الخميس, أبريل 24, 2025
الخميس, أبريل 24, 2025
Home » عبده وازن يكتب عن: نجوى بركات تروي تراجيديا الشيخوخة في مرآة الذات المعطوبة

عبده وازن يكتب عن: نجوى بركات تروي تراجيديا الشيخوخة في مرآة الذات المعطوبة

by admin

 

 جروح الحياة والأمومة تعيشها بطلة “غيبة مي” بين الواقع والمسرح

اندبندنت عربية / عبده وازن

في مستهل الفصل الأول من رواية نجوى بركات الجديدة “غيبة مي” (دار الآداب 2025) يسقط على “البطلة” صوت يناديها باسمها، مي، بينما كانت في سريرها بين نوم ويقظة. ترتجف بعد أن يتكرر النداء وتنهض، وفي ظنها أن الصوت يرجع لشخص ولج البيت، فتتصل خائفة بناطور البناية يوسف، فيأتي ويدخل مستخدماً مفتاحه، فيجوب الغرف ويُطمئن السيدة مي، ابنة الرابعة والثمانين، بأن ما من أحد سواهما في الشقة.

ظلت مي بعدما استجمعت قواها، تشعر أن ثمة امرأة في صالونها تجلس على الكنبة “ناظرة إليّ وكأنني أنا الكائن الدخيل الغريب الذي لا يفهم سبب وجوده هنا”.

الرواية الجديدة (دار الآداب)

 

في مثل هذه اللحظات الهاذية تعرب السيدة مي عن حال انفصام غير مرضي في المعنى السيكولوجي، بل يمكن تسميته حال انقسام، بين نفسها ونفسها، أو بحسب عبارة الشاعر رامبو بين “الأنا والآخر” الكامنين فيها، بين مي الماضي ومي الحاضر، مي العجوز ومي الشابة، مي العجوز التي تعيش وحيدة أو شبه وحيدة في شقتها في الطابق التاسع والتي تسميها “الجزيرة المرتفعة”، ومنها ترى العالم الحاضرة فيه والغائبة عنه في آن واحد، وهذا العالم هو بيروت، بمرفأها الذي دمره الانفجار وسطوحها التي استحالت مدينة بائسة بأشكالها النافلة، ومي الشابة التي كانت ممثلة مسرح.

عزلة الشيخوخة

طيف مي، بل أطيافها الطالعة من ماضييها، القريب والبعيد، أو ذواتها الأخرى، لن تفارقها، تعيش معها في عزلة الشيخوخة هذه، وتخيفها أحياناً، خصوصاً عندما تنبثق الكوابيس. لكنها تبدو بحاجة ماسة إليها، وتحديداً إلى طيف مي الذي لا عمر له هنا، بل له أعمارها السابقة، منذ الطفولة حتى المراهقة والنضج والدخول إلى كلية الفنون والتمثيل والمساكنة البائسة والزواج الذي انتهى إلى بؤس أيضاً.

عمدت الروائية نجوى بركات إلى جعل الرواية تدور على لسان البطلة في نوع متفرد من المونولوغ الداخلي الذي يتحول في أحيان إلى ديالوغ متقطع، بين مي الحقيقية ومي الطيف التي تتوجه إليها وفي ظنها أنها تسمع وترد عليها، كأن تناديها مثلاً “مي”، ثم تتحدث معها وكأنها امرأة أخرى.

هذا الديالوغ الداخلي المتوهم يتكرر في صفحات عدة من الراوية، انطلاقاً من كونه مونولوغاً داخلياً مقنّعاً يصب في صميم ما يسمى “تيار الوعي الداخلي” الذي تجلى في رواية “أوليس” لجيمس جويس و”السيدة دالوي” لفيرجينيا وولف وسواهما.

نجوى بركات توقع إحدى رواياتها (دار الآداب)

 

