جامع السليمانية قمة في العمران الكوزموبوليتي (موقع مدينة اسطنبول) ثقافة و فنون سنان باشا… عبقرية مذهلة في روائع العمران العثماني by admin 22 أبريل، 2025 written by admin 22 أبريل، 2025 20 عقل استوعب العالم وأبدع فكرا وممارسة من تاريخ الحضارة والتفاعل الخلاق مع روح الزمن اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في عام 1539 أنجز المعماري العثماني المعروف باسم سنان باشا، وكان يقترب من الـ50 من عمره، أول مبنى غير عسكري اضطلع بمهمة تشييده في إسطنبول، بعدما أنفق الأعوام السابقة في تصميم وتنفيذ كثير من الجسور الحربية والتحصينات والثكنات. وهو سيواصل العمل طوال نصف القرن التالي، أي حتى رحيله في عام 1588، في الـ99 من عمره كما تقول حكايته، في إنشاء كثير من تلك الروائع العمرانية التي ستعطي المعنى الأساس لعبارة “العمران العثماني” طوال القرون التالية، وستجعل من إسطنبول وغيرها من المدن العثمانية – التركية، مكان ازدهار هندسة عمرانية عز نظيرها في ذلك الحين إلا في كبريات المدن الأوروبية العريقة. ولسوف يدهش العالم كله أمام ذلك العمراني العجيب الذي، من ناحية الكيف، أعاد اختراع الهندسة المعمارية من أساسها لتتناسب مع القواعد الإسلامية كما مع الصورة التي رسمتها عظمة الحضارة العثمانية نفسها، ومن ناحية الكم، أنجز طوال فترة نشاطه البالغة أكثر من 50 عاماً، ما لا يقل عن 300 صرح بين مسجد وقصر وتكية وكرفان، سراي ومدرسة، ومقبرة جماعية وقبور فردية. ولعلهم لم يكونوا مخطئين كثيراً أولئك المؤرخين الذين عدوا القبر الذي شيده سنان لنفسه، مأثرته الكبرى، خارج إطار تشييده المساجد الهائلة التي لا تزال قائمة حتى اليوم تشهد على مرور هذا الرجل غير العادي في دنيانا. ومع هذا يظل المسجد الجامع الذي بني تخليداً لذكرى السلطان سليمان في إسطنبول العمل الأكبر الذي حققه سنان الذي كان يقول عنه إنه العمل الأساس خلال فترة نضوجه الفنية، وهو من بين أعمال لا تقل عنه جمالاً مثل إعادة الاشتغال على “آيا صوفيا” ومسجد السليمية في أدرنة ومسجد شيخزادة. سؤال نابع من قلق بالنسبة إلى مسجد السليمانية الذي أنجزه سنان باشا بين 1550 و1557، من الواضح أن هذا العمراني المبدع انطلق في بنائه من سؤال كان يؤرقه، وهو المتحدر من مسار 1000 عام من الهندسة العمرانية البيزنطية، ترى أفلا ينتقص من قدر الهندسة الإسلامية أن يكون المهندسون الذين عملوا مع الإمبراطور جوستنيان، قبل ذلك بقرون عدة، قد وفروا داخل المعابد مساحات كانت أكثر فساحة وضخامة وراحة للتحرك والنظر، من كل ما تمكن المهندسون المسلمون من عثمانيين وغير عثمانيين، من تحقيقه حتى الآن أي حتى أواسط القرن الـ16؟ سنان باشا في بورتريه موروث (ويكيبيديا) الواضح أن سنان، بعدما كان أنجز مأثرة في هذا المجال عبر تمكنه من إقامة قبة فسيحة في مسجد شيخزاده قبل ذلك بأعوام، إنما حقق هذه المرة مأثرة أكثر أهمية، من الناحية التقنية، بخاصة في السليمانية. إذ إنه هنا، وتعويضاً عن عدم قدرته على إحداث تحولات داخلية كبيرة في “آيا صوفيا” إذ حول من كاتدرائية بيزنطية إلى مسجد عثماني، استفاد سنان من تجربته في الشيخزاده، وتمكن من أن يجعل العين داخل فناء السليمانية، ومهما كان الموقع الذي يقف فيه المتفرج، تتجه مباشرة إلى المحراب، ويساعد على ذلك الضوء الزهري اللون الذي يحمل إلى المتفرج قدراً كبيراً من الانكباب على الخشوع. وإضافة إلى هذا يحس المتفرج ما إن يقف في الداخل أن القبة المرتفعة بصورة استثنائية تطل عليه وعلى الكون كله، يساعد على ذلك، هنا، الأسلوب العمراني الفذ الذي جعل سنان يستغني عن إقامة أي عمود في المساحة الهائلة التي تتوسط المسجد. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن سنان استخدم في بناء جامع السليمانية، التصميمات نفسها التي كان استخدمها في بناء “شيخزاده” وكان اقتبسها أصلاً ومع تعديلات عدة معظمها يستجيب لقواعد الصلاة والاجتماع في الإسلام، من مخطط إنشاء آيا صوفيا، الذي كان يعد من أعظم مآثر الهندسة البيزنطية. إطلالة من وسط المدينة الحقيقة أن جامع السليمانية كما يعرف كل زائر إلى إسطنبول يطل اليوم على المدينة متوسطاً إياها ويمكن مشاهدته من أي نقطة من نقاطها، وكأنه يقوم بحراستها ببنائه الأساس الذي تتوسطه، كما يشاهد الزائر من الخارج تلك القبة الضخمة تحيط بها قباب ثانوية وزعت بصورة متناسقة، إنما غير رتيب، لتعطي المشهد من الخارج قدراً كبيراً من الجمال والفرادة. وهذه القبب الصغيرة تحيط بها من زوايا البناء الأربع أربع منارات نحيلة شديدة الارتفاع، كان من الواضح أن سنان تعمد أن تكون ذات نعومة شكلية تتنافى والضخمة التي للبناء ككل، بشكل يجعلها تبدو متسللة بأناقة ورفق في اتجاه السماء. ومن الواضح أن سنان باشا في بنائه لجامع السليمانية، وكذلك في كثير من إنجازاته الأخرى، التي يصعب حصرها، وإن كان في الإمكان التوقف دائماً عند “الشيخزاده” كما عند مسجد “السليمية” إضافة إلى “توبكابي” و”آيا صوفيا”، تمكن من أن يحقق للعمران الإسلامي ما كان يتمناه له منذ البداية، معبراً بهذا عن وفائه للدين الإسلامي الذي سيقال لاحقاً إنه كان اختياره الشخصي أن ينتمي إليه، كما كان اختياره الشخصي أن يضع في العمران المرتبط به والدال عليه، كل ذلك التاريخ الذي كان يحمله على كتفيه. ونقول هذا، لأن سنان في الأصل، ابن عائلة مسيحية أورثوذكسية كانت تعيش في قرية أجيرناز في تركيا، وتعود في جذورها إلى الزمن البيزنطي، وربما إلى اليونان أيضاً. وعند طفولته اشتغل سنان، وكان اسمه لا يزال في ذلك الحين جوزيف يعمل في مهنة والده تاجر مواد البناء من حجارة وأخشاب، غير بعيد من عالم البناء والعمران الذي عليه تفتح وعيه حتى منذ طفولته في مؤسسة والده المتخصصة. ولقد ولد جوزيف سنان عام 1889 في القرية التي كان يعمل فيها أبوه في أجيرناز. وتقول الحكاية إنه في عام 1512، وكان جوزيف في الـ23 من عمره، دخل جنود السلطان قريته كعادتهم في ذلك الحين، سعياً وراء جمع الشبان المسيحيين وغيرهم من أهل الذمة لإدخالهم في خدمة السلطان في إسطنبول. وكان جوزيف من بين الذين تم اختيارهم وأرسل إلى المدينة. جوزيف بين الإنكشاريين هناك بالتحديد ودائماً وبحسب سيرته هو الذي سيصبح بعد مرور أعوام طويلة وعمل مدهش، “سنان باشا”، بدأت حياته العملية فعلياً حين التحق، عاملاً في خدمة السلطان، وهو سرعان ما ألحق بالإنكشارية وصار واحداً منهم، ويقال إنه اعتنق الإسلام في ذلك الحين، رغم أن ثمة مصادر تقول إنه اعتنقه لاحقاً، وأخرى أنه لم يعتنق الإسلام أبداً. وتبدو غرابة هذا الأمر إن نحن تفحصنا جيداً إنجازات سنان التي لا يمكن أن يحققها شخص غير منتم إلى الدين الذي تعبر عنه! المهم، خلال أعوامه الأولى في الانكشارية تلقى جوزيف تدريباً ودراسة صارمين، قبل أن يلحق بالجيش العثماني ضابط هندسة معمارية هذه المرة، وهو في هذا المجال سرعان ما أبدى تفوقاً وكشف عن موهبة خارقة جعلت رؤساءه يكلفونه إقامة الجسور والتحصينات. جانب داخلي من جامع السليمانية (موقع مدينة اسطنبول) ومن هنا انطلق إلى العمران المدني الذي راح يبرع فيه، وظل يبرع طوال نحو 50 عاماً، لم يهدأ خلالها. وحقق للحضارة العثمانية، ما كان عجز عن تحقيقه مئات المهندسين من قبله، ولن يضاهيه لاحقاً أي من كبار المهندسين الذين جاؤوا بعده، بمن فيهم أولئك الذين تتلمذوا عليه. ولعل من أهم إنجازات سنان إلى المساجد التي ذكرنا، قبر سليمان وقبر زوجته القوية الروسية الأصل روكسيانا، وقبر خير الدين المطل على البحر، ومساجد الوزراء سوكولو محمد باشا ورستم باشا بين آخرين ومسجد الأميرة محرمية زوجة رستم باشا. وهي كلها كما نعرف، تشكل المتن العمراني الهائل الذي يعد منذ نحو من نصف قرن من الزمان المأثرة الكبرى في العمران العثماني. هذا المتن الذي لا شك أن سنان باشا قد طبق فيه ما تفاعل لديه منذ صباه من عمران يوناني وبيزنطي ليضيف إليه ما وصله من الإنجازات العمرانية الأندلسية بصورة خلاقة لا يمكن أن ينجزه إلا فنان منفتح على العالم يعيش زمنه بأريحية وتفهم. المزيد عن: تركياإسطنبولالعمرانالهندسةسنان باشاالدولة العثمانيةالمسيحيةالإسلام 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هلع مغربي من تفشي السرقة بالسلاح الأبيض next post الوجه الخفي لفيرجينيا وولف في مقالاتها المجهولة You may also like السعودية تودع سعد البواردي بعد رحلة طويلة من... 22 أبريل، 2025 الوجه الخفي لفيرجينيا وولف في مقالاتها المجهولة 22 أبريل، 2025 محمد أبي سمرا يكتب عن: سيوران بترجمة آدم... 20 أبريل، 2025 “صمت مثير للقلق”… متى يدرك البيض أن السود... 20 أبريل، 2025 هيغل… ليس فيلسوفاً؟ 20 أبريل، 2025 المستشرق بروفنسال يسبر كوامن الحضارة الإسلامية في إسبانيا 19 أبريل، 2025 الفلسفة والسينما: ابتكار المفاهيم وإنتاج الصور 19 أبريل، 2025 “درب الريش” تكشف عبثية الصراع بين الشمال والجنوب 19 أبريل، 2025 “شكاوى تاسو” الإيطالي بريشة الفرنسي ديلاكروا 17 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: بارغاس يوسا تخطى “الواقعية السحرية”... 17 أبريل، 2025