Ibrahim Totanji / كريم نعماني ثقافة و فنون “سينماتيك بيروت” يجدد الأمل بإنعاش مجتمع السينما في لبنان by admin 10 مارس، 2025 written by admin 10 مارس، 2025 24 أرشيف يحمي الذاكرة وعمل جماعي يستهدف المستقبل المجلة / إبراهيم توتونجي بيروت: يغرق الشاب الذي لم يتعد عمره 22 عاما في بحر من الأسطوانات الورقية الملفوفة بدقة، كما يليق بالوثائق المهمة التي تحفظ بعناية وحرص فائقين. ينظر إلى اللفائف الثمينة، مكوّمة على رفوف معدنية، نظرة خبير يعرف عناوينها وتصنيفاتها ومكان كل واحد منها. يفرد أحدها على الأرض، فيطوف المخزن الصغير على الفور بعالم من الألوان. تخرج كريم نعماني في الجامعة، حيث درس الفنون، قبل سنة. لكنه، قرر أن يهب 15 شهرا من حياته الغضة، متطوعا، مهمته تصنيف “ملصقات” الأفلام السينمائية، في مكان، يقول إنه يتعلم فيه معرفة موازية عن السينما والمجتمع، تضاهي كل ما تعلمه في صفوف الدراسة: مكتبة أفلام وطنية في بيروت، تحمل اسم المدينة، كما طموحات كبيرة، بتعزيز الهوية الثقافية للشخصية اللبنانية، عبر استعادة تاريخ من الصناعة السينمائية، يحتفل لبنان بعد 4 سنوات بمئة سنة على بداية سطوره الأولى. هنا “سينماتيك بيروت”، حيث قاعدة بيانات تضم 2000 فيلم طويل وقصير من مختلف الأنواع، من بينها 400 فيلم متاحة للمشاهدة، ومئات الملصقات التي جمعت على مدى عقدين من الزمن بين بيروت والقاهرة وتونس وبغداد ودمشق، اضافة إلى مئات الكتب والمجلات والكتيبات. “هنا عالم أشعر فيه بالانتماء والوفاء والثقة”، يقول الشاب في حديثه مع “المجلة”، بينما تلمع عيناه السوداوان، مثل لون شعره الطويل، على هيئة ديناميكة، تذكر بهيئة بطل من عالم القصص السينمائية. شهادات عن الماضي في منتصف ستينات القرن الماضي، طافت دور العرض السينمائية في بيروت، بجمهور حاشد، أقبل بحماسة على مشاهدة فيلم لبناني اسمه “غارو”، استلهم مخرجه الأرمني غاري غاربيديان قصته من حياة واقعية عاشها أرمني آخر في المدينة، تداخلت في شخصيته صفات الخارج عن القانون مع المدافع عن المهمشين والفقراء. استفاد ممثل الفيلم الرئيس منير معاصري، من تكوينه التعليمي والتدريبي الذي تلقاه في “استوديو الممثل” في الولايات المتحدة الأميركية، كذلك من ليونة عضلاته بوصفه بطل كرة طائرة، ليبهر الجمهور، بقفزات خطرة لا تنتهي، فوق سطوح بيروت، هاربا من العصابات تارة، ومن الشرطة غالبا. بعد سنوات قليلة، قتل المخرج على إثر تفجير قنبلة في بيروت، فيما كان يضع اللمسات الأخيرة على فيلم يتناول سيرة أبطال من نوع آخر، وبأدوات مختلفة: “كلنا فدائيون” (1969)، لكن بطله معاصري لا يزال على قيد الحياة، لكي يسرد للأجيال المحبة للسينما اللبنانية وسير الأبطال، من تلاميذه ومريديه، أسرار ومشاهد من تلك الحقبة الزمنية الذهبية للفن اللبناني، ما كان في الامكان استعادتها من دون جهود الـ”سينماتيك”. قاعدة بيانات تضم 2000 فيلم طويل وقصير من مختلف الأنواع، من بينها 400 فيلم متاحة للمشاهدة المقابلات الاستعادية المصورة مع الشخصيات اللبنانية البارزة في صناعة الأفلام في لبنان، والمنفذة باحترافية عالية لا تخلو من اللغة السينمائية، وتتاح