تسمي مي المرأة التي ترى طيفها “المخلوقة الغريبة” التي لا تدري “من أين نبتت ولا ماذا تريد؟”، لكنها تقرر الرد على نداءاتها التي تتكرر، وفي مثل هذا القرار تختلط مي الحقيقية ومي المتخيلة حتى تصبحا امرأة واحدة تعيش حاضرها وماضيها، بل حتى لتغدو الواحدة قرين الثانية. وتعترف مي الحقيقية أن في زاوية من عقلها تسكن طفلة ساذجة تخلط آثار كوابيسها الليلية بنهاراتها. ولعل أثر الممثلة المسرحية التي كانتها مي في شبابها لا يزال فاعلاً في وجدانها، وهو ما تكشفه نجوى بركات في الفصل او “الشريط” الثاني. ففي شيخوختها تتصرف مي كأنها ممثلة مندمجة في الدور، فتحدث نفسها وتجيبها “كمن يؤدي دوري شخصيتين في آن واحد”. وفي مثل هذا اللعب الهاذي، وليس الهذياني المرضي تماماً، تخاطب مي نفسها “أهكذا نسيتني يا مي؟”، أو “كم جميل أن تدخلي في جلد آخر يا مي”. وفي أوج العلاقة بينهما تسألها مي: “هل غفوت يا مي؟ منذ ساعات وأنا أحكي…”.

كائنات الماضي

تعي مي أن من تتوهم مشاهدتهم في الصالون هم “من كائنات الماضي التي لا يُومن لها” أو “زوار افتراضيون”، فهي على رغم هلوساتها التي تزداد لاحقاً تخشى من الخرف الذي أصاب جدتها أُمّ أبيها، فصارت “أخرى” بعدما محت ماضيها كله. وتقول: “أتراني بدأت أسمع أصواتاً وأرى أطيافاً مثل مرضى…”، وهي لا تسمي المرض هنا، لكنها تعرفه وهو الخرف. وبعد انتقالها من الأدوية المنبهة، عقب المرض الذي أصابها في ما بعد زواجها، و جعلها تقبع في غيبة دامت سبعة أعوام، إلى المهدئات الطبيعية مثل البابونج واليانسون والقصعين، باتت تدرك أن أضغاث ذكريات قديمة تنبثق من رأسها وتحتل حياتها الضئيلة المحصورة بين بيتها أوشقتها التي تسميها “الجزيرة المرتفعة” في الطابق التاسع، وبين الشرفة التي تشرع أمامها فسحة من الحرية، ومنها تطل على العالم، الحاضرة فيه والغائبة عنه في آن واحد. وهذا العالم هو بيروت بمرفأها الذي دمره الانفجار وسطوحها التي استحالت مدينة بائسة بأشكالها النافلة.

شخصية فيدرا في مسرحية فرنسية (صفحة فيسبوك)

 

تدرك مي ما يدور حولها على رغم توهماتها وهذيانها الخفيف المتقطع، الذي يتحول مرضياً لاحقاً، وترى في الصباح العمال الآسيويين القاصدين المدينة الصناعية التي “تهرس عظامهم”، وتسأل ما الذي أتى بهؤلاء إلى هذه البلاد. بل هي على وعي تام بحال الأمن المتفلت وتصر على أنّ لا بد من “أقفال تحمي أقفالاً وبوابات تحمي أبواباً”. وتعلم بما يجري من سرقات وأفعال قتل، و”لو من أجل سلسال ذهبي”. وذات مرة، عقب انفجار مرفأ بيروت، تخرج برفقة الناطور يوسف، السوري اللاجئ إلى لبنان، إلى منطقة الجميزة لتتفقد آثار انفجار المرفأ فتتأثر، وتصيبها وعكة عابرة لا تلبث أن تنهض منها.

تدخل نجوى بركات عالم الشيخوخة من باب شخصيتها مي لتروي المآسي الصغيرة التي تواجهها المرأة في هذا العمر الملتبس، خصوصاً عندما تعيش في شبه عزلة وشبه اضطراب. لكن حضور ناطور البناية يخفف حدة العزلة، فهو يطل عليها ويلبي مطالبها القليلة، عطفاً على الخادمة السيريلانكية شاميلي التي تقصدها كل نهار سبت، وتصفها بـ “الدخيلة الوحيدة”، فتنظف البيت وتعتني بأمورها العادية وتحممها، على رغم أنها لا تحب الاستحمام كما تعبر. فالتعري يكشف خراب أعضائها ويفضح عجزها عن استخدام أطرافها، وبلهجة تهكمية “سينيكية” رهيبة تقول: “الأوساخ تتكاثر مع الشيخوخة وتنتشر في الأنف والشرايين وتحت الأظافر وما بين الأصابع، في زوايا العينين وداخل الأذنين وما خلفهما”، وتتحدث عن “القشرة القميئة التي تغطي الجلد”.

