مشهد من فيلم "الدكتاتور" لتشارلي شابلن (موقع الفيلم) ثقافة و فنون طريق تشارلي شابلن الممهد من نابوليون إلى هتلر by admin 7 أغسطس، 2024 written by admin 7 أغسطس، 2024 38 عبقري السينما يقتبس حبكة “الدكتاتور” من القائد الفرنسي فينسف الموضوع الرئيس لفيلمه اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب نعرف ويعرف المهتمون بتاريخ الفن السابع بشكل عام وبتاريخ سينما تشارلي شابلن بشكل خاص، ومن زمن ليس بعيداً جداً على أية حال، أن واحداً من المشاريع التي كان الفنان الهزلي الكبير يتطلع إلى تحقيقها منذ وقت مبكر، كان مشروعاً عن نابوليون بونابرت يقال دائماً إنه لم يتمكن أبداً من تحقيقه وظل على حسرة لذلك. ولكن أبحاثاً معمقة حول هذا الموضوع كشفت منذ سنوات قليلة عن أن هذا الجانب الأخير من الموضوع لم يكن، من الناحيتين التاريخية والسينمائية دقيقاً. وسنرى بعد أسطر ما “يؤكد” لنا أن شابلن حقق ذلك الفيلم المنشود ولكن بطريقة أخرى وبمسميات أخرى، بل إنه جعل منه واحداً من أفلامه العظيمة. ولكن هنا قد يكون علينا ألا نستبق الأمور لنعود إلى بعض ما هو متعلق بالمشروع الأصلي، مشروع الفيلم عن نابوليون الذي لم يتحقق كما هو ولن يتحقق أبداً. والحقيقة أن أول إعلان عن هذا المشروع الذي سبق لنا أن تحدثنا عنه في هذه الزاوية قبل أشهر إنما بصيغته المنقوصة التي كانت متداولة، مشروع بونابرت، يعيدنا لأواسط سنوات الـ20 حين تولى شابلن بنفسه، ولكن فقط بصيغة عملية عن تلك الرغبة التي كانت تتآكله لتحقيق فيلم تاريخي عن القائد الفرنسي. فخلال حفلة اجتماعية مقنعة أقيمت في دارة ملك الصحافة الشعبية الأميركية في ذلك الحين ويليام راندولف هيرست (وهو نفسه الذي سيخوض لاحقاً معركة قضائية ضد أورسون ويلز متهماً إياه بتشويه سمعته من خلال إظهار أنا/ آخر له تحت اسم المواطن كين في فيلم أول لويلز معروف بهذا الاسم كعنوان له، كما أنه الثري نفسه الذي ستختطف ابنته بعد كل ذلك بزمن طويل وتنضم إلى خاطفيها اليساريين، لكن هذه حكايات لاحقة لا تهمنا هنا). ما يهنا هو فقط أن الحفلة أقيمت في دارة هيرست الذي بدا وكأنه يحضر مشروعاً سينمائياً مع شابلن. وبالفعل سيتبين لاحقاً أن ثمة مشروعاً بينهما يفكران به عن فيلم عن نابوليون. ولكن لم يكن ثمة من دليل على ذلك سوى دخول شابلن الحفلة متقنعاً تحت سمات الجنرال الكورسيكي القصير، فيما كانت زوجته ترافقه مرتدية ملابس جوزفين امرأة نابوليون. من يلتقط الإشارة؟ كانت إشارة، ولكن أحداً لم يلتقطها إلا بعد سنوات طويلة جداً، ففي ذلك الحين وبصرف النظر عن تلك الإشارة سينتشر الخبر في أوساط ضيقة علماً أن ظهور فيلم “نابوليون” للفرنسي آبيل غانس أواخر العقد نفسه جعل هيرست ينسحب كما جعل شابلن يؤجل مشروعه، خصوصاً علماً أنه مع ظهور السينما الناطقة بات راغباً في أن يجعل من نابوليونه أول فيلم متحدث له. وهنا بالتدريج وكما يحدث في مرات كثيرة نام المشروع ثم نسي ثم مات تماماً ولم يعد أحد يتحدث عنه، وحده ظل شابلن يحمل المشروع في حديقته السرية ويطوره في سره بالتدريج، ولا سيما بعد أن قرأ كتاباً بالفرنسية للمؤلف جان فيبر بعنوان “الحياة السرية لنابوليون الأول” فتنه ودفعه إلى إحياء مشروعه القديم، طالباً من الكاتب جان دي ليمور أن يشتغل على اقتباس سينمائي له يظهر الجانب الدكتاتوري من شخصية مؤسس الإمبراطورية الفرنسية. ولكن في وقت كان فيه هذا كله يتبلور سينمائياً، كان يتبلور في الحراك التاريخي نفسه وجود ديكتاتور آخر بدأ شابلن كما الناس جميعاً يستشعرون خطورته على البشرية، معتبرين أن ما فعله نابوليون ليس شيئاً بالمقارنة مع ما فعله. شارلي شابلن: فيلم بديل عن آخر في سياق واحد (موقع شارلو) طاغية لزمن جديد ومن المنطقي هنا أن يتحول اهتمام شابلن خلال تلك السنوات نحو الدكتاتور الجديد، وبدأ يفكر جدياً بأن هذا الأخير يستحق أكثر من سلفه القديم اهتماماً سينمائياً جديراً به يفضح دكتاتوريته وجرائمه وتطفله على الفكر، “وكل ما ينتمي إلى وجوده الأرعن في هذا العالم”. والحقيقة أن الفكرة في حد ذاتها سرعان ما تبلورت لدى شابلن للتحول لاحقاً إلى مشروع حققه هذه المرة، ولكن عن الطاغية الجديد