مجانا على منصات التواصل الاجتماعي التي تجذب الشباب والمهتمين، تحت عنوان “حكايات عن السينما اللبنانية”، تمثل أحد النشاطات الثلاثة التي تحددها هذه المكتبة، التابعة لجمعية “متروبوليس”، هدفا لتكوينها. النشاطان الآخران هما: بناء قاعدة بيانات إلكترونية مخصصة للسينما اللبنانية، بالإضافة إلى برمجة أفلام كلاسيكية ومعاصرة من لبنان والمنطقة. فيساهم ذلك كله في حفظ أحد أهم مكونات التراث الثقافي اللبناني، ونقل ثقافة السينما إلى الأجيال اليافعة. شغف ينبض ينتمي أحد المنسقين الرئيسيين في هذا المكان، مهدي عواضة، إلى هذا الجيل، ويتحرك بنشاط لافت، بين ردهة الاستقبال الرئيسة، وغرفة المشاهدة التي تضم جهازين مزودين سماعات، يحجز الزوار مواعيد للتفرج عبرهما على مجموعة من الأفلام اللبنانية، والعربية المنتجة والمصورة في لبنان، وصل عددها الى 400، والطموح تجاوز هذا الرقم بمراحل. Ibrahim Totanji / داخل أرشيف “سينماتيك بيروت” يقول لـ”المجلة”: “نريده مكانا حيا. الكتب والمطبوعات والأفلام ليست كل شيء. هنا ننظم ورش عمل واستعادات لمنجزات سينمائيين لبنانيين وعرب وطاولات مستديرة ونقاشات لا تنتهي. يزورنا رواد وشباب راغبون بالاطلاع على قاعدة بيانات المحترفين والتقنيين، وكذلك عشاق المشاهدة، والمشتغلون على رسائل جامعية في السينما والفن وتقنيات الأرشفة والسياسة والمجتمع، ناهيك عن الباحثين والكتّاب والصحافيين”. يطل شغف خاص من كلام عواضة، الذي، مثل كريم، يعتبر أن المكان امتداد لبيته، ويتقبل برحابة صدر الملاحظات البناءة التي يبديها زوار: “صورة يوسف شاهين ناقصة في قاعدة البيانات… هناك خلل صوتي في نسخة أحد الأفلام… رائع أنكم أرفقتم فيلموغرافيا وجوائز رندة الشهال بمقابلة تلفزيونية معها وسيرة هادي زكاك بمقالات صحافية قديمة عنه، لكن لماذا لا تفعلون ذلك مع الجميع… لم أكن أعرف أن حسن الإمام صور أربعة أفلام في بيروت، شكرا لكم…”. هل تحلمون بأن يكون مستوى “السينماتيك” هنا مشابها لما هو في باريس وبرلين ونيويورك؟ يسأل زائر، ولا يبدو عواضة متكاسلا عن الاجابة: “نرغب في تأسيس تجربة تشبهنا، وغير تقليدية، روح متسعة، خارج الوثائق. بالطبع تحكمنا الإمكانات، والطبيعة الكمية والنوعية للمنتج الذي نسعى لأرشفته، والظروف القاهرة التي أثرت عليه، قياسا ببلدان أخرى”. Ibrahim Totanji . مهدي عواضة في محطة العرض سيرك السينما في غرفة المشاهدة، يحمل زائران جهازين رقميين يدونان عليهما بين حين وآخر ملاحظات، فيما مشاهد من أفلام لبنانية، صنعت في حقبات مختلفة، تنساب على الشاشات، كما ينساب السحر في “سيرك السينما” الأخاذ. ها هو صاروخ جوانا حجي توما وخليل جريج يجول في شوارع بيروت، متسربا من أحداث فيلميهما “النادي اللبناني للصواريخ” (2012) مع بيان لا يخلو من الأسى والحب: “هذا ليس بسلاح. هذا ما أراده الحالمون من العلماء والباحثون في لبنان ذات يوم. إنجاز صاروخ فضائي. هذه تحية للحالمين”، كما يرد في الدقيقة 1:22 من الأحداث. ثم هناك تلك اللحظة الدرامية الكاشفة الصادمة في “بيت البحر” (2016)، فيلم روي ديب، حيث يتوجه البطل الى صديقته بالقول: “كنت أكرهك لا لأنك بورجوازية ولكن لأنك ساذجة… كنت أشعر بالشفقة تجاهك، فحين كنت تتمددين على زند رواد، كنت في الواقع تنامين على قصتي معه”. نريده مكانا حيا. هنا ننظم ورش عمل واستعادات لمنجزات سينمائيين لبنانيين وعرب وطاولات مستديرة ونقاشات لا تنتهي مهدي عواضة لا تتوقف عروض “سيرك السينماتيك” المبهرة، التي تعطي المشاهد والباحث المقدرة على إعادة وتجميد أي مشهد وحوار ومشاعر كل شخصية في الأحداث، لتأملها أو استعادتها. فها هو المخرج غسان سلهب، صاحب السينما الخاصة برؤيتها ولغتها، يعلّق عصافيره المحنطة على شجرة في حقل، يلفه الشتاء، بينما نستمع خلال فيلمه “وردة” (2019) الى سرد مصاحب يقول: “لا يستطيعون أن يتركوا حياتهم الماضية، شتاؤهم يدوم للأبد”. وفي طرابلس، في شمال لبنان، يعلمنا رائد الرافعي في فيلمه “الأطلال” (2021) عن مهمات “استكشافية” إيروتيكية كان يقوم بها الرحالة المستشرقون، إلى الحمامات العامة الأثرية المليئة بالبخار والشهوة في المدينة. أما في اليمن، فنعود الى الثنائي حاجي توما وجريج، وهما يبديان القلق من ملاحقة عنصر استخباراتي لرحلتيهما هناك، حيث جاءا ليبحثا عن “فيلم ضائع” (2003): “يجب علينا التنبه. ربما هذا المكان مليء بعناصر استخباراتية تهاب الكاميرا. لن يترددوا في ملاحقتنا”، نستمع الى جريج خلال الفيلم. عود على بدء يستمر المخرجون اللبنانيون في دعم هذا المكان بإهداء نسخ من أفلامهم لوصل الدائرة التي بدأت معهم شبانا وشابات يترددون على “المكتبات السينمائية” في عواصم العالم ويتعلمون فيها الكثير، معززين شغفهم الفطري للسينما. ميشال كمون، المخرج والأستاذ الجامعي، هو واحد من هؤلاء، وقد عبر لـ”المجلة” عن تلك المشاعر: “أنا أتنفس السينما. خلال دراستي في باريس، قمت بأبحاث عدة في أماكن شبيهة بهذا المكان. اليوم، أستعد لتسليم كل نسخ أفلامي له. الكثير من الشباب يتحدثون إليّ في موضوعات شتى تتعلق بأفلامي من أجل بحوثهم. الآن، بات قي وسعهم أن يشاهدوها جميعا، مجانا، وعلى هواهم، في مكان واحد”، يقول صاحب “بيروت هولدوم” (2022) و”فلافل” (2003)، لـ”المجلة”، ويضيف: “هذا مهم جدا لنبض السينما ونبض بيروت”. Ibrahim Totanji / ميشال كمون في السياق ذاته، تعترف إليان الراهب، المنتجة والمخرجة وصاحبة المبادرات السينمائية، أنه، بنتيجة أسباب طويلة ومتراكمة من التحديات الأمنية والاقتصادية والبيروقراطية، “سابقا، شعرت بفقدان أمل من إمكان ولادة مكتبة أفلام وطنية برؤية واضحة ونشاطات مستدامة وتقنيات عالية في البلد. لكنني بعد زيارتي لهذا المكان، شعرت بحماسة كبيرة. وأنا في طريقي لمنحه نسخ أفلامي لتكون متاحة للجميع”، تقول صاحبة “أعنف حب” (2021) و”ليال بلا نوم” (2012) لـ”المجلة”، مستذكرة الأثر المهم لفضاءات “المكتبات السينمائية الوطنية” على محبي السينما: “درست أفلام المخرج الإيراني عباس كياروستامي بفضل سينماتيك في باريس. وفي برلين، أثناء إقامات فنية عرضت خلالها أفلامي، كنت أجد الوقت لكي أشاهد غالبية أفلام المخرج الألماني راينر فاسبيندر في مكان واحد هو السينماتيك هناك. إنها متعة خالصة”. لا تتوقف عروض “سيرك السينماتيك” المبهرة، التي تعطي المشاهد والباحث المقدرة