تكشف مي أعطاب الجسد الذي شاخ، والذي كان له ماض جميل عندما كانت شابة وممثلة، ولا توفر نفسها من السخرية غير الخالية من الشماتة الذاتية، فتتحدث عن بطنها “المدلوق”، عدوها “اللدود” الذي يحجب عنها رؤية ما يوجد أسفله. وكان يحلو لها أحياناً أن تدخل بيت الخلاء فلا تشعل ضوءاً وتغلق الباب لتنعم “بظلمة تامة” وتفرغ ما في أحشائها ورأسها معاً، كما تقول.  وتضيف “أغمض عيني ثم أفتحهما، الأمر سيان، لا أرى شيئاً، لا أسمع شيئاً، أنا في مركبة فضائية بحجمي، سابحة في نقاء السواد، في صفاء العدم”، وهذه لقطة متفردة بقسوتها الحقيقية والجارحة والساخرة التي تبلغ عمق الجسد العجوز، ولا توفر أيضاً أذنيها من سخريتها كأن تقول “أذناي كبيرتان كأذني حمار”. وتقول في مقطع آخر: “جل أمنيتي أن أحيا كفجلة أو كلب”. أما يداها فتتهكم منهما بأسى ولوعة، فهما سبقتاها إلى الشيخوخة كما تقول، “حين جعلتا تتقلصان وتبرزان جلداً جافاً وخطوطاً نافرة زرقاء”، وتضيف: “كأنهما كانتا تكبران وحيدتين”. وتعترف أن يديها شاختا بعدما أفلتتهما يدا أمها قبل الأوان، فراح والدها يفركهما بصابون الزيت والمراهم عله يشفيهما من “بقع اليتم الزرقاء”. وهنا تفتح مي صفحة اليمة من ماضيها، صفحة غياب الأم الذي ترك فيها ربما أثراً، بصفتها أما لاحقة، غريبة الأطوار.

القطة الغريبة

غير أن قطة غريبة تقتحم عزلتها عنوة فتفتح لها الباب بعد موائها أمامه، تدخلها البيت رغماً عنها، ثم تحاول أن تتخلص منها وتعجز. لم تحب مي هذه القطة ولم تعمد إلى منحها اسماً فهي ليست قطتها، لكنها تمضي معها وقتاً لا يخلو من اللعب والتواطؤ.، وعندما مرضت بعد فترة، تشفق عليها وتأخذها مع يوسف، إلى بيطري، فيفاجأ أنّ لا اسم لها وأنها لقيطة، ويكتشف أنها مصابة بالسرطان. وفي اللحظات التي كانت تنطفئ  القطة خلالها، كانت مي تجلسها في حضنها وتلاطفها متذكرة أمها التي ماتت بالسرطان.

لا تغيب حال الأمومة عن مي في شيخوختها بتاتاً، فأمها التي توفيت شابة تحضر بطيفها، وابناها التوأمان المقيمان في أميركا يحضران أيضاً، مذكرين إياها بأمومتها التي أضحت بعيدة. تعترف مي أنها لم تشبع من أمها لأنها توفيت قبل الأوان، وقد عاشت أيامها الأخيرة تتخبط في مرض السرطان، وتعترف أيضاً أنها لم تشبع من حنان أمها حتى قبل مرضها، فهي كانت يتيمة ولم يعلمها أحد أصول الحب الأمومي والعناق، ولعلها تدينها وتحاكمها مثلما تدين وتحاكم نفسها، لأن أمومتها منقوصة أيضاً ومرجأة. تقول: “كنت أماً معطوبة امتنعت أمومتها منها”. لكن أباها كان حاضراً بشدة، في أيام الطفولة والفتوة، وهي تستعيد ملامحه بسهولة على عكس ملامح أمها، ولعلها لا تذكر منها سوى طيف امرأة تستند إلى ذراع أبيها وتخرج معه. أما صورة الأم المعلقة في البرواز فلم تكن ترى فيها أماً تعرفها، إذ تمكن الأب من الحلول محل الأم الميتة وقام بتربية الابنة والسهر عليها، يطبخ لها ويحممها و يدرّسها ويصطحبها في نزهات ويغني ويرقص معها. وقد رفض أن تقوم أمه وشقيقاته الثلاث بتربيتها، مثلما رفض أن يتزوج ثانية. وتذكر مي حركة يديه اللطيفتين عندما كان يحممها ويدلق الماء عليها. ولا تنسى مي  العجوز كذلك، جدتها لأبيها وعماتها الثلاث اللواتي عاشت معهن وكأنهن عائلتها، وقد مات والدها قبلهن مع أنه الأصغر، فأمسين موئلها الدافئ.