هتلر، وكان ذلك فيلمه “الدكتاتور” (1940) الذي لا بد أن نقول أخيراً إنه لم يولد إلا من رحم “نابوليون” سينمائياً في الأقل. وذلكم هو على أية الحال الكشف الجديد الذي لم يكن ليخطر على البال أول الأمر، ولا خطر طبعاً على بالنا حين تناولنا موضوع المشروع الشابلني عن نابوليون في مرة سابقة، وهنا قد يكون الأوان حان للانتقال إلى سؤال لا بد من طرحه وفي الإجابة عنه كما تبين في نهاية الأمر جواب ربما يكون قاطعاً على السبب الذي جعل شابلن يسكت نهائياً عن مشروعه النابوليوني حتى بعدما صار في مقدوره لاحقاً أن يحققه كما يتراءى له. وللوصول إلى معرفة حقيقة هذا الأمر قد يجدر بنا التوقف عند السيناريو الذي كان شابلن امتلكه من حول نابوليون. لعبة القائد الفرنسي ففي السيناريو المذكور استناداً إلى كتاب جان فيبر ثمة صفحات لا يدري أحد إن كان الكاتب تخيلها أو أنه استقاها من مصادر موثوقة تفيدنا بأن القائد فيما كان منفياً في جزيرة سانت هيلانه راح يصرف وقته في تخيل حكايات طريفة، منها واحدة تتعلق بحاكم يمضي جل وقته وهو يبحث عن شبيه له من عامة القوم يكاد يكون نسخة طبق الأصل عنه، راغباً في أن يستخدمه في لعبة يلعب بها على شعبه. والحقيقة أن شابلن ومساعده في كتابة السيناريو جعلا من ذلك التفصيل الحبكة المركزية التي تحمل المشروع النابليوني من ألفه إلى يائه. فهل يذكرنا هذا بشيء؟ حسناً. إن كل الذين شاهدوا فيلم “الدكتاتور” المتحدث عن هتلر، ولكن تحت اسم محرف بعض الشيء، وعن لقائه بحليفه موسوليني، يعرفون أن النقطة المركزية في حبكة هذا الفيلم تمثل في حكاية مطابقة لتلك الحكاية إلى حد كبير: حكاية غرق هتلر في المشروب، بحيث يرى أعوانه أن من الضروري العثور على شبيه له كي يحل مكانه في احتفالات اليوم التالي درءاً لأية فضيحة قد يسببها، وهكذا يعثرون على حلاق يهودي يتطابق معه شكلاً بحيث يكون من المستحيل التفريق بينهما. هتلر تحت قناع المسالم وعلى هذا النحو يلتقط ذاك الصعلوك على رغم كونه يهودياً (ويلعب دوره في الفيلم كما نعرف شابلن نفسه الذي يلعب طبعاً من ناحية ثانية دور الزعيم الألماني الحربجي). والحقيقة أن الحيلة تمر على الجميع، أو تكاد تفعل لولا تفصيل صغير ينسف كل شيء. فالزعيم البديل أي الحلاق البائس ليس رجل حرب ومعارك بل هو رجل سلام، ومن هنا فإنه إذ يعتلي منبر الخطابة وسط الجموع التي تحييه معتقدة أنه الزعيم المحارب الذي لا يشق له غبار، يلقي خطاباً يبدو مزدوج المعاني أول الأمر، لكنه سرعان في يغوص في كلام مسالم عن الأخوة بين البشر وعن ضرورة السلام للناس جميعاً في مساواة حقيقية. وهكذا بدلاً من الفضيحة التي كان ينبغي منع حدوثها، تحدث في الفيلم فضيحة من نوع آخر تماماً. فضيحة أقل ما فيها أنها تكشف عن حقيقة الخدعة، وتتمكن من أن تشكل إدانة حقيقية لـ”منطق” الزعيم النازي. وطبعاً نعرف أن اليمين الأميركي المتطرف تحجج بهذا الفيلم وبكونه يسيء إلى زعيم أمة أجنبية، كي يمعن في محاربة شابلن إلى حد التسبب في طرده من الولايات المتحدة، ولكن هذا الأمر ليس موضوعنا هنا بالطبع. الحكاية نفسها عن دكتاتورين موضوعنا هو أن شابلن استخدم هذه الحكاية بمنطقها، بل حتى بتفاصيل الخطاب المستعار كما هو من النص النابوليوني ليطبقه على هتلر، وهو بالتالي نسف هذا المشروع الأخير الذي كانت حكاية الشبيه البديل وخطابه هيكله العظمي. ومن المؤكد أن شابلن إذ استخدم ذلك كله في فيلمه عن هتلر لم يعد في حاجة إلى فيلمه عن نابوليون، ومن هنا لا نتردد في أن نفترض بأن شابلن من ناحية جعل من حكاية هتلر بديلة من فيلمه عن حكاية نابوليون، ومن ناحية ثانية أوجد بعبقريته العفوية غالباً ذلك الخط السياسي والفني الواصل بين دكتاتورين الخط الفكري الذي يجعل من تابع نابوليون – هتلر صورة واحدة لكيان واحد، هو كيان الدكتاتور في كل زمان ومكان. المزيد عن: تشارلي شابلننابوليون بونابرتأدولف هتلرفيلم الديكتاتور 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هل يثري الذكاء الاصطناعي الحوار بين الكتاب وقارئه؟ next post Halifax Pride wins bid to host Canada Pride in 2027 You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024