بأقلامهمعربي سمير عطالله : “بيت من لحم” by admin 1 فبراير، 2023 written by admin 1 فبراير، 2023 28 النهار اللبنانية \ سمير عطالله “وليس مَن أبلى كمن ابتلى” قول لقائله… كان #يوسف ادريس أحد عمالقة #الأدب المصري، وكان طبيباً ايضاً. وكان يساريّ النزعة، مأخوذاً بالأدب الروسي الكبير، وخصوصاً بالطبيب الآخر انطون #تشيكوف. ومثله عثر على أشخاص قصصه في عيادته، أو في المستشفيات. وهناك رآهم وهم في أوهن حالات الضعف البشري. وشاهد الى أي مدى يمكن ان يفقد الإنسان من كرامته، وماذا يمكن ان ينكّل الفقر في مجتمعات بأسرها. لذلك، تركت الانظمة القمعية الفقر ينمو بحجة الاستقلال القومي، أو الايديولوجي. وتحت هذه الذريعة اغلقت جميع نوافذ الحرية وأبواب المعرفة والتقدم. وألغى القيصر الأول، أو القيصر الآخر، كل المناصب والمقامات، إلا الذات. وألغى الإيمان بالله، ونصَّب نفسه معبوداً، ونقل الجحيم الى سطح الأرض. في سبيل إنسان أفضل وأكثر حريّة، تخلى تشيكوف عن الطب، وتكرّس الى الأدب كي يصبح “بوشكين النثر” كما وصفه تولستوي، وكي يجلس في “مجتمع الخالدين” إلى جانب دوستويفسكي وسائر الذين مهّدوا للثورة. وهكذا، فعل يوسف ادريس كي ينضم الى #نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وسائر الكبار الذين صمدوا في وجه ثقافة “الحزب الواحد”، والرجل الواحد، والرأي الواحد، التي أوهنت ركائز مصر وسوريا والعراق والجزائر، ناهيك بالتهوّرات التي خلخلت بلداناً مثل ليبيا والسودان. لم يكتفِ تشيكوف بما كتبه شاهداً بعيداً من لينينغراد، أو ربيع أوديسا (حيث التقى تولستوي)، بل سافر في رحلة “صحافية” إلى ساخالين وعدد آخر من مدن سيبيريا ليصف الحياة والذلّ في أشهر منافي التاريخ. ما الذي يسود في مثل هذه الحالات من العدم؟ البقاء والسرقة والفساد وقاعدة التواطؤ من الجماعة التي فقدت كل مناعة أخلاقية من أي نوع أو درجة. ذهب يوسف ادريس الى أبعد وأبرع من تشيكوف في تصوير حثالة التواطؤ، الذي هو جماعي في غالب الوقت. في قصة قصيرة بعنوان “بيت من لحم” يروي حكاية شيخ كفيف كان يتلو الذِّكر في الوفيات. في جملة عمله كان يتردد مرتين في الاسبوع على منزل ارملة جميلة وبناتها الثلاث اللاتي بغير جمال. البيت مؤلّف من غرفة واحدة، ومع إلفة الوقت، عرض الكفيف الزواج من الارملة الشابة. وتداولت الأم والبنات في الأمر. وفاضت رائحة رجل في المكان. وأجمع الرأي على القبول. وكانت تلك بداية التواطؤ المديد. أليس ذلك افضل من بلادة الملل والصمت؟ بالفرح والوفق. وفي بعض النهار كانت البنات يخرجن من الغرفة، في شؤون أو من دونها فتكون بين الزوجين الخلوة الحلال. لكن في مرة أخرى صادفت الخلوة مع الإبنة الكبرى. وأدرك الرجل ما يجري، بسبب خلوّ الجسد الآخر من خاتم الحلال. بالتوافق والتكافل تحولت عملية الزنا المتداول الى تواطؤ غير معلن. والتواطؤ في اللغة هو الشراكة في الإثم. أو في الذنب. وهو في التعريف ايضاً، شراكة في الخدعة والخيانة. لكن