هنا تمضي نجوى بركات في رسم ملامح العمات وطبائعهن ومسالكهن كما لو كن شخصيات في مسرحية أو فيلم. فوداد الصغرى هي الأقرب إلى قلبها، ونبيهة الكبرى أرملة أجهضت الجنين الوحيد وعادت إلى بيت أهلها وهي التي تتولى الإنفاق على العائلة، وزكية الوسطى  التي تمتهن التطريز وحبك الكروشيه وحوك الصوف، لا تزال تعيش “تحت نصيبها”، وقد جهزت حقيبة العرس منتظرة مجيء العريس.

الأمومة الناقصة

أما مي، بوصفها أماً، فتدرك أن أمومتها كانت ناقصة، فلم يتسن لها جراء الغيبة التي وقعت فيها سبعة أعوام، أن تربي توأميها وتعتني بهما، و”كأن امرأة أخرى هي من حملت بهما وأنجبتهما”. فالسبعة أعوام هذه ضاعت منها من دون أن تدري كيف، وكأنها كانت سكيناً اقتطعتها من عمرها. ولما استفاقت من غيبوبتها السريرية ورجعت إلى الحياة “في حدها الأدنى”، وجدت أن التوأمين خرجا إليها من دونها. وعندما عادت إلى لحياة وجدت أيضاً أن زوجها الطبيب مصاب بالسرطان وأنه مقبل على الموت، وكان هو من أنقذها من حياتها البائسة عاطفياً أيام الشباب، وتزوجا وأنجبا. وعندما مات ووضع في التابوت أصرت على تقبيل قدميه. ولمّا عزم التوأمان على السفر إلى اميركا بعد شفائها ورحيل زوجها، وافقت بلا تردد، وفي يقينها أن ساعة الفراق حلت، مثلما حلاّ هما في حياتها بالإيجار كما تعبّر، وقد “انتهت مدة العقد بيننا وآن أوان انتقالهما”.

أما حياة مي الشابة والممثلة التي تستعيدها مي العجوز في ما يشبه التواطؤ بين الشخصيتين اللتين هما هي، فتبدأ باسترجاع لحظة دخولها إلى معهد الفنون في بيروت خلال الستينيات، وأدائها في مباراة الدخول إلى المعهد، دور سيدة في جنازة، تدخل الصالون لتقديم التعازي إلى أهل الميت. وليس مستغرباً، بحسب طبائع مي، أن تبدأ حياتها كممثلة في جنازة تسم حياتها لاحقاً. وبعدما التحقت بالمعهد تتعرف إلى حبيبها الأول، كاتب يساري درس المسرح في روسيا، هو في الثلاثين وهي في العشرين. وحينذاك كانت فتاة ضجرة ومتحررة وشبه بورجوازية وشبه وجودية، على غرار بطلة سيمون دو بوفوار في “مذكرات فتاة”، كأن تقول: “كنت مستلقية في غرفتي، حدقتاي معلقتان في السقف، أتحسس دبيب حشرات الضجر فوق جلدي”. وكانت أدت للتو في المعهد دور العاشقة المتوترة في المسرحية المونودرامية “الصوت البشري” للكاتب جان كوكتو، حاملة سماعة التلفون تتكلم مع عشيقها وتصمت. أعجب الكاتب بها في هذا الدور ودخل حياتها عبر ادعاء  كتابة نص مسرحي تمثله هي ويخرجه هو. تقع في حبه، وتوافق وتتولى هي بنفسها تأليف النص الذي اقترحه، مرتجلة الكلام أو المونولوغ. أما الفكرة التي ارتآها، فهي عن امرأة فقدت جزءاً من حياتها، وهذا الجزء المفقود موجود في هوة أمامها، ولعلها إشارة حدسية ذكية إلى الغيبة التي وقعت فيها مي لاحقاً.

تنجح المسرحية ويتصرف الكاتب اليساري وكأنه السيد البارع وإليه يعود سبب النجاح، لكنه الحب الذي تورطت به “كحمارة” كما تقول ساخرة، وتعترف: “كنت كلبه المطيع وهو صاحبي المطلق السيادة علي”. وتقول أيضاً: “أتقدم سعيدة وأنا أحرك ذنبي مثل كلب طائع، لاهثة متدلية اللسان”. هل عاشت  مي معه حالاً من المازوشية، من التعذيب الذاتي، ساحقة نفسها وكأنها تكفر عن ذنب ما؟ ومرة تتوجه إليه بسخريتها أيضا قائلة: “أحبك، أحبك، ألم تفهم بعد يا بغل”، وهو سيغدو بغلاً في حبها واستغلالها لاحقاً بعدما سقط قناعه وبرز منه وجه الرجل الذكوري والمتسلط والمتقلب المزاج، والمقامر الذي عندما يخسر يعرضها لـ “الإيجار” أمام رفاق اللعب، وكان أخذ به السكر مأخذاً، وقد استولى سابقاً على مالها ثم ساعة يدها للرهن على طاولة القمار. كانت منجذبة إليه جسداً، تزداد عطاء أمامه ونكراناً لذاتها. لكنه ما لبث أن راح يدمن حياة السهر ومعاشرة النساء، ويهجرها بضع ليال. ولكن يستيقظ فيها على حين غرة، قرار المواجهة، فراحت تسهر، ألى أن تقرر مرة العودة إلى بيت أهلها، مغادرة الشاليه الذي كان استأجره على شاطئ عمشيت ليكون بيتهما الموقت. كان والدها في البيت يعيش أيام احتضاره، ثم يموت، فتدرك أنها لن تشفى من الألم الذي سببته له في هجرها العائلة.

انتقام فيدرا

أما الرد على خيبة الأب فكانت في عودتها إلى المسرح بقوة، مؤدية شخصية “فيدرا” في نص الكاتب الفرنسي راسين الذي اقتبسه عن الأصل الإغريقي الذي وضعه يوريبدس، وحققت المسرحية نجاحاً كبيراً في بيروت “الستينيات”. ولم يكن اختيارها شخصية فيدرا إلا حافزاً على التخلص من الحب الخائب والانتقام لنفسها: “ساعدتني فيدرا، أخرجت بصوتها وكلامها ما اهترأ في داخلي، أبرأتني من غضبي الدفين على نفسي وعليه”. لكن العاشق يعود خلال تقديمها المسرحية وتعود العلاقة وترجع إلى حضنه رغماً عنها، ويستعيدان حياتهما السابقة، وفي نيتها إنجاب طفل منه. وبعد نجاح مسرحية “فيدرا” تقرر أن تؤدي دور الرسامة فريدا كاهلو التي وقعت ضحية زوجها القاسي دييغو ريفييرا، وتحديداً في الوقت الذي كانت تُنقل فيه إلى المستشفى لبتر ساقها. ليس اختيار هذه المسرحية مجرد مصادفة، فالممثلة مي تقع حبلى، لكن الكاتب القاسي والرافض للأبوة يقوم بضربها بعنف فتسقط الجنين. غير أن فيدرا اليقظة فيها تهب وتنتقم، فتعمد مي إلى حرق الكاتب داخل الشاليه، مضرمة النار في الأثاث من حوله، لكنه ينجو ولا يتقدم بدعوى ضدها. أما قدرها فأن تساق إلى مستشفى المرضى النفسيين بعدما أُنزلت بها تهمة الجنون، وهناك تتعرف إلى الطبيب الذي سيصبح زوجها ووالد التوأمين. وخكذا دواليك، بحسب البنية السردية المميزة التي اختارتها نجوى بركات، راسمة مسار مي، بين شيخوخة وفتوة وشباب، في حال من التداخل والتواصل والتقطع.

هذه الوقائع هي بمثابة الحوافز التي يفترضها السرد في حبكة تناميه، عبر ذاكرة  العجوز مي، شبه المثقوبة، التي أوكلت إليها نجوى بركات مهمة الراوية التي تستعيد ماضيها وحياتها أيضاً، واضعة إياهما على طاولة تشبه طاولة التشريح الروائي الاستعادي. ففعل السرد الحاضر هو نفسه فعل السرد الماضي في ذكريات مي التي ستنتهي مريضة “بسيكو سوماتيكية”، والتي تحملها  في الختام سيارة الإسعاف، إلى قدرها المجهول. اما ميزة السرد هنا فتتجلى ايضا في لغة بركات، التي تنساب انسيابا، محفوفة بالتوهج الشعري حيناً، وقسوة اللهجة الواقعية حيناً آخر، التي لا تخلو من السخرية الوجودية والطابع السينيكي والهجائي في وقت واحد.

المزيد عن: روائية لبنانيةروايةالشيخوخةالأمومةالحياة المعطوبةالمسرحممثلةشخصية فيدراالغيبوبةالذاتالسخريةالعزلةالموتالأب

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili