كتاب وشعراء العالم حول حقيقة الكيان الصهيوني، ومنها شهادة الشاعر والروائي اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكي الذي رأى في الحركة الصهيونية “كارثة حقيقية لليهود”.

الشاعر المتعدد

ليس كاصد هنا هو محض ذلك الشاعر الذي يكتفي بقصيدته وبالحديث عنها، وعن الشعر عموماً، وحسب، بل هو هذا الثلاثي في تركيبة خاصة، تتكامل فيه العناصر الثلاثة: الشاعر، المثقف، والوعي السياسي؛ ومن قال إن الشاعر ينبغي ألا يكون غير الشاعر فقط، ما دامت لا تتناقض، ولا تتصارع حتى، بل تتناغم لتنتج هذا “الكائن الذي “تحتمل مداخلاته”، بكل أبعاده، الثقافية والسياسية والاجتماعية والمعيشية، التي يضمها الإنسان والإنساني الذي فيه، وهو يتناول موضوعاته ويعالجها بكل شفافية، ولكن بكل صرامة وحسم أيضاً؟

ومن “الطرائف” المأساوية، والتراجيدية ربما، التي يروي عن حدوثها في أثناء رحلة “الهروب”، قبل الوصول إلى أرض المنفى الأول، يسرد- بقدر من الظرف ومن السخرية- حكاية حدثت واقعاً وليست خيالاً، يقول فيها: لم نجد غير “تنكر” (خزان ماء)، أقلنا، فتذكرت غسان كنفاني وروايته “رجال في الشمس”، وندمت. الرجل الجالس فوقي أو “بالأحرى المحشور فوقي”، يتململ فسألته: كيف أنت؟ أجابني: وردة (وهذه هي الإجابة الشائعة لدى ناسنا البسطاء في العراق)، ثم سألني: وأنت؟ فقلت له: مزهرية. عندئذ ضحك كل من في “التنكر”، وكان عددهم عشرين هارباً. أما صديقي المهرب فكان يجلس جوار السائق هو ومهرب آخر. حتى في أشد اللحظات حلكة ثمة خيط من الضوء.

الشاعر العراقي عبد الكريم كاصد (دار لندن)

ومن قصص السجن في اليمن، المنفى الثاني له الذي سيحمل هوية بلاده (الجنسية اليمنية)، يروي عن “عراقي دائم يتنزه في باحته، وكأنه يتنزه في باحة بيته، بدشداشته البيضاء، وحركاته الأنثوية، وألفته مع المكان والعاملين فيه من شرطة ورجال أمن، وصوته المزغرد، وفرحه المعلن كل لحظة طوال النهار، عبر تعليقاته الضاجة ومزاحه البغيض… اتخذ له غرفة من غرف السجن يدخلها ويخرج منها، وكأنه عريس أو عروس أو الاثنان معاً”.

بين المنافي السبعة

وفي تنقله من منفى إلى منفى، نجده في منفاه الثالث (بيروت)، منفى “كان ثمنه السير وسط الرصاص، والإقامة وسط القصف، والتوقيف عند الحدود بين بيروت ودمشق التي اتخذتها سكناً لعائلتي، وتشييع الأصدقاء، والاختفاء في الملاجئ التي تكتظ بالأطفال، وقد تبللت سراويلهم من الخوف، والنساء المرتعبات، ليس في حرب الأعداء مع الأعداء، بل في حرب الإخوة الأعداء (حرب المنفيين؛ ميليشيات ومنظمات منفية تتقاتل ما بينها). لم يكن المنفى اللاحق أقلها ثمناً؛ التردد على المستشفيات”.

وفي المنفى الخامس أو السادس يقول “أتذكر وقوفنا الطويل أمام رجال الجوازات أنا وزوجتي وطفلتنا وهم يدققون، مجتمعين بزيهم العسكري المخيف، في جوازاتنا المزورة، ولولا رباطة جأش زوجتي الراحلة التي ظلت تداعب طفلتنا وتكلمها وكأننا في مقهىً أو شارع، ولولا أن أخرج لهم وثيقة مزورة أخرى عن دعوة وهمية إلى لندن، لكان مصيرنا مصير العوائل العراقية المحتجزة التي صادفتنا في المطار وهي تفترش الأرض أمام أعين المسافرين. هل اكتمل المنفى؟ أثمة منفى سابع؟ أكان عبوري الصحراء طريقاً إلى الجنة أم الجحيم؟ أم ما زلت في منطقة الأعراف بين وطن غائب حاضر ومنفى حاضر غائب؟”.

ومن مفارقات المنفى وتناقضاته، يذكر كاصد “كانت الأخوة فنارنا في المنفى: بيروت الرائعة بكتابها، وناسها، ومقاتليها، فلسطينيين ولبنانيين تقاسمنا المصير معاً، وكان لنا بينهم شهداؤنا أيضاً. وقد أوصلني مرة إلى دمشق، وقد انقطعت الدروب، صديق هو قائد منظمة موالية للنظام الذي نفاني”. ولا شك في أن (كاصد) يقصد نظام صدام، وبتلك المنظمة يقصد إحدى المنظمات الفلسطينية، كما يمكن أن يتوقع أي قارئ يعرف بيروت تلك المرحلة، ويعرف وجود منظمات فلسطينية مرتبطة بهذا النظام العربي أو ذاك.

هذه نتف وشظايا من كتاب جدير بقراءات عدة، لكل زاوية من زوايا التناول والمعالجة المتعددة والمتنوعة، المعبرة عن تجربة، بل تجارب، تختبر مدى حضور الإنسان في التفاصيل، كما في القضايا الجوهرية. وتختزل حيناً، وتشرح حيناً، ما يرسم صورة الإنسان “المناضل” في سياق من سياقات الحياة بتياراتها وتوجهاتها المنضبطة في حدود “الصورة الإنسانية” للكائن والوجود.

المزيد عن: شاعر عراقي\رحل\منفى\لندن\بيروت\دمشق\النثر\الشعر

 

 

You may also like

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00