على إعادة وتجميد أي مشهد وحوار ومشاعر كل شخصية تتميز أفلام الراهب بجرأة واضحة في تقصي العدالة الغائبة تحت طبقات من السرديات الرائجة في المجتمع اللبناني، التي لا تخلو في كثير من الأحيان، من الأساطير، وتحديدا في مقاربات دوائر العنف التي لا تتوقف. بينت أفلام وثائقية لها، جالت في مهرجانات عالمية ونالت جوائز، حسا عاليا بالمسؤولية، والسير بحذر محارب في “حقل ألغام” أو لاعب سيرك نشط على “حبل معلق”، لإظهارها شخصيات ضالعة في قيادة معارك الحرب الأهلية، أو مشاركة فيها، بعضها لم يتحدث من قبل، الى اي كاميرا. الراهب، التي تنتصر في تصريحاتها وعملها، لقضايا المتأثرين بالاحتلال في فلسطين وجنوب لبنان، والنزاعات في سوريا، كما في تجارب أكثر فردية، فتحت الباب لجيل من المخرجين اللبنانيين الذين تجرأوا على مقاربة ماضيهم وحاضرهم بشجاعة. مواجهة التلاشي الشجاعة هي التي ميزت صناع السينما اللبنانية، من الأجيال التي سبقت الراهب، وتركت تأثيرها عليها. على سبيل المثل، اللبناني جورج نصر، صاحب “إلى أين؟” (1957) الذي يرمز الى الأفلام اللبنانية المبكرة ذات الهوية السينمائية المتكاملة، والتي قدّرها النقاد، في ذلك الزمن، وكذلك المهرجانات العالمية، مثل “مهرجان كان” الفرنسي العريق، أكثر من قدرة الجمهور المحلي على التفاعل معها. إليان الراهب سينما جورج نصر، كما سيرته الذاتية، شكلتا إلهاما للمخرج بديع مسعد، بيّن عنه في الفيلم الوثائقي “نصر” (2017) الذي أخرجه مع أنطوان واكد، ونال احتفاء من المخرج نفسه والجمهور وجوائز حملت واحدة منها في “القاهرة السينمائي” اسم رائد الواقعية السينمائية المصرية صلاح أبو سيف. يقول مسعد، الذي أشرف على سلسلة “حكايات عن السينما اللبنانية” لـ”المجلة”، إن رحلة إنتاج هذه السلسلة، أحد مشاريع “سينماتيك بيروت”، كانت مليئة بالشغف والحنين، لكن أيضا، بالمعلومات، التي تكشفت لعشاق وباحثي السينما للمرة الأولى: “خلال السنوات الماضية انطفأت سيرة كثر من أبطال هذه الصناعة في الإعلام. بعضهم نُسي، إما بسبب العزلة، أو عدم الاهتمام بالتراث واستعادته في بلد مشغول بالأحداث الأمنية والصراعات السياسية، ويناضل أهله لأبسط مقومات العيش، طوال الوقت”. ويضيف: “بعض ضيوفنا لم يصدق أننا طرقنا بابه لكي نخبر قصته من جديد للأجيال، وهذا بالنسبة إليّ، أحد إنجازات هذه المكتبة، حيث يعمل فريقها بدأب على مواجهة أساليب الإفناء وطمس الهوية الثقافية التي تنتشر بأشكال متعددة ولمآرب متعددة في البلد”. انطفأت سيرة كثر من أبطال هذه الصناعة، بعضهم نُسي، إما بسبب العزلة، أو عدم الاهتمام بالتراث واستعادته في بلد مشغول بالصراعات السياسية “لم نكن نعرف مثلا أن أحد المخرجين الذي تنسب إليه بداية موجة الأفلام الإيروتيكية التي عرفتها السينما اللبنانية في السبعينات، ثم بدرجة أعلى بعد منتصف الثمانينات، فارق الحياة قبل 10 سنوات من إدراجنا اسمه على لائحة السينمائيين الذين نرغب بتصويرهم ضمن السلسلة… شكل ذلك صدمة بالنسبة إلينا، لا للغياب، ولكن لكون ذلك حصل من دون أن يعرف به أحد، لمخرج صنع عشرات الأفلام وشكل وحده بداية موجة تجارية تداخلت مع نمط القيم والاخلاقيات