المبرر موجود: امرأة ارملة وفقيرة تكنس البيوت، ومقرىء شاب وضرير وثلاث صبايا بلا جاذبية، ولا أمل. ثقل الفراغ. (غير الرئاسي). التواطؤ يعني ايضاً الوطاوة. وهو خيار مثل كل شيء آخر. لكن لا مبرر له عند اهل النفوس العالية. لذلك يموت في الحروب الناس جوعاً فيما يتحول السقط الى اثرياء حرب. جمال باشا، أيام المجاعة، كان شركاؤه في تجارة القمح من نخبة “القوم”. كما في بلاغة بهاء الحريري، الذي يرعى الآن انقاذ السنّة من قبرص، القسم اليوناني. إقامة كاملة اربعة نجوم اقتضاء التقشف والظروف الراهنة. سوء الحظ ليس وقفاً على الموارنة. إنه قدر من أقدار المكان. راجع صخرة نهر الكلب واقرأها بتمهل: العدد ليس بمن أجلوا عنا، بل بمن مرّوا بنا. وإذا كان لا بد من استعارة لدعم النظرية فإليك شجو اسمهان: لا لتجلو الهمّ عني / انت همّي. ماهرون نحن في تحوير الاشياء وتحويلها. OMT الأمجاد، صرافة القانون. لعلعة الليرة، مقبرة الغزاة والاحلام وأسياد قانون التواطؤ. دولارنا بسبعين الفاً وحاكمنا بسبعين روحاً. تصطفل الليرة وينفلق الدولار، الحاكم باق، يعني باقياً، وأعمار الطغاة قِصار. والطغاة هم هذا الشعب السئيل الذي لا يحلّ عنّا، لا بجهنم ولا بهجرة ولا بليرة تحت الصفر مثل علامات شكيب في مسرحية زياد: ابنك حمار يا ثريا. صوّر لنا الرحابنة الكبار لبنان المشتهى، وصوّر الرحباني الإبن لبنان على حقيقته: ابنك حمار يا ثريا. وثريا في حاجة الى طقم كنبايات . لذلك يدير ابو شكيب ظهره عندما تشتغل ثريا على تدبير الثمن تقسيطاً. كنبة بعد أخرى وبالتوفيق. لكن ابو شكيب تفور كرامته ويشرئبّ عنفوانه عندما تتخذ ثريا موقفاً وقحاً في تفضيل الانكليز من زبائنها على الاسبان. يَخْوَت ابو شكيب. يجن. يطير عقله: “شو عم تقولي ولي؟ الانكليز اكرم من الاسبان؟”. سقط مبدأ التواطؤ بمجرد أن أخطأت ثريا في تقييم كرم زبائنها. كان كل شيء على ما يرام، وزكريا على وشك ان يعثر على وظيفة في مطعم دوّار (بيبرم) في الخليج. فجأة انتزع كل شيء بإهانة زكريا الذي “يفرفط البلح” فرفطة. يُحتفى هذه السنة بمرور مائة عام على صدور “النبي” لجبران خليل جبران. الشعر الاكثر مبيعاً في التاريخ بعد شكسبير ولاوتسو. كان يعبد لبنان ويتقزز من اللبنانيين. سعى الى استقلال لبنان من الرقّ التركي، لكنه كان يعرف ان اللبنانيين يسهرون مع جمال السفاح. ليس كلّن. لكن ما يكفي لتعليق البلد. كان السفاح يعتمد دائماً خنوع التواطؤ وسهولة الحصول على الوشايات. الوشاية اسهل انواع النضال الوطني. نخون من اجلكم، وثريا تعمل من اجل السلم الأهلي. المريد عن : يوسف ادريس\ الأدب \تشيكوف\ نجيب محفوظ 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جهاد الزين من بيروت : هل بدأ جزء من النخبة السياسية الأميركية يُمهِّد لإعادة التقارب مع الصين؟ next post هل يمكننا السيطرة على الذكاء الاصطناعي أم يسيطر علينا؟ You may also like ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024