ثقافة و فنونعربي سيرة الكاتب ووصيته في “ثلاث نساء طويلات” لإدوارد ألبي by admin 23 مايو، 2021 written by admin 23 مايو، 2021 38 ثرثرة عجوز خرفة أم تأمل أخير في حياة الوحدة واللؤم والانتظار اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لم يكن إدوارد ألبي قد كتب مسرحية كبيرة منذ سبعينيات القرن العشرين، لا سيما منذ الشهرة الكبيرة التي أمنها له تحويل مسرحيته الكبرى “من يخاف فرجينيا وولف؟” إلى فيلم مسرحي أبدع ريتشارد بورتون وإليزابيث تايلور في أداء دوريه الكبيرين. وخيل إلى كثر طوال الثمانينيات أن “ناسف الحلم الأميركي الكبير على الخشبة” قد استكان إلى مكانته كواحد من آخر الكبار في الكتابة المسرحية الأميركية، وإلى جائزتي “بوليتزر” اللتين فاز بهما، فصمت. غير أنه سرعان ما عاد قوياً ما إن حلت سنوات التسعين وبدأ يتجاوز سن السبعين، عبر تلك المسرحية الفريدة في سنواته الأخيرة، التي أعادته إلى الواجهة وأعطته ثالث “بوليتزر” في حياته: “ثلاث نساء طويلات” التي سيتكشف شيئاً فشيئاً أنها ربما تكون أكثر مسرحياته ارتباطاً بسيرته الذاتية على الرغم من أن شخصياتها مجرد نساء متفاوتات العمر، إضافة إلى فتى لا يتفوه بكلمة ولا يحضر سوى لزمن قصير لمجرد أن يقبل أمه المحتضرة… أو بالأحرى واحدة من أمهاته الثلاث! عجوز تثرثر هذه المسرحية التي قدمها إدوارد ألبي من إخراجه للمرة الأولى على خشبة “المسرح الإنجليزي” في فيينا بالنمسا، لتقدم لاحقاً تباعاً خارج برودواي، ثم في برودواي ففي لندن وغيرها، وتضحى من أكثر مسرحيات ألبي تقديماً وشهرة قبل رحيله، تتألف من فصلين. يطالعنا في أولهما حوارات بين ثلاث نساء متفاوتات الأعمار يعرفن بحرف واحد من الأبجدية: “سي” في الـ26 محامية ترسل إلى بيت العجوز “إي” للتحري حول حساباتها وأملاكها التي بالغت العجوز طوال عقود في إهمال تدوينها، وها هي المؤسسات الرسمية تطالب بها. وفي بيت “إي” حيث يدور الفصلان، على أي حال هناك أيضاً “بي” الخمسينية التي تعتني بالعجوز وتتحملها على مضض، إذ إن هذه الأخيرة باتت عاجزة عن كل شيء إلا الثرثرة. والحقيقة أنها لا تكف طوال الفصل عن الثرثرة مستذكرة ماضيها وكآبة حياتها الزوجية وذكرياتها مع ابنها الشاب الذي ترك البيت يوماً ولم يعد… وفي نهاية هذا الفصل وربما بسبب المجهود الذي تبذله “إي” في استعادة ماضيها بعجرفة لا متناهية، ستصاب بسكتة قلبية تودي بها إلى غيبوبة تختتم الفصل لننتقل إلى الفصل الثاني. ثلاث نساء لامرأة واحدة في الفصل الثاني لدينا على السرير موديل من قماش تمثل “إي” وهي راقدة غائبة عن الوعي بشكل من الواضح أنه سينتهي بموتها. لكن لدينا في الغرفة محيطات بسرير الراقدة، النساء الثلاث وبينهن “إي” نفسها التي تواصل ثرثرتها غير عابئة بكونها تحتضر في السرير. غير أن ما سيتكشف لنا الآن هو ما يبدو شبيهاً إلى حد بعيد بما يعبر عنه الرسام النرويجي إدوارد مونخ – صاحب لوحة “الصرخة” الشهيرة – في لوحة له عنوانها “أعمار المرأة الثلاث”، أي أن تلك النساء الثلاث اللاتي يتجابهن على الخشبة أمامنا إنما هن نفس المرأة العجوز، الخرفة واللئيمة، الطيبة والقاسية في الوقت نفسه، وهي تحاسب نفسها على ما فعلت بسنواتها وتحاسب الآخرين على ما فعلت السنوات بها. أما الجديد الذي سيطرأ هنا فهو وصول الابن الغائب لتقديم آيات الوداع لأمه الراحلة من ناحية ولزيارة أمه في ثلاثة أطوار من عمرها من ناحية ثانية… ومن الواضح أن وجود الفتى إلى جانب الأطوار الثلاثة من عمر الأم، يصبح المحرك الرئيس لقبول هذه الأخيرة بما عاشته وبالتالي رضاها عن نهايتها. ولقد أجمع الكاتبون عن مسرح ألبي أنه إنما اشتغل على هذه المسرحية الأخيرة كنوع من تصفية الحساب مع نفسه ومع أمه التي تقول لنا سيرته إنه بدوره كان تركها مراهقاً فعاشت حياتها تنتظره. وإذ نقول هنا “تصفية حساب” لا بد أن نقول كذلك “وصية أخيرة”، ما يجعل من “ثلاث نساء طويلات” أكثر مسرحيات ألبي ذاتية كما أشرنا. بطل فكري لسنوات الستين مهما يكن لا بد من القول هنا إنه كان أمراً يحمل كل دلالاته، بالتأكيد، أن يكون إدوارد ألبي كتب معظم مسرحياته الكبرى، خلال ستينيات القرن العشرين. ذلك أن معظم تلك المسرحيات كان يتعامل مع قضية الحلم الأميركي، وخواء ذلك الحلم مع انكشاف أنه كان في الأصل أكذوبة تتراوح بين الوهم والكابوس. ونعرف أن تلك السنوات عرفت انبعاث واقع وعي أميركي جديد، بعد انقضاء آخر الآثار الإيجابية للحقبة الروزفلتية واستشراء الحرب الباردة. ففي ذلك الحين اكتشف الأميركيون أن هيمنتهم “الأخلاقية” على العالم كانت خرافة، وأن بلدهم يعج بالمشكلات الداخلية وسط عار الماكارثية وصعود أخطار التسلح النووي ومقتل جون كنيدي وانطلاقات حرب فيتنام. وفي ذلك الحين أيضاً بدأ أميركيون كثر يتساءلون لماذا يكرههم العالم؟ وكان من آثار ذلك أن راحت الفنون والآداب تمعن في سوداويتها وفي تصوير المجتمع الأميركي في شكل يختلف عن الصورة الزاهية التي كانت استشرت بعد انقضاء مرحلة الكساد الاقتصادي، وزهو الانتصار على العالم، وقهر النازية في الحرب العالمية الثانية. وفي تلك الأثناء كان شعراء البيتنكس والبيت جينرايشن بدأوا يطرحون أسئلتهم. من هنا، كان من الطبيعي أن تعود إلى الواجهة أعمال مسرحيين من طينة آرثر ميلر وتنيسي ويليامز وكليفورد أودتس، طارحة أسئلة شاقة وحارقة حول الإنسان الأميركي، لا سيما حول الطبقات الوسطى التي كانت هي المروج الأول للحلم الأميركي وصاحبته. ولم يكن إدوارد ألبي سوى المكمل الطبيعي لمسيرة ميلر وويليامز، خصوصاً في مسرحياته التي كتبها خلال النصف الأول من سنوات الستين. ثقافة منهارة للمساندة إذا كان ألبي توج توجهه ذلك بكتابة المسرحية التي تعتبر اليوم من أشهر أعماله، ومن أهم ما أنتجه الفكر المسرحي الأميركي في ذلك الحين، “من يخاف فيرجينيا وولف؟”، فإنه في الحقيقة كان بدأها بكتابة أعمال مسرحية قصيرة عدة مثل “حكاية حديقة الحيوان” 1959، و”الحلم الأميركي” 1961. ما جعل “من يخاف فرجينيا وولف؟” تأتي في سياق طبيعي في عام 1962، لتفجر شيئاً ما في المسرح الأميركي، ولتكشف خواء شيء ما في الحياة الأميركية نفسها. في “حكاية حديقة الحيوان” التي كانت أول مسرحية له، عالج ألبي مسألة الفرد الأميركي وإحباطاته. ثم في “الحلم الأميركي” وسع نطاق اهتمامه ليشمل التصدي إلى ما آل إليه وضع بعض أكثر المؤسسات الأميركية مدعاة للاحترام: العائلة، الأمومة، الحب الزوجي. وكشف ألبي هنا عن أنه لا يرى أميركا إلا بصفتها ثقافة منهارة تساندها، بيأس، مؤسسات عقيمة. وهو إذا كان حاول “فضح” البورجوازية الأميركية المتوسطة في “الحلم الأميركي”، فإنه في عمله التالي “من يخاف فرجينيا وولف؟”، وسع من جديد دائرة معركته لتشمل هذه المرة الشريحة المثقفة في أميركا. وداع هادئ وبعد سنوات من النجاح الهائل الذي حققته “ثلاث نساء طويلات” توفي إدوارد ألبي عام 2016. ويعد البعض ألبي، الحائز على جائزة “بولتزر” للآداب ثلاث مرات، أعظم الكتاب المسرحيين الأميركيين الأحياء، وذلك بعد وفاة كل من آرثر ميلر وتنيسي ويليامز. وفاز ألبي بجائزة “بولتزر” عن مسرحيات “التوازن الهش”، و”منظر البحر” و”3 نسوة طويلات”. ولكن أعظم أعماله، “من يخاف فرجينيا وولف؟” لم تحرز الجائزة في 1963 بعد أن عرضت في برودواي في العام السابق. وكان ألبي كتب نصاً قصيراً قبل أن يخضع لعملية جراحية قبل رحيله بسنوات قليلة، أوصى بنشره بعد وفاته قال فيه “لكل الذين جعلوا حياتي رائعة ومثيرة وكاملة، كل امتناني وكل حبي”. وكتبت الصحافة الأميركية بعد رحيله أن أعماله التي تتميز بمسحة خفيفة من الفكاهة، كانت تستكشف الجوانب المظلمة للزواج والدين وتربية الأطفال والحياة الأميركية عامة. وفي عام 2008 قال ألبي، “شذوذ في العقل الذي يجعل الإنسان كاتباً مسرحياً، فأنا لدي نفس التجارب التي لدى الآخرين، ولكني أشعر بالحاجة إلى ترجمة كثير مما يحدث لي وكثير مما أفكر فيه إلى مسرحيات”. المزيد عن: ثلاث نساء طويلات/إدوارد ألبي/كاتب مسرحي/من يخاف فرجينيا وولف/الحلم الأميركي/جائزة بوليتزر 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post وليد الحسيني : “الهدنة” … هزيمة المنتصر next post فولفغانغ بورشرت العائد من الجبهة النازية جسّد صوت الجيل الضائع You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.