التي تسود أثناء الحروب الأهلية“. تلك الحروب، والأزمات الأمنية، لا يمكن فصلها عن سيرة السينما، ولا صناعها، ولا المؤسسات التي تعمل حولها، في لبنان. Ibrahim Totanji أناييس فارين محاولات متواصلة في المربع الذي يتحرك داخله كل من بديع وأناييس ومهدي وكريم كل يوم، يمثل مرفأ بيروت ضلعا، بهيئته المدمرة منذ “الانفجار العظيم” في العام 2020، بينما طريق “الجميزة” الذي مرت منه تظاهرة ترفع رايات حزبية وتصرخ بشعارات طائفية في نهاية يناير/ كانون الثانيا الماضي يمثل ضلعا آخر، في حين لا تزال واجهات المباني المحيطة تحمل آثار جولات الحرب الأهلية في لبنان التي انطلقت في 1975. في ذلك العام، الذي أطلقت فيه أول رصاصات حرب دامية ستدوم لـ15 عاما، اغتيلت أيضا أول محاولة جدية لخلق “مكتبة أفلام وطنية” في لبنان، تستفيد من زخم إنتاجات زاخرة خلال عقدين، أحد أسبابها تأميم صناعة السينما في مصر، ولجوء منتجين ومخرجين وممثلين إلى بيروت كبديل لإنتاج أعمالهم، من بينهم حسن الإمام ويوسف شاهين، وأيضا تحكم الموزع اللبناني في تسويق الفيلم في دول الخليج والعراق وسوريا. تلك المحاولة، التي لم يكتب لها البقاء، كانت أحد أحلام “نادي بيروت للسينما” الذي أسس في بداية الستينات بمبادرة موريس عقل وجان بيار غوبيلليتان ووليد شميط وآلان بليسون وغيرهم. عاد اسم “السينماتيك الوطني اللبناني” للظهور بعد ربع قرن، وتحديدا في العام 1999، ضمن وزارة الثقافة، بجهود جماعية من أشخاص مثل جوسلين صعب ورندة الشهال وحارس باسيل وسامي قرنفل وثريا بغدادي. لتنضم بعد ذلك مؤسسات المجتمع المدني مثل “بيروت دي سي” و”ني آ بيروت” و”نادي لكل الناس” و”أمم” و”متروبوليس” إلى نداء الحفاظ على التراث. كل بيانات ذلك المخاض، الذي أدى إلى التجرية الأحدث في هذه السلسلة والمتمثلة بـ”سينماتيك بيروت”، إضافة إلى وثائق تمثل رسائل مهمة من مسؤولين وصناع أفلام محليين إلى جهات داعمة خارجية، وسجلات الاجتماعات الحافلة بالأمل والإرادة والطموح، محفوظة اليوم، في قسم المطبوعات الخاص بـ”السينماتيك”، حيث تعمل باحثة فرنسية تقيم في بيروت وتتكلم العربية، وتقدم استشاراتها المتخصصة في المكان، هي أناييس فارين. دراسات ومطبوعات تهتم فارين، التي تدرّس طلاب الجامعات مواد عن تقنيات الأرشفة المرتبطة بالسينما، كما عن التوجهات السينمائية والفنية في لبنان والمنطقة، في الحقبة ما بعد 1967، بنسج علاقات واهتمامات تربط جمهور الباحثين اللبنانيين المقيمين في فرنسا، وأوروبا، إضافة إلى المؤسسات الجامعية والأكاديمية في بيروت، بفضاء الـ”سينماتيك”، إضافة إلى مهام استشارية أخرى. من المثير لأي طالب في مقتبل العمر أن يطلع على تجارب السينمائيين حين كانوا في مثل سنه، هذا يمنحه أملا ويعزز طموحه أناييس فارين تقول لـ”المجلة”: “نسعى إلى أن نتيح أيضا أفلام التخرج التي ينجزها طلاب السينما والفنون البصرية والإعلام المرئي في قاعدة البيانات والمشاهدة. من المهم جدا وجود هذه النوعية. بعضهم أصبحوا مخرجين ذائعي الصيت، ويكون من المثير لأي طالب في مقتبل العمر أن يطلع على تجاربهم حين كانوا في مثل سنه. هذا يمنحه أملا ويعزز طموحه”. تضيف: “نسعى أيضا إلى زيادة استحواذنا على كتب سينمائية ومطبوعات باللغة العربية”. على الطاولة المثبتة في مواجهة الباب الذي يفصل بين “سينماتيك بيروت” وصالة عرض الأفلام الفنية “متروبوليس” ببرمجة لا تنقطع طوال أيام الأسبوع، وعلى مقربة من غرفة الملصقات الملونة، وغرفة المشاهدة حيث يقبع “هارديسك” مكتبة الأفلام محاطا بصندوق له مفتاح، تلمع ثلاثة كتب باللغة العربية كتبهما صناع أفلام ونقاد لبنانيون. في “الحلم المعلق، سينما مارون بغدادي“، نقرأ للناقد ابراهيم العريس: “ثريا راكضة بكل يأس وغضب في سهل البقاع… باتريك بيرو راكض بين السيارات معصوب العينين… ميشال فوجور راكض في الغابة… كاميرا تركض عابرة شوارع بيروت الخالية من الحياة… أبطال (مارون) يركضون (في أفلامه) هبوطا إلى الجحيم الذي ينتهون فيه”. الكتاب الثاني المرجعي هو طبعة قديمة من “السينما المؤجلة- أفلام الحرب الأهلية” للمخرج والصحافي محمد سويد، الذي احتفت الأوساط الثقافية في بيروت، قبل أيام، بظهور طبعته الثانية بعد مرور 39 عاما على الأولى. الفيلم اللبناني “غارو” يكتب سويد في تقديمه الطبعة الجديدة: “في صور الحرب إشارات تتيح التحقق من وقائعها، شواهدها، أخبارها، وتاريخها المندثر. ليست الصور في منجى من الاهتراء والاضمحلال. بيد أنها تظل آسرة في إثارة الحواس وتحريك المشاعر، تتلقاها العين متجاوزة تأرجحها بين البهتان وتلف أصلها السالب وتحلل ألوانها الطبيعية واحتفاظ تفصيل منها بنضارته. بجودتها ورداءتها، يعطيها الزمن خصائص المؤثرات البصرية والعاطفية والنفسية”. أما الكتاب الثالث فهو “كتاب الغرق” لغسان سلهب، وفيه: “ماذا تريدون منه أن يفعل بحياة انتفت عنها كل معجزة؟ وكأننا ما زلنا مخدوعين وكأن ذلك ما زال ممكنا”. يقفل كريم باب “مخزن الذكريات والألوان” ويهم بمغادرة المكان الى ندوة في الصالة القريبة حاملا كاميرا لتوثيقها. مجددا توحي الحماسة المتجسدة في لمعة عينيه بأن الأمل لا يزال ممكنا. قاعدة بيانات تضم 2000 فيلم طويل وقصير من مختلف الأنواع، من بينها 400 فيلم متاحة للمشاهدة. المزيد عن: سينما سينما متروبوليس السينما اللبنانية سينماتيك 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ثلاث مجموعات قصصية جديدة بتوقيع برادة والمديني والأشعري next post برهان غليون لـ”المجلة”: السلطة لم تنتقل من العلويين إلى السنة… والجناح المسيطر برغماتي You may also like كيف يستوحي شعراء الحداثة أبعاد التراث الديني؟ 10 مارس، 2025 مهى سلطان تكتب عن : عبد الحميد بعلبكي... 10 مارس، 2025 “المنتفضون” لغوته… نظرة خارجية إلى الثورة الفرنسية 10 مارس، 2025 متخيل الصويرة المغربية في الرواية العالمية 10 مارس، 2025 ثلاث مجموعات قصصية جديدة بتوقيع برادة والمديني والأشعري 10 مارس، 2025 ألف ليلة وليلة: قصة الكتاب الأكثر سحرا في... 10 مارس، 2025 لبنان: نجاة شرف الدين… أول «ناطقة باسم الرئيس» 10 مارس، 2025 ندى حطيط تكتب عن: «مشروع 25» وفيلسوف وراء... 10 مارس، 2025 كيف أصبحت صناعة الزجاج في العصر الإسلامي جسراً... 10 مارس، 2025 لماذا تشعر إسرائيل بالتهديد من الفيلم الفائز بالأوسكار؟ 10 